الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي والعشرون: فوائد التربية الحسنة
أولاً: بر الوالدين:
بعد الجهد الطويل لهذا الأب والتربية الصالحة إذا كان صالحاً فإنه سوف يجني ثمرات جهده، وسوف يحصل إن شاءالله على أولاد صالحين، يبرُّونه في حياتهم بإطاعتهم له، ومحافظتهم على أوامر اللَّه تبارك وتعالى، ففي حياة هذا الأب يجد أولاداً صالحين، بارّين بأمهم وأبيهم، رحماء بينهم، وقد قال القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
…
على ما كان عوده أبوه (1)
وبعد موت الأب يدعون له ويستغفرون له، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:((إذَا مَاتَ الإنسانُ انْقَطعَ عَمَلُهُ إلَاّ مِنْ ثلاثةٍ: إلا من صَدَقَةٍ جَاريةٍ، أو عِلمٍ يُنْتَفعُ به، أو ولدٍ صالِحٍ يَدعُو لهُ)) (2).
فهذا من فضل اللَّه على كل من له ولد صالح؛ فإنه سوف يبرّه في حياته، وبعد موته، والقرآن الكريم والسنة فيهما الكثير من هذا، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا
(1) هذا البيت من بحر الوافر، وينسب إلى أبي العلاء المعري الشاعر والفيلسوف، ولد ومات في معرة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري وهو صغير فعمي في السنة الرابعة من عمره، كان يحرم لحم الحيوان فلم يأكل اللحم خمساً وأربعين سنة وكان يلبس خشن الثياب، مات سنة 449هـ.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (رقم 1631).
تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (1).
فقد وصى الله بعبادته أولاً، وقرن بالعبادة بر الوالدين، ونهى سبحانه وتعالى عن كل ما يؤذيهما حتى التأفيف، الذي هو أدنى مراتب القول السيء، ونهى سبحانه وتعالى عن نهر الوالدين {وَلَا تَنْهَرْهُمَا}. قال بعض المفسرين: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، وقال عطاء: لا تنفض يدك على والديك (2)، ثم أمر سبحانه بالقول اللين والتواضع للوالدين والرحمة بهما.
وقد ثبت في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحقُّ بحسن صحابتي؟ قال:((أمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((أبُوك)) (3).
وفي رواية قال: ((أُمُّك، ثمَّ أُمُّك، ثمَّ أُمُّك، ثمَّ أبَاكَ، ثمَّ أدْناكَ أدْناكَ)) (4).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِنْ أبرِّ البرّ
(1) سورة الإسراء، الآيتان: 23 – 24.
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 65) وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 35).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة (رقم 5971)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به (رقم 2548)(1).
(4)
أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به (رقم 2548)(2).
صِلَةُ الرَّجلِ أهلَ وُدِّ أبيهِ بعدَ أن يولِّي)) (1).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أحبَّ أن يُبْسَطَ لهُ في رِزْقِهِ، ويُنسأَ لهُ في أثَرِهِ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) (2).
هذه الأحاديث تبيِّن حق الوالد على ولده، ففي الغالب أن الأبناء الذين تربوا على الأخلاق الإسلامية يلتزمون بهذه الشريعة وبهذه الفضائل، بل الواجبات، فهذا تعود ثمرته على الوالد الذي بذل جهده في تربية أولاده على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال القائل:
قد ينفع الأدب الأحداث في مَهَلٍ
…
وليس ينفع بعد الكَبْرةِ الأدبُ
إن الغصونَ إذا قوَّمتها اعتدلت
…
ولا يَلينُ إذَا قَوَّمتَهُ الخَشَبُ (3)
فالولد الذي عوَّده أبوه على طاعة الله تبارك وتعالى في صغره يأتي بتوفيق الله صالحاً في كبره إن شاءالله، فمن هذا الصلاح يحصل الأب والأم على الأجر العظيم، والثواب الجزيل؛ لأن الله لا يضيع أجر المحسنين، وهم قد أحسنوا تربية أولادهم في الصغر، فأعطاهم
(1) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما (رقم 2552).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق (رقم 2067)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (رقم 2557).
(3)
هذا البيت من بحر البسيط وينسب إلى سابق بن عبد الله البربري فقيه ومحدث وأحد شعراء الزهد في العصر الأموي، مات سنة 132هـ، وينسب أيضاً إلى صالح بن عبد القدوس الشاعر الحكيم، شعره كله أمثال وحكم، عمي في آخر عمره، مات سنة 160هـ، وذكر البيت أبو منصور الثعالبي في التمثيل والمحاضرة (ص 217)، وابن الجوزي في تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر (ص 5).