الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 316]
السنة الخامسة من ولاية تكين الرابعة على مصر، وهى سنة ستّ عشرة وثلثمائة- فيها في المحرّم دخل أبو طاهر القرمطىّ الرّحبة «1» بعد حروب ووضع فيها السيف؛ فبعث إليه أهل قرقيسياء «2» يطلبون الأمان فأمّنهم؛ وبعث سراياه في الأعراب فقتلوا ونهبوا وسبوا؛ ثم دخل قرقيسياء ونادى: لا يظهر أحد من أهلها نهارا، فلم يظهر أحد. ثم توجّه الى الرّقّة فأخذها. ولما رأى الوزير علىّ بن عيسى أن الهجرىّ- أعنى القرمطىّ- استولى على البلاد استعفى من الوزارة. ولما رجع القرمطىّ من سفره بنى دارا وسمّاها دار الهجرة، ودعا الى المهدىّ العلوىّ، وتفاقم أمره وكثر أتباعه؛ فعند ذلك ندب الخليفة المقتدر هارون بن غريب وبعثه الى واسط وبعث صافيا الى الكوفة؛ فوقع هارون بجماعة من القرامطة فقتلهم، وبعث بجماعة منهم أسارى على الجمال الى بغداد ومعهم مائة وسبعون رأسا. وفيها وقع بين نازوك وهارون حرب فى ذى القعدة؛ وسببها أن سواس نازوك وهارون تغايروا على غلام أمرد، وقتل من الفريقين جماعة؛ فركب الوزير ابن مقلة برسالة الخليفة بالكفّ عن القتال فكفّا.
وفيها سار ملك الروم الدّمستق في ثلثمائة ألف، فقصد ناحية خلاط «3» وبدليس فقتل وسبى؛ ثم صالحه أهل خلاط على قطيعة وهى عشرة آلاف دينار؛ وأخرج المنبر من جامعها وجعل مكانه الصليب. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيها توفّى بنان بن محمد ابن حمدان أبو الحسن الزاهد المشهور المعروف بالحمّال، أصله من واسط ونشأ ببغداد
وسمع الحديث؛ ثم انتقل الى مصر وسكنها الى أن مات بها؛ وهو أحد الأبدال؛ كان صاحب مقامات وكرامات؛ وبزهده وعبادته يضرب المثل؛ صحب الجنيد وغيره؛ وهو أستاذ أبى الحسين النّورىّ. قال أبو عبد الرّحمن السّلمىّ في محن الصوفيّة: إنّ بنانا الحمّال قام الى وزير خمارويه فأنزله عن دابتّه، وكان نصرانيّا، وقال: لا تركب الخيل، ويلزمك «1» ما هو مأخوذ عليكم في ملّتكم؛ فأمر خمارويه «2» ببنان المذكور بأن يؤخذ ويطرح بين يدى سبع، فطرح وبقى ليلته ثم جاء السبع يلمسه «3» ؛ فلما أصبحوا وجدوه قاعدا مستقبل القبلة والسبع بين يديه؛ فأطلقه واعتذر إليه. وذكر إبراهيم بن عبد الرّحمن أنّ القاضى أبا عبيد احتال على بنان ثم ضربه سبع درر؛ فقال: حسبك الله بكل درّة سنة!؛ فحبسه ابن طولون سبع سنين. ويروى أنه كان لرجل على رجل دين مائة دينار بوثيقة، فطلبها الرجل- أعنى الوثيقة- فلم يجدها؛ فجاء الى بنان ليدعو له؛ فقال له بنان: أنا رجل قد كبرت وأحبّ الحلواء، اذهب الى عند دار قربج فاشتر رطل حلواء وأتنى به حتّى أدعو لك، ففعل الرجل وجاءه؛ فقال: بنان افتح ورقة الحلواء، ففتحها فإذا هى الوثيقة؛ فقال: هذه وثيقتى؛ فقال: خذها وأطعم الحلواء صبيانك.
وكانت وفاته في شهر رمضان، وخرج في جنازته أكثر أهل مصر. وفيها توفّى داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول أبو سعد «4» التّنوخىّ، مولده بالأنبار وبها توفّى وله ثمان وثمانون سنة؛ كان إماما عارفا بالنحو واللغة والأدب، وصنّف كتبا في اللغة والنحو على مذهب الكوفيّين، وله كتاب كبير في خلق الإنسان. وفيها توفّى عبد الله بن سليمان بن الأشعث
الحافظ أبو بكر بن الحافظ أبى داود السّجستانى محدّث العراق وابن محدّثها، ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين، ورحل به أبوه وطوّف به البلاد شرقا وغربا، واستوطن بغداد، وصنّف السّنن والمسند والتفاسير والقراءات والناسخ والمنسوخ وغير ذلك. قال أبو بكر الخطيب: سمعت الحسن بن «1» محمد الخلّال يقول: كان أبو بكر بن أبى داود أحفظ من أبيه. قلت: وأبوه أبو داود هو صاحب السنن: أحد الكتب الستّة؛ وقد وقع لنا سماعه ثلاثا حسبما ذكرناه في ترجمة أبيه رضى الله عنه. وفيها توفّى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو عوانة الإسفراينىّ «2» النّيسابورىّ الحافظ المحدّث، كان إماما، طف البلاد وصنّف المسند الصحيح المخرّج على صحيح مسلم، حجّ عدّة حجّات، وكان زاهدا عابدا. رضى الله عنه.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى بنان الحمّال أبو الحسن الزاهد، وأبو بكر عبد الله بن أبى داود السّجستانىّ وله ستّ وثمانون سنة، وأبو بكر محمد بن حريم «3» العقيلىّ، وأبو بكر محمد بن السّرىّ بن السرّاج صاحب المبرّد، ومحمد ابن عقيل البلخىّ، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفراينى.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء.