الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس عشر: العدل بين الأولاد
لقد كفلت الشريعة الإسلامية للأولاد حقوقاً كثيرة، من بينها حقوقهم في النسب والرضاعة والحضانة، كما تقدم، وأوجب على الوالدين العدل في المعاملة بين الأولاد: في الأمور المادية، والأدبية، ولا عجب في أن تأمر الشريعة بالعدل بين الأولاد، وهي التي أمرت بالعدل بين جميع الناس، وقد أمر الله تعالى بالعدل في أكثر من موضع في القرآن الكريم.
فالله سبحانه وتعالى يدعو المؤمنين لأداء الأمانة، وهي القيام بالقسط المطلق، الذي يمنع البغي والظلم في الأرض، والذي يكفل العدل بين الناس، وإذا كان هذا النوع مطلوباً في حق سائر الناس؛ فإنه يتحتم القيام به في حق الولد من باب أولى؛ لأن على الوالدين أن ينهضا بواجب حسن التربية؛ ولهذا فإنه لا يحل لشخص أن يفضِّل
(1) سورة النحل، الآية:90.
(2)
سورة النساء، الآية:135.
بعض أولاده على بعض في العطاء؛ لما يترتب على ذلك: من زرع العداوة، والبغضاء، وقطع الصلات التي أمر الله بها أن توصل، وإذا كان كل من الأبوين يسره أن يتسابق أولاده في بره، ويتنافسوا في احترامه وتوقيره؛ فإن على الآباء والأمهات العدل بين أولادهم: في الهدايا، والهبات، بل وفي الملابس والأدوات، وفي المداعبة، والنظرات، والتقبيل؛ لأن هذا أدعى إلى إيجاد المودة، ويبعث على التراحم (1).
وقد جاءت السنة المطهرة بالشيء الكثير من هذا، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نَحلْتُ ابني هذا غُلاماً، فقال:((أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْله؟)) قال: لا، قال:((فارْجِعْهُ)) (2).
وفي رواية أخرى عند البخاري عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، فقال:((أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثلَ هَذَا؟)) قال: لا، قال:((فاتَّقُوا الله واعْدِلُوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ)) قال: فرَجَعَ
(1) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 182).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للولد (رقم 2856)، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623).
فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ (1).
وفي رواية لمسلم: ((أكلّ بَنِيكَ نَحَلتَ؟)) قال: لا، قال:((فاردُدْهُ)) (2).
وفي رواية لمسلم: ((أفَعَلْتَ هذَا بِوَلَدِكَ كُلّهم؟)) قال: لا، قال:((اتَّقُوا الله واعْدِلُوا في أولادَكمْ)) (3).
وفي رواية لمسلم أيضاً: ((يا بشير، ألَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذا؟)) قال: نعم، فقال:((أكُلّهم وَهَبْتَ لَهُ مِثلَ هَذا؟)) قال: لا، قال:((فلا تُشْهِدُني إذاً فإنِّي لا أشْهَدُ عَلى جوْرٍ)) (4).
وفي رواية لمسلم أيضاً: ((أكُلّ بَنِيكَ قَدْ نحَلْتَ مِثلَ النُّعمانِ؟)) قال: لا، قال:((فأشْهِد عَلى هَذَا غَيرِي)) ثم قال: ((أيَسُرُّكَ أنْ يَكونُوا إليْكَ في البرِّ سَواء؟)) قال: بلى، قال:((فلا إذاً)) (5).
وفي رواية لمسلم أيضاً: ((أكُلّ وَلَدِكَ أعْطَيتَهُ هَذا؟)) قال: لا، قال:((ألَيْسَ تُريدُ مِنهم البرَّ مِثلَ ما تُريدُ منْ ذَا؟)) قال: بلى، قال:((فإنِّي لا أشْهَد)) (6).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: ((سَوُّوا بينَ أوْلادَكُم في العَطِيَّةِ،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب الإشهاد في الهبة (رقم 2587)، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623)(10).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623)(13).
(4)
أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623)(14).
(5)
أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623)(17).
(6)
أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623)(18).
فلوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أحَداً لَفَضَّلتُ النِّساءَ)) (1).
فمن هذه الروايات الصحيحة وغيرها يجب على الأب أن يعدل بين أولاده كما يجب عليه أن يعدل في كل أموره، وفي كل شيء، فإن الله سبحانه وتعالى يحب المقسطين.
*
…
*
…
*
(1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/ 177 رقم 11780)، والطبراني في الكبير (11/ 354 رقم 11997)، والديلمي في الفردوس (2/ 308 رقم 3391)، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/ 214)، وتبعه في تحسينه كل من المباركفوري في تحفة الأحوذي (4/ 507)، والزرقاني في شرحه على موطأ مالك (4/ 54)، بينما نقل ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 120 – 121) تضعيف ابن الجوزي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 3215)، والسلسلة الضعيفة (1/ 514 رقم 340).