الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث والعشرون: الهدي النبوي في تربية الشباب
أولاً: مفهوم مرحلة الشباب:
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المرحلة في كتابه العزيز بالفتوة، كما في قوله عن أصحاب الكهف:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (1).
ووصفها بالقوة كما في قوله سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير} (2).
ومرحلة القوة في هذه الآية التي تقع بين مرحلتي ضعف، هي مرحلة الشباب (3).
كما وردت الإشارة إليها بصفات أخرى: كالأشُد، كما في قوله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (4).
والأشد هنا: الاحتلام كما قاله الشعبي ومالك وغير واحد من
(1) سورة الكهف، الآية:13.
(2)
سورة الروم، الآية:54.
(3)
انظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم (3/ 440).
(4)
سورة الأنعام، الآية:152.
السلف (1). وقيل: ((هو بلوغ سن الرشد والقوة)) (2). وصفة الرشد وردت في قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (3).
في هذه الآية دلالة واضحة على أن الرشد لا يكون قبل الاحتلام.
وفي السنة المطهرة ورد ذكر هذه المرحلة بلفظ الشباب والفتيان وغيرهما، ومن ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنه له وِجَاءٌ)) (4).
وقال جندب بن عبد الله رضي الله عنه: ((كُنَّا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ونَحْنُ فِتْيان حزاوِرة (5)، فتَعَلَّمنا الإِيمانَ قَبْلَ أنْ نَتَعلَّمَ القرآنَ، فازْدَدْنا به إِيماناً)) (6).
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 190).
(2)
تفسير القرآن الحكيم لمحمد رشيد رضا (8/ 190)، الطبعة الثانية، بيروت، دار المعرفة.
(3)
سورة النساء، الآية:6.
(4)
أخرجه البخاري (رقم 5065)، ومسلم، برقم 1400، واللفظ له، سبق تخريجه.
(5)
حزاورة: جمع حزور، وهو الغلام إذا اشتد وقوي. انظر: الصحاح للجوهري (2/ 629)، الطبعة الرابعة، بيروت، دار العلم للملايين، 1990م مادة (حزور)
(6)
أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب في الإيمان برقم 61، والبيهقي في سننه الكبرى (3/ 120 رقم 5075)، والطبراني في الكبير (2/ 165 رقم 1678)، وقال الكناني في مصباح الزجاجة (1/ 12 رقم 22): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/ 37 – 38 رقم 52).
وأما من حيث المعنى اللغوي فإن الشباب بمعنى: الفتاء والحداثة. يقال: شَبَّ الغُلَامُ يَشِبّ شَبَاباً وشُبُوباً، وشَبِيباً، وأشبَّه الله، وأشبَّ الله قرنه، بمعنىً، والاسم الشبيبة، هو خلاف الشيب. والشباب جمع شَابٍّ وكذلك شُبَّانُ وشَبَبَةٌ. وشباب الشيء أوله، يقال: لقيت فلاناً في شباب النهار، أي في أوله (1).
وكلمة (شاب) تعني في أصلها اللغوي النماء والقوة. يقول ابن فارس: ((الشين والباء أصل واحد يدل على نماء الشيء وقوته، في حرارة تعتريه)) (2).
ولتحديد مرحلة الشباب فهي من حيث البداية تتبين مما يأتي:
قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (3).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقِظ، وعَنِ الصَّبيِّ حتَّى يَشبّ، وعَنِ المَعْتوهِ حتَّى يَعْقِل)) (4).
(1) انظر: ابن منظور، لسان العرب (1/ 480) مادة (شبب).
(2)
انظر: معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام هارون، الطبعة الأولى، القاهرة، دار إحياء الكتاب العربية، 1368هـ، (3/ 177).
(3)
سورة النور، الآية:59.
(4)
أخرجه الترمذي، السنن، كتاب الحدود، باب فيمن لا يجب عليه الحد (4/ 32)، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم. وقال الألباني في كتابه صحيح سنن الترمذي (2/ 117 رقم 1423): صحيح.
وبالنظر إلى هذه النصوص نجد أن الله سبحانه وتعالى سمَّى الإنسان قبل الاحتلام طفلاً.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب جماعة باسم الشباب، حاثًّا لهم على الزواج، ولا يكون الزواج إلا بعد الاحتلام.
وفي حديث علي رضي الله عنه نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بداية الشباب بلوغ الإنسان، وعلى هذا الأساس، فإن مرحلة الشباب تبدأ بالبلوغ.
ومن حيث نهاية المرحلة فقد ورد فيها خلاف بين أهل اللغة، ومن ذلك:
ما قاله الزبيدي عن محمد بن حبيب أن الشباب من سن السابعة عشرة إلى أن يستكمل إحدى وخمسين.
وقيل: ((الشاب هو البالغ إلى أن يكمل ثلاثين)).
وقيل: ((ابن ست عشرة إلى اثنتين وثلاثين)) (1).
واعتبر أبو منصور الثعالبي في تقسيمه لأسنان الناس الشباب إلى سن الأربعين (2).
وعند بطرس البستاني، الشاب لغة: من يكون سنه بين الثلاثين
(1) انظر: تاج العروس، الطبعة الأولى، بيروت، منشورات دار الحياة، 1306هـ (1/ 307).
(2)
انظر: فقه اللغة، مصر، المطبعة الرحمانية، 1346هـ، (ص 142، 143).