المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ولاية شيبان بن أحمد بن طولون على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٣

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثالث]

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 254]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن طولون على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 255]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 256]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 257]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 258]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 259]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 260]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 261]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 262]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 263]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 264]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 265]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 266]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 267]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 268]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 269]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 270]

- ‌ذكر ولاية خمارويه على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 271]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 272]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 273]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 274]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 275]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 276]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 277]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 278]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 279]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 280]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 281]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 282]

- ‌ذكر ولاية أبى العساكر جيش على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 283]

- ‌ذكر ولاية هارون بن خمارويه على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 284]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 285]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 286]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 287]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 288]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 289]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 290]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 291]

- ‌ذكر ولاية شيبان بن أحمد بن طولون على مصر

- ‌ذكر أوّل من ولى مصر بعد بنى طولون وخراب القطائع إلى الدولة الفاطمية العبيديّة وبناء القاهرة على الترتيب المقدّم ذكره

- ‌ذكر ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن علىّ الخلنجىّ على مصر

- ‌ذكر عود عيسى النوشرىّ إلى مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 292]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 293]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 294]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 295]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 296]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 297]

- ‌ذكر ولاية تكين الأولى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 298]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 299]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 300]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 301]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 302]

- ‌ذكر ولاية ذكا الرومىّ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 303]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 304]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 305]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 306]

- ‌ذكر ولاية تكين الثانية على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 307]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 308]

- ‌ذكر ولاية أبى قابوس محمود على مصر

- ‌ذكر ولاية تكين الثالثة على مصر

- ‌ذكر ولاية هلال بن بدر على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 309]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 310]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الأولى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 311]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 312]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 313]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 314]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 315]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 316]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 317]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 318]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 319]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 320]

- ‌ذكر ولاية محمد بن طغج الأولى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 321]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 322]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 323]

- ‌ذكر ولاية محمد بن طغج الإخشيذ ثانية على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 324]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 325]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 326]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 327]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 328]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 329]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 330]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 331]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 332]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 333]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 334]

- ‌ذكر ولاية أنوجور بن الإخشيذ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 335]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 336]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 337]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 338]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 339]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 340]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 341]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 342]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 343]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 344]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 345]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 346]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 347]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 348]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 349]

- ‌ذكر ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 350]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 351]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 352]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 353]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 354]

الفصل: ‌ذكر ولاية شيبان بن أحمد بن طولون على مصر

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبع واحدة ونصف إصبع.

‌ذكر ولاية شيبان بن أحمد بن طولون على مصر

هو شيبان بن أحمد بن طولون الأمير أبو المقانب «1» التركىّ المصرى، ولى إمرة مصر بعد قتل ابن أخيه هارون بن خمارويه لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين. قال صاحب البغية: ولما تم أمره أقرّ شيبان المذكور موسى على شرطة مضرة وخرج من الفسطاط ليلة الخميس لليلة خلت من [شهر] ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فكانت ولايته اثنى عشر يوما. انتهى. قلت: ونذكر أمر شيبان هذا بأوسع مما ذكره صاحب البغية فنقول: ولما قتل هارون بن خمارويه ورجع الناس إلى مصر وهم بغير أمير، نهض شيبان هذا ودعا لنفسه وضمن للناس حسن القيام بأمر الدولة والإحسان إليهم، فبايعه الناس وهو لا يدرى بأن الدولة الطّولونية قد انتهى أمرها. وما أحسن قول من قال في هذا المعنى:

أصبحت تطلب أمرا عزّ مطلبه

هيهات! صدع زجاج ليس ينجبر

وقام شيبان بالأمر ودخل المدينة وطاف بها حتى وصل إلى الموضع المعروف بمسجد الرّمح، فصدم الرمح الذي فيه لواؤه سقف الدّرب فانكسر، فتطيّر الناس من ذلك وقالوا: أمر لا يتمّ. وقيل: إن شيبان المذكور كان أسز في نفسه قتل ابن أخيه هارون المقدّم ذكره، فتهيّأ لذلك وواطأ عليه بعض خاصّة هارون، فكان شيبان ينتظر الفرصة؛ وبينما شيبان على ذلك إذ صار إليه بعض الخدم الذين واطأهم على أمر هارون، وبايعوه على قتله وأعلموه أن هارون قد غطّ في نومه من شدّة السّكر،

ص: 134

وأنه لم ير في مثل حالته تلك قطّ من شدّة السكر الذي به، وقالوا له: إن أردت شيئا فقد أمكنك ما تريد؛ فقام شيبان ودخل من وقته على ابن أخيه هارون بن خمارويه، فوافاه في مرقده غاطّا مثقلا من سكره، فذبحه «1» بسكّين كان معه في مرقده بالعبّاسة، وكان ذلك في ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين؛ وعرف الناس بقتله في غد ليلته، واستولى شيبان على الملك كما ذكرناه؛ وبويع في يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر من السنة المذكورة؛ وعلم أبو جعفر بن أبى ونجيح الرومىّ القائد ما كان من أمر هارون وقتله، فرحلا من موضعهما من العبّاسة مع نفر من خاصّة أصحابهما وتركا بقيّة عسكرهما، ولحقا بعسكر طغج بن جفّ الذي كان نائب دمشق؛ وقد وصل محمد بن سليمان الكاتب وقائق ويمن وغيرهم من موالى خمارويه وأخبروهم بذلك، ثم جاءهم الخبر بأن الحسين بن حمدان قد دخل الفرما «2» يريد جرجير «3» وكانوا بها فرحلوا بعساكرهم حتى نزلوا العبّاسة، وذلك بعد رحيل شيبان بن أحمد بن طولون المذكور عنها إلى مدينة مصر.

وأما شيبان فإنه لما دخل مصر مع جميع إخوته وبنى عمّه والعسكر الذي كان بقى من عسكر ابن أخيه هارون تهيّأ لقتال القوم، وكان شيبان أهوج جسورا جسيما جلدا شديد البدن في عنفوان شبابه، فصار يسرع في أموره وذلك بعد أن تمّ أمره،

ص: 135

وخطب له يوم الجمعة على سائر منابر مصر، ثم أخذ في العطاء «1» للجند، فلم يجد من المال سعة فقلق، فسعى إليه ساع بأن أمّ هارون المقتول أودعت ودائع لها في بعض الدّور التى للتّجار بمدينة الفسطاط- أعنى مصر- فوجّه شيبان بأبى جيشون أحد إخوته إلى هذه الدّور حتى استخرج منها خبايا كانت لأمّ هارون، وحمل ذلك إلى أخيه شيبان فى أعدال محزومة لا يدرى ما فيها؛ وانتهى الخبر إلى الحسين بن حمدان بأن هارون صاحب مصر قد قتل، وكان على مقدّمة عسكر محمد بن سليمان الكاتب وهو بجرجير، فرحل عنها يريد العبّاسة، فلقيه في طريقه محمد بن أبىّ مع جميع الرؤساء الذين كانوا معه، فصار الحسين في عسكر كبير؛ وبلغ ذلك أيضا محمد بن سليمان الكاتب فحثّ فى مسيره حتى لحق بمقدّمة الحسين بن حمدان المذكور، وقد انضاف إليه غالب عسكر مصر الذي وصل مع أبى جعفر بن أبّى وغيره؛ وعند ما اجتمع الجميع وصل إليهم أيضا دميانة البحرىّ في ثمانية عشر مركبا حربيّا مشحونة «2» بالرجال والسّلاح وذلك فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين صفر، فضرب جسر مصر الشرقىّ بالنار وأحرقه عن آخره وأحرق بعض الجسر الغربىّ، ثم وافى محمد بن سليمان الكاتب بعسكره حتى نزل بباب مصر، فضرب خيامه بها في يوم الأربعاء. تاسع عشرين صفر، كل ذلك في سنة

ص: 136

اثنتين وتسعين ومائتين. ولما بلغ ذلك شيبان خرج بعساكره من مدينة مصر، وقد اجتمع معه من الفرسان والرّجّالة عدّة كثيرة، ووقف بهم لممانعة محمد بن سليمان من دخول المدينة، وعبّأ أيضا محمد بن سليمان عسكره للمصافّ لمحاربة شيبان، والتقى الجمعان وكانت بينهم مناوشة ساعة؛ ثم كتب محمد بن سليمان إلى شيبان والحرب قائمة يؤمّنه على نفسه وجميع أهله وماله وولده وإخوته وبنى عمّه جميعا؛ ونظر شيبان عند وصول الكتاب «1» إليه قلّة من معه من الرجال وكثرة جيوش محمد بن سليمان مع ما ظنّ من وفاء محمد بن سليمان له، فاستأمن إلى محمد بن سليمان وجمع إخوته وبنى عمّه في الليل وتوجّهوا الى محمد بن سليمان وصاروا في قبضته ومصافّ شيبان على حاله، لكن الفرسان علموا بما فعل شيبان فكفّوا عن القتال، وبقيت الرجّالة على مصافّها ولم تعلم بما أحدثه شيبان، وأصبحت الرجّالة غداة يوم الخميس وليس معهم حام ولا رئيس، فالتقوا مع عسكر محمد بن سليمان فانكسروا، وانكبت خيل محمد بن سليمان على الرجّالة فأزالتهم عن مواقفهم، ثم انحرفت الفرسان الى قطائع السودان الطولونيّة وصاروا يأخذون من قدروا عليه منهم فيصيرون بهم الى محمد بن سليمان، وهو راكب على فرسه في مصافّه، فيأمر بذبحهم فيذبحون بين يديه كما تذبح الشاة. ثم دخل محمد بن سليمان بعساكره الى مدينة مصر من غير أن يمنعه عنها مانع، وكان ذلك في يوم الخميس سلخ صفر المذكور، فطاف محمد بن سليمان وهو راكب بمدينة مصر ومعه محمد بن أبّى وجماعة من جند المصريّين من الفرسان والرجّالة إلّا من هرب منهم، وصار كلّ من أخذ من المصريين ممّن هرب أو قاتل ضربت عنقه؛ وأحرقت القطائع التى كانت حول الميدان من مساكن السودان بعد أن قتل فيها

ص: 137

منهم خلق كثير، حتى صارت خرابا يبابا «1» ، وزالت دولة بنى طولون كأنّها لم تكن.

وكانت مدّة تغلّب شيبان هذا على مصر تسعة أيّام، منها أربعة أيّام كان فيها أمره ونهيه؛ ثم دخلت الأعراب الخراسانيّة من عساكر محمد بن سليمان الكاتب الى مدينة مصر فكسروا جيوشها وأخرجوا من كان بها، ثم هجموا [على] دور الناس فنهبوها وأخذوا أموالهم واستباحوا حريمهم وفتكوا في الرعيّة وافتضّوا الأبكار وأسروا المماليك والأحرار من النساء والرجال، وفعلوا في مصر ما لا يحلّه الله من ارتكاب المآثم، ثم تعدّوا الى أرباب الدولة «2» وأخرجوهم من دورهم وسكنوها كرها، وهرب غالب أهل مصر منها، وفعلوا في المصرييّن مالا يفعلونه في الكفرة؛ وأقاموا على ذلك أيّاما كثيرة مصرّين على هذه الأفعال القبيحة. ثم ضربت خيام محمد بن سليمان على حافة النيل بالموضع المعروف بالمقس «3» ، ونزلت عساكره معه ومن انضم اليه من عساكر المصريّين بالعبّاسة. ثم أمر محمد بن سليمان أن تحمل الأسارى من المصريّين من الذين كان دميانة أسرهم في قدومه من دمياط على الجمال، فحملوا عليها وعليهم القلانس الطوال وشهرّهم وطيف بهم في عسكره من أوّله الى آخره.

ثم قلّد محمد بن سليمان أصحابه الأعمال بمصر، فكان الذي قلّده شرطة العسكر رجلا يقال له غليوس، وقلّد شرطة المدينة رجلا يقال له وصيف البكتمرىّ «4» ، وقلّد أبا عبد الله محمد بن عبدة قضاء مصر، كلّ ذلك في يوم الخميس لسبع خلون من شهر ربيع

ص: 138

الأول؛ ثم قبض أيضا على جماعة من أهل مصر من الكتّاب وغيرهم، فصادرهم وغرّمهم الأموال الجليلة بعد العذاب والتهديد والوعيد؛ ثم أمسك محمد بن أبّى خليفة هارون بن خمارويه على مصر- أعنى الذي كان توجّه إليه من العبّاسة- وصادره وأخذ منه خمسمائة ألف دينار من غير تجشيم. ومحمد بن أبّى هذا هو الذي قدّمنا ذكره في ترجمة جيش بن خمارويه وما وقع له مع برمش. وكان محمد بن سليمان هذا لا يسمّى باسمه «1» ولا بكنيته وما كان يدعى إلا بالأستاذ؛ وكان حكمه فى أهل مصر بضرب أعناقهم وبقطع أيديهم وأرجلهم جورا وتمزيق ظهورهم بالسياط وصلبهم على جذوع النخل ونحو ذلك من أصناف النّكال؛ ولا زال على ذلك حتى رحل عن مدينة مصر في يوم الخميس مستهلّ شهر رجب من سنة اثنتين وتسعين ومائتين، واستصحب معه الأمير شيبان «2» بن أحمد بن طولون صاحب الترجمة وبنى عمّه وأولادهم وأعوانهم، حتى إنّه لم يدع من آل طولون أحدا، والجميع في الحديد الى العراق وهم عشرون إنسانا؛ ثم أخرج قوّادهم الى بغداد على أقبح وجه، فلم يبق بمصر منهم أحد يذكر؛ وخلت منهم الديار وعفت منهم الآثار، وحل بهم الذلّ بعد العزّ والتطريد والتشريد بعد اللّذ «3» ، ثم سيق جماعة من أصحاب شيبان الىّ محمد بن سليمان ممّن كان أمّنهم فذبحوا بين يديه. وزالت الدولة الطولونية وكانت من غرر الدول، وأيامهم من محاسن الأيام، وخرّب الميدان والقصور التى كانت به، التى مدحتها الشعراء. قال القاضى أبو عمرو عثمان النابلسىّ في كتاب

ص: 139

" حسن السيرة في اتخاذ الحصن بالجزيرة": رأيت كتابا قدر اثنتى عشرة كرّاسة مضمونه فهرست شعراء الميدان الذي كان لأحمد بن طولون؛ قال: فاذا كان اسم الشعراء في اثنتى عشرة كرّاسة فكم «1» يكون شعرهم!. انتهى.

وقال ابن دحية في كتابه: وخرّبت القطائع التى لأحمد بن طولون في الشدّة العظمى زمن الخليفة المستنصر العبيدىّ أيّام القحط والغلاء المفرط الذي كان بالديار المصريّة؛ قال: وهلك من كان فيها من السكان، وكانت نيّفا على مائة ألف دار. قلت: هذا الذي ذكره ابن دحية هو الذي بقى بعد إتلاف محمد بن سليمان المذكور.

ومما قيل في ميدان أحمد بن طولون وفي قصوره من الشعر من المراثى على سبيل الاقتصار؛ فمما قاله إسماعيل بن أبى هاشم:

قف وقفة بفناء باب السّاج «2»

والقصر ذى الشّرفات «3» والأبراج

وربوع قوم أزعجوا عن دارهم

بعد الإقامة. أيّما إزعاج

كانوا مصابيحا لدى ظلم الدجى

يسرى بها السارون في الإدلاج

ومنها:

كانوا ليسوثا لا يرام حماهم

فى كلّ ملحمة وكلّ هياج

فانظر الى آثارهم تلقى لهم

علما بكلّ ثنيّة «4» وفجاج «5»

ص: 140

وقال سعيد القاصّ «1» :

جرى دمعه ما بين سحر «2» الى نحر

ولم يجر حتّى أسلمته يد الصبر

ومنها:

وهل يستطيع الصبر من كان ذا أسى

يبيت على جمر ويضحى على جمر

تتابع أحداث تحيّفن «3» صبره

وغدر من الأيّام والدهر ذو غدر

أصاب على رغم الأنوف وجدعها

ذوى الدّين والدّنيا بقاصمة الظهر

طوى زينة الدنيا ومصباح أهلها

بفقد بنى طولون والأنجم الزّهر

ومنها:

وكان أبو العبّاس أحمد ماجدا

جميل المحيّا لا يبيت على وتر

كأنّ ليالى الدّهر كانت لحسنها

وإشراقها في عصره ليلة القدر

يدلّ على فضل ابن طولون همّة

محلّقة بين السّماكين والغفر «4»

فإن كنت تبغى شاهدا ذا عدالة

يخبّر عنه بالجلىّ من الأمر

فبالجبل الغربىّ خطّة يشكر «5»

له مسجد يغنى عن المنطق الهذر

وهى طويلة جدّا كلّها على هذا المنوال. ولما أمر الحسين بن أحمد الماذرائىّ متولّى خراج مصر من قبل المكتفى بهدم الميدان ابتدأ «6» بهدمه في أوّل شهر رمضان

ص: 141

من سنة ثلاث وتسعين ومائتين وبيعت أنقاضه، حتّى دثروزال مكانه كأنّه لم يكن.

فقال فيه محمد بن طشويه «1» :

من لم ير الهدم للميدان لم يره

تبارك الله ما أعلاه «2» واقدره

لو أنّ عين الذي أنشاه تبصره

والحادثات تعاديه لأكبره

ومنها:

وأين من كان يحميه ويحرسه

من كلّ ليث يهاب الليث منظره

صاح الزمان بمن فيه ففرّقهم

وحطّ ريب البلى فيه فدعثره «3»

ومنها:

أين ابن طولون بانيه وساكنه

أماته الملك الأعلى فأقبره

ما أوضح الأمر لو صحّت لنا فكر

طوبى لمن خصّه رشد فذكره

وقال أحمد «4» بن إسحاق:

وكانّ الميدان ثكلى أصيبت

بحبيب صباح ليلة عرس

يتغشّى الرياح منه محلّا «5»

كان للصون في ستور الدّمقس

ومنها:

ووجوه من الوجوه حسان

وخدود مثل اللآلئ «6» ملس

ص: 142

كلّ كحلاء كالغزال ونجلا

ء «1» رداح من بين «2» حور ولعس «3»

آل طولون كنتم زينة الأر

ض فأضحى الجديد «4» اهدام «5» لبس

وقال ابن أبى هاشم:

يا منزلا لبنى طولون قد دثرا

سقاك صوب الغوادى القطر والمطرا

يا منزلا صرت أجفوه وأهجره

وكان يعدل عندى السمع والبصرا

بالله عندك علم من أحبّتنا

أم هل سمعت لهم من بعدنا خبرا

ص: 143