المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثالث: الأصول النظرية العلمية للاقتصاد الحديث: - النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية - جـ ٢

[حسن الأسمري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني التأثر المنهجي في الفكر التغريبي بالانحراف المصاحب للعلم الحديث

- ‌الفصل الأول التأثر المنهجي في مصدر التلقي وطرق الاستدلال

- ‌المبحث الأول التأثر المنهجي في مصدر التلقي

- ‌مصدر العلوم الرياضية والعلوم الطبيعية:

- ‌المصدر في العلوم الاجتماعية:

- ‌أسباب الانحراف في المصدر:

- ‌1 - التبعية للفكر الغربي:

- ‌2 - ظروف الصراع وأحواله:

- ‌مكانة الوحي في التصور الإِسلامي وصور إقصائه كمصدر للعلم عند المتغربين:

- ‌1 - مذهب غلاة المتغربين ودعوتهم لإقصاء الوحي:

- ‌2 - مذهب التوفيقيين من المتغربين ودعوتهم لإقصائه كمصدر للمعرفة:

- ‌مناقشة الملفقين:

- ‌3 - القول بجعل النظريات العلمية في مقام النص الشرعي وتقديمها عليه:

- ‌المبحث الثاني التأثر المنهجي في منهج الاستدلال

- ‌مشكلة الموضوعية:

- ‌استبعاد جانب القيم بحجة الموضوعية:

- ‌الموضوعية وعلاقتها بالحقيقة:

- ‌نموذج موسع للتلاعب المنهجي:

- ‌أ- حسن حنفي:

- ‌ب - محمَّد أركون:

- ‌الفصل الثاني التأثر المنهجي في طريقة التعامل مع القضايا الغيبية الاعتقادية

- ‌المبحث الأول التأثر المنهجي في طريقة النظر للغيبيات

- ‌معنى الغيب في التصور الإِسلامي:

- ‌[مسألة] وللغيب أقسام:

- ‌ارتباط الانحراف في الغيب بالانحراف في الربوبية:

- ‌من أصول الانحراف في الغيب:

- ‌المثال الأول: لويس عوض:

- ‌المثال الثاني: هشام شرابي:

- ‌المثال الثالث: حسن حنفي:

- ‌المثال الرابع: محمَّد أركون:

- ‌المبحث الثاني أمثلة للتأثر المنهجي وبيان خطورتها الاعتقادية

- ‌القسم الأول: موضوعات عمَدية يُدّعى عدم إمكانية إثباتها علميًا:

- ‌القسم الثاني: دعوى وجود رأي علمي آخر حول بعض الغيبيات دون شرط المعارضة:

- ‌القسم الثالث: دعوى مخالفة العلم لأبواب من الغيبيات

- ‌الفصل الثالث التأثر المنهجي في طريقة التعامل مع القضايا الشرعية العملية

- ‌المبحث الأول التأثر المنهجي في طريقة النظر للشريعة

- ‌المراد بالشريعة:

- ‌الغيب مع الطبيعيات والشريعة مع الاجتماعيات:

- ‌أصول منهجية تغريبية للنطر في الشريعة تدعي العلمية:

- ‌أصل الأصول: تعميم الظواهر الاجتماعية على الدين الحق:

- ‌الأصل الثاني: التطور:

- ‌الأصل الثالث: علمية وعلمنة العلوم الاجتماعية ودعوى قدرتها أن تسدّ مسدّ الدين:

- ‌الأصل الرابع: النسبية:

- ‌المبحث الثاني أمثلة للتأثر المنهجي وبيان خطورتها

- ‌الأول: في باب الأخلاق الإِسلامية:

- ‌أولًا: تعريف الخلق:

- ‌ثانيًا: المشكلة الخلقية في العالم المعاصر ولاسيّما في الغرب:

- ‌تاريخ الفكر الأخلاقي في الغرب:

- ‌الإطار العلماني للأخلاق الجديدة:

- ‌النظريات الأخلاقية الجديدة:

- ‌ثالثًا: تحليل ونقد للنظريات الجديدة:

- ‌رابعًا: نماذج من الأخلاقيات المتغربة تحت غطاء العلمية:

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني: من علم النفس:

- ‌النموذج الثالث: الموقف الوضعي:

- ‌النموذج الرابع: أخلاقيات العلم الجديدة:

- ‌النموذج الخامس: الرؤية المادية والماركسية:

- ‌الثاني: في باب العمل بالأدوية الشرعية للأمراض الجسدية أو النفسية:

- ‌الأمر بالتداوي في الإِسلام:

- ‌الإطار العلماني وأثره في مجال التداوي الجسدي والنفسي:

- ‌أثر الأسس الفلسفية للممارسة الطبية الحديثة:

- ‌في الجانب النفسي:

- ‌بعض مشكلات الطرح التغريبي حول المجال الطبي والتداوي:

- ‌أين هي المشكلات في هذا الباب

- ‌نموذج عن الإشكال التغريبي في هذا الباب:

- ‌الثالث: في باب حكم التعامل بالربا:

- ‌القسم الأول: مدخل:

- ‌القسم الثاني: الإطار الاجتماعي العام للتحول الاقتصادي الغربي:

- ‌القسم الثالث: الأصول النظرية العلمية للاقتصاد الحديث:

- ‌الرابع: في باب حجاب المرأة المسلمة:

- ‌الباب الثالث صور لدعاوى باطلة ونظريات منحرفة ظهرت في الفكر التغريبي حول الدين والعلم وخطورتها

- ‌الفصل الأول صور لدعاوى أظهرها الاتجاه التغريبي باسم العلم الحديث

- ‌المبحث الأول دعوى أهمية علمنة العلم ورفض التأصيل الإِسلامي مظاهرها وخطرها

- ‌تعريف العلمانية:

- ‌وقفتان حول المصطلح: "تاريخية المصطلح، وعلاقته بالعلم

- ‌المبحث الثاني دعوى التعارض بين الدين والعلم الحديث

- ‌الفرق بين دعوى التعارض التراثية والدعاوى الحديثة:

- ‌صور الدعاوى التغريبية:

- ‌أصول عامة حول دعوى التعارض بين الدين والعلم:

- ‌مناقشة الدعوى:

- ‌أولًا: أهمية رفع التعميم والإجمال:

- ‌ثانيًا: ما المقدم عند التعارض

- ‌ثالثًا: "موضوعات الغيب وموضوعات الشهادة - الأكثر إشكالًا

- ‌رابعًا: ملابسات الدعوى التاريخية والأيدلوجية:

- ‌خامسًا: التفسير العلمي للنصوص الدينية:

- ‌المبحث الثالث دعوى كفاية العلم الحديث لحاجة الإنسان وشموليته بدلًا عن الدين

- ‌الشمولية في الإِسلام وحاجة الناس إليه فوق كل حاجة:

- ‌مناقشة دعوى كفاية العلم وشموليته:

- ‌نماذج من الانحراف التغريبي حول هذا الباب:

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌النموذج الرابع:

- ‌النموذج الخامس:

- ‌النموذج السادس:

- ‌الفصل الثاني صور من تأثر الفكر التغريبي بنظريات علمية منحرفة حول مفهوم الدين

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول التأثر بنظرية داروين التطورية من علم الأحياء حول الدين

- ‌ظهور الدارونية العربية:

- ‌من البحث في أصل الحياة إلى المادية الإلحادية:

- ‌المبحث الثاني التأثر بنظريات من علم النفس حول الدين

- ‌صراع النظريات النفسية ودلالاتها في الميدان الفكري:

- ‌دخول علم النفس للثقافة العربية والمواقف تجاهه:

- ‌نظرية فرويد النفسية ولاسيّما ما له علاقة منها بالدين:

- ‌المبحث الثالث التأثر بنظريات من علم الاجتماع حول الدين

- ‌علم الاجتماع بين العلمية والأيدلوجيا:

- ‌كيف ينظر علم الاجتماع للدين

- ‌المتغربون وعلاقتهم بالمدارس الاجتماعية العلمانية:

- ‌علم الاجتماع الديني:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ملحق مفهرس للألفاظ الغريبة والمصطلحات والطوائف والفرق والمذاهب والتراجم مع التعريف بها

- ‌أولًا: قائمة الألفاظ الغريبة والمصطلحات الواردة في ثنايا البحث

- ‌ثانيًا: قائمة بالطوائف والفرق والمذاهب الواردة في البحث

- ‌ثالثًا: قائمة المراجع والمصادر

- ‌نبذة تعريفية الإدارة العامة للأوقاف

الفصل: ‌القسم الثالث: الأصول النظرية العلمية للاقتصاد الحديث:

وقد أضاف هؤلاء الذين لا يفرقون بين الربا والفائدة محمدة للفائدة لا تستحقها؛ حيث جعلوها شرط التقدم الاقتصادي، فيحذر القرشي من هذا الانهزام الناتج عن ضخامة المد الرأسمالي فـ "مع وجود الاكتساح الاقتصادي الرأسمالي، يصبح من روح العصر "المودة" الاعتقاد بأن المجتمع الحديث لا يمكن أن تقوم له قائمة بدون الـ "فائدة"، وأن الإِسلام أيضًا لم يحرم الفائدة، بل حرم "الربا" فحسب"(1)، صحيح إن الغرب في الظاهر قد خفف من الربا الفاحش بطريقة الفائدة، ومع ذلك فهي في حقيقتها استمرار لصورة الربا، أيضًا من "المهم الانتباه لمسألة: أن أسلوب المعاملة بالفوائد لم يكن من عوامل التقدم المادي، وهذه تفرقة مهمة؛ لأن أخطر الأخطاء التي يمكن الوقوع فيها هو القول بأن مشروعية الفائدة وإصدار التشريعات المنظمة لها. . . . قد كان من عوامل التقدم الصناعي والتجاري. . . . أو كان من أسباب تحقيق الرفاهية الاقتصادية للبلاد المتقدمة في الصناعة. . . . هذا خطأ لا يغتفر، إذ للتقدم أسباب ثابتة. ومن أهمها التحكم في الطاقة، وجمع الطاقة إلى الحديد فيما يعرف بالآلة والأداة الآلية،. . . . ولا تقع المعاملات بالفائدة في نطاق هذه المجموعة المميزة من عوامل التقدم. ." (2).

‌القسم الثالث: الأصول النظرية العلمية للاقتصاد الحديث:

يوجد إطار نظري لعلمية الربا المزعومة نقف هنا مع بعض أصولها، فمع التحولات العلمية وما صاحبها من تقدم دنيوي بارز ظهرت -في ظل النظام الرأسمالي البشع- "نظريات "علمية! " تقول: إن الاقتصاد له قوانينه الخاصة .. قوانينه الحتمية التي لا علاقة لها بالأخلاق .. بل لا علاقة لها "بالناس" على الإطلاق" (3).

ويلخص لنا الباحث الإِسلامي "فكري نعمان" الأصل النظري العلمي لهذا التوجه الاقتصادي الجديد فيقول: "منذ بدء الدراسة العلمية للاقتصاد ساد في مجال الدراسات الاقتصادية فكرتان وضعهما رواد الاقتصاد الكلاسيكي.

(1) المرجع السابق ص 26، وانظر: الإِسلام والاقتصاد .. ، د. عبد الهادي النجار ص 99.

(2)

المرجع السابق، عبده ص 143 - 144 بشيء من الاختصار.

(3)

جاهلية القرن العشرين، محمَّد قطب ص 156.

ص: 1113

الأولى: أن الحياة الاقتصادية تسير وفقًا لقوانين طبيعية محددة تسيطر على الكيان الاقتصادي للمجتمع، وواجب العلماء تجاه تلك القوى المسيطرة على الحياة الاقتصادية هو تتبعها بالبحث والتقصي والدراسة بهدف استكشاف قوانينها العامة وقواعدها الأساسية.

الثانية: أن تلك القوانين الطبيعية كفيلة بضمان السعادة للبشرية إذا عملت في جو "حر" وتيسر لجميع أفراد المجتمع التمتع بالحريات الرأسمالية.

وقد نشأ عن الفكرة الأولى: البذرة العلمية للاقتصاد الرأسمالي ووضعت الفكرة الثانية بذرته المذهبية. وهكذا قدم الليبراليون نظامهم مدعين أنه ليس من اكتشافهم أو اختراعهم، بل هو نظام قائم على قوانين الطبيعة الكفيلة برخاء الإنسانية؛ فكل تدخل من جانب الإنسان في هذا القانون هو جريمة في حق القوانين الطبيعية العادلة" (1).

ويربط "صادق العظم" بين المادية الميكانيكية المبنية على فيزياء "نيوتن"، وبين التوجه الجديد للاقتصاد مع "سميث"، فقد وضع العظم مدخلًا للتصور العلمي - المادي للكون وتطوره، ليحولها إلى مادية ميكانيكية قاسية امتدت بظلالها لكثير من العلوم، ومن ذلك علم الاقتصاد، فيقول:"أما في مجال النشاط الاقتصادي فتصبح الوحدة البسيطة "الإنسان الاقتصادي" "كما سماها آدم سميث"، الذي يتحرك دومًا وبصورة أوتوماتيكية بدافع زيادة أرباحه إلى أقصى حد ممكن وخفض خسائره إلى أدنى حد ممكن. ويتركب النشاط الاقتصادي العام للمجتمع من مجموع التأثيرات المتبادلة بين "الذرات الإنسانية الاقتصادية" وفقًا لحركتها الآلية، وذلك ضمن مجال السوق الحرة بخصائصها وقوانينها الثابتة"(2).

وسبب الدور الذي أُعطي للقوانين الطبيعية أنه بعد تحول الغرب نحو العلمانية بحث عن مصدر جديد كلي مكان الدين فكان الطبيعة، وقد أصبح لها

(1) النظرية الاقتصادية في الإِسلام. . . .، فكري نعمان ص 56 - 57.

(2)

نقد الفكر الديني، د. صادق العظم، 134 - 135، وانظر: تاريخ الفكر الاقتصادي. . . .، د. محسن كاظم ص 127، وانظر: العلمانية. . . .، سفر الحوالي ص 273.

ص: 1114

جرس خاص عند أغلب المفكرين الجدد، وامتدت إلى الاقتصاد (1)، يقول باحث غربي:"وصار لزامًا على الذين نبذوا الإيمان بالله كلية أن يبحثوا عن بديل لذلك، ووجدوه في الطبيعة، أما الذين ظلوا على استمساكهم بالدين ولو باللسان -وإن لم يكن في الواقع كما هو أغلبهم- فقد اعتقدوا أن الله يعبر عن إرادته عن طريق الطبيعة وقوانينها، وليس بوسيلة مباشرة، وبذلك لم تعد الطبيعة مجرد شيء له وجود فحسب، وإنما هو شيء ينبغي أن يطاع، وصارت مخالفتها دليلًا على نقص في التقوى والأخلاق"(2)، فأُطلق على رواد علم الاقتصاد الحديث اسم الطبيعيين، وتحول إلى نظام له اسمه ومفاهيمه، ويمكن تسميته بالاقتصاد الطبيعي.

ويمكن "اعتبار الأفكار الاقتصادية للطبيعيين مشتقة من نظام أعم وأكثر شمولًا، ألا وهو النظام الطبيعي. . . . وبعبارة أخرى تعتمد الأفكار الاقتصادية الطبيعية على نظرة الطبيعيين للعالم. . . . فلقد اعتقد الطبيعيون أن العالم محكوم بقوانين عامة وثابتة لا تتغير، وأن هذه القوانين لا تقتصر على العالم الطبيعي فحسب، بل وتشمل المجتمع الإنساني أيضًا. وما وظيفة العالم سواء في المجال الطبيعي أم الاجتماعي إلا السعي لاكتشاف هذه القوانين الأزلية حتى يتسنى ضمان التوافق والانسجام بين هذه القوانين والنشاط الإنساني في جميع صوره وأشكاله. وأكد الطبيعيون أن البؤس الاجتماعي واستحواذ الفقر في زمانهم إنما يعود إلى التباين الكبير بين القوانين الوضعية ومقتضيات النظام الطبيعي"(3).

وقد قامت لهم تصورات اقتصادية تبعًا لهذا التصور، ومن ذلك مبدأ الحرية الاقتصادية التي تتوافق مع القوانين الطبيعية في نظرهم، وستتوسع هذه الحرية لتقتحم مجال الربا المحرم دينيًا، إلا أن الحلال والحرام لا مكان له في النظام العلماني القائم على الطبيعة وقوانينها، فالمهم في العلمانية أن يكون النظام الاقتصادي علميًا بزعمهم من وجهة اقتصادية وقانونيًا من جهة اجتماعية. وقد اتصل "آدم سميث" الشخصية الأبرز في الاقتصاد الحديث بهؤلاء الطبيعيين

(1) انظر: العلمانية. . . .، سفر الحوالي ص 269 وما بعدها.

(2)

هو جورج سول في كتابه "المذاهب الاقتصادية الكبرى" ص 51، عن المرجع السابق ص 272.

(3)

تاريخ الفكر الاقتصادي. . . .، د. محسن كاظم ص 80.

ص: 1115

وبالبيئة العلمية الجديدة القائمة على البحث عن قوانين طبيعية لكل شيء (1) فأسس لعلم الاقتصاد الحديث وجعله متماشيًا مع هذه الحرية والعلمية الطبيعية، وقد بلغ الانسياق مع العلمية الطبيعية الحتمية حدًا متطرفًا في عدم أخلاقيتها مع "مالتس" الذي يرى أن هذه القوانين الطبيعية الحتمية تؤدي للتفاوت الطبقي، وينتج عنها أن الفاقة والبؤس هما النصيب الحتمي للغالبية العظمى من الشعب، "وأن كل محاولة للتخفيف عن كاهل الطبقة المعدمة بصرف النظر عن دوافعها الإنسانية النبيلة لابد وأن تؤدي في النهاية إلى زيادة بؤس وفاقة الطبقة العاملة. وعليه فالإنسان المستنير بحسب رأي "مالتس" يجب أن يشجب إعادة توزيع الثروة وغيرها من السبل الرامية لتحسين أوضاع الطبقات الفقيرة، كما يجب أن يسفه هؤلاء المصلحين السذج الذين لو أخذ المجتمع بآرائهم المبنية على الخيال لا الواقع لازداد بؤسًا وتعاسة"(2).

نموذجان للانحراف في باب التعامل بالربا:

النموذج الأول: الرأسمالي:

نجد دفاعًا قويًا عن الفائدة عند عدد من الاقتصاديين، ويربطون مصير التقدم الاقتصادي بالربا، فمثلًا الدكتور "سعيد النجار" الذي يرى أن سعر الفائدة يؤدي وظيفة حيوية، وأن إلغاءها بدعوى اندراجها في الربا، يعود بأوخم العواقب وأفدح الأضرار على الأمة الإِسلامية، وأن سعر الفائدة هو الجهاز العصبي للنظام المصرفي، وأن السير لإلغائها قد يكون نهاية الاقتصاد المصري (3). وقد علق عليه د. رفيق المصري فقال: "إن الذين قالوا بأن علينا أن نقبل الحضارة الغربية بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، أرى قولهم مقبولًا في حالة واحدة: عندما تستغلق على مفكرينا وقادتنا أي قدرة على التمييز، فننضم إلى القافلة، فإذا تقدموا تقدمنا معهم، وإذا سقطوا سقطنا.

إن الدكتور النجار يبدو لي أنه، ككثيرين غيره، قد يقبل الابتكار، لكن من جهة الرأسماليين، لا من جهة المسلمين، وهو عالم، ولكنه مقلد "للمذهب

(1) انظر: المرجع السابق، د. محسن كاظم ص 128 - 129.

(2)

المرجع السابق، د. محسن كاظم ص 171.

(3)

انظر: الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص 30 - 31.

ص: 1116

الرأسمالي" غير مجتهد فيه، ولا في غيره"(1).

ومن بين المتحمسين للفائدة الربوية نجد الدكتور "محمَّد الأبرش"، عادًّا إياها شرطًا للاقتصاد الحديث مع اتفاقه مع من يحرم الربا على التحريم لكنه يخصه بربا النسيئة الذي يكون أضعافًا مضاعفة، ويرفض دخول الفائدة المقننة تحت مسمى الربا، وهو في كل ذلك يزعم لموقفه الالتزام بالعلمية الحديثة ومبادئها.

تظهر هذه العلمية ابتداء في المنهجية التي ينظر بها ومنها للاقتصاد، فيفرق بين أصحاب منهجيتين، بين مَنْ مصدره الدين، الذي يحب أن ينظر إلى الحياة والعالم -بما في ذلك الاقتصاد- كعلم اجتماعي وسياسي تابع للدين، ويساوي من جعل منهجه الدين مثل من جعل منهجه الماركسية، كلاهما في نظره سواء أصحاب نظرة شمولية، بينما الرأسمالي كأنه "المفكر المستقل الموضوعي النزعة الذي يقوده العلم الحديث والأخلاق الإنسانية"، فالمتدين يُخلط بالماركسي، وهما غير مستقلَين وغير علميين وبعيدان عن الأخلاق الإنسانية "يفتقرون إلى الموضوعية، متحيزون في نظرتهم بحكم عقائدهم وإيمانهم بصحة ما يقولون، اجتماعيون سياسيون أو متسيسون في توجهاتهم، أنصار فكر شمولي مرجعي يؤولونه على طريقتهم، وبما ينسجم مع تصوراتهم المتشددة. . . ."، بخلاف الرأسمالي الذي يفتح الباب للاستغلال والتجارات المحرمة القائمة على الغرر والغش والغبن فيُعَد عند هذا المفكر علميًا وموضوعيًا وأخلاقيًا (2) بينما تعد الرأسمالية غير أخلاقية عند كل عاقل (3).

إن هذه النظرة محكومة بأيديولوجيا علمانية شديدة لا تقدر المرجعية الدينية، ولا تنتبه لشمولية الدين، وإلا كيف يقارن من مرجعيته الإِسلام بمن مرجعيته الماركسية، كما أن ما يقوله حول علمية المفكر العلماني وموضوعيته وأخلاقيته من الأمور المبالغ فيها، وفي المقابل اتهام من جعل النور مصدره بالافتقار للموضوعية والعلمية وهذا من أعجب ما نسمع ونقرأ، قطعًا هذه حملة

(1) الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص 33.

(2)

انظر: الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. محمد الأبرش ص 95.

(3)

انظر: العلمانية. . . .، سفر الحوالي ص 274.

ص: 1117

كلامية مزيفة عن مدح المنهجية العلمانية -الرأسمالية- وذم المنهجية الإسلامية، وهذه المنهجية أوصلته إلى قوله الآتي:"ومع ذلك، وعلى كل، وبدون تحيز لأحد، فأنا أومن كاقتصادي مفكر -وهذا ليس محاولة لتطويع الاقتصاد أو الإسلام لبعضهما البعض، لأني أومن أن كلًا من علم الاقتصاد المعاصر أو الإسلام مجالان مختلفان ولكنهما يمكن أن يكونا متلازمين وغير متعارضين في نفس أي اقتصادي مسلم- أن الفائدة غير الربا من حيث اللغة والمفهوم"(1)، "ولهذا ما زلنا نقول: إن الربا حرام وإن الفائدة بالمفهوم الحديث لا علاقة لها بالربا لا كمبدأ ولا كممارسة" (2)، والربا "لا علاقة له مباشرة بالفائدة التي اعتبرها علم الاقتصاد الحديث شرعية علمية، فهي نتاج آلية سوق مفتوحة، وأجر عمل، وتفضيل وقت، ومكافأة على إحجام عن استهلاك وشيك أو فوري، لا استغلال لأحد فيها، يتم تحديدها بعرض وطلب حقيقيين يتم في سوق شفافة مفتوحة للمراقبة. . . ." (3). فالتشريع عند الكاتب لعلم الاقتصاد، فهو الذي اعتبرها "شرعية علمية"، وإذا أمكن تصور اعتبارها أجر عمل وتفضيل وقت ومكافأة فإنه لا يمكن تصور حقيقة قوله: إنه لا استغلال لأحد فيها، ولا قوله: بهذه السوق الشفافة المفتوحة، ومع ذلك فمن قَبِل بتحريم الربا لوجود الدليل الصريح فعليه أن يُرجع الفائدة أيضًا لحكم الشرع، فإن علم الاقتصاد العلماني ليس مقياسًا للعلمية المقبولة لوحده بل هو في حاجة بعد ذلك لتحكيم شرع الله فيه.

ومن تَعصُب هذا الباحث للفائدة الربوية هجومه على من أظهر القول بخلافها، ولو كان علميًا بحجم المتحمسين لها من علماء الاقتصاد الغربيين مثل "كينز"، ويعده من الانحراف عن المسار الصحيح، ويرى بأن اعتراضاته قد ذهبت مع سقوط الشيوعية إلى غير رجعة (4).

وفي المقابل يشن هجومًا شديدًا على الفكر الاقتصادي الإِسلامي في صفحات كثيرة، نتركها فهي معتادة، ويُكتفى هنا من كلامه بمسألة مهمة، وهي هجومه على المشروع الإِسلامي البديل، فيقول: "نعود إلى مشكلة البديل للنظام

(1) الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. محمد الأبرش ص 101.

(2)

المرجع السابق ص 97.

(3)

المرجع السابق ص 104 ص 152، 158.

(4)

انظر: المرجع السابق ص 106.

ص: 1118

الرأسمالي الحر بصيغه المتعددة، فالربا والفائدة ليستا أكثر من مدخل إلى الهجوم على الثقافة الغربية، والبديل لهذا كله هو النظام الإسلامي الذي تشكل البنوك الإِسلامية رأس حربته" (1)، ثم صبّ عليها نقده، ولم يسمح لها حتى من باب التجريب والتنويع بالوجود وإعطائها الفرصة (2).

ونختم آراء هذا الاقتصادي بتساؤل طرحه يقول فيه: "هل الفائدة أمر أساسي لا غنى عنه في مجتمع اليوم؟

الإجابة: نعم ما دام الاقتصاد يتبع المبادئ الطبيعية والإنسانية والرأسمالية، ومن الممكن نظريًا تصور وجود اقتصاد ذي طابع طوباوي أخلاقي أو عقائدي "إيديولوجى" سواء أكان ماركسيًا أم دينيًا، لا يحتاج الفائدة، ولكن مثل هذا الاقتصاد سيكون بالتأكيد اقتصادًا بدائيًا ومتخلفًا ومنعزلًا، إذ سيعتمد على الأخلاق الحميدة لبعض البشر، يعتمدون على الإيثار فيما بينهم، لا على مبدأ تبادل المصالح بالتساوي، وهذا يعني استطرادًا أن إلغاء الفائدة بشكل كامل يؤدي إلى انكماش الاقتصاد، ليصبح مجرد اقتصاد متكلف مصطنع" (3).

وقد رد عليه الدكتور "رفيق المصري" فقال: "وحتى رجال الفكر الاقتصادي الغربي، فإنهم لا ينكرون المثالي، بل يفردون له فرعا علميًا، هو الاقتصاد المعياري "أو القيمي أو التقديري". . . . واهتموا به في نطاق السياسة الاقتصادية، وحاول بعضهم استبعاده في نطاق النظرية الاقتصادية، محاولة منهم لإضفاء صفة العلم على الاقتصاد، وتقريبه ما أمكن من العلوم الدقيقة، أو الطبيعية، أو التجريبية"(4).

النموذج الثانى: اليساري:

تنطلق علمية النظام الرأسمالي المزعومة من دعوى مسايرة قوانين الطبيعة، والتشبه بها، فكما نعرف قوانين الطبيعة فنستفيد منها كذلك تقوم معرفة قوانين الاقتصاد فنستفيد منها، هذه هي العلمية، ومن ذلك التسليم بمعاملة الفائدة؛

(1) المرجع السابق ص 141.

(2)

انظر: المرجع السابق ص 141 - 148.

(3)

المرجع السابق ص 141.

(4)

الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص 187.

ص: 1119

لأنها تتفق مع هذه القوانين، وأما الأخلاقيات الدينية فلا مكان لها في العلم الموضوعي.

وبما أن النتائج كانت وخيمة، إذ وصلت الأمور لباب مسدود داخل الغرب، فولّد إلانحراف انحرافًا أشدّ، فجاءت الأفكار الاشتراكية الرافضة للربا والرأسمالية الشرهة بمذهبها الاقتصادي، وكان أشهرها الماركسية ذات النموذج الشيوعي المنهار قبل سنوات، ومع ذلك تبقى الاشتراكية مذهبًا مؤثرًا في الأوضاع الغربية، وتعد عامل كبح -رغم ضعفها- للغلو الرأسمالي، وسيبقى الوضع الاقتصادي هناك متأرجحًا بينهما رغم الغلبة للرأسمالية زمن العولمة، وكما هي موجودة في الغرب فكذلك هي في بلاد المسلمين، فما زال هناك من يدافع عن الرؤية الماركسية بعد تقريبها من الإِسلام، ومن ذلك هذا النموذج الذي نعرضه الآن.

تبدأ المسألة مع النموذج اليساري ببيان أصل الربا، فإذا كان الرأسماليون يرونه وضعًا طبيعيًا تحت اسم الفائدة؛ لأنه موافق للقوانين الطبيعية الاقتصادية، فإن الماركسيين يرونه مرضًا أفرزته أوضاع اقتصادية غير سوية، ويرجعونه إلى الاستغلال الطبقي، وتبقى مشكلتهم في الحل المطروح القائم على دعوى إلغاء الطبقية وسيادة البوليتاريا، فبتغيير الوضع الطبقي يختفي الربا.

وتدّعي الماركسية لتصورها العلمية، وقد سوقها دعاتها في العالم الإِسلامي تحت اسم الاشتراكية العلمية، وهي ترتبط بالجدلية المادية التى سبق الحديث عنها مرارًا، ومن صور دعوى العلمية ما يأتي في هذا النموذج الذي يحدثنا عن أصل الربا فيقول:

"لقد نشأ رأس المال الربوي مع ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج "الماعون". ومع تطور التبادل والعلاقات السلعية النقدية في المشاعية البدائية. لقد أصبحت الملكية الخاصة الناشئة أداة تمايز واختلاف بين الناس، أدى إلى تركز المال بيد القلة من ناحية، ونشر الفقر والبؤس بين الأكثرية الكادحة. ومنذ ذلك الوقت انقسم المجتمع إلى طبقات، القلة منها مسيطرة وثرية، والأخرى تئن تحت نير العبودية والاستغلال وتمثل الجماهير الواسعة"(1).

(1) القرآن والاقتصاد السياسي، محمد غانم ص 93.

ص: 1120

مع التحولات الأوروبية وظهور التجار والصناعيين وقع صراع مع المرابين حول مستوى الربا، فصدرت قوانين تحدد مستوى الفائدة في حدود 5 - 8%، إلا أن أثرها كان محدودًا ويسهل التحايل عليه. عندها لجأ التجار والصناعيون لطريقتين: إقراض بعضهم وتجنب المرابين مع مواصلة حملاتهم على المرابين من خلال البرلمانات، فأنشأ البنك وسيلة للإقراض فيما بينهم في مواجهة بيوت الربا، فظهر هنا مفهوم الفائدة في مقابل الربا، وانكمش رأس المال الربوي لظهور رأس المال الصناعي، وهما من حيث الشكل يعطيان فائدة ربوية، ولكن هناك بعض الفروق من جهة مستوى الفائدة فهي محددة، وأطراف الاقتراض (1).

تظهر أسئلة حول النظرية: عن أصل نشأة الربا؟ وعن حتمية الوقوع فيه عند وجود الطبقات؟ فالملكية أمر فطري وغريزي، ولا يمكن أن يكون الربا سببًا حتميًا للملكية، نعم الملكية تُعد مشكلة لمن لم يضبطها بالدين، وقد ظهرت مجتمعات متدينة لا تعرف الربا مع وجود الملكية فيها. كما أن الطبقات قد وجدت في مجتمعات دون وجود الربا. وبهذا فلا تلازم بين الملكية وبين الفروق الاجتماعية وبين الربا، فإذا وجدت ملكية محكومة بالدين فإنها لا تسمح بوجود الربا وغيره من المعاملات الاستغلالية. وهذا التقرير مهم؛ لأن الماركسي يُرتب على الحتمية المادية مواقف عملية من أجل القضاء على الربا، قد تكون نتائجها موازية لسلبيات الربا وأكثر، وهذه المواقف العملية المغلوطة نجدها مع الكاتب السابق، وذلك في الحل الذي يقترحه وفق مذهبه، فـ "الحل: البطشة الكبرى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} صدق الله العظيم. والبديل هي الجماعة الإِسلامية فـ "الإِسلام ليس أيدلوجيًا فحسب، بل إنه ثورة اجتماعية أيضًا. ثورة ترمي إلى بناء مجتمع لا طبقي حر، مؤسس على "القسط والعدل". مجتمع يتكون من أفراد أحرار وواعين وشاعرين بالمسؤولية"" (2).

ويأخذ على الفقهاء غموض قولهم عن أصل الربا ومصادره حتى يمكن القضاء عليه، ويأخذ عليهم عدم ربطه بالاستغلال الطبقي، ويأخذ عليهم نظرتهم للغنى والفقر بحيث يردّون الغنى والفقر لاختلاف المواهب والقدرات وليس

(1) انظر: المرجع السابق ص 95 ص 105 وما بعدها.

(2)

المرجع السابق ص 97.

ص: 1121

للملكية الخاصة التي هي مصدر الثراء والسيطرة والاستعباد والشر (1).

وبعد استعراضه لآيات تحريم الربا قال:"نلاحظ هنا أن الآيات لا تأمرنا بترك الربا فحسب، وإنما تأمرنا بالقضاء عليه، باعتباره مصدرًا من مصادر الظلم الاجتماعي. ولن يتحقق ذلك إلا في مجتمع لا طبقي. وقيام النظام الإسلامي الجماعي كبديل وهذه هي الحرب "الثورة" الثي أذن الله لنا بها لإلغاء الربا، وكل أشكال السحت لكونه استغلالًا لا طبقيًا. والجماعة هي الموكولة بالحرب "الثورة"، وذلك عن طريق الصراع والدفع الطبقي. . . . ولذلك كانت رسالات السماء كلها ذات طابع اشتراكي. وجميع الرسل وأتباعهم وحوارييهم كانوا يدعون إلى الجماعية والاشتراكية. . . ."(2).

إن التصور الضيق لأصل الربا وربطه بالجدلية المادية وعلاقات الإنتاج المادي جلب الضيق أيضًا للعلاج المقترح، وليس العلاج بالتلاعب بالوحي وعسف نصوصه لتتوافق مع الرؤى الماركسية، وإنما بالعودة إليه كما هو وكما جاء به رسول الهدى، وكما بينه لأمته وأخذه سلف الأمة، لقد نجح هؤلاء في كشف مفاسد الربا ولكنهم تكلفوا في تحديد أصل نشأته تحت دعوى العلمية، كما أنهم شطحوا بعيدًا في طريق العلاج المطروح تحت دعوى العلمية أيضًا، والنماذج الحية شاهدة على فساد الاتجاهين -المتحمس للربا تحت مسمى الفائدة، والمحارب له تحت مسمى الاستغلال الطبقي- فمع الغرب الرأسمالي نجد ضحايا الفوائد الربوية بينما نجد في البلاد الشيوعية الانهيار الاقتصادي الذي أعقب التطبيقات الاشتراكية، فتحول الاستغلال الطبقي من فئة الرأسماليين إلى طبقة الحزب الشيوعي الحاكم (3)، فبقي الشر كما هو على الإنسان الذي ابتعد عن دين الله. وما أجمل ما قاله الدكتور "عيسى عبده" في مثل هؤلاء: "ولا أريد أن أقسو في النقد، وإنما أحذر من التورط في الظن بأن الأنظمة التي وضعها الإنسان، قد فاقت نظامًا وضعه الرحمن، وأحذر من الظن بأن كتاب الله

(1) انظر: المرجع السابق ص 98 ص 110 وما بعدها.

(2)

المرجع السابق ص 100.

(3)

انظر حول المذهب الاقتصادي الماركسي مع نقده في مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب ص 410 - 439.

ص: 1122