الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوما خادم، فأخذ أخانا نصرا فأدخله بيتا، فأقام خمسة أيام لا يطعم ولا يشرب والباب عليه مغلق؛ فدخل علينا ثلاثة من أصحاب جيش وقالوا: أمات أخوكما؟ فقلنا: لا ندرى، فدخلوا عليه البيت فرماه كلّ واحد منهم بسهم في مقتل فقتلوه، وكانت ليلة الجمعة [فأخرجوه «1» ] ثم أغلقوا علينا الباب، وبقينا يوم الجمعة ويوم السبت لم يقدّم «2» إلينا طعام، فظننا أنهم يسلكون بنا مسلك أخينا؛ فلما كان يوم الأحد سمعنا صراخا فى الدار، وفتح باب الحجرة علينا وأدخل علينا جيش بن خمارويه، فقلنا: ما حالك؟
فقال: غلبنى أخى هارون على البلد وتولّى الإمارة؛ فقلنا: الحمد لله [الذي «3» ] قبض يدك وأضرع خدّك! فقال: ما كان عزمى إلا أن ألحقكما [بأخيكما «4» ] . ثم جاء الرسول وقال: الأمير هارون قد بعث اليكما بهذه المائدة، وكان في عزم جيش أن يلحقكما بأخيكما نصر، فقوما إليه فاقتلاه وخذا بثأركما منه وانصرفا على أمان؛ قال: فلم نقتله وانصرفنا الى منازلنا، وبعث هارون خدما «5» فقتلوه وكفينا أمر عدوّنا. انتهى كلام أبى المظفّر.
قلت: وكان خلع جيش لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين، وكانت ولايته ستة «6» أشهر واثنى عشر يوما، وقتل في السجن بعد خلعه بأيام يسيرة.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 283]
السنة التى حكم في أوّلها جيش بن خمارويه على مصر، على أنه حكم من الماضية شهرا وأياما، وهذه السنة سنة ثلاث وثمانين ومائتين- فيها قدم رسول عمرو بن
الليث الصفّار على الخليفة المعتضد العباسىّ من خراسان بالهدايا والتّحف؛ وفيها مائتا جمل «1» ومائتا حمارة؛ ومن الطرائف شىء كثير، منها: صنم على خلقة امرأة كان قوم من الهند في مدينة يقال لها" أيل شاه" كانوا يعبدونها. وفيها خرج جماعة من قوّاد مصر الى المعتضد، منهم محمد بن إسحاق وخاقان البلخىّ «2» وبدر بن جفّ؛ وسبب قدومهم الى المعتضد أنهم كانوا أرادوا أن يقتلوا جيش بن خمارويه المذكور فسعى بهم إليه وكان راكبا [وكانوا «3» ] فى موكبه، وعلموا أنه قد علم بهم، فخرجوا من وقتهم وسلكوا البرّيّة وتركوا أموالهم وأهاليهم، فتاهوا أيّاما ومات منهم جماعة من العطش، ثم خرجوا على طريق الكوفة؛ فبلغ [أمرهم] الخليفة المعتضد فأرسل اليهم الأطعمة والدوابّ، ثم وصلوا بغداد فأكرمهم المعتضد وقرّبهم. وفيها توفّى إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم أبو إسحاق الثّقفىّ السّرّاج النيسابورىّ، كان الإمام أحمد بن حنبل يزوره في منزله «4» لزهده وورعه. وفيها توفّى سهل بن عبد الله بن يونس أبو محمد التّسترىّ أحد المشايخ، ومن أكابر القوم والمتكلّم في علوم الإخلاص والرياضات «5» وكان كبير الشأن. وفيها توفّى صالح بن محمد بن عبد الله الشيخ أبو الفضل الشّيرازىّ «6» البغدادىّ، كان رجلا صالحا، ختم القرآن أربعة آلاف مرة. وفيها توفّى عبد الرّحمن ابن يوسف بن سعيد «7» بن خراش أبو محمد الحافظ البغدادى، أقام بنيسابور مدّة مستفيدا من محمد بن يحيى الذّهلىّ وغيره وسمع منه جماعة، وكان أوحد زمانه وفريد عصره.
وفيها توفّى علىّ بن العبّاس بن جريح أبو الحسن الشاعر المشهور المعروف بابن الرومى مولى عبيد الله «1» بن عيسى بن جعفر؛ كان فصيحا بليغا، وهو أحد الشعراء المكثرين في الغزل والمدح والهجاء. قال صاحب المرآة: إنه مات في هذه السنة.
وقال ابن خلّكان: توفّى ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث «2» وثمانين، وقيل: أربع وثمانين، وقيل: سنة ستّ وسبعين. وهذه الأقوال أثبت من قول صاحب المرآة. انتهى. ومن شعره ولم يسبق إلى هذا المعنى:
آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم
…
فى الحادثات إذا دجون نجوم
منها معالم للهدى ومصابح
…
تجلو الدّجى والأخريات رجوم
وله من قصيدة:
وإذا امرؤ مدح امرأ لنواله
…
وأطال فيه فقد أراد هجاءه
ويحكى أنّ لائما لامه وقال له: لم لا تشبّه تشبيه ابن المعتز وأنت أشعر منه؟
قال له: أنشدنى شيئا من شعره أعجز عن مثله؛ فأنشده صفة الهلال:
فانظر إليه كزورق من فضّة
…
قد أثقلته حمولة من عنبر
فقال ابن الرومى: زدنى، فأنشده:
كأنّ آذريونها «3»
…
والشمس فيه كاليه
مداهن من ذهب
…
فيها بقايا غاليه
فقال ابن الرّومى: وا غوثاه! لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها، ذلك إنما يصف ماعون بيته لأنه ابن الخلفاء، وأنا مشغول بالتصرّف في الشعر وطلب الرزق به، أمدح هذا مرّة، وأهجو هذا كرّة، وأعاتب هذا تارة، وأستعطف هذا طورا. انتهى.
وفيها توفّى علىّ بن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب الأموىّ البصرىّ قاضى القضاة أبو الحسن، كان ولى القضاء بسرّمن رأى، وكان عالما عفيفا ثقة. وفيها توفّى الوليد بن عبيد بن يحيى [بن عبيد «1» ] بن شملال، أبو عبادة الطائىّ البحترىّ الشاعر المشهور، أحد فحول الشعراء وصاحب الديوان المعروف به، كان حامل لواء الشعر فى عصره، مدح الخلفاء والوزراء والملوك، وأصله من أهل منبج «2» وقدم دمشق صحبة المتوكّل، ووصل الى مصر الى خمارويه. حكى أن المتوكّل قال له يوما: يا بحترىّ، قل في راح بيت شعر ولا تصرح باسمه؛ فقال:
جاز «3» بالودّ فتى أم
…
سى رهينا بك مدنف
اسم من أهواه في
…
شعرى مقلوب مصحّف
ومن شعره في المتوكّل أيضا من قصيدة:
فلو «4» انّ مشتاقا تكلّف غير ما
…
فى وسعه لسعى اليك المنبر