الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى تلك الأيّام كلّ من غلب على أمر صار له. وفي ولاية محمد بن طغج هذا على مصر ثانيا- على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى- لقّب بالإخشيذ. والإخشيذ بلسان الفرغانة:
ملك الملوك. وطغج: عبد الرّحمن. والإخشيذ: لقب ملوك فرغانة، كما أن أصبهبذ: لقب ملوك طبرستان، وصول: لقب ملوك جرجان، وخاقان: لقب ملوك الترك، والأفشين: لقب ملوك أشروسنة، وسامان: لقب ملوك سمرقند، وقيصر:
لقب ملوك الروم، وكسرى: لقب ملوك العجم، والنجاشى والحطىّ: لقب ملوك الحبشة، وفرعون قديما:[لقب] ملوك مصر، وحديثا السلطان. ولما مات جدّه جفّ في سنة سبع وأربعين ومائتين اتصل ابنه طغج أبو محمد هذا بالأمير أحمد ابن طولون صاحب مصر، وكان من أكابر قوّاده؛ ودام على ذلك حتى قتل خمارويه ابن أحمد بن طولون: فسار طغج الى الخليفة المكتفى بالله علىّ؛ فأكرم الخليفة مورده.
ثم بدا من طغج المذكور تكبّر على الوزير، فحبس «1» هو وابنه محمد الى أن مات طغج المذكور في الحبس. وبعد مدّة أخرج محمد هذا من الحبس؛ وجرت له أمور يطول شرحها، إلى أن قدم مصر في دولة تكين، وولّى الأحواف بأعمال مصر وأقام على ذلك مدّة إلى أن وقّع بينه وبين تكين، وخرج من مصر مختفيا إلى الشام؛ ثم ولّى إمرة الشام، ثم أضيف إليه إمرة مصر فلم يدخلها، على ما تقدّم ذكره، وعزل بالأمير أحمد بن كيغلغ. وتأتى بقيّة ترجمته في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 321]
السنة التى حكم فيها عدّة أمراء على مصر، حكم في أوّلها تكين الى أن مات في شهر ربيع الأوّل، ثم ابنه من غير ولاية الخليفة بل باستخلاف أبيه، ثم الأمير محمد بن طغج من أواخر شعبان الى أواخر شهر رمضان، وكانت ولايته اثنين
وثلاثين يوما ولم يدخلها، ثم الأمير أحمد بن كيغلغ من آخر [شهر] رمضان؛ ولم يصل رسوله إلا لسبع خلون من شوّال، وهى سنة إحدى وعشرين وثلثمائة- فيها شغب الجند على الخليفة القاهر بالله وهجموا [على] الدار، فنزل في طيّار إلى دار مؤنس الخادم فشكا إليه، فصبّرهم مؤنس عشرة أيام. وكان الوزير ابن مقلة منحرفا عن محمد بن ياقوت، فنقل الى مؤنس أن ابن ياقوت يدبّر عليهم؛ فاتفّق مؤنس وابن مقلة ويلبق «1» وابنه على الإيقاع بابن ياقوت، فعلم فاستتر. ثم جاء علىّ بن يلبق الى دار الخلافة فوكل بها أحمد بن زيرك «2» وأمره بالتضييق على القاهر. وطالب ابن يلبق [القاهر «3» ] بما كان عنده من أثاث أمّ المقتدر. وفيها استوحش المظفّر مؤنس وابن مقلة ويلبق من الخليفة القاهر. وفيها أشيع ببغداد أن يلبق والحسن بن هارون كاتبه عزما على سبّ معاوية بن أبى سفيان على المنابر، فاضطربت الناس، وقبض يلبق على جماعة من الحنابلة ونفاهم الى البصرة. وفيها تأكّدت الوحشة بين الخليفة القاهر وبين وزيره ابن مقلة ويلبق، وقبض على يلبق وعلى أحمد بن زيرك وعلى يمن المؤنسىّ صاحب شرطة بغداد وحبسوا، وصار الحبس كلّه في دار الخلافة. ثم طلب الخليفة مؤنسا فضر إليه، فقبض عليه أيضا. واختفى الوزير ابن مقلة؛ فاستوزر القاهر عوضه أبا جعفر [محمد «4» ] بن القاسم بن عبيد الله، وأحرقت دار ابن مقلة كما أحرقت قبل هذه المرّة.
ثم ظفر القاهر بعلىّ بن يلبق بعد جمعة فحبسه بعد الضرب؛ ثم ذبح القاهر يلبق وابنه عليّا ومؤنسا وخرج برءوسهم الى الناس وطيف بها. ووقع في هذه السنة أمور. وأطلق
القاهر أرزاق الجند فسكنوا، واستقامت له الأمور وعظم في القلوب، وزيد في ألقابه:
«المنتقم من أعداء دين الله» ، ونقش ذلك على السّكّة. وفيها أمر القاهر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنّين، ونفى المخنّثين، وكسر آلات اللهو، وأمر بتتبّع المغنّيات من الجوارى، وكان هو مع ذلك يشرب المطبوخ ولا يكاد يصحو من السكر. وفيها عزل القاهر الوزير محمدا، واستوزر أبا العباس بن الخصيب. وفيها حجّ بالناس مؤنس الورقانىّ. وفيها توفّيت السيدة شغب أمّ الخليفة المقتدر بالله جعفر، كان متحصّلها فى السنة ألف ألف دينار، فتتصدّق بها وتخرج من عندها مثلها؛ وكانت صالحة. ولما قتل ابنها كانت مريضة، فقوى مرضها وامتنعت من الأكل حتى كادت تهلك؛ ثم عذّبها القاهر حتى ماتت. ولم يظهر لها إلا ما قيمته مائة وثلاثون ألف دينار؛ وكان لها الأمر والنهى في دولة ابنها. وفيها قتل مؤنس الخادم، وكان لقّب بالمظفّر لمّا عظم أمره، وكان شجاعا مقداما فاتكا مهيبا، عاش تسعين سنة، منها ستون سنة أميرا، وكان كل ما له في علوّ ورفعة، وكان قد أبعده المعتضد الى مكة. ولما بويع المقتدر بالخلافة أحضره وقرّبه وفوّض إليه الأمور، فنال من السعادة والوجاهة ما لم ينله خادم قبله. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدىّ الحجرىّ «1» المصرىّ الطّحاوىّ الفقيه الحنفى المحدّث الحافظ أحد الأعلام وشيخ الإسلام- وطحا «2» : قرية من قرى مصر من ضواحى القاهرة بالوجه البحرىّ- قال ابن يونس «3» : ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين. وسمع هارون بن سعيد
الأيلىّ وعبد الغنىّ بن رفاعة ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وطائفة غيرهم؛ وروى عنه أبو الحسن «1» الإخميمىّ وأحمد بن القاسم الخشّاب وأبو بكر «2» ابن المقرئ وأحمد بن عبد الوارث الزجّاج والطبرانىّ وخلق سواهم، ورحل الى البلاد.
قال أبو اسحاق الشيرازىّ: انتهت الى أبى جعفر رياسة أصحاب أبى حنيفة بمصر.
أخذ العلم عن أبى جعفر أحمد بن أبى عمران وأبى حازم وغيرهم، وكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث واختلاف العلماء والأحكام واللغة والنحو، وصنّف المصنّفات الحسان، وصنّف" اختلاف العلماء" و" أحكام القرآن" و" معانى الآثار" و" الشروط"، وكان من كبار فقهاء الحنفيّة. والمزنىّ الشافعىّ هو خال الطحاوىّ، وقصّته «3» معه مشهورة في ابتداء أمره. وكانت وفاة الطحاوىّ في مستهل ذى القعدة. وفيها توفى محمد ابن الحسن بن دريد بن عتاهية، العلّامة أبو بكر الأزدىّ البصرىّ نزيل بغداد، تنقّل فى جزائر البحر وفارس، وطلب الأدب واللغة حتّى صار رأسا فيهما وفي أشعار العرب، وله شعر كثير وتصانيف؛ وكان أبوه من رؤساء زمانه. وحدّث ابن دريد عن أبى حاتم السّجستانىّ وأبى الفضل العبّاس الرّياشىّ وابن أخى «4» الأصمعى؛ وروى عنه أبو سعيد السّيرافىّ «5» وأبو بكر بن شاذان «6» وأبو الفرج «7» صاحب الأغانى وأبو عبد الله «8» المرزبانىّ.
وعاش ابن دريد بضعا وتسعين سنة؛ فإنّ مولده في سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
وقال أبو حفص «1» بن شاهين: كنّا ندخل على ابن دريد، فنستحى مما نرى من العيدان المعلّقة والشراب وقد جاوز التسعين. ولابن دريد من المصنّفات: كتاب: «الجمهرة» وكتاب «الأمالى» وكتاب «اشتقاق أسماء القبائل» وكتاب «المجتبى «2» » وهو صغير وكتاب «الخيل «3» » وكتاب «السلاح» وكتاب «غريب القرآن» ولم يتمّ، وكتاب «أدب الكاتب» وأشياء غير ذلك. وكان يقال: ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء. ولما مات دفن هو وأبو هاشم الجبّائىّ في يوم واحد في مقبرة الخيزران لاثنتى عشرة ليلة بقيت من شعبان. ومن شعره قوله:
وحمراء قبل المزج صفراء بعده
…
أتت بين ثوبى نرجس وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفا فسلّطوا
…
عليها مزاجا فاكتست لون عاشق
وله:
ثوب الشباب علىّ اليوم بهجته
…
فسوف ينزعه عنّى يدا الكبر
أنا ابن عشرين لا زادت ولا نقصت
…
إنّ ابن عشرين من شيب على خطر
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو حامد أحمد [ابن حماد «4» ] بن حمدون النّيسابورىّ الأعمشىّ «5» ، وأحمد بن عبد الوارث العسّال،