الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفى أبو حمزة «1» الصّوفىّ الصالح الزاهد الورع، كان من أقران الجنيد وأبى تراب النّخشبىّ، كان من كبار مشايخ القوم وأزهدهم وأورعهم وأفتاهم «2» ، وله المجاهدات والرياضات المشهورة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين النّورىّ شيخ الصوفيّة أحمد بن محمد، وإبراهيم بن أبى طالب الحافظ، وإبراهيم بن معقل قاضى نسف «3» ، والحسن بن على المعمرىّ «4» ، والحكم بن معبد «5» الخزاعىّ، وأبو شعيب «6» الحرّانىّ، والمكتفى بالله بن المعتضد، وأبو جعفر محمد بن أحمد التّرمذىّ الفقيه.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث أصابع، مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 296]
السنة الخامسة من ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر، وهى سنة ستّ وتسعين ومائتين- فيها خلع الخليفة جعفر المقتدر من الخلافة وبويع عبد الله بن المعتزّ بالخلافة، وسبب خلعه صغر سنّه وقصوره عن تدبير الخلافة واستيلاء أمّه والقهرمانة على الخلافة، وكانت أمّه أمّ ولد تسمّى شغب؛ فآتفق الجند على قتله وقتل وزيره
العبّاس [بن الحسن «1» ] وقتل فاتك المعتضدىّ، وثبوا على هؤلاء وقتلوهم. وكان المقتدر بالحلبة يلعب بالصّوالجة «2» - أعنى بالكرة على عادة الملوك- فلما بلغه قتلهم نزل وأغلق باب القصر؛ فبايعوا عبد الله بن المعتزّ بشروط شرطها عبد الله عليهم، وكان عبد الله بن المعتزّ أشعر بنى العباس و [من] خيارهم؛ ولقّبوه بالمنصف بالله، وقيل: بالغالب بالله، وقيل: بالراضى بالله، وقيل: بالمرتضى؛ واستوزر محمد بن داود بن الجرّاح.
ولما بلّغ هذا الخبر الى أبى جعفر الطبرىّ قال: ومن رشّح للوزارة؟ قالوا: محمد بن داود؛ قال: ومن ذكر للقضاء؟ قالوا: أبو المثنّى أحمد بن يعقوب؛ ففكّر طويلا وقال:
هذا أمر لا يتمّ؛ قيل: ولم؟ قال: لأن كلّ واحد من هؤلاء الذين ذكرتم مقدّم فى نفسه عالى الهمة رفيع الرتبة في أبناء جنسه، والزمان مدبر والدولة مولّية. وكان كما قال.
وخلع عبد الله بن المعتزّ من يومه وقتل من الغد؛ وكانت خلافته يوما وليلة، وقيل:
بل نصف نهار وهو الأصحّ. وقتل ابن المعتزّ ووصيف بن صوارتكين ويمن الخادم وجماعة من القضاة والفقهاء الذين اتفقوا على خلع المقتدر، قتلهم مؤنس الخادم، وأعيد جعفر المقتدر الى الخلافة. وفيها استوزر المقتدر أبا الحسن علىّ بن محمد بن الفرات.
وفيها أمر المقتدر ألّا يستخدم أحد [من] اليهود والنصارى إلا في الطب والجهبذة فقط، وأن يطالبوا بلبس العسلىّ وتعليق الرّقاع المصبوغة بين أظهرهم «3» . وفيها وقع ببغداد ثلج في كانون في أوّل النّهار الى العصر وأقام أيّاما لم يذب. وفيها انصرف أبو عبد الله
الداعى إلى سجلماسة «1» فافتتحها وأخرج المهدىّ عبيد الله «2» وولده من حبس اليسع [ابن مدرار «3» ] وأظهر أمره وأعلم أصحابه أنّه صاحب دعوته وسلّم عليه بأمير المؤمنين، وذلك في سابع ذى الحجة من سنة ستّ هذه. وعبيد الله هذا هو والد الخلفاء الفاطميّين وهو أوّل من ظهر منهم كما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب فى ترجمة المعزّ وغيره. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الطائى الأثرم الحافظ، سمع الكثير ورحل [الى] البلاد وصنّف علل الحديث والناسخ والمنسوخ في الحديث، وكان حافظا ورعا متقنا. وفيها توفّى أمير المؤمنين أبو العبّاس عبد الله ابن الخليفة المعتزّ بالله محمد ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ، الشاعر الأديب صاحب الشعر البديع والتشبيهات الرائقة والنثر الفائق، أخذ العربيّة والأدب عن المبرّد وثعلب وعن مؤدّبه أحمد بن سعيد الدمشقىّ، ومولده في شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين، وأمّه أمّ ولد تسمّى خاين «4» ، بويع بالخلافة بعد خلع المقتدر وكاد أمره أن يتمّ ثم تفرّق عنه جمعه فقبض عليه وقتل سرّا في شهر ربيع الآخر، كما ذكرناه في أوّل هذه السنة. ومن شعره:
انظر إلى اليوم ما أحلى شمائله
…
صحو وغيم وإبراق وإرعاد
كأنّه أنت يا من لا شبيه له
…
وصل وهجر وتقريب وإبعاد
وله في خال مليح:
أسفر ضوء الصبح من وجهه
…
فقام خال الخدّ فيه بلال
كأنّما الحال على خدّه
…
ساعة هجر في رمان الوصال
قلت: ويعجبنى في هذا المعنى قول السروجىّ:
فى الجانب الأيمن من خدّها
…
نقطة مسك أشتهى شمّها
حسبته لما بدا خالها
…
وجدته من حسنه عمّها
وأخذ في هذا المعنى المعزّ الموصلىّ فقال:
لحظت من وجنتها شامة
…
فابتسمت تعجب من حالى
قالت قفوا واسمعوا ما جرى
…
قد هام عمّى الشيخ في خالى
ومن شعر ابن المعتزّ أيضا بيت مفرد:
فنون «1» والمدام ولون خدّى
…
شقيق في شقيق في شقيق
قلت: ويشبه «2» هذا قول ابن الرومىّ حيث قال:
كأنّ الكأس في يده وفيه «3»
…
عقيق في عقيق في عقيق
قلت: ومن تشابيه ابن المعتز البديعة قوله ينعت البنفسج:
ولا زورديّة «4» تزهو بزرقتها
…
وسط الرياض على حمر اليواقيت
كأنّها وضعاف القضب تحملها
…
أوائل النار في أطراف كبريت