الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخلاقيات سيئة في المجال العلمي، ولاسيّما في تحويل العلم كأداة في الانحراف الفكري والأخلاقي. ثم أزيحت من مجال الفكر، فقد تحرر المفكر من الأمانة الحقيقية، وأصبح ينشر الزيف والغش وإفساد العقيدة باسم حرية الفكر والنقد. ثم أزيحت الأخلاق من مجال العلاقات الجنسية، حيث حول الجنس لمسألة بيولوجية لا علاقة لها بالأخلاق. وأخيرًا أُفرغت الأخلاق ذاتها من مضمونها حين قيل: إنها ليس لها وجود ذاتي، إنما هي انعكاس للأوضاع المادية والاقتصادية، أو أنها من صنع العقل الجمعي إلى غير ذلك تحت مسمى العلمية (1).
النظريات الأخلاقية الجديدة:
لقد برزت في هذا الواقع الجديد نظريات أخلاقية متناقضة، كل واحدة تزعم لمبادئها التمثيل المناسب للأخلاق الجديدة أو التنظير المناسب لمفهوم الأخلاق والقيم، وقد ارتبطت بالفكر الفلسفي العلماني بالدرجة الأولى، وهذه النظريات وجدت لها من المتغربين آذانًا صاغية، فنقلت ذاك الاضطراب والتناقض والفساد النظري الغربي للأخلاق إلى المجتمع الإِسلامي، وهذه لمحة موجزة عن بعض هذه النظريات ولاسيّما ما يربط بين العلم والأخلاق.
تميزت العصور الوسطى بالمرجعية الدينية للجانب الأخلاقي، ومع العصر الحديث وبسبب الصراع الاجتماعي، ولاسيّما مع الكنيسة، بدأت الاتجاهات تبتعد عن الدين، ومع بروز عصر النهضة ثم التنوير وقع اهتمام بالعقل وجُعل مصدرًا للمعرفة مع استبعاد الدين، بل إن الدين ذاته قد جُعل مصدره العقل، وبلغ ذروته مع مفكري عصر التنوير وأبرزهم الفيلسوف الألماني "كانط" الذي أعلن استقلال العقل وعدم حاجته لغيره، وبلغ الغلو عنده أن جعل الدين تابعًا للعقل الأخلاقي بعد أن كانت الأخلاق تابعة للدين، فقد أراد تأسيس الأخلاق بعيدًا عن الدين، على مبدأ الإرادة الخيرة المعتمدة على العقل (2). وقد وجد
(1) انظر: مذاهب فكرية معاصرة، محمَّد قطب ص 486 - 487، وانظر له أيضًا: جاهلية القرن العشرين ص 153 - 159.
(2)
انظر: سؤال الأخلاق. . . .، طه عبد الرحمن ص 35 - 40، وانظر: كانت أو الفلسفة النقدية، د. زكريا إبراهيم ص 131 وما بعدها، وانظر: قضايا في الفكر المعاصر، د. محمَّد الجابري ص 38.
المفكر البارز طه عبد الرحمن أن "كانط" أقام "نظريته الأخلاقية العلمانية على قواعد دينية مع إدخال الصنعة عليها، حيث استبدل الإنسان مكان الإله مع قياس أحكامه على أحكامه. . . ."(1). وهذه النظرية العقلية للأخلاق هي امتداد للمذهب العقلي الذي افتتحه "ديكارت"، ويقابله المذهب التجريبي الحسي المتحمس للعلوم الطبيعية الذي انطلق مع مجموعة من علماء الطبيعة وتمنهج مع "بيكون". ومن الكتاب العرب من يرى بأن "أول محاولة لدراسة الظواهر الأخلاقية دراسة موضوعية قد بدأت في الظهور بعد وضع أسس المذهب التجريبي" مع "بيكون" الذي نادى "بوجوب تطبيق مذهبه التجريبي على دراسة الأخلاق والسياسة"(2)، وجاء ميدان التأسيس الأخلاقي على هذه المفاهيم التجريبية مع "هوبز" و"لوك" و"هيوم"، وهو اتجاه يرفض تبعية الأخلاق للدين "الكنيسة"، كما أن العقلي يرى تبعية الدين للأخلاق "كانط"، ويتجه الأكثر لتأسيس الأخلاق على العلم، ومع ذلك فقد ظهر اتجاه وضعي من الاتجاه التجريبي يجد أن العلم لا يحتمل الأخلاق؛ لأن العلم إما رياضي أو طبيعي، والأخلاق لا تدخل فيهما، ولهذا لا يوجد أخلاق معيارية، فالأخلاق قد تعود للسلوك فتكون فرعًا من علم النفس، وهنا تصبح علمًا؛ لأن السلوك يمكن وضعه على محكات العلم، فسلوك البخل يمكن رصده ودراسته ولكن مقولة:"البخل مذموم" مقولة لا يمكن دخولها مجال العلم، فهي تبحث ما ينبغي وليس ميدانها العلم.
سأكتفي هنا بتلك التي تنتسب للمجال العلمي من الدراسات الأخلاقية، وأبدأ بذكر أصلها، ثم ذكر صورها: يغلب على المفكرين والباحثين في مجال الأخلاق من المتوسلين بالعلمية أو المدعين لها أن يجمعهم مسمى "المواقف الطبيعية"، حيث يتفقون على "أن الإنسان والأرض والكون جميعًا أجزاء من طبيعة واحدة كبرى، تسري عليها قوانين واحدة، وتدرس بطريقة واحدة، ولابد لكل تفسير أن يقع في نطاق ما هو طبيعي، فليس وراء الطبيعة شيء، وليس غير الخبرة الحسية مصدرًا للمعرفة أو القيم. فالخبرة هي مصدر الأحكام العلمية
(1) سؤال الأخلاق. . . .، طه عبد الرحمن ص 40.
(2)
انظر: الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. السيد محمَّد بدوي ص 133.
مثلما هي منشأ أحكام القيمية" (1)، فإذا كان الإنسان جزءًا من الطبيعة؛ فهو يُدرس بكل مكوناته بما فيها قيمه بما تُدرس به الطبيعة، والطبيعة تُدرس بعلوم تجريبية حسية فكذلك الإنسان، لذا ترد القيمة "إلى الذات أو الفاعل بما له من خصائص معينة، يختلفون فيما بينهم عليها، ولا تُردّ إلى الموضوع"، فالقيمة ليس لها وجود موضوعي وإنما هي ذاتية، وبذلك تكون نسبية، وبما أن الطبيعة بحسب مذهبهم تخضع لحتمية صارمة فكذلك الإنسان، فيعدون "الذات ظاهرة طبيعية تخضع لحتمية القوانين الطبيعية. وقد يتنازعون في التوكيد على نوع القوانين، أيهما أشدّ أثرًا في الإنسان، هل هي القوانين البيولوجية، أو هي النفسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية" (2).
وقد برزت هذه النزعة العلموية بقوة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، فمع نجاحات العلم في ذاك الوقت وانبهار الناس به، وجدت تيارات فكرية تقضي بأنه الحصان المناسب في هذه المرحلة، ومنهم الاتجاهات العلموية التي غلت في العلم، والتي تطمح إلى بناء كل شيء على العلم سواء تعلق الأمر بالمعرفة أو بالسلوك (3)، وقد تطورت هذه الاتجاهات فيما بعد، وانقسمت مع العلوم الجديدة ولاسيّما الاجتماعية إلى مواقف شتى (4)، ومن ذلك المواقف التالية:
الموقف الأول: البيولوجي، وفيه تعالج الأخلاق من منظور بيولوجي يلحون على إبرازه، وتدرس وفق قانون التطور، وهم امتداد لأفكار داروين والدارونية (5)، فكما أن الحياة تطورت من خلية إلى أن وصلت لهذا الإنسان،
(1) نظرية القيم في الفكر المعاصر، د. صلاح قنصوه ص 65.
(2)
المرجع السابق ص 65، وانظر حول هذه الحتميات الأربع: في فلسفة العلم من الحتمية إلى الحتمية، د. يمنى الخولي ص 208 - 249.
(3)
انظر: قضايا في الفكر المعاصر، د. محمَّد الجابري ص 41 - 42، وانظر: الموسوعة الفلسفية العربية ص 972، وانظر: الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. السيد بدوي ص 139.
(4)
يمكن الرجوع للمذاهب الأخلاقية مختصرة في: الموسوعة الفلسفية العربية ص 2 - 43، و 820 - 825، و 964 - 947، وبتوسع في الكتب الأخلاقية مثل: نظرية القيمة في الفكر المعاصر، د. صلاح قنصوه، وكتب عادل العوا ومنها: المذاهب الأخلاقية عرض ونقد، والعمدة في فلسفة القيم، وكتب توفيق الطويل ومنها: فلسفة الأخلاق.
(5)
انظر: نظرية القيم في الفكر المعاصر، قنصوه، 69 - 71، وانظر: الموسوعة الفلسفية =
فكذا باب القيم والأخلاق تتطور بتطوره بل حتى الدين يتطور، وهو تطور تحكمه حتمية طبيعية بقوانينها الذاتية، وأي تفسير غيبي أو تفسير ميتافيزيقي لهذا التطور لا تقبله التطورية، يقول وليم جيمس البراجماتي عن أثر الدارونية:"إن فلسفة النشوء والارتقاء قد ألغت المعايير الأخلاقية التي سبقتها كلها؛ لأنها رأتها معايير ذاتية شخصية، وقدمت لنا بدلها معيارًا آخر نتعرف به الخير من الشر، وبما أن المعايير السابقة معايير نسبية فهي مدعاة للقلق والاضطراب، وأما هذا المعيار الذي ارتضوه وهو أن الحس ما قدر له أن يظهر أو يبقى فهو معيار موضوعي محدد"(1)، ومع ذلك فهذا المعيار المدعى أحال إلى فوضى أشد.
وقد أخذ التغريب بهذا الموقف في فترة من تاريخنا المعاصر لأكثر من خمسين عامًا، ومع عدم وجود دارونيين عرب الآن إلا أن الأفكار التطورية قد تسربت إلى الفكر التغريبي تحت أسماء أخرى، كما أن فكرة التطور أصبحت ذات امتداد في الفكر التغريبي بما يوحي أن التطور يشمل كل شيء بما في ذلك الدين وما يرتبط به، ومن ثم زعزعة الثوابت التي لا تقبل التغير (2).
لا يوجد ثبات للأخلاق مع فكرة التطور؛ لأنها في نمو مستمر، وهي إن حملت مفهوم الغائية إلا أنه يصعب إدراكها؛ لأننا لا نعلم إلى أين سيوصلنا التطور الحتمي، وما نعيشه لا يُعد مقياسًا للأخلاق فضلًا عن القول: إنها قديمة أو موروثة.
يرفض أصحاب هذا الموقف استقرار الأخلاق أو وجود أخلاق معيارية أو مثل عليا، كما أن الأخلاق تنبع هنا من التطور الطبيعي، فلا علاقة لها بالدين أو العقل.
الموقف الثاني: النفسية، "وتتفق هذه المواقف على رد القيمة إلى محتوى الوعي أو الوجدان النفسي بما يضطرب به من رغبات ومشاعر، فليس ثمّة قيمة إلا ما كان يرضي رغبة، أو يثير انفعالًا، أو يجسد دافعًا، وبذلك لا تكون القيمة
= العربية ص 43، وانظر: المذاهب الأخلاقية .. ، د. عادل العوا 2/ 207 وما بعدها.
(1)
القيم بين الإِسلام والغرب. . . .، د. المانع ص 254.
(2)
سيأتي زيادة تعريف بهذا التيار في الفصل الثاني من الباب الثالث.
صفة خاصة بالموضوعات، بل نسبية تلحق بأنواع الذوات" (1)، وقد كثرت مدارس علم النفس، ومن أبرزها حضورًا في الفكر التغريبي نجد المدرسة الفرويدية والسلوكية، وهي تنظر للقيم من منظور نظريات كل مدرسة، كما أن القيم تعد موضوعًا أساسيًا من موضوعات علم النفس الاجتماعي (2).
الموقف الثالث: الاجتماعية، وتعد المدرسة الفرنسية أشهرها، وهي الأكثر حضورًا في الفكر التغريبي، مثل "دوركايم" و"ليفي بريل" وأستاذها القديم "كونت"(3)، فـ"نجد أن علماء الاجتماع ينظرون إلى جميع القيم، بما في ذلك القيم الأخلاقية، على أنها صادرة عن المجتمع، وهذا المصدر؛ أي: المجتمع، هو الذي تستمد منه الظاهرة الأخلاقية طابع التقديس"(4)، أراد "دوركايم" مثلًا "في كتابه "التربية الخلقية" أن يبعد كل تأثير للعقائد الدينية في بث عناصر الأخلاق في النفوس، فإنه حرص مع ذلك على أن يكون للعاطفة والشعور مكان في التربية الأخلاقية، إذ إن هذه العاطفة أو هذا الشعور هما اللذان يحفزان إلى العمل الأخلاقي. ولكنه بدلًا من أن يربط هذه العاطفة أو هذا الشعور بقوة غيبية هي الآلهة التي تحض الأديان على عبادتها، وتجعل منها الغاية الأسمى لكل عمل أخلاقي؛ ربطها بفكرة الجماعة التي يتعلق بها الفرد. . . . وقد أدرك أن الإلزام الخلقي. . . . يجب أن يستند إلى شيء يبرره، ولكنه كان قد استبعد فكرة الإله؛ لاقتناعه كأوجست كونت، بأن الفلسفة اللاهوتية قد انقضى زمنها، فإنه قد استعاض عن هذه الفكرة بديانة الجماعة أو باتخاذ الجماعة كغاية عليا للنشاط الإنساني. فالمصدر المقدس لكل القيم هو
(1) نظرية القيم في الفكر المعاصر، قنصوه ص 71، وانظر: المذاهب الأخلاقية .. ، د. عادل العوا 2/ 608 وما بعدها، وانظر: الأخلاق عند فرويد، محمَّد العجيلي، رسالة ماجستير قدم لها الدكتور عادل العوا.
(2)
انظر: المرجع السابق، قنصوه ص 77. وسيأتي لها بحث في الفصل الثاني من الباب الثالث.
(3)
انظر: الموسوعة الفلسفية العربية ص 43، وانظر: قضايا في الفكر المعاصر، د. محمَّد الجابري ص 43 - 44، وانظر: منهج البحث الاجتماعي. . . .، محمَّد أمزيان ص 63 - 68، وانظر: المذاهب الأخلاقية .. ، د. عادل العوا 2/ 347 - 527.
(4)
الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. السيد محمَّد بدوي ص 144، وانظر: المرجع السابق، قنصوه ص 79.
"المجتمع". . . ." (1). وهو لا يهتم بمُثُل عليا أو أخلاق مطلوبة ومعيارية بسبب وضعيته التي تحتم عليه العلمية؛ لهذا تكون مهمة علم الاجتماع كشف القيم كما هي لا ما ينبغي (2). وينكر تبعًا لذلك "ليفي بريل" "على الأخلاق أن تنظر فيما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني، وعليها إن شاءت أن تكون علمًا، أن تنصرف عن التشريع المثالي إلى دراسة الوقائع الخلقية دراسة وصفية تقريرية -كما هو الحال في كل علم- لتحصيل المعرفة التي تمكننا من التحكم في الظواهر التي اكتشفت قوانينها. . . ." (3). ومن أهم أفكار "بريل" "أن الظواهر الخلقية ظواهر اجتماعية، وأنها تتغير بتغير الظواهر الاجتماعية الأخرى" (4)، وهذه الأخلاق الوحيدة التي يدرسها علم الاجتماع كأي ظاهرة طبيعية (5). ولا يفرق "بريل" بين "الواقع الاجتماعي" و"الواقع الطبيعي"؛ لأنه بحسب موقفه الطبيعي لا يؤمن إلا بعالم واحد هو العالم الطبيعي الذي يخضع بأسره لاطراد القانون (6). وتمتاز عنها المدرسة الاجتماعية الأمريكية بوجه عام بإقرارها بأهمية دور القيم في السلوك الإنساني (7).
الموقف الرابع: الاقتصادية، بدأت تحولات بارزة في علم الاقتصاد ولاسيّما في كتابات آدم سميث (8)، ويرد مفهوم القيمة في المجال الاقتصادي كدلالة على السعر المقدر للسلعة، فيقال: قيمتها كذا (9)، وبقيت بهذا المفهوم تدرس في
(1) الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. السيد محمَّد بدوي ص 144 - 145 مع الاختصار، وانظر: قضايا علم الأخلاق: دراسة نقدية من زاوية علم الاجتماع، د. قباري إسماعيل ص 58 - 59.
(2)
انظر: نظرية القيم في الفكر المعاصر، قنصوه ص 82 - 83.
(3)
نظرية القيم في الفكر المعاصر، قنصوه ص 83.
(4)
المرجع السابق ص 83 - 84.
(5)
انظر: المرجع السابق ص 85.
(6)
انظر: المرجع السابق ص 84، كما أن الكتابين التاليين بكاملهما حول الموضوع: الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. السيد محمَّد بدوي، وقضايا علم الأخلاق: دراسة نقدية من زاوية علم الاجتماع، د. قباري إسماعيل.
(7)
انظر: المرجع السابق، قنصوه ص 86.
(8)
انظر: المرجع السابق ص 90.
(9)
انظر: القيم بين الإِسلام والغرب. . . .، د. مانع المانع ص 20.
دائرة الاقتصاد دون أن تتجاوزه حتى جاءت الماركسية التي جعلت من الاقتصاد نظرة شاملة للفاعلية الإنسانية (1)، وتبدأ من ذكر ما يختلف الإنسان به عن الحيوان في تفاعله مع ما حوله بأن "قصارى جهد الحيوان هو جمع مقومات حياته والتقاطها، بينما يكون الإنسان منتجًا لها، فهو ينتج تلك المقومات التي لا تخلقها الطبيعة إلا بمشاركته وتدخله، ويعد الإنتاج الذي يهدف إلى إشباع مطالب الإنسان الحيوية أشد فاعليات الإنسان أهمية. . . . والإنتاج بمثابة عملة ذات وجهين، يسمى أحدهما "قوى الإنتاج"، والآخر "علاقات الإنتاج"، ويكونان معا ما تسميه "المادية التاريخية" "بأسلوب الإنتاج"" الذي هو في النهاية النظام الاقتصادي "الذي يسود المجتمع في مرحلة تاريخية محددة، وهو القاعدة الأساسية التي ترفع فوقها أبنية النشاط الإنساني جميعًا"، فأما قوى الإنتاج فتتألف من أدوات الإنتاج والبشر الذين يستخدمونها بما عندهم من خبرات، أما علاقات الإنتاج فهي التي تنشأ أثناء الإنتاج بين الناس، أو بالأحرى بين الطبقات، وهناك في العادة طبقة مالكة لوسائل الإنتاج ومستغلة، وهناك طبقة عاملة ومُسَتغلة (2)، ويكون أسلوب الإنتاج بوجهيه "القوى والعلاقات" هو القاعدة، وهو"العامل الحاسم في صوغ سائر العلاقات والنظم الاجتماعية والسياسية والقانونية والخلقية والفلسفية والدينية والعلمية والفنية التي تمثل بدورها "البناء الأعلى" الذي يستمد وجوده واستمراره من أسلوب معين للإنتاج. . . ."(3).
وبهذا ترد الماركسية بصورة واضحة القيم إلى الأساس الاقتصادي، وهي قيم متغيرة ومتطورة مع تغير وتطور الإنتاج، وسيبقى الصراع بين الطبقات حتى ترث البروليتاريا -طبقة العمال- كل الطبقات وتسود أخلاقها التي هي أفضل الأخلاقيات (4).
وقد ظهر الاتجاه الماركسي في العالم الإِسلامي بعد عام (1919 م)،
(1) انظر: نظرية القيم في الفكر المعاصر، قنصوه ص 93.
(2)
نظرية القيم في الفكر المعاصر ص 95 - 96، مع شيء من الاختصار.
(3)
المرجع السابق ص 97 - 98.
(4)
انظر: المرجع السابق ص 102، وانظر: الموسوعة الفلسفية العربية ص 43، وانظر: القيم بين الإِسلام والغرب. . . .، د. المانع ص 129 وما بعدها، وص 328 وما بعدها، وانظر: المذاهب الأخلاقية .. ، د. عادل العوا 2/ 131 - 205.