الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على مصر. وشقّ ذلك على الخليفة. غير أنه أطاع الجند وأرضاهم واستمالهم مخافة من عساكر المهدىّ الفاطمىّ؛ فإن عساكره تداول تحكّمهم الى نحو الديار المصريّة فى كلّ قليل؛ وصار أمير مصر في حصر من أجل ذلك وهو محتاج الى الجند وغيرهم، لأجل القتال والدفع عن الديار المصريّة. قلت: ويأتى بقيّة ترجمة أحمد بن كيغلغ هذا في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 311]
السنة التى حكم في غالبها الأمير أحمد بن كيغلغ على مصر، وهى سنة إحدى عشرة وثلثمائة- فيها صرف أبو عبيد «1» بن حربويه عن قضاء مصر وتأسّف الناس عليه وفرح هو بالعزل وانشرح له؛ وولى قضاء مصر بعده أبو يحيى عبد الله بن إبراهيم ابن مكرم. وفي هذه السنة ظهر شاكر الزاهد صاحب حسين الحلّاج وكان من أهل بغداد. قال السّلمىّ في تاريخ الصوفيّة: شاكر خادم الحلّاج كان متّهما مثل الحلّاج، ثم حكى عنه حكايات إلى أن قتل وضربت رقبته بباب الطاق «2» . وفيها صرف المقتدر حامد بن العبّاس عن الوزارة، وعلىّ بن عيسى عن الديوان؛ وكانت ولايتهما أربع سنين وعشرة أشهر وأربعة عشر يوما. واستوزر المقتدر أبا الحسن علىّ بن محمد بن الفرات الثالثة في يوم الخميس لسبع بقين من شهر ربيع الآخر؛ وهذه ولاية ابن الفرات الثالثة للوزارة. وفيها نكب الوزير أبو الحسن بن الفرات المذكور أبا علىّ بن مقلة كاتب حامد بن العبّاس وضيّق عليه. وابن مقلة هذا هو صاحب الخطّ المنسوب [إليه] ، يأتى ذكره إن شاء الله تعالى في محلّه. وفيها دخل أبو طاهر سليمان بن
الحسن الجنّابىّ القرمطىّ الى البصرة ووضع السيف في أهلها وأحرق البلد والجامع ومسجد طلحة وهرب الناس وألقوا بأنفسهم في الماء فغرق معظمهم. وفيها توفّى ابراهيم بن السّرىّ بن سهل أبو إسحاق الزجّاج الإمام الفاضل مصنّف" كتاب معانى القرآن" و" الاشتقاق" و" القوافى والعروض" و" فعلت وأفعلت" ومختصرا فى النحو، وغير ذلك. وفيها توفّى الوزير الأمير حامد بن العبّاس، كان أوّلا على نظر فارس وأضيف إليها البصرة، ثم آل أمره إلى أن طلب وولّى الوزارة للمقتدر؛ وكان كثير الأموال والحشم بحيث إنه كان له أربعمائة مملوك يحملون السلاح وفيهم جماعة أمراء؛ كان جوادا ممدّحا كريما، غير أنه كان فيه شراسة خلق، وكان ينتصب في بيته كلّ يوم عدّة موائد ويطعم كلّ من حضر إلى بيته حتى العامة والغلمان، فيكون فى بعض الأيام أربعون مائدة. ورأى يوما في دهليزه قشر باقلاء، فأحضر وكيله وقال له: ويحك! يؤكل في دارى باقلاء! فقال: هذا فعل البوّابين؛ فقال: أو ليست لهم جراية لحم؟ قال: بلى؛ [فقال «1» : سلهم عن السبب؛ فسألهم] فقالوا: لا نتهنّا بأكل اللحم دون عيالنا فنحن نبعثه إليهم ونجوع بالغداة فنأكل الباقلاء؛ فأمر أن يجرى عليهم لحم لعيالهم. وقيل: إنه ركب قبل الوزارة بواسط إلى بستان له فرأى شيخا يولول وحوله نساء وصبيان يبكون، فسأل حامد عن خبرهم؛ فقيل له: احترق منزله وقماشه فافتقر؛ فرقّ له حامد وطلب وكيله وقال له: أريد منك أن تضمن لى ألّا أرجع عشيّة من النزهة إلّا وداره كما كانت مجصّصة، وبها المتاع والقماش والنّحاس كما «2» كانت، وتبتاع له ولعياله كسوة الشتاء والصيف مثل ما كانوا؛ فأسرع فى طلب الصّنّاع وبادروا فى العمل، وصبّ الدراهم وأضعف الأجر حتى فرغوا من
الجميع بعد العصر، فلما ردّ حامد وقت العتمة شاهدها مفروغا «1» منها بآلاتها وأمتعتها الجدد، وازدحم الناس يتفرّجون وضجّوا لحامد بالدعاء؛ ونال «2» التاجر من المال فوق ما ذهب له، ثم زاده بعد ذلك كلّه خمسة آلاف درهم ليقوّى بها تجارته. وفيها توفّى محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السّلمىّ النيسابورىّ الحافظ أبو بكر، ولد في صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين. قال الدارقطنى: كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير. توفّى ثانى ذى القعدة. وفيها توفّى محمد بن زكريا أبو بكر الرازىّ الطبيب العلّامة في علم الأوائل وصاحب المصنّفات المشهورة، مات ببغداد وقد انتهت إليه الرياسة في فنون من العلوم، وكان في صباه مغنيّا [يضرب] بالعود.
قيل: إنه لما ترك الضرب بالعود والغناء قيل له في ذلك؛ فقال: كل غناء يطلع بين شارب ولحية لا يستحسن.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن محمد «3» بن هارون أبو بكر الخلّال الحنبلىّ، وإبراهيم بن السّرىّ أبو إسحاق الزجّاج في جمادى الآخرة، وحمّاد بن شاكر النسفىّ، وعبد الله بن إسحاق المدائنىّ، وأبو حفص عمر بن محمد ابن بجير «4» السّمرقندىّ، وأبو بكر بن إسحاق بن خزيمة السّلمىّ في ذى القعدة، ومحمد ابن زكريا الرازىّ الطبيب.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا.
ذكر ولاية تكين الرابعة «1» على مصر
قد تقدّم ذكره في ولايته على مصر، وأنه صرف عن إمرة مصر في النّوبة الثالثة بهلال بن بدر، ثم ولى بعد هلال بن بدر الأمير ابن كيغلغ؛ فلما وقع لابن كيغلغ ما وقع من خروج جند مصر عليه واضطربت أحوال الديار المصرية وبلغ الخليفة المقتدر ذلك صرف ابن كيغلغ وأعاد تكين هذا على إمرة مصر رابع مرّة.
ووصل رسول تكين هذا إلى مصر بإمرته يوم الخميس لثلاث خلون من ذى القعدة سنة إحدى عشرة وثلثمائة؛ وخلفه ابن منجور على الصلاة إلى أن قدم مصر فى يوم عاشوراء من سنة اثنتى عشرة وثلثمائة، فأقرّ ابن منجور على الشّرطة ثم عزله، وولى قرا «2» تكين، ثم عزل قراتكين وولّى وصيفا الكاتب، ثم عزله أيضا وولّى بجكم الأعور؛ كلّ ذلك من اضطراب المصريّين، حتى مهّد أمور الديار المصريّة وتمكّن [و «3» ] أسقط كثيرا من الجند وكانوا أهل شرّ ونهب ونفاق؛ ثم نادى ببراءة الذمّة ممن أقام منهم بالديار المصريّة «4» بعد ذلك؛ فخرج الجميع على حميّة وأجمعوا على قتله؛ فتهيأ تكين أيضا لقتالهم وجمع العساكر؛ وصلّى الجمعة بدار الإمارة بالعسكر وترك حضور الجماعة خوفا من وقوع فتنة؛ ولم يصلّ قبله أحد من الأمراء بدار الإمارة الجمعة؛ وأنكر عليه أبو الحسن علىّ بن محمد الدّينورىّ ذلك وأشياء أخر؛ وبلغ تكين ذلك فأمر بإخراج الدينورىّ من مصر إلى القدس فخرج منها؛ ولم يقع له مع الجند ما راموا من القتال. وأخذ في تمهيد مصر إلى أن حسن حالها وتمكّنت