الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم؛ لأن من حرص على شيء، ودعا اللَّه فيه، لا بد أن يكون متسبباً فيه، وأنهم دعوا اللَّه ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم، وهي درجة الإمامة والصديقية. فَلِلَّهِ ما أعلى هذه الصفات، وأرفع هذه الهمم، وأجلّ هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس، وأطهر تلك القلوب، وأصفى هؤلاء الصفوة، وأتقى هؤلاء السادة، وللَّه فضل اللَّه عليهم ونعمته ورحمته التي جلّلتهم، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل. وللَّه، منة اللَّه على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم، وبين لهم هممهم، وأوضح لهم أجورهم، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي منّ عليهم وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وأوان، أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم)) (1).
4 - حرص المؤمنين على صلاح ذريتهم
، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا
(1) تيسير الكريم الرحمن (ص 587 - 588).
يُوعَدُونَ) (1).
((هذا من لطفه تعالى بعباده، وشكره للوالدين، أن وصّى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف، والكلام الليّن، وبذل المال والنفقة، وغير ذلك من وجوه الإحسان. ثم نبّه على ذكر السبب الموجب لذلك، فذكر ما تحمّلته الأمّ من ولدها، وما قاسته من المكاره وقت حملها، ثمّ مشقّة ولادتها المشقّة الكبيرة، ثم مشقّة الرضاع، وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين، وإنما ذلك مدّة طويلة قدرها (ثَلاثُونَ شَهْرًا) للحمل تسعة أشهر ونحوها، والباقي للرضاع هذا هو الغالب.
ويستدلّ بهذه الآية مع قوله: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)(2) أن أقلّ مدّة الحمل ستة أشهر؛ لأنّ مدّة الرضاع -وهي سنتان- إذا سقطت منها السنتان بقي ستة أشهر مدّة للحمل، (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي: نهاية قوته وشبابه، وكمال عقله، (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي: ألهمني ووفقني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) أي: نعم الدين، ونعم الدنيا، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها، ومقابلة منته بالاعتراف والعجز عن الشكر، والاجتهاد في الثناء بها على اللَّه، والنعم على الوالدين: نعم على أولادهم وذريتهم؛ لأنهم لا بد أن
(1) سورة الأحقاف، الآيتان: 15 - 16.
(2)
سورة البقرة، الآية:233.