الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنوجور. وبقيت مصر من بعده أيّاما بغير أمير، وكافور يدبّر أمرها على عادته في أيّام أولاد الإخشيذ ومعه أبو الفضل جعفر بن الفرات. ثم ولى كافور إمرة مصر باتفاق أعيان الديار المصريّة وجندها. وكانت مدّة سلطنة علىّ بن الإخشيذ المذكور على مصر خمس سنين وشهرين ويومين.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 350]
السنة الأولى من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة خمسين وثلثمائة.
أعنى بذلك أنّه ولى في ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة. وقد ذكرنا تلك السنة في أيّام أخيه أنوجور، فلذلك ذكرنا أن سنة خمسين وثلثمائة أوّل السنين لعلىّ هذا على مصر بهذا المقتضى- فيها (أعنى سنة خمسين وثلثمائة) دخل غلام «1» سيف الدولة بن حمدان الى بلاد الروم وسبى ألف نفس وغنم أموالا كثيرة.
وفيها أخذ ملك الروم أرمانوس «2» بن قسطنطين من المسلمين جزيرة أقريطش من بلاد المغرب. وكان الذي افتتح أقريطش عمر «3» بن شعيب، غزاها وافتتحها «4» فى حدود سنة ثلاثين ومائتين، وصارت في يد أولاده إلى هذا الوقت. وفيها شرع معزّ الدولة بن بويه في بناء دار هائلة عظيمة ببغداد وأخرب لأجلها دورا وقصورا، وقلع أبواب الحديد التى كانت على أبواب مدينة المنصور، وألزم الناس ببيع أملاكهم ليدخلها في البناء، ونزل في الأساسات ستّا وثلاثين ذراعا، فلزمه من الغرامات عليها الى أن مات ثلاثة عشر ألف ألف درهم، وصادر الدواوين وغيرها «5» ، وجعل كلّما حصّل له شىء أخرجه في بنائها. وقد درست هذه الدار من قبل سنة ستمائة،
ولم يبق لها أثر، وبقى مكانها دحلة «1» تأوى اليها الوحوش، وبقي شىء من الأساس يعتبر به من يراه. قلت: دار الظالم خراب ولو بعد حين. وفيها قلّد قضاء القضاة أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبى الشوارب، وركب بالخلع من دار معزّ الدولة وبين يديه الدبادب والبوقات وفي خدمته الجيش؛ وشرط على نفسه أن يحمل كلّ سنة الى خزانة معزّ الدولة مائتى ألف درهم، وكتب عليه بذلك سجلّا. فانظر الى هذه المصيبة!. وامتنع المطيع من تقليده ومن دخوله عليه، وأمر ألا يمكّن من الدخول عليه أبدا. وفيها أيضا ضمّن معزّ الدولة الحسبة والشرطة ببغداد.
وفيها في شعبان توفّى بمصر متولّى خراجها أبو بكر محمد بن على بن مقاتل، فوجدوا فى داره ثلثمائة ألف دينار مدفونة. وفيها توفّى الحسين «2» بن القاسم الإمام أبو علىّ الطبرىّ الشافعىّ الفقيه مصنّف «المحرّر» ، وهو أوّل كتاب صنّف في الخلاف؛ كان إماما عالما بارعا في عدّة فنون. وفيها توفّى الأمير عبد الملك بن نوح السامانىّ صاحب بلاد خراسان وغيرها، تقطّر «3» به فرسه فحمل ميّتا، ونصبوا مكانه أخاه منصور ابن نوح السامانىّ، وأرسل إليه الخليفة المطيع لله بالخلع والتقليد. وفيها توفّى محدّث بغداد الحافظ أبو سهل أحمد بن محمد بن [عبد الله بن «4» ] زياد القطّان في شعبان، كان إماما ورعا صوّاما قوّاما، سمع الحديث وروى الكثير، ومات وله إحدى وتسعون سنة. وفيها توفّى إسماعيل «5» بن علىّ بن إسماعيل الشيخ أبو محمد الخطبىّ، كان إماما
عالما أخباريّا محدّثا، كان يرتجل الخطب ويخطب بها. وفيها توفّى «1» محمد بن أحمد بن يوسف أبو الطيّب المقرئ، ويعرف بغلام ابن شنّبود- وقد تقدّم ذكر ابن شنبود في محلّه- كان إماما عارفا بالقراءات زاهدا. وفيها توفّى عبد الله «2» ابن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن الخليفة أبى جعفر المنصور الخطيب أبو جعفر الهاشمىّ العباسىّ خطيب جامع المنصور وابن خطيبه؛ كان عالى النسب من بنى العبّاس، كان في طبقة هارون الواثق في علوّ النسب. وفيها توفّى القاضى أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذانى، مولده بهمذان في سنة أربع وستين ومائتين، وكان أبوه تاجرا؛ ولى قضاء أذربيجان ثم قضاء همذان ثم آل به الأمر الى أن تقلّد قضاء القضاة؛ وكان إماما عالما، غلب عليه الزهد وسافر ولقى الجنيد في سفره وأخذ عنه؛ ثم تفقّه بجماعة من العلماء، وكان عالما فاضلا.
وفيها توفّى الأمير فاتك الإخشيذىّ المجنون أبو شجاع، وكان أكبر مماليك الإخشيذ، وولى إمرة دمشق، وكان فارسا شجاعا؛ كان رومىّ الجنس، وكان رفيقا للأستاذ كافور الإخشيذىّ. فلما صار كافور مدبّر مملكة أولاد الإخشيذ وعظم أمره، أنف فاتك هذا من المقام بمصر كيلا يكون كافور أعلى مرتبة منه، فانتقل من مصر الى إقطاعه وهو بلاد الفيّوم؛ وكان كافور يخافه ويكرهه؛ فلم يصحّ مزاج فاتك بالفيّوم ومرض وعاد إلى مصر فمات بها. وكان فاتك المذكور كريما جوادا. ولما قدم المتنبىّ إلى مصر سمع بعظمة فاتك وتكرّمه، فلم يجسر أن يمدحه خوفا من كافور.
وكان فاتك يراسله بالسلام ويسأل عنه. فاتفق اجتماعهما يوما بالصحراء، وجرت بينهما مفاوضات. فلما رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبىّ هديّة قيمتها ألف دينار،
ثم أتبعها بهدايا أخر. فاستأذن المتنبّى كافورا في مدحه فأذن له؛ فمدحه بقصيدته التى أوّلها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
…
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
ويأتى شىء من ذكر فاتك أيضا في ترجمة كافور إن شاء الله تعالى. ولما مات فاتك رثاه المتنبى أيضا. وفيها توفّى أبو وهب «1» الزاهد أحد المشهورين بالأندلس.
قال أبو جعفر أحمد [بن «2» ] عون الله [بن حدير «3» ] : سمعت أبا وهب يقول: «والله لا عانق الأبكار في جنّات النعيم والناس في الحساب إلّا من عانق الذلّ، وضاجع الصّبر، وخرج منها كما دخل فيها» . وفيها توفّى الناصر لدين الله أبو المطرّف صاحب الأندلس الملقّب بأمير المؤمنين؛ واسمه عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن الداخل، المقدّم ذكره، ابن معاوية، الأموىّ المروانىّ ثم الأندلسىّ؛ ولى الأمر بعد جدّه؛ وكان ذلك من غرائب الوجود لأنّه كان شابّا وبالحضرة أكابر من أعمامه وأعمام أبيه؛ وتقدّم هو وهو ابن اثنتين وعشرين سنة. فاستقام له الأمر وبنى مدينة الزّهراء- وقد ذكرنا أمر بنائها في محلّه- ومات في هذه السنة. وكانت مدّة أيّامه خمسين سنة، وكان من أجلّ ملوك الأندلس.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء.