الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني التأثر بنظريات من علم النفس حول الدين
تُعد دراسة النفس من أقدم الاهتمامات في تاريخ البشرية، إلا أن إخراج هذه الدراسة من مظلة الدين أو الفلسفة وإخضاعها للأسلوب العلمي وطرائقه ومناهجه لم يظهر إلا في الإطار العلماني الغربي الحديث، وإن كان الأقرب للحقيقة أنها أخرجت من مجال الدين، ولكنها بقيت مقطعة بين الفلسفات والأفكار وبين المناهج العلمية المرتبطة في أصولها بتلك الفلسفات والأفكار.
يبرز استقلال هذا العلم عن الدين في الكتابات العلمانية بطريقة افتخارية، وهو حق لو كان المقصود بالدين هنا الدين الباطل، أما إن استقلت عن الدين الحق الذي ما نزل إلا لإصلاح النفس فهو استقلال لا يفتخر به، ولاسيّما عندما تمّ ذلك في إطار علماني وإلحادي، في نهاية القرن التاسع عشر وأول العشرين، فإن تلك المرحلة كانت مرحلة علمانية متطرفة، كما أن أبرز رواد التأسيس كانوا ملحدين أو منكرين للنبوة، وعلم ينشأ بمثل هذه الظروف والملابسات من الطبيعي أن يكون موقفه -من النفس المتدينة، والدين الذي تبحث عنه، والرب الذي هو مصدر دينها- في غاية السوء.
قطعًا هناك مجالات كثيرة درسها "علم النفس" من جهة تجريبية بحته، مما
يجعلها بعيدة عن الإشكالات الدينية، ويكون الصواب فيها مرتبطًا بالموضوعية والدقة واكتمال الأدوات المناسبة، وهي خارج إطار بحثنا هنا، إلا أن هناك جوانب أخرى حول تدين الإنسان، وحول الدين، ومن ثم أصل الدين كله وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى هي مواطن الانحراف الضخم في ميدان علم نفسٍ نشأ في بيئة علمانية وإطار علماني ومع مؤسسين لهم مواقفهم ضد الدين.
بدأت الدراسات النفسية القديمة ببحوث عن الروح، ثم تُركت للفلسفة واهتم هذا العلم بالنفس، ما هي؟ ثم تحول إلى العناية بالعمليات العقلية، وأضاف الاهتمام بالشعور والإحساس، ثم تحول إلى دراسة اللاشعور واللاوعي والعقل الباطن، ثم اهتم أخيرًا بالسلوك الظاهري (1)، وإغفال الروح وتزكية النفس والتركيز فقط على الجانب المادي من الإنسان، هو من أثر النظرة الأحادية للإنسان، بحيث يهتم بالجانب المادي للنفس والدوافع والنشاط مع إهمال الجوانب الروحية والخلقية (2)، وهو ما ميز النزعة العلمانية المتطرفة في الحضارة الغربية الحديثة ولاسيّما وقت نشأة هذا العلم، فالتركيز على الجانب المادي لا يرجع فقط إلى النزعة العلمية الحسية؛ بل هو في الأساس من الإطار العلماني المادي الموجه لحركة نشاطهم، وتبعًا لذلك كانت النظرة للتدين والتخلق والدين والأخلاق.
بدأ ظهور "علم النفس" في البلاد العربية كغيره من العلوم الحديثة عن طريق ابتعاث نفر من الشباب ليدرسوا هذا العلم، في وقت ما زال العلم يشق طريقه عبر مذاهبه المختلفة، ومن هنا جاءت تشكيلة مختلفة لدينا، كلٌ بحسب البلد الذي ابتعث إليه، وبحسب المذهب الذي تخصص فيه (3)، ويواجه الطالب هنا علمًا يقبع تحت وطأة "مظلة علمانية"، ويتكون من خليط من الحقائق مع الأفكار والفرضيات والفلسفات والأهواء، وهذه "الخصوصية لعلم النفس الحديث تشكل خطرًا فكريًا وعقائديًا عظيمًا على الطلاب والمسلمين بشكل عام"(4)، فمثله قد لا يستطيع التفريق بين النواحي التجريبية ونتائجها المفيدة،
(1) انظر: علم النفس في التصور الإسلامي .. ، د. عبد الحميد الهاشمي ص 17 - 18.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 21.
(3)
انظر: المرجع السابق ص 25 - 26.
(4)
من مقدمة مالك بدري في (تمهيد في التأصيل - رؤية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس)، عبد الله الصبيح ص 11 - 13.