المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ولاية هارون بن خمارويه على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٣

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثالث]

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 254]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن طولون على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 255]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 256]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 257]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 258]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 259]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 260]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 261]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 262]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 263]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 264]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 265]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 266]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 267]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 268]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 269]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 270]

- ‌ذكر ولاية خمارويه على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 271]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 272]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 273]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 274]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 275]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 276]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 277]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 278]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 279]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 280]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 281]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 282]

- ‌ذكر ولاية أبى العساكر جيش على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 283]

- ‌ذكر ولاية هارون بن خمارويه على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 284]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 285]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 286]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 287]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 288]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 289]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 290]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 291]

- ‌ذكر ولاية شيبان بن أحمد بن طولون على مصر

- ‌ذكر أوّل من ولى مصر بعد بنى طولون وخراب القطائع إلى الدولة الفاطمية العبيديّة وبناء القاهرة على الترتيب المقدّم ذكره

- ‌ذكر ولاية عيسى النّوشرىّ على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن علىّ الخلنجىّ على مصر

- ‌ذكر عود عيسى النوشرىّ إلى مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 292]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 293]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 294]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 295]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 296]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 297]

- ‌ذكر ولاية تكين الأولى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 298]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 299]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 300]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 301]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 302]

- ‌ذكر ولاية ذكا الرومىّ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 303]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 304]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 305]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 306]

- ‌ذكر ولاية تكين الثانية على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 307]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 308]

- ‌ذكر ولاية أبى قابوس محمود على مصر

- ‌ذكر ولاية تكين الثالثة على مصر

- ‌ذكر ولاية هلال بن بدر على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 309]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 310]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الأولى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 311]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 312]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 313]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 314]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 315]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 316]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 317]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 318]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 319]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 320]

- ‌ذكر ولاية محمد بن طغج الأولى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 321]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 322]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 323]

- ‌ذكر ولاية محمد بن طغج الإخشيذ ثانية على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 324]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 325]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 326]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 327]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 328]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 329]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 330]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 331]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 332]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 333]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 334]

- ‌ذكر ولاية أنوجور بن الإخشيذ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 335]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 336]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 337]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 338]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 339]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 340]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 341]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 342]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 343]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 344]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 345]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 346]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 347]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 348]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 349]

- ‌ذكر ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 350]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 351]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 352]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 353]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 354]

الفصل: ‌ذكر ولاية هارون بن خمارويه على مصر

فلمّا تخلف المستعين قال: لا أقبل إلا ممّن قال مثل هذا؛ قال أبو جعفر أحمد بن يحيى البلاذرىّ «1» فأنشدته:

ولو أنّ برد المصطفى إذ لبسته

يظنّ لظنّ البرد أنك صاحبه

وقال وقد أعطيته «2» ولبسته

نعم هذه أعطافه ومناكبه

وله:

شكرتك إنّ الشكر «3» للعبد نعمة

ومن شكر المعروف فالله زائده

لكل زمان واحد يقتدى به

وهذا زمان أنت لا شك واحده

الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى سهل بن عبد الله التّسترىّ الزاهد، والعباس بن الفضل الأسفاطىّ، وعلى بن محمد بن عبد الملك ابن أبى الشوارب القاضى، ومحمد بن سليمان الباغندى.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا.

‌ذكر ولاية هارون بن خمارويه على مصر

هو الأمير أبو موسى هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون التركىّ الأصل المصرىّ المولد. ولى مصر بعد قتل أخيه جيش بن خمارويه في اليوم العاشر من

ص: 98

جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وتمّ أمره وكانت بيعته من غير عطاء للجند، وهو من الغرائب، وبايعوه طوعا أرسالا «1» ولم يمتنع عليه أحد، وجعلوا أبا جعفر ابن أبّى خليفته والمؤيّد لأمره ولتدبيره؛ وسكنت ثائرة الحرب وقرّ قرار الناس وقتل غالب أصحاب جيش ولم يسلم منهم إلا عبد الله بن الفتح، واستتر أبو عبد الله «2» القاضى خوفا من مثل مصرع على بن أحمد لأنه يعلم ما كان له في نفوس الناس، وما ظهر إلا في اليوم الذي دخل فيه محمد بن سليمان البلد، وقلّد القضاء بعده أبو زرعة محمد بن عثمان من أهل دمشق، وأخرج جيش بعد أيام ميّتا، ثم بعد أيام أمر أبو جعفر بن أبّى ربيعة بن أحمد بن طولون أن يخرج الى الإسكندرية فيسكنها هو وولده وحريمه ويبعد عن الحضرة، فتوجّه الى الإسكندرية وأقام بها على أجمل وجه الى أن حرّكه أجله، وكاتبه قوم ووثّبوه وقالوا له: أنت رجل كامل مكمّل التدبير، وقد تقلّدت البلدان وأحسنت سياستها، ولو كشفت وجهك لتبعك أكثر الجيش؛ فأطاعهم وأقبل ركضا فسبق من كان معه، فلم يشعر الناس به إلا وهو بالجبل المقطم «3» وحده ومعه غلام له نوبىّ وبيده مطرد «4» ينشد الناس لنفسنه «5» ويدعوهم إلى ما كاتبوه؛ واتّصل خبره بابن أبّى فبعث النقباء الى الناس وأمرهم بالركوب، فركب الناس وأقبلوا يهرعون من كلّ جانب. ونزل ربيعة مدلّا بنفسه وكان من

ص: 99

الفرسان طمعا فيمن بقى له ممّن كاتبه، فلم يأته أحد وسار وحده وفرّ عنه من كان معه أيضا، وبقى كاللّيث يحمل على قطعة قطعة فينقضها وتنهزم منه، حتى برز له غلام أسود خصىّ يعرف بصندل المزاحمى- مولى مزاحم بن خاقان الذي كان أميرا على مصر، وقد تقدّم ذكره- فحمل عليه ربيعة فرمى صندل بنفسه الى الأرض وقال له:

بتربة «1» الماضى، فكفّ عنه وقال له: امض الى لعنة الله، ثم برز إليه غلام آخر يعرف بأحمد غلام الكفتىّ- والكفتىّ أيضا كان من جملة قوّادهم- فحمل عليه ربيعة فقتله، وأقبل ربيعة يحمل على الناس ميمنة وميسرة ويحملون عليه بأجمعهم فيكدّونه ويردّونه الى الصحراء ثم يرجع عليهم فيردّهم الى موضعهم؛ فلم يزل هذا دأبّة الى الزوال فتقطّر «2» عن فرسه فأكبّوا عليه ورموا بأنفسهم عليه حتى أخذوه مقانصة فاعتقل «3» يومه ذلك؛ فلما كان من الغد أمر أن يضرب مائة سوط ووكّل به الكفتىّ القائد ليأخذه بثأر غلامه، فكان الكفتىّ يحضّ الجلّادين ويصيح عليهم ويأمرهم بأن يوجعوا ضربه حتى استرخى، وقيل: إنه مات، فقال الكفتىّ: هيهات! لجم البقر لا ينضج سريعا! فضرب أسواطا بعد موته ثم أمر به فدفن في حجرة بقرب من بئر الجلودىّ ومنع أن يدفن مع أهله. فلما كان من غد يوم دفنه بلغ سودان أبيه أن الكفتىّ قال: لحم البقر لا ينضج سريعا، وأنه ضربه بعد أن مات أسواطا، فغاظهم ذلك وحرّكهم عليه وزحفوا الى داره، وبلغه الخبر فتنحّى عنها، فجاءوا داره فلم يجدوه فنهبوا داره ولم يكن له علم بذلك، فأخذوا منها شيئا كثيرا حتى تركت حرمته عريانة فى البيت لا يواريها شىء، ورجع الكفتىّ الى داره فرأى نعمته قد سلبت وحرمته قد هتكت، فدخل قلبه من ذلك حسرة فمات كمدا «4» بعد أيام.

ص: 100

وثبت ملك هارون هذا وهو صبىّ يدبّر ولا يحسن [أن] يدبّر، والأمر كلّه مردود الى أبى جعفر بن أبىّ يدبّر كما يرى. فلما رأى غلمان أبيه الكبار الأمر كلّه لأبى جعفر، وهم بدر وفائق وصافى. قبض كلّ منهم على قطعة من الجيش وحازها لنفسه وجعلها مضافة له يطالب عنهم ما يستحقّونه من رزق وجراية وغيرها، وسأل أن يكون ما لهم محمولا الى داره يتولّى هو عطاءهم، فصار عطاء «1» كل طائفة من الجند الى دار الذي صارت في جملته وصاروا له كالغلمان. ثم خرج بدر القائد والحسن بن أحمد الماذرائىّ الى الشأم فأصلحوا أمرها، واستخلفوا على دمشق من قبل هارون المذكور الأمير طغج؛ ابن جفّ، وقرّروا جميع أعمال الشامات «2» ثم عادوا الى مصر. ثم حجّ بدر المذكور فى السنة وأظهر زيّا حسنا وأنفق نفقة كثيرة وأصلح من عقبة «3» أيلة جرفا كبيرا.

ولمّا كان في السنة المقبلة حجّ فائق فزاد في زيّه ونفقاته على كلّ ما فعله بدر؛ وكان دأبهم المنافسة في حسن الزّىّ وبسط اليد بالإنفاق في وجوه البرّ. وبنى بدر الميضأة المعروفة به على باب الجامع العتيق، ووقف عليها القيسارية الملاصقة لها، وجعل مع الميضأة ماء عذبا في كيزان توضع في حلقة من حلق المسجد؛ وكان صاحب صدقات بدر رجل يعرف بالليث بن داود، فكان الشخص يرى المساكين زمرا زمرا يتلو بعضهم بعضا ينادون في الطريق: دار الليث، دار الليث! فيعطيهم الليث الدراهم واللحم المطبوخ ويكسوهم في الشتاء الجباب الصوف ويفرّق فيهم الأكسية؛ وتمّ ذلك أيام حياة بدر كلّها؛ وكان لصافى وفائق أيضا أعمال مثل

ص: 101

ذلك وأكثر. قال محمد بن عاصم العمرىّ- وكان من علماء الناس- قال:

صرت الى مصر فلم يحتف «1» بى أحد غير أبى موسى هارون بن محمد العباسىّ، فصار يحضر لى مائدة ويباسطنى في محادثته، وحملنى ذلك على أن استحييته، فقال لى:

أنا أعرف بصدقك فيما ذكرت وليس يرضينى لك ما ترى، لأن [هذه] أشياء تقصر عن مرادى، ولكنى سأقع «2» لك على موضع يرضيك ويرضينى فيك؛ ودام على ذلك مدّة لا يقطع عنّى عادته؛ الى أن توفّى لها رون صاحب مصر ولد صغير، فبادر هارون بإخراجه والصلاة عليه وصرنا به الى الصحراء، فما وضع عن أعناق حامليه حتى أقبل موكب عظيم فيه بدر وفائق وصافى موالى أبى الجيش خمارويه، ومحمد بن أبّى وجماعة، فقالوا: نصلّى عليه؛ فقال هارون: قد صلّيت عليه؛ فقالوا: لا بدّ أن نصلّى عليه؛ فقال هارون بن محمد العباسىّ: ادعوا الىّ محمد بن عاصم العمرىّ، وكنت فى أخريات الناس، فلم يزالوا قياما ينتظروننى حتى أتيت؛ فقال لى: صلّ بهم، فصلّيت بهم؛ وانصرفنا «3» ؛ فلمّا كان بعد يومين قال لى: قد عرّفت بك هؤلاء القوم فامض اليهم فإنّك تنال أجرا كبيرا؛ قال: فصرت الى أبوابهم وسلّمت عليهم، فلم يمض أقلّ من شهر حتى نالنى منهم مال كثير وحسنت حالى الى الغاية، ثم ذكر عن هؤلاء القوم من هذه الأشياء نبذا «4» كثيرة.

وأمّا أمر هارون صاحب الترجمة فانه لمّا تمّ أمره صار «5» أبو جعفر بن أبىّ هو مدبّر مملكته، وكان أبو جعفر عنده دهاء ومكر فبقى في قلبه [أثر «6» ] مما فعله برمش

ص: 102

من يوم خلع جيش وقتل علىّ بن أحمد، وكان من القوّاد رجل يعرف بسمجور قد قلّد حجابة «1» هارون، فبسط لسانه في ابن أبّى المذكور وحرّك عليه القوّاد؛ وبلغ ذلك ابن أبّى فقال لهارون: احذر سمجور هذا، وهارون صبىّ فلم يتحمّل ذلك؛ ودخل القوّاد في شهر رمضان يفطرون عنده وكان سمجور فيهم؛ فلما نجز أمرهم وخرجوا استقعد سمجور وقال له: يا سمجور، أنت مدسوس إلىّ وأنا مدسوس اليك وتريد كيت وكيت، وغمز غلمانه عليه فقبضوا عليه واعتقله في خزانة من خزائنه فكان ذلك آخر العهد به. وأما برمش فانّ أبا جعفر بن أبىّ خلا به وقال له: ويحك! ألا ترى ما نحن فيه مع هؤلاء القوم! انقلبت الدولة روميّة ما لنا معهم أمر ولا نهى.

وكان برمش خزريّا أحمق، فبسط لسانه في بدر وغيره من الأروام، فنقل اليهم.

وكان بدر أخلاقه كريمة، وكان من أحسن خلقه أنّ الرجل إذا قبّل فخذه يقبّل هو رأس الرجل؛ فدسّ له برمش غلاما فوقف له على الباب، فلمّا خرج بدر أقبل عليه الغلام وقبّل فخذه فانكبّ بدر على رأسه، فضربه الغلام في رأسه فشجّه، وقبض على الغلام الأسود، فقال: دسّنى برمش؛ فغضب له الناس وركبوا قاصدين دار برمش، فعرف برمش الأمر فركب لحماقته وأمر غلمانه وحواشيه فركبوا وخرجوا الى الموضع المعروف ببئر برمش، وكان هو الذي احتفرها وبناها وصفّ هناك مماليكه؛ فركب في الحال ابن أبّى لما في نفسه من برمش قديما وقد تمّ له ما دبّره عليه، وقال لهارون: هذا غلامك برمش قد خرج عليك فأرسل بالقبض عليه، ثم قال:

الصواب أن تخرج بنفسك إليه في مماليكك وتبادر الأمر قبل أن يتّسع ويعسر أمره؛ فركب هارون في دسته فلم يبق أحد إلا ركب بركوبه؛ فلما رأى برمش ذلك تأهب لقتالهم وأخذ قوسه وبادر أن يرمى به؛ فقالوا له: مولاك، ويلك!

ص: 103

مولاك الأمير! فقال: أرونى إن كان هو مولاى لم أقاتله، وإن كان هؤلاء «1» الأروام أقاتلهم كلّهم ونموت جميعا: فلما رأى الأمير هارون رمى بنفسه عن دابّته إلى الأرض، فغمز ابن أبىّ الرّجّالة عليه فتعاوروه «2» بأسيافهم حتى قتل، ونهبت داره؛ ورجع هارون إلى دار الإمارة. ثم بعد مدّة قدّم هارون القائد لحجا وكان من أصاغر القوّاد لأبى الجيش خمارويه، وبلّغه مراتب غلمان أبيه الكبار. فغاظ ذلك بدرا وصافيا وفائقا لأنهم كانوا يرون تفوسهم أحقّ بذلك منه، ثم بعد ذلك نفى هارون صافيا الى الرملة فتأكّدت الوحشة بينهم وبين هارون؛ وبينما هم في ذلك أتاهم الخبر أنّ رجلا «3» يزعم أنه علوىّ قد ظهر بالشأم في طائفة من الناس، فعاث أوّلا بنواحى الرّقّة ثم قدم الشأم، فاتصل خبره بطغج بن جفّ وهو يومئذ أمير دمشق، فتهاون به وركب إليه، وهو يظن أنه من بعض الأعراب، بغير أهبة ولا عدّة، ومعه البزاة والصّقورة كأنه خارج الى الصيد؛ فلما صافّه «4» لقيه رجلا متلهفا «5» على الشرّ لما تقدّم له من الظفر بجماعة من أعيان الملوك، فقاتله طغج فانهزم منه أقبح هزيمة ونهبت عساكره، وعاد طغج إلى دمشق مكسورا؛ فدخل قلوب الشاميّين منه فزع شديد؛ فكتب طغج إلى هارون هذا يستمدّه على قتاله؛ فأخرج إليه هارون بدرا الحمّامىّ وجماعة من القوّاد في جيش كثيف فساروا الى الشأم والتقوا مع الخارجىّ المذكور،

ص: 104

وقد لقّب بالقرمطىّ، وكان من أصحاب بدر رجل يقال له زهير، فحلف زهير المذكور بالطلاق إنه متى وقع بصره على القرمطىّ ليرمينّ بنفسه عليه وليقصدنّه حيث كان؛ فلما تصافّ العسكران سأل زهير المذكور عن القرمطىّ، فقيل له: هو الراكب على الجمل، وله كمّان طويلان يشير بهما، فحيث أومأ بكمّة «1» حملت عساكره؛ فقال زهير:

أرى على الجمل اثنين، أهو المقدّم أم الرّديف؟ قالوا: بل هو الرديف؛ فجعل زهير يشقّ الصفوف حتى وصل إليه فطعنه طعنة وقطّره «2» عن جمله صريعا؛ فلما رآه أصحابه مصروعا حملوا على المصريّين والشاميّين حملة واحدة شديدة هزموهم فيها وقتلوا منهم خلقا كثيرا، ثم أقاموا عليهم أخا القرمطىّ ورأّسوه عليهم. وأقبل زهير المذكور الى بدر الحمّامىّ فقال له: قد قتلت الرجل؛ فقال له بدر: فأين رأسه؟ فرجع ليأخذ رأسه فقتل زهير قبل ذلك؛ ثم كانت لهم بعد ذلك وقائع كثيرة والقرمطىّ فيها هو الظافر، فقتل من قوّاد المصريين وفرسانهم خلق كثير، وطالت مقاومته معهم حتى سمع بذلك المكتفى الخليفة العباسىّ وكان متيقّظا في هذا الحال يرى الإنفاق فيه سهلا ويقول: المبادرة في هذا أولى، فبادر بإرسال جيش كثيف نحوه، وجعل على الجيش محمد بن سليمان الذي كان كاتبا للؤلؤ غلام أحمد بن طولون الآتى ذكره في عدّة أماكن؛ وسار الجيش نحو البلاد الشاميّة؛ فلما أحسّ القرمطىّ بحركة محمد بن سليمان المذكور من العراق عدل عن دمشق الى نواحى حمص؛ فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى النساء وعاث في تلك النواحى وعظم شأنه وكثر أعوانه ودعا لنفسه وخطب على المنابر باسمه وتسمّى بالمهدىّ؛ وكان له شامة «3» زعم

ص: 105

أصحابه أنها آيته، وزعم أنّه عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علىّ زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب. ومن شعره فى هذا المعنى قوله:

سبقت «1» يداى يديه

قصرته هاشمىّ المجيد

وأنا ابن أحمد لم أقل

كذبا ولم به أستزيد

ثم بثّ القرمطىّ عمّاله في البلاد والنواحى وكاتبهم وكاتبوه. فمن رسائله الى بعض عماله:

من «2» عبد الله المهدىّ المنصور بالله، الناصر لدين الله، القائم بدين الله، الحاكم بحكم الله، الداعى لكتاب الله، الذابّ عن حرم الله، المختار من ولد رسول الله (صلى الله

ص: 106

عليه وسلم) أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، ومذلّ المنافقين، وخليفة الله على العالمين، وحاصد الظالمين، وقاصم المعتدين، ومهلك المفسدين، وسراج المستبصرين، وضياء المبصرين. ومشتّت المخالفين، والقيّم بسنة المرسلين، وولد خير الوصيّين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين [الى «1» ] جعفر بن حميد «2» الكردىّ: سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلّى على محمد جدّى. أما بعد، ما هو كيت وكيت. فهذه صورة مكاتبته الى الأقطار. انتهى.

وأما محمد بن سليمان الكاتب فإنّ القاسم بن عبيد الله وزير المكتفى كتب إليه بطلب القرمطىّ المذكور والجدّ في أمره، فسار محمد بن سليمان بعساكره نحوه فالتقوا بموضع دون حماة، وكان القرمطىّ قد قدّم أصحابه أمامه وتخلّف هو في نفر ومعه المال الذي جمعه، فوقع بين محمد بن سليمان وبين أصحاب القرمطىّ وقعة انهزم فيها أصحاب القرمطىّ أقبح هزيمة، وكان ذلك في المحرّم سنة إحدى وتسعين ومائتين. فلما علم القرمطىّ [ب] هزيمة أصحابه أعطى أخاه أمواله وأمره بالنفوذ الى بعض النواحى التى يأمن على نفسه فيها إلى أن يتهيّأ له ما يحب «3» ، ثم مضى هو وابن عمه المدّثّر «4» وغلام له يسمّى المطوّق وغلام «5» آخر يسمّى دليلا، وطلب القرمطىّ بهم طريق الكوفة وسار حتى انتهى الى قرية تعرف بالداليّة «6» ، وعجزوا عن زادهم

ص: 107

فدخل أحدهم الى القرية ليشترى لهم زادا «1» [فأنكروا زيّه وسئل عن أمره فمجمج «2» ، فأعلم المتولّى مسلحة هذه الناحية بخبره وهو رجل يعرف بأبى خبزة خليفة أحمد بن محمد بن كشمرد] فأقبل عليه أبو خبزة المذكور مع أحداث ضيعته فقاتله وكسره وقبض عليه وعلى من معه: فانظر الى هذا الأمر الذي عجز عنه الملوك حتى كانت منيّته على يد هذا الضعيف. ولله درّ القائل:

وقد يسلم الإنسان ممّا يخافه

ويؤتى الفتى من أمنه وهو غافل

فقبض عليه المذكور. وكان أمير «3» هذه النواحى القاسم بن سيما، فكتب بالخبر الى الخليفة المكتفى وهو بالرّقّة، وقد كان رحل في أثر محمد بن سليمان، واتّفق مع هذا موافاة كتاب محمد بن سليمان الى القاسم بن عبيد الله بالفتح والنّصرة على القرمطىّ، ثم أحضر القرمطىّ الى بين يدى الخليفة المكتفى، فأخذه الخليفة وعاد هو ووزيره القاسم بن عبيد الله من الرّقة الى بغداد، وهو على جمل يشهر به في كلّ بلد يمرّون به، ومعه أيضا أصحاب «4» القرمطىّ، ودخل بهم بغداد وقد زيّنت بغداد بأفخر الزينة، وكان لدخولهم يوم عظيم الى الغاية. فلما كان يوم الاثنين الثالث والعشرون من شهر ربيع الأوّل جلس الخليفة مجلسا عاما، وأحضر القرمطىّ وأصحابه فقطعت أيديهم وأرجلهم ثم رمى بهم من أعلى الدكّة الى أسفل، ولم يبق منهم إلّا ذو الشامة أعنى القرمطىّ، ثم قدّم القرمطىّ فضرب بالسّوط حتى استرخى، ثم قطعت يداه ورجلاه

ص: 108

ونخس في جنبه «1» بخشب، فلمّا خافوا عليه الموت ضربوا عنقه؛ ثم حضر محمد بن سليمان وخلع عليه الخليفة المكتفى ثم خلع على القوّاد الذين كانوا معه، وهم محمد بن إسحاق بن كنداج وحسين بن حمدان وأحمد بن إبراهيم بن كيغلغ وأبو الأغرّ ووصيف، وأمرهم الجميع بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان. ثم أمر الخليفة محمد بن سليمان بالتوجّه الى مصر لقتال هارون بن خمارويه صاحب الترجمة، فسار محمد بن سليمان بمن معه في شهر رجب، وكتب الى دميانة غلام يا زمان وهو يومئذ أمير البحر أن يقفل بمراكبه الى مصر؛ وسار الجيش قاصدا دمشق، فلما قربوا منها تلقّاهم بدر وفائق في جميع جيشهما لما في نفوسهما من هارون حسبما قدّمناه من تقديم من تقدّم ذكره عليهما؛ وصاروا مع محمد بن سليمان جيشا واحدا؛ وساروا نحو مصر؛ فاتّصلت أخبارهم بهارون بن خمارويه هذا، فتهيأ لقتالهم وجمع العساكر وأمر بمضربه فضرب بباب المدينة بعد أن نعق «2» فى جنده وأمرهم بالتأهّب للرحيل، فاستعدّوا ثم رحلوا الى العبّاسة «3» يريدون الشأم؛ وتربّص هارون بالعبّاسة أيّاما، وكتب لبدر وفائق يستعطفهما ويذكر لهما الحرمة وما يجب عليهما من حفظ ذمام الماضين من أبيه وجدّه، وصارت كتبه صادرة اليهم والى القوّاد بذلك؛ فبينما هو [ذات] ليلة بالعباسة وقد شرب وثمل ونام آمنا في مضربه إذ وثب عليه بعض غلمانه فذبحه،

ص: 109

وقيل: إن ذلك كان بمساعدة بعض عمومته في ذلك، وأصبح الناس وأميرهم مذبوح وقد تفرّقت الظنون في قاتله؛ فنهض عمّه شيبان بن أحمد بن طولون ودعا لنفسه، وضمن للناس حسن القيام بأمر الدولة والإحسان لمن ساعده، فبايعه الناس على ذلك. انتهى. وقد ذكر بعضهم قصّة هارون هذا بطريق آخر قال: واستمرّ هارون هذا في إمرة مصر من غير منازع؛ لكن أحوال مصر كانت في أيّامه مضطربة إلى أن ورد عليه الخبر بموت الخليفة المعتضد بالله في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وبويع لابنه محمد المكتفى بالخلافة. ثم خرج القرمطىّ بالشأم في سنة تسعين، فجهّز هارون لحربه القوّاد في جيش كبير فهزمهم القرمطىّ؛ ثم وقع بين هارون وبين الخليفة المكتفى وحشة وتزايدت الى أن أرسل المكتفى لحربه محمد بن سليمان الكاتب؛ فسار محمد بن سليمان من بغداد إلى أن نزل حمص وبعث بالمراكب من الثغور الى سواحل مصر وسار هو حتى نزل بفلسطين؛ فتجهّز هارون أيضا لقتال محمد ابن سليمان المذكور وسيّر المراكب في البحر لحربه وفيها المقاتلة، حتى التقوا بمراكب محمد بن سليمان وقاتلوهم فانهزموا؛ وكان القتال في تنّيس وملك أصحاب محمد بن سليمان تنّيس ودمياط؛ وكان هارون قد خرج من مصر يوم التّروية «1» لقتال محمد بن سليمان، فلما بلغه الخبر توجّه الى العبّاسة ومعه أهله وأعمامه في ضيق وجهد، فتفرّق عنه كثير من أصحابه وبقى في نفر يسير، وهو مع ذلك متشاغل باللهو والسكر؛ فاجتمع عمّاه شيبان وعدىّ ابنا أحمد بن طولون على قتله، فدخلا عليه وهو ثمل فقتلاه ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وسنّه يومئذ اثنتان وعشرون سنة؛

ص: 110

وكانت ولايته على مصر ثمانى سنين وثمانية أشهر وأيّاما؛ وتولّى عمّه شيبان مصر بعده.

وقال سبط ابن الجوزىّ في تاريخه: وفيها- يعنى سنة اثنتين وتسعين ومائتين- فى صفر سار محمد بن سليمان إلى مصر لحرب هارون بن خمارويه، وخرج إليه هارون فى القوّاد فجرت بينهم وقعات؛ ثم وقع بين أصحاب هارون في بعض الأيام عصبيّة، فاقتتلوا، فخرج هارون ليسكتهم فرماه بعض المغاربة بسهم فقتله وتفرّقوا؛ فدخل محمد بن سليمان مصر وملكها واحتوى على دور آل طولون وأسبابهم وأخذهم جميعا، وكانوا بضعة عشر رجلا، فقيّدهم وحبسهم واستصفى أموالهم وكتب بالفتح إلى المكتفى. وقيل: إن محمد بن سليمان لمّا قرب من مصر أرسل الى هارون يقول:

إن الخليفة قد ولّانى مصر ورسم أن تسير بأهلك وحشمك إلى بابه إن كنت مطيعا، وبعث بكتاب الخليفة إلى هارون؛ فعرضه هارون على القوّاد فأبوا عليه فخرج هارون؛ فلمّا وقع المصافّ صاح هارون: يا منصور؛ فقال القوّاد: هذا يريد هلا كنا، فدسّوا عليه خادما فقتله على فراشه وولّوا مكانه شيبان بن أحمد بن طولون؛ ثم خرج شيبان الى محمد مستأمنا. وكتب الخليفة إلى محمد بن سليمان في إشخاص آل طولون وأسبابهم والقوّاد وألّا يترك أحدا منهم بمصر والشأم؛ فبعث بهم إلى بغداد فحبسوا في دار صاعد. انتهى ما أوردناه من ترجمة هارون من عدّة أقوال بخلف وقع بينهم فى أشياء كثيرة.

وأما محمد بن سليمان المذكور فأصله كاتب الخادم لؤلؤ الطولونىّ. قال القضاعىّ:

يقال: إن أحمد بن طولون جلس يوما في بعض متنزّهاته ومعه كتاب ينظر فيه، وإذا بشابّ قد أقبل، فالتفت أحمد الى لؤلؤ الطولونىّ وقال. اذهب وأتنى برأس هذا الشابّ؛ فنزل إليه لؤلؤ وسأله من أىّ بلد هو وما صنعته؟ فقال: من العراق من أبناء الكتّاب؛ فقال له: وما أتيت تطلب؟ قال: رزقا؛ فعاد لؤلؤ إلى أحمد بن طولون؛

ص: 111

فقال له: ضربت عنقه؟ فسكت، فأعاد عليه القول فسكت؛ فاستشاط أحمد ابن طولون غيظا ثم أمره بقتله؛ فقال لؤلؤ: يا مولاى بأىّ ذنب «1» تقتله؟ فقال:

إنى أرى في هذا الكتاب «2» من منذ سنين أن زوال ملك ولدى يكون على يد رجل هذه صفته فقال: يا مولاى، أو هذا صحيح؟ قال: هذا الذي رأيته وتفرّسته؛ فقال: يا مولاى، لا يخلو هذا الأمر من أن يكون حقّا أو كذبا، فإن كان كذبا فما لنا والدخول في دم مسلم! وإن كان حقّا فلعلّنا نفعل معه خيرا علّه يكافئ به يوما، وإن كان الله قدّر ذلك فإنا لا نقدر على قتله أبدا؛ فسكت أحمد بن طولون، فأضافه لؤلؤ إليه؛ وكان هذا الشابّ يسمى محمد بن سليمان الكاتب الحنيفىّ، منسوب إلى حنيفة السّمرقندىّ، فلم تزل الأيام تنتقل بمحمد المذكور والدّهر يتصرّف فيه إلى أن بقى ببغداد قائدا من جملة القوّاد، وجرى من أمره ما تقدّم ذكره من قتال القرامطة وهارون صاحب مصر، إلى أن ملك الديار المصريّة وأمسك الطولونيّة وخرّب منازلهم، وهدم القصر المسمّى بالميدان الذي كان سكن أحمد بن طولون، وتتبّع أساسه حتى أخرب الديار ومحا الآثار، ونقل ما كان بمصر من ذخائر بنى طولون إلى العراق. وقال صاحب كتاب الذخائر: إن محمد بن سليمان المذكور رجع إلى العراق فى سنة اثنتين وتسعين ومائتين ومعه من ذخائر بنى طولون أموال عظيمة، يقال: إنّه كان معه أكثر من ألف ألف دينار عينا، وإنّه حمل إلى الخليفة الإمام المكتفى من الذخائر والحلىّ والفرش أربعة وعشرين ألف حمل جمل، وحمل آل طولون معه إلى بغداد؛ وأخذ محمد بن سليمان لنفسه وأصحابه غير ذلك ما لا يحصى كثرة. ولما وصل محمد بن سليمان إلى حلب متوجّها إلى العراق، كتب الخليفة المكتفى إلى وصيف مولى المعتضد أن يتوكّل بإشخاص محمد بن سليمان المذكور؛ فأشخصه

ص: 112