الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: في باب حكم التعامل بالربا:
القسم الأول: مدخل:
يأتي الاقتصاد كأحد الأبواب التي دخلها العلم الحديث فرتب أوضاعها، وجعل لها شأنًا مهما في العصر الحديث، وأصبح لهذا العلم نظرياته ومذاهبه ومدارسه وعلماؤه ومناهجه، وله كليات وجامعات تهتم به فضلًا عن مراكز البحوث ومعاهدها المهتمة بالشأن الاقتصادي، فضلًا على أن التطورات الحديثة قد وضعت الاقتصاد في قمة الاهتمامات البشرية، وهناك جانب كبير من هذا العلم يدخل في حيز العلم الصحيح والمقبول الذي أبدع فيه الغرب.
ولا شك أن في ذلك مكاسب مهمة للبشرية بتحسين وتنظيم أحوالها المادية، لاسيّما مع كل هذه التعقيدات التي صاحبت تغيرات الأحوال المادية في العصر الحديث، ولكن بسبب ارتباط هذا العلم بالتحولات الغربية -لاسيّما من جهة تأسيس الحياة بكل مناشطها بعيدًا عن الدين وأصوله الكبرى- جعلها ذات مشكلات خطيرة، لاسيما للمسلمين الذين يؤسسون حياتهم على أصول دينهم.
ومن أخطر المسائل التي ارتبطت بعلم الاقتصاد الحديث إدخال الربا عنصرًا أساسيًا في النظام الاقتصادي (1)، وذلك أنهم جعلوا من هذا النظام أشبه بالبناء الذي يعتمد على مكونات لا يستقيم إلا بها، ومن ذلك الربا الذي جعلوه عنصرًا أساسيًا في هذا النظام وأصلًا مهما من أصوله تحت اسم الفائدة، بينما يعد الربا في النظام الإِسلامي أشبه بالتيار الجهنمي الذي يعاكس بالفعل انسياب الخير في الاقتصاد (2)، فهي نقلة كبيرة وخطيرة لوضع الربا في تاريخ البشرية، الذي كان في الأساس عملية مرذولة أغلب تاريخها، وارتبط بفئات معينة اشتهر عنها التعامل بالربا لاسيّما اليهود، حتى جاء الاقتصاد الحديث ليقلب الوضع ويدخل هذه المعاملة الخبيثة ضمن المعاملات المحمودة، بل الضرورية للتقدم
(1)(النظام الاقتصادي هو الهيكل العام الذي تجتمع فيه مقومات الحياة المادية للإنسان، ومن ثم يقال بأن الاقتصاد هو "العلم الذي يدرس سلوك الإنسان في معيشته العادية، أو في شئون معاشه")[وضع الربا في البناء الاقتصادي، د. عيسى عبده ص 53].
(2)
انظر: المرجع السابق ص 39.
الاقتصادي، فكيف حدث هذا التحول تحت دعاوى العلمية؟ وما أبعاده في العالم الإِسلامي؟
من بين أهم المداخل التي دخل بها الربا داخل النظام الاقتصادي مدخلًا العلمانية والعلمية، فمن خلال العلمانية تم إقصاء التوجيه الديني عن المناشط الجديدة التي بدأ تأسيسها على العلم، وعندما انفلت العلم الحديث عن الدين انطلق -لأن الدين الذي كان يقيده ليس هو الدين الحق، بل دين محرف- ولكن انطلاقته دون توجيه رباني واعتماده فقط على الوهم بقدرة العلم على تصحيح المسار جعله يشتط في باب المعاملات المحرمة، فأدخلها هذا العلم الجديد ضمن البناء الاقتصادي تحت مسمى العلمية، مما يجعل الاعتراض عليها من باب الاعتراض على العلم.
وفي مقابل هذا الشطط الذي أدخل المعاملات المحرمة -لاسيّما الربا- ضمن الاقتصاد جاء تيار آخر أكثر شططًا، فسّر تحت مسمى العلمية أيضًا ظاهرة الربا كظاهرة مرضية خطيرة، ووضع مقترحاته العلمية من أجل نزعها من النظام الاقتصادي. ويُعدّ النظام الاشتراكي لاسيّما في صورته الماركسية أبرز ممثل للتوجه الثاني يقابل في ذلك النظام الرأسمالي الذي يمثل التوجه الأول المدافع عن الربا، ويتكون من هذين النظامين أشهر التوجهات الاقتصادية الحديثة. وفي مقابلهما يظهر النظام الإِسلامي للاقتصاد بخصائصه العظيمة، لاسيّما من جهة ربانيته وشموليته ومرونته (1)، ويبقى الجهد كبيرًا وملحًا على علماء المسلمين في إخراجه للعالم، والعجيب أننا بينما نجد في المسلمين من يزهد في النظام الاقتصادي الإِسلامي نجد من الغربيين من يلمح فيه "اقتصادًا فريدًا يمكن للآخرين أن يجدوا فيه شيئًا ثمينًا، ويقول: "إن التصور الإِسلامي للحياة الاقتصادية في غاية التميز، وفي منتهى السمو الأخلاقي، وليس أقل فعالية من أي شيء قدمه الغرب المادي المتهور". ويقول أيضًا:"لو عرف الاقتصاديون الغربيون المزيد عن القرآن، لفهموا قيمة الاقتصاد الإِسلامي" .. يقول ذلك في معرض رده على هنتيغتون. ." (2).
(1) انظر: خصائص إسلامية في الاقتصاد، د. حسن العناني ص 19 وما بعدها، تقديم د. أحمد النجار.
(2)
الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري، د. محمد الأبرش ص 10.
ولكن للأسف فقد غلب على الكتابات العربية الجانب الوصفي والنقلي أو التحمس للخيار الرأسمالي أو الاشتراكي، فكانت تتحدث عن النظريات الغربية كما هي؛ أي: عما هو واقع، بينما يواجه الفكر الإِسلامي جهدًا أشق، وهو الكتابة عن الشيء المأمول أو عن الشيء الذي نفقده ونسعى للحصول عليه وفق التصور الإِسلامي (1)، ويزداد الأمر صعوبة مع احتكار الغرب دراسة هذا العلم لأكثر من قرنين حيث عبّأه بكل خصائصه وظروف بيئاته هناك، متأثرًا بالظروف الموضوعية والخلفية التاريخية والأخلاقية لتلك الأرض التي نشأ عليها. ورغم تباين الدراسات إلا أنها تصدر عن أصل واحد: الفصل بين النشاط الاقتصادي والأخلاق، فعالم الاقتصاد لا يعنيه أن يكون النشاط أخلاقيًا أو غير أخلاقي، حرامًا أو حلالًا، عدلًا أم ظلمًا، وإنما يعنيه أن يحقق منفعته الآنية حتى ولو كان ذلك على حساب غيره وعلى حساب قيمه وعلى حساب دينه، وبهذا الفصل يتم إبعاد الدين عن التوجيه (2).
الربا في الفقه الإِسلامي:
قبل دراسة صورة تأثير النظريات العلمية الاقتصادية حول الربا في الفكر التغريبي أذكر باختصار تعريف الربا في الفقه الإِسلامي مع الأدلة:
قال ابن قدامه في خلاصة مركزة هي خلاصة الفقه الإِسلامي حول الربا: "الربا في اللغة: هو الزيادة. قال الله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} ، وقال:{أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} ؛ أي: أكثر عددًا، يقال: أربى فلان على فلان، إذا زاد عليه.
وهو في الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصة.
وهو محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع؛ أما الكتاب، فقول الله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} وما بعدها من الآيات.
وأما السنة، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اجتنبوا السبع الموبقات". قيل: يا رسول الله ما هي؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا
(1) انظر: خصائص إسلامية في الاقتصاد، أعدّه د. حسن العناني، وتقديم د. أحمد النجار ص 11.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 12 - 13.
بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه. متفق عليهما في أخبار سوى هذين كثيرة.
وأجمعت الأمة على أن الربا محرم" (1).
أدلة تحريمه في الكتاب والسنة:
ومن تأمل في الآيات والأحاديث الواردة في الربا عَلِم شدّة النهي وأهمية إبعاد الربا عن النظام الاقتصادي الإِسلامي، وعن تعامل المسلم، فما وجد من تشديد فيه قلّ أن يوجد مثله في باب المحرمات، وهذا بعض ما ورد عنه في الكتاب والسنة:
اشتمل القرآن على اثنتي عشرة آية في الربا (2)، صريحة في الربا وشديدة فيه:
وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} [آل عمران: 130].
(1) المغني، ابن قدامة 6/ 51 - 52، وانظر: التعريفات الفقهية وتحليلها عند الدكتور عمر المترك في: الربا والمعاملات المصرفية. . . . ص 37 وما بعدها.
(2)
انظر: النظرية الاقتصادية في الإِسلام. . . .، فكري نعمان ص 225.
وقال -تعالى-: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)} [النساء: 160 - 161].
وقال -تعالى-: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} [الروم: 39].
ونختار من الأحاديث النبوية الكثيرة بعضها:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"(1).
وعن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال "هم سواء"(2).
وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية"(3).
عودة العناية بموضوع الربا وفوائده:
ومن أهم الصور التي تطغى على التعاملات الاقتصادية هي القرض بفائدة، وهي صورة بارزة في النظام المصرفي الحديث وتقوم عليها كثير من التجارات المعاصرة، فمن يحصل على قرض يُردّ بفائدة غالبًا ما تكون محددة بنسبة معينة فـ"الفائدة هي الزيادة "في رأس مال القرض" في مقابل الزمن"(4). ولهذا السبب
(1) متفقٌ عليه، البخاري برقم (2766) كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} ، ومسلم برقم (145) من كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها.
(2)
مسلم، برقم (1598) من كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا ومؤكله.
(3)
رواه أحمد، 36/ 288 طبعة بإشراف د. عبد الله التركي، وقال المحققون: إنه ضعيف مرفوعًا ويصح موقوفًا على كعب الأحبار، وصححه الألباني في غاية المرام برقم (172) ص 127، حيث قال إن له حكم المرفوع فمثل هذا لا يقال بالرأي، وصححه في السلسلة الصحيحة برقم (1033).
(4)
الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص 18.
أخذ موضوع الفائدة الربوية مساحة كبيرة داخل الفكر الاقتصادي العربي المعاصر، وكما يقول مفكر اقتصادي:"فإن الفائدة والربا من أكثر المسائل تعرضًا للجدل في الدين والاقتصاد، حتى يومنا هذا"، وقد ظهر النقاش أول الأمر مع ظهور البنوك، ثم عاد النقاش مع التحول الصحي المهم نحو البنوك الإِسلامية (1)، لهذا فتح الفكر الإِسلامي باب الحديث عن الفائدة الربوية نقدًا ونقاشًا مهمًا، وفي ذلك يقول مفكر اقتصادي:"ومما يزيد في أهمية الموضوع أن الاقتصاد الإِسلامي أول ما بدأ إنما بدأ بمسألة الفائدة والربا والمصارف"(2).
[أصل منهجي في هذا الباب]: ليست مشكلة الربا من عدم مطابقته لمعادلات رياضية صحيحة أو من عدم استجابته لبعض الخصائص البشرية، فإنه قد يقع الصواب الرياضي والتوافق مع بعض الخصائص النفسية ومع ذلك فهذا لا يعني صوابها الشراعي إلا إذا تطابقت مع الأمر الشرعي؛ أي: أن ما يكون واقعًا قد لا يصح شرعًا، وهي مسألة في غاية الأهمية، فقد يظهر في البحوث العلمية سلامة أمر من بعض مجالاته من جهة مادية، ثم لا تصح من جهة الشرع؛ لتعلقات أخرى بالموضوع. وقد وقع الإشكال في هذا الباب بعد فصل العلوم عن الدين، ومن ذلك ما يرد في الدراسات الاقتصادية، فهو علم يركز على الثروة ورأس المال (3)، وكيفية تنميتها ومن ثم إدخال الرفاه على الناس، وقد يصل إلى طرق سريعة في تنمية الثروة، وهنا لا تكذيب بسرعتها في تنمية الثروة ولكنه قد لا يصح في الشرع، كما هو مثلًا في موضوع الربا، فمن يشكك في كونه طريقًا سريعًا للثروة! وهي ثروة لفئة محدودة لئيمة الطباع، ترضى بسرقة جهد الآخرين، ومن هنا جاء خطورة إغفاله من جانب العلاقة الإنسانية والعلاقة بالقيم والعلاقة بالتماسك الاجتماعي التي رعاها الشرع، فليس الأمر فقط تنمية
(1) انظر: المرجع السابق ص 18.
(2)
المرجع السابق ص 17.
(3)
الثروة ورأس المال: الثروة أعم من رأس المال، فالثروة في الفكر الاقتصادي المعاصر: مجموع ما تحت يد الأفراد والمجتمع من قيم الاستعمال. بينما رأس المال ذلك الجزء من الثروة الذي يشارك إيجابيًا في العملية الإنتاجية. انظر: الإِسلام والاقتصاد. . . .، د. عبد الهادي النجار ص 96. وانظر: النظرية الاقتصادية في الإِسلام. . . .، فكري نعمان ص 220.
ثروة، وإنما ما أثرها على هذا الإنسان؟ فتنمية المال والثروة أمر مرغوب فيه ويقوم الدين بوضع الأصول الموجهة لهذا الباب، إلا أنه يعد الربا واحدًا من أخطر صور الانحراف بالمال التي جاء بمنعها وتحريمها. وغالبًا ما يكون مثل هذا الباب -الذي يختلط فيه الأمر بين النفع السريع ولو لطائفة من جانب والفساد من جانب- مدار إشكال وموضع اختلاف، ولكن هذا الباب قد جاء الشرع فيه بالمنع الصريح مما يرفع الالتباس ويقطع الاختلاف.
عندما تكون للمعاملة المالية ثمرة قد تظهر للبعض ومع ذلك يأتي الشرع بتحريمها، فهذا يعني أن تطبيقاتها المادية أو معادلاتها الرياضية قد تحقق الثروة السريعة ولكن علاقتها بالإنسان غير صحيحة، ومن هنا جاء التحريم، ومع ذلك فإننا لا نجد مثل هذا التحريم إلا وعثر على البديل الصحيح الحلال، ولا يشترط أن يكون في سرعة المحرم في الوصول للنتائج ولكنه الأسلم، ولذا لا يصح أن تُلبِّس علينا مفاهيم العلمية التي تُصبَغ على القضايا العملية؛ لأنه لا يكفي في مثل هذه المسائل الصحة التطبيقية، بل لابد من صحة قيمية يصبغها الشرع عليها. وغالبا يأتي التحمس لهذه المحرمات من قبل أصحاب المصالح، ومن ذلك تحمس المستغلِين لعلمية الربا في نمو الثروات وتقدم المجتمعات، وقد ظهر في الفكر الغربي من عارض المفهوم الرأسمالي للربا مثل الاشتراكية، وقامت تجربة دنيوية ناجحة، وهي تدعي أيضًا العلمية، ولكنها بنفس إشكال الرأسمالية، فقد تصح منها جوانب تطبيقية وتبقى من الناحية الشرعية محرمة، ومع ذلك فهي تكشف الإمكانيات المتنوعة في تنمية الثروة، مع أنها جميعًا لا ترقى للجائز شرعًا.
أضرار الربا خصوصًا والاقتصاد العلماني عمومًا:
للاقتصاد العلماني أضرار تخفى على الكثير، فتقدم الغرب يؤثر فيهم فلا يرون السلبيات التي يحتوي عليها هذا النظام، لاسيّما حجم ما ملأ به عالمنا من الربا (1)، ولاسيّما أنه يتطور وينمو داخل الحقل العلمي مما يضفي عليه طابع الفتنة، بينما الغرب بقدر تقدمه المادي يشعر بمشكلات الربا وآثارها على
(1) انظر: الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص 17.
المجتمع، ويقوم بجهود تصحيحية ويعمل بإمكانيات ضخمة لتلافي الأضرار، ويسن تشريعات مضادة أو يوجد أوضاع جانبية تمتص المشكلات الناتجة عن الربا وتضع مسكنات لامتصاص تلك الآثار (1)، وهنا تذكير بطرف من هذه الأضرار:
يصعب ذكر ما كتبه المفكرون الاقتصاديون المسلمون عن هذه الأضرار، فهي كثيرة ومخيفة، ويكفي هنا التنبيه على صورتها الإجمالية وبعض مراجعها العلمية، فمن هذه الأضرار على الأمة: تأخرها وهو عكس ما يروج له المدافعون عن نظام الربا، والغلاء والانحرافات المالية، وتعطيل المواهب الناشئة، وتجميع المال في أيدي الأنانيين (2)، ويقوم النظام المصرفي والاقتصاد الربوي المعاصر بإفساد الجميع، المقرض والمقترض (3)، ولعل هذا من أسباب اللعن الذي ورد في الحديث الصحيح للطرفين ومن معهما، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء"(4)، ولا يشك المسلم بأن له آثارًا عظيمة يكفي في الدلالة عليها مثل هذا النهي الشديد الذي يقل نظيره في باب المنهيات الشرعية.
وقد عقد "محمد رامز" فصلًا مهمًا لأضرار الربا الخُلُقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولكل فقرة مبحث عن أضرارها (5).
ومن أسوأ آثار النظام المعتمد على الربا "خلق اقتصاد مثقل بالديون، ذلك أن المنظمين والحكومة وعددًا كبيرًا من المستهلكين يكونون مكبلين بالدين الذي يترتب في ذمتهم للممولين، ولذلك آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية هامة يتعين أن تؤخذ في الحسبان"(6)، فهذا النظام يلتهم الناس ليدخلهم في طاحونة
(1) انظر: وضع الربا في البناء الاقتصادي، د. عيسى عبده ص 142.
(2)
انظر: المعاملات المصرفية الربوية وعلاجها في الإِسلام، نور الدين عتر ص 43 وما بعدها.
(3)
انظر: الإِسلام والربا، أنور قرشي ص 201 وما بعدها.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
انظر: الحكم الشرعي. . . .، د. محمَّد رامز ص 117 - 122، وانظر: الربا والمعاملات المصرفية. . . .، د. عمر المترك ص 166 وما بعدها، وانظر: وضع الربا في البناء الاقتصادي، د. عيسى عبده ص 90 وما بعدها.
(6)
انظر: الدين والاقتصاد، مجموعة مؤلفين ص 68 - 70.