الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليفعل، عن الغلام: شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة))، ولفظ أبي داود:((لا يحب الله العقوق)) كأنه كره الاسم، وقال:((من ولد له ولد فأحبَّ أن ينسك عنه فلينسك: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة)) (1).
الحديث الرابع:
حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة))، وهذا لفظ أحمد، وفي لفظ له آخر:((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نعقَّ عن الجارية شاة، وعن الغلام شاتين))، ولفظ الترمذي:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتانِ، وعن الجارية شاة)) (2).
ومعنى: ((مكافأتان))، و ((مكافئتان)) واحد: والمعنى يجزئ في عقيقته: شاتان متساويتان في السن، والشَّبه، ولا ينزل سنهما عن سنِّ أدنى ما يجزئ في الأضحية، وتذبحان جميعاً (3).
(1) النسائي، كتاب العقيقة، (رقم 4212)، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، (رقم 2842)، وأحمد، (2/ 182)، والنسخة المحققة، (رقم 6713، 6822)، وقال الألباني في صحيح النسائي (3/ 137):((حسن صحيح))، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، (رقم 1655)، وإرواء الغليل (4/ 362). وحسنه في صحيح سنن أبي داود (2/ 197 رقم 2842).
(2)
أحمد (40/ 30، رقم 24028، ورقم 25250، ورقم 26134)، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما جاء في العقيقة، (رقم 1513)، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، (رقم 3163)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2/ 164 رقم 1513)، وفي صحيح ابن ماجه (3/ 92).
(3)
وذكر ابن حجر عن زيد بن أسلم أنه سئل عن قوله: ((مكافئتان)) فقال: متشابهتان تذبحان جميعاً، أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى، وحكى أبو داود عن أحمد: المكافأتان: المتقاربتان، قال الخطابي: أي في السنِّ، وقال الزمخشري: معناه: متعادلتان لما يجزئ في الزكاة والأضحية، وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرزٍ من وجه آخر عن عبيد بن أبي يزيد بلفظ:((شاتان مثلان))، ووقع عند الطبراني في حديث آخر، قيل: ما المكافئتان؟ قال: المثلان، وما أشار إليه زيد بن أسلم: من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن، ويحتمل الحمل على المعنيين معاً)) [فتح الباري لابن حجر، 3/ 592]، وانظر: تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، (5/ 103).
وقال الإمام السندي الحنفي في شرحه على سنن ابن ماجه، 3/ 549:((قوله عن الغلام)) أي يجزئ في عقيقته: ((شاتان مكافئتان)) - بالهمز -، أي: متساويتان في السن، بمعنى أن لا ينزل سنهما عن سنِّ أدنى ما يجزئ في الأضحية، وقيل: متساويتان: أي متقاربتان، وهو من كسر الفاء، من مكافأه: إذا ساواه، قال الخطابي: المحدثون يفتحون الفاء ((مكافأتان))، وأراد أنه أولى؛ لأنه يريد أن يساوى بينهما، وأما بالكسر ((مكافِئتان)) فلا، وقال الزمخشري: لا فرق بين الفتح والكسر؛ لأن كل واحدة إذا كانت أختها فقد كوفئت، فهي كافية ومكافأة.
حاصله: أن الأصل في الفتح والكسر: اعتبار المساواة بالنظر إلى ثالث، فعلى الكسر هما يساويان الثاني، وعلى الفتح يساويهما ثالث، كما هو شأن باب المفاعلة، فإن اكتفى بمساواة إحداهما الأخرى فيصح الفتح والكسر جميعاً. فإن كل واحدة فاعلة لهذه المساواة، ومفعولة، ثم قال الزمخشري: يحتمل أن معناه: متساويتان لما يجب في الأضحية في السِّنَّيْن، ويحتمل مع الفتح: أن يراد مذبوحتان، من كافأ الرجل بين بعيرين إذا نحر هذا ثم هذا معاً، من غير تعيين: كأنه يريد شاتين يذبحهما معاً)). وانظر أيضاً: حاشية السندي على سنن النسائي، (7/ 164).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحب الله العقوق)) فقد قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: ((وفي هذا الحديث كراهية ما يقبح معناه من الأسماء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، ويعجبه الفأل الحسن
…
وكان الواجب بظاهر الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود: نسيكة ولا يقال: عقيقة، لكني لا أعلم أحداً من العلماء مال إلى ذلك، ولا قال
به، وأظنهم - والله أعلم - تركوا العمل بهذا المعنى المدلول عليه من هذا الحديث؛ لما صح عندهم من لفظ العقيقة
…
))، ثم ذكر حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه:((كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويُسَمَّى فيه، ويحلق رأسه)) (1).
وحديث سلمان العنسي رضي الله عنه: ((مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى)) (2)، ثم قال: ((
…
وهما حديثان ثابتان، إسناد كل واحد منهما خير من إسناد حديث زيد بن أسلم هذا)) (3).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في العقيقة: ((لا حرج في تسميتها بالعقيقة؛ لتسمية النبي صلى الله عليه وسلم[لها بذلك] في الأحاديث الصحيحة)) (4)(5).
(1) أحمد، (33/ 271، رقم 20083، 2193، 2194)، وأبو داود، (رقم 2838)، وبقية أصحاب السنن وتقدم تخريجه. وصححه الألباني في إرواء الغليل (4/ 385، 394).
(2)
البخاري، (رقم 5471، 5472)، بنحوه، وأحمد في المسند، (26/ 170 رقم 6231)، وتقدم تخريجه.
(3)
التمهيد لابن عبد البر، (4/ 305 – 306).
(4)
سمعته من شيخنا رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث (رقم 5472). وسمعته أيضاً يقول أثناء تقريره على زاد المعاد لابن القيم، (2/ 325): ((
…
العقيقة سنة مؤكدة، وهي كالأضحية: يأكل، ويهدي، ويتصدق، وفي الأحاديث الصحيحة سمَّاها [النبي]صلى الله عليه وسلم، فقال:((كل غلام رهينة بعقيقته)) فلا بأس بتسميتها عقيقة))، وسمعته يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، (2/ 332)، عن خبر جعفر بن محمد عن أبيه: يرفعه مرسلاً: ((ابعثوا إلى بيت القابلة برجل، وكلوا، وأطعموا، ولا تكسروا منها عظماً)) [أخرجه البيهقي، (9/ 302)، وأبو داود في المراسيل]، قال شيخنا: وهذا مرسل، والمرسل لا حجة فيه، فيأكل، أو يهدي، أو يتصدق ما تيسَّر، وكسر العظم لا بأس به، وذكر بعضهم أن هذا يترك تفاؤلاً)).
(5)
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب تحفة المودود بأحكام المولود، (ص 37): ((الفصل السادس: هل تكره تسميتها عقيقة: اختلف فيه، فكرهت ذلك طائفة، واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره الاسم، فلا ينبغي أن يطلق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه، قالوا: فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لها: نسيكة، ولا يقال لها عقيقة.
وقالت طائفة أخرى: لا يكره ذلك، ورأوا إباحته، واحتجوا بحديث سمرة:((الغلام مرتهن بعقيقته))، وبحديث سلمان بن عامر:((مع الغلام عقيقة))، ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة، فدل على الإباحة، لا على الكراهة، قال أبو عمر: .. وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة، قال: على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة، وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إنما فيهما: كأنه كره الاسم، وقال:((من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل)).
ثم قال ابن القيم رحمه الله: ((قلت: ونظير هذا اختلافهم في تسمية العشاء بالعتمة، وفيه روايتان عن أحمد، والتحقيق في الموضعين كراهة هجر الاسم المشروع: من العشاء والنسيكة، والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة، فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي، ولم يهجر، وأطلق الاسم الآخر أحياناً فلا بأس بذلك، وعلى هذا تتفق الأحاديث وبالله التوفيق)) انتهى كلام ابن القيم رحمه الله، (ص 37).
وقال العلامة السندي رحمه الله في حاشيته على سنن النسائي، (7/ 162 – 163):((وكأنه كره الاسم)) يريد أنه ليس فيه توهين لأمر العقيقة، ولا إسقاط لوجوبها، وإنما استبشع الاسم وأحب أن يسميه بأحسن منه، كالنسيكة، والذبيحة، ولذلك قال:((من أحب أن ينسُك عن ولده)) بضم السين: أي يذبح، قال: التوربشتي: هذا الكلام هو كأنه كره الاسم غير سديد، أُدرج في الحديث من قول بعض الرواة، ولا يُدرى من هو، وبالجملة فقد صدر عن ظن يحتمل الخطأ، والظاهر أنه ها هنا خطأ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر العقيقة في عدة أحاديث، ولو كان يكره لعدل عنه إلى غيره، ومن سنته تغيير الاسم إذا كرهه، والأوجه أن يقال: يحتمل أن السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الذي كرهه الله تعالى من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة، ويحتمل أن العقوق هنا مستعار للولد بترك العقيقة: أي لا يحب أن يترك الوالد حق الولد الذي هو العقيقة، كما لا يحب أن يترك الولد حق الوالد الذي هو حقيقة العقوق
…
والله تعالى أعلم)). انتهى كلام الإمام السندي.