الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث عشر: تعويدهم على الأخلاق الفاضلة
لقد دعانا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم إلى تأديب أطفالنا، وغرس الأخلاق الكريمة في نفوسهم، وتعويدهم على حسن السمت والتحلِّي بالصدق، والأمانة، واحترام الكبير، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لَيْسَ مِنْ أمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرَفْ لِعَالِمِنَا حَقَّه)) (1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكْرِموا أوْلادَكُم، وأحسِنُوا أدَبَهم)) (2).
وعن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا من نَحْلٍ أَفْضَلَ من أَدَبٍ حَسَنٍ)) (3).
(1) أخرجه أحمد (5/ 323)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1/ 187)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 127)(8/ 14). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/ 152 رقم 101) وفي صحيح الجامع (رقم 5443).
(2)
أخرجه ابن ماجه، كتاب الأدب، باب بر الوالد والإحسان إلى البنات (رقم 3671)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 389 رقم 665)، والديلمي في مسند الفردوس (1/ 67 رقم 196)، وضعفه في مصباح الزجاجة (4/ 101 - 102). وقال الألباني في ضعيف الترغيب (2/ 20 رقم 1231): ضعيف جداً.
(3)
أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في أدب الولد (رقم 1952)، والبيهقي في الكبرى (3/ 84)، والحاكم (4/ 292 رقم 7679)، وأحمد (3/ 412)، والطبراني في الكبير (2/ 320 رقم 13234)، والقضاعي في الشهاب (2/ 251 رقم 1295)، وعبد بن حميد (رقم 362)، وابن أبي الدنيا في العيال (رقم 326)، وذكر الحديث البخاري في تاريخه الكبير (1/ 422) وقال: ولم يصح سماع جده من النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العقيلي في الضعفاء (4/ 227) وقال: وليس الحديث بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أيضاً مقال. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (2/ 20 رقم 1230) وفي ضعيف الجامع (رقم 5227).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ورَّث والدٌ وَلَداً خَيراً مِنْ أدَبٍ حَسَن)) (1). فالولد أمانةٌ عند أبويه، وهو معدن نفيس يجب الاعتناء به والمحافظة على تعويده على الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة، وقلب الطفل طاهر نظيف قابل لما يُلقى إليه من خير وشر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو يُنَصِّرَانِهِ، أو يُمَجِّسَانِهِ)) (2).
ومما لا شك فيه أن والد الطفل ووالدته يستطيعان بتوفيق الله لهما العمل على حسن تربية الولد، عن طريق القدوة الحسنة أولاً، ثم تلقينه الآداب الفاضلة، والعمل على غرس الخصال الكريمة في نفسه وطبعه على الصفات الحميدة، وتقوية صلته بالله عن طريق حفظه للقرآن، وممارسة والده ووالدته العبادات، وتعليمه إيَّاها وتعويده عليها؛ فإن المرحلة الأولى من مراحل الطفل هي أهم مرحلة في تربية الطفل جسمياً وخلقياً، وفي تعويده أحسن العادات، وأكرم الأخلاق، فيعنى الوالدان بصحة الطفل وتغذيته تغذية صحية، وتعويده أدب الحديث، وأدب السؤال، بحيث يكون مُهذَّباً في
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 77 رقم 3658)، وابن عدي في الكامل (6/ 211)، وقال: وهذا أيضاً بهذا الإسناد منكر. وقال الهيثمي في المجمع (8/ 105 – 106): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، وهو ضعيف.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين (رقم 1385)، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (رقم 2658).
سؤاله، لطيفاً في حديثه، يحسن الوصول إلى ما يريد برفق وأدب. وينبغي أن يعوّد الطفل على النوم مبكراً، والاستيقاظ مبكراً، كما يعوّد على ممارسة الرياضة التي لا تتعارض مع الدين؛ ليقوى بها بدنه، ويعتاد على النشاط، والقدرة على الحركة، وعدم الكسل والخمول، وكلما تقدمت به السن تأكد العمل على حسن توجيهه وتربيته، فإذا بلغ ست سنين أُدّب، وهُذّب، وأُرسل إلى المدرسة المثالية للتعلم، ورُبِّي تربية كاملة: جسمية، وعقلية، وخلقية، واجتماعية، بحيث يُعدُّ للحياة العملية التي تنتظره.
فإذا بلغ سبع سنين أُمِر بالصلاة، وعُلِّم الطهارة والوضوء، وشُجِّع على الصلاة، وتأديتها في أوقاتها في المسجد مع الجماعة، حتى يصبح ذلك خُلقاً له.
فإذا بلغ عشر سنين ضُرِب إذا ترك الصلاة، أو أهمل فيها، وعُزِل فراشه عن إخوته وأخواته.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ على تَركِهَا لعشرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ)) (1).
وفي استطاعة المدرس أن يوصل إلى الأطفال كثيراً من الأخلاق الفاضلة: كالصدق في القول، والأمانة في العمل، والعدالة
(1) أخرجه أحمد (2/ 187)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (رقم 495)، وتقدم تخريجه. وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 266)(2/ 7).
في الحكم، والصراحة، والشجاعة، والإخلاص.
وينبغي أن يختار الرجل مؤدباً لولده؛ فإن المؤدب (المدرس) هو الذي يربِّي هذا الولد.
وقد قال بعض الحكماء يوصي مؤدب ولده: ((ليكن إصلاحك لابني إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت)) (1).
فالصبي يُحاكي أُستاذه، وزملاءه قصداً ومن غير قصد فيما يقولون وما يفعلون، ويأنس بما يأنسون، وقد ثبت في علم النفس أن الطفل بطبيعته يُحاكي ما يحدث في المجتمع الذي يُحيط به: حسناً كان أو قبيحاً، فهو يُحاكي من يعيشون معه أو يتصلون به؛ ولهذا يجب أن يكون المُقلِّد قدوة طيبة، ونموذجاً حسناً؛ فإن الطفل للمحاكاة عنده أثر كبير في تربيته الخلقية، والعقلية، والتقليد عامل مُهِمٌّ في المرحلة الأولى لتكوين العادة.
والطفل يرى الشيء يفعل أمامه ويكرره حتى يصير عادة له، وهو في الواقع: يُحاكي أبويه، وإخوته الكبار، ولكنه يكسب من محاكاة الصغار أكثر مما يكسب من محاكاة الكبار.
وينبغي للأب أن يُعوِّد الطفل على آداب الأكل، والشرب، وذلك بأن يغسل يديه قبل الأكل وبعده، ويُسمِّي عند البدء بالأكل والشرب، ويأكل بيمينه، ويحمد الله عند الانتهاء من الأكل والشرب،
(1) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 210).
ويأكل مما يليه، ولا ينظر إلى الآكلين حوله، ويمضغ اللقمة مضغاً جيداً، ولا يتقدم على من هو أكبر منه، وإذا شرب يشرب بهدوء، ولا يتنفس في الإناء.
وهذه الأخلاق قد ورد بها التوجيه من المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كُنتُ غُلاماً في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ((يا غُلام سمِّ الله، وكُلْ بِيَمينكَ، وكُلْ ممَّا يَليكَ)) (1).
وينبغي للأبوين تعليم الأطفال أوقات الاستئذان على أبويهما، ما لم يبلغ الطفل الحلم، فإذا بلغ الحلم وجب عليه الاستئذان دائماً وأبداً، كلما أراد أن يدخل على أبويه، والأوقات التي يجب على الأبوين أن يرشدوا أطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم ثلاثة أوقات:
1 – من قبل صلاة الفجر.
2 – حين وضع الثياب من الظهيرة.
3 – من بعد صلاة العشاء.
وما عدا هذه الثلاثة الأوقات فيجوز دخول الأطفال الصغار بدون استئذان، وكذلك الخدم، فإذا بلغ الأطفال الحلم وجب عليهم الاستئذان كلما أرادوا الدخول؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (رقم 5376)، وتقدم تخريجه.
وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيَاتِ والله عَلِيمٌ حَكِيم} (1).
فهذه الآداب الإسلامية التي تُكسِبَ من تمسك بها السعادة في الدنيا والآخرة، وينبغي ألا يتهاون بها وألَاّ تُهمَل، وتُضيَّع؛ فإن من ترك الآداب الإسلامية وتخلَّى عنها فقد أهملها، ويخشى عليه من الضلال والعياذ بالله.
(1) سورة النور، الآية:58.