الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جوانب كلية يعالجها دون أن ينتبه لها الإنسان، ولذا نجد الالتزام بحديث واحد من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الوقائية يمكن أن يقي ملايين البشر من مجموعة من الأمراض، مثل النهي عن التبول والتغوط في الماء الراكد، فهناك خمسمئة مليون مصابون بالبلهارسيا التي يمكن الوقاية منها بتنفيذ هذا الحديث، فكيف لو التزم الناس بكل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
الإطار العلماني وأثره في مجال التداوي الجسدي والنفسي:
تؤكد فلسفة العلم وجود انقطاع تام بين علم الطب القديم وعلم الطب الحديث، فذاك له نسقه وهذا له نسقه، أساس القديم المذهب الحيوي الكلي بنزعته العضوية، يقابله الطب الحديث بأساسه المادي ونزعته الآلية، العضوية تعد الفارق بين الحيوان والجماد فارقًا في الطبيعة بخلاف الحديث، فتراه فارقًا في الدرجة فقط بحيث ترد الظواهر البيولوجية إلى فيزيقية وكيميائية، العضوية ذات نظرة واحدية كلية إلى الإنسان تراه كـ"بنية متكاملة" بخلاف الحديثة التي تُجَزئه (2).
يتعايش في الطب القديم أنماط مختلفة من العلاج مثل: السحر والتمائم والأعشاب والتجريبي، وقد كان للجوانب غير العلمية منه أثرها -رغم غيبيتها- في استثارة الطاقات الكامنة في الإنسان للشفاء، وذلك بتركيزها على الجانب المعنوي، وقد رفضها العلم الحديث، بينما الحديث التجريبي يرفض أي شريك في العلاج؛ إما لاستحالة التعايش مع الخرافة أو لعدم خضوعها للتجريب (3)، وهنا يدخل التصور الإِسلامي الوسطي، ليقدم النموذج الصحيح، فهو مع الطب الحديث في اعتماد الدواء العلمي، وسبقه في رفض الخرافة أو الشعوذات المحرمة حتى وإن نفع بعضها في ظاهر الأمر، ولكنه لا يتخذ هذه الخرافات ذريعة لنفي الحق، وهو أهمية الأدوية الروحية الصحيحة فيكون طريقًا ثالثًا، فيمنع السحر ويصدق بالغيب لورود النص به ويعتد بالتجريبي.
(1) من مقدمة د. البار لكتاب الطب النبوي لابن حبيب ص 6، وانظر: الطب النبوي والعلم الحديث، د. محمود النسيمي ص 5.
(2)
انظر: في فلسفة الطب، د. أحمد صبحي، د. محمود زيدان ص 7 - 13.
(3)
انظر: المرجع السابق ص 20.
أما الاتجاهات الفلسفية العلمانية فقد رفضت هذا الطريق الوسط، وأسسوا لمجال طبي رغم دعواه العلمية، إلا أنه في حقيقته يتأسس على أصول الفلسفة المادية، ومن ذلك ما نجده في كتاب "كلود برنار" مدخل:"الدراسة الطب التجريبي" ممثلًا للطب البدني، أو في كتب "فرويد" ممثلًا للطب النفسي.
فقد رفض "كلود" المذهب الحيوي، ولكنه تبنى المذهب المادي الآلي، ومع تبرئة كلود طبه من المذهبية، إلا أنه في الحقيقة يتبنى المقولات المادية، ومن ذلك إشارته لمبدأ الحتمية وإدخالها الطب، كما أن التطرف في العلمية يقود إلى صورة من المذهبية مع النزعة العلمية المغالية لعلم الطب الحديث تُدعى "التعالمية أو العلموية - Scientism"، فهي تقوم على قواعد تجريبية جيدة، إلا أنها قد تتحول مع هؤلاء المتعصبين إلى علموية (1)؛ أي: إلى مذهب علماني لا علاقة له بالعلم.
لقد قامت الفلسفة العلمية المادية بنقد النسق القديم لعلم الطب من أجل التحول نحو المادية، ومن ذلك نقد الغائية، وبنقدها ينفتح الباب للمادية الميكانيكية الحتمية (2)، ونقد وجود القوة الحيوية، والأجسام الحية والجامدة شيء واحد، والفارق بينهما في الدرجة وليس في الطبيعة (3)، وهما خاضعان للحتمية، ويذكر ليدرمان في كتابه:"الفلسفة والطب" الوجه المادي الحديث وأساسياته وأصوله، وهي "المادة هي الوجود الوحيد؛ أي: مبحث علمي لابد أن يلتزم بالتفسير المادي وإلا عد مبحثًا غيبيًا غير علمي، إذ المادية مرادفة للتفكير العلمي، الفارق بين الجماد والحي، إنما هو في التركيب الكيمائي، وهو فارق في الدرجة لا الطبيعة" (4).
تفيد المقارنة بين النسقين القديم والحديث في الطب "أن النزعة التجريبية
(1) انظر: في فلسفة الطب ص 30 - 33.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 32 - 33.
(3)
انظر حول نقد إنكار وجود معنى مميز للحياة، وأن هذه آراء تجاوزها الطب المعاصر الذي عاد إلى تأكيد المقولة بالفارق في الطبيعة لا في الدرجة بين الكائنات الحية والأجسام الجامدة، المرجع نفسه ص 50 - 53.
(4)
انظر: المرجع السابق ص 38 ص 44، وانظر: فلسفة العلم من الحتمية إلى اللاحتمية، د. يمنى الخولي ص 210 وما بعدها.