الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقوم بإسقاط الفكر الغربي الذي اختاره على النصوص والأصول، وأوضح نموذج على ذلك ما نراه من عبث في كتابه:"من العقيدة إلى الثورة".
ب - محمَّد أركون:
وفي نفس السياق، وبصورة أخطر ما نجده عند محمَّد أركون، الذي يتجاوز المدارس السابقة حول النقد التاريخي والتفسير إلى تأسيس منهجية تعتمد عليها وعلى ما أخذه من العلوم الاجتماعية والإنسانية، مثل علم الاجتماع بتخصصاته المختلفة وعلم النفس بأقسامه وعلم التاريخ المعاصر المتمثل في مدرسة الحوليات وعلم اللغة المعاصر والنقد الفلسفي والنقد الأدبي وغيرها من المنهجيات، ليكوّن من خلالها طريقته المتمثلة في "الإِسلاميات التطبيقية"(1).
وهو يزعم أنه بهذا يحقق أقصى درجات العلمية، وذلك أنه يأخذ بكل الأبعاد العلمية الممكنة والمفيدة في التعامل مع النص الديني، وحسب هذا الزعم فإن منهجه هو أفضل منهج علمي يُطبَّق على النص الديني، وبها تتحقق الموضوعية والوصول إلى الحقيقة بمفهومها المعاصر ومن ثم التعامل الصحيح مع النص.
وهو موقف لا يقل طولًا عن مواقف حنفي، ويحتاج لبحث موسع كنت قد تناولت شيئًا منه أثناء بحث الماجستير، ومن أهم معالم هذه المنهجية العلمية حسب زعمه:
1 -
الحديث عن "الظاهرة الدينية" وليس عن دين بعينه، ومن هذا الوجه، لا يوجد أي اختلاف بين كل الأديان، فهي كلها تقوم على وجود مقدس وغيبيات ونصوص وغيرها، وهذه المنهجية تحقق دمج أديان الكتاب بالأديان الوثنية، وهنا تتحقق الموضوعية والعلمية كما يزعم (2).
2 -
تتميز منهجيته بحداثتها كما يقول، وذلك أنها عند دراستها للظاهرة الدينية تدمج ثلاثة أبعاد معرفية، ولا تهمل أي واحدٍ منها، وهنا يظهر بوضوح طغيان المنهجيات المعاصرة، وهذه الأبعاد الثلاثة، هي:
(1) انظر حول الإِسلاميات التطبيقية: تاريخية الفكر العربي الإِسلامي، محمَّد أركون ص 51، وانظر: أين هو الفكر الإِسلامي المعاصر؟، محمَّد أركون ص 37 - 47، وانظر: معارك من أجل الأنسنة. . . .، محمَّد أركون ص 267.
(2)
انظر: معارك من أجل الأنسنة .. ص 270 مع الحواشي وما بعدها.
أ- البعد الأسطوري.
ب- علم التاريخ النقدي الذي يضم علم النفس، علم الاجتماع، علم الإنتربولوجيا التاريخية.
ت- النقد الفلسفي.
فهو يرى أن المنهجيات العلمانية الكلاسيكية قد ظنت إمكانية إقامة معرفة عملية مادية صرفة خالية من البعد الأسطوري، ولكن المعارف المعاصرة كشفت أهمية الأسطورة، ودورها في الوعي بالدين وأثره واستمراره، ويدخل هنا في الجانب الأسطوري كل المعاني الغيبية (1).
الأسطورة لها دور خلاق ومهم قد لا يوجد لغيرها، ومن هنا أهمية وجودها، وأهمية عدم إغفالها عند دراسة الظاهرة الدينية، إن الأساطير تفعل فعلها مثل المؤثرات العلمية والمؤثرات الفكرية العقلية والمؤثرات المادية (2).
من الواضح في هذه المنهجية تنوع عناصرها مما يوهم قدرتها على دراسة الدين وأصوله ونصوصه من كل الجهات الممكنة، بحيث لا يبقى أي فراغ أو نقص، وبهذا تكون قد حققت أقصى درجات العلمية وتوصلت إلى معرفة موضوعية وحقيقية.
وليس المراد هنا انتقاص المنهجيات ودورها المهم في إنارة العقل وتيسير عمله وتوصله للحقيقة، وإنما المراد التأكد من قدرتها على أداء وظائفها في الباب المراد دراسته، وهنا عقبة تقف أمام نجاح هذه المنهجيات، تكشفها التطبيقات الأركونية، وهي إرادة التعميم على القضايا المختلفة، فقد قامت هذه المنهجيات على نصوص وعلى أوضاع وفي بيئات، إما للتفسير أو للتغيير، وهي هنا قد قامت على دين له وضعه التاريخي والواقعي، وقامت في بيئات اجتماعية ذات سياق تاريخي وواقع معين، ونقل هذه المنهجيات إلى دين آخر أو وضع اجتماعي آخر هي عملية غير علمية إلا عند إثبات التساوي، وهي دعوى يدعيها أركون وغيره من المتغربين ليس لها سند حقيقي.
وختامًا نجد أن مصطلح "الموضوعية" بحسب الصورة السائدة في الكتابات
(1) انظر: معارك من أجل الأنسنة .. ص 291 وما بعدها.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 297.
التغريبية والمتأثرة بها قد تلبّس بإشكاليات كبيرة، مما جعله أداة للتوظيف السلبي لاسيّما مع تيار يحمل عداوة للدين، ومع أننا نجد حوارًا كبيرًا حول المصطلح داخل المنظومة الغربية قبل توظيفه إلا أنه ومع المتغربين وأمثالهم ينقل دون الحديث عن تلك الأبعاد. هناك تساهل في طرحه كمسلمة بكل أبعاده العلمانية. ورغم الاعتراف بأهميته من جانبه الإيجابي، وكونه بهذا الجانب عنصرًا صلبًا في الحضارة الإِسلامية، إلا أنه قد وُجد للمصطلح مشكلات كبيرة في الفكر العلماني جذبت التيار التغريبي، من أخطرها: رفض أي توجيه ديني بحجة الموضوعية، وأخطر من ذلك إقصاء الدين عن المعرفة العلمية واستبعاد الوحي كمصدر للمعرفة، وإقصاء القيم عن ميدان العلم، وقد وجدنا أن الموضوعية الحقيقية لا تستبعد الدين والقيم ولا تتعارض معها، بل التطور العلمي في ظلّ الدين والقيم أفضل من تطوره في ظل حضارة مادية علمانية، شريطة أن يكون الدين هو الدين الحق والخاتم، والقيم هي تلك النابعة عنه المغروزة في الفطرة السليمة.
لقد عرف العلم الحديث الذي لمع في الحضارة الغربية مشكلات منهجية، أخطرها من جهة المصدر استبعاد الوحي، وأخطرها من جهة المنهجية اعتماد الموضوعية العلمانية. وقد كان للبابين مخاطرهما على العلم العصري، فهناك أبواب لا يستطيع العلم البشري بمصادره الوصول إليها إلا عن طريق الوحي، كما أن هناك أبوابًا لا يمكن السير فيها دون الاعتماد على تصور ورؤية تساعده في مسيره، ويصبح من الزيف دعوى موضوعية جامدة تستقصد إقصاء الدين والقيم. وقد انخرط المتغربون بقوة في هذه المنهجية العلمانية، فاستبعدوا الوحي من مصادر المعرفة وهو أعلاها وأزكاها، وانغمسوا في موضوعية زائفة هدفها استبعاد الدين وقيمه، وقد رأينا خطر مثل هذه الدعاوى ومشكلاتها وزيفها.
وبعد أن عُرض شيء من الانحراف في المنهج، في مصدر التلقي وطريقة الاستدلال، ينتقل البحث إلى بابين وقع فيهما انحراف تغريبي كبير وخطير، في باب العقيدة وفي باب الشريعة، وذلك بطرح الانحراف المنهجي أولًا ثم أمثلة تبين ذلك.
الفصل الثاني التأثر المنهجى في طريقة التعامل مع القضايا الغيبية الاعتقادية
وفيه مبحثان:
• المبحث الأول: التأثر المنهجي في طريقة النظر للغيبيات.
• المبحث الثاني: أمثلة للتأثر المنهجي وبيان خطورتها الاعتقادية.