الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموجب لبرّهما، وأمره بشكره وشكرهما، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما، ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقهما، بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة الله، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر، إلا أتى بها. ونهاه عن التكبّر، وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر، والمرح، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك. وأمره بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر، كما قال تعالى، فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا، أن يكون مخصوصاً بالحكمة، مشهوراً بها. ولهذا من منة الله عليه وعلى سائر عباده، أن قصّ عليهم من حكمته، ما يكون لهم به أسوة حسنة)) (1).
3 - حرص عباد الرحمن:
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا*أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)(2).
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا) أي: قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات، (وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أي: تقر بهم أعيننا. وإذا استقرأنا حالهم، وصفاتهم عرفنا من هممهم، وعلوّ
(1) تيسير الكريم الرحمن (ص 648 - 649).
(2)
سور الفرقان، الآيات: 74 - 76.
مرتبتهم أنهم لا تقرّ أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم، عالمين عاملين، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم، فإنه دعاء لأنفسهم؛ لأن نفعه يعود عليهم، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا:(هَبْ لَنَا) بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين؛ لأن بصلاح من ذكر يكون سبباً لصلاح كثير ممن يتعلّق بهم وينتفع بهم. (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين، والكمّل من عباد اللَّه الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون. ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتمّ إلا به، وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتمّ إلا بالصبر واليقين، كما قال تعالى:(وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال، والصبر على طاعة اللَّه، وعن معصيته، وأقداره المؤلمة، ومن العلم التامّ الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيراً كثيراً وعطاءً جزيلاً وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل؛ ولهذا لمّا كانت هممهم ومطالبهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات، فقال:(أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) أي: المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى، وتلذّه الأعين، وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا، كما قال
تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، ولهذا قال هنا:(وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا) من ربهم، ومن ملائكته الكرام، ومن بعض على بعض، ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات.
والحاصل: أن اللَّه وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده، وحسن الأدب والحلم، وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين، والإعراض عنهم، ومقابلة إساءتهم بالإحسان، وقيام الليل، والإخلاص فيه، والخوف من النار والتضرّع لربهم أن ينجيهم منها، وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك - وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسّطهم في غيره من باب أولى- والسلامة من كبائر الذنوب، والاتصاف بالإخلاص للَّه في عبادته، والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية، ولا يفعلونها بأنفسهم، وأنهم يتنزّهون من اللغو والأفعال الرديَّة التي لا خير فيها، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم، ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي، وأنهم يقابلون آيات اللَّه بالقبول لها، والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون اللَّه تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، وينتفع به من يتعلّق بهم، وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن