الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يجعل اللَّه له من قبل سمياً. (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) بعدما كانت عاقراً، لا يصلح رحمها للولادة، فأصلح اللَّه رحمها للحمل، لأجل نبيه زكريا، وهذا من فوائد الجليس، والقرين الصالح، أنه مبارك على قرينه، فصار يحيى مشتركاً بين الوالدين. ولمّا ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين، كلاً على انفراده، أثنى عليهم عموماً، فقال:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) أي: يبادرون إليها، ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي، ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها، (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) أي: يسألوننا الأمور المرغوب فيها، من مصالح الدنيا والآخرة، ويتعوّذون بنا من الأمور المرهوب منها، من مضارّ الدارين، وهم راغبون راهبون، لا غافلون، لاهون، ولا مدلون، (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) أي: خاضعين متذلّلين متضرّعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم)) (1).
6 - محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم
-:
1 -
أمره اللَّه تعالى بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)(2).
((أي: حثّ أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتمّ إلا به، فيكون أمراً
(1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 129).
(2)
سورة طه، الآية:132.
بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها. (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائماً، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه، فقال:(نَحْنُ نَرْزُقُكَ) أي: رزقك علينا قد تكفّلنا به، كما تكفّلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق اللَّه عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال:(وَالْعَاقِبَةُ) في الدنيا والآخرة (لِلتَّقْوَى) التي هي فعل المأمور، وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى:(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1).
2 -
أوحى اللَّه عز وجل إليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(2).
((أي: يا مَنْ مَنَّ اللَّه عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه، فـ (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة،
(1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 517).
(2)
سورة التحريم، الآية:6.
ووقاية الأنفس بإلزامها أمر اللَّه، والقيام بأمره امتثالاً، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط اللَّه، ويوجب العذاب، ووقاية الأهل، والأولاد، بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر اللَّه، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر اللَّه به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه. ووصف اللَّه النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال:(وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) كما قال تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ). (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ) أي: غليظة أخلاقهم، عظيم انتهارهم، يفزعون بأصواتهم ويخيفون بمرآهم، ويهينون أصحاب النار بقوتهم، ويمتثلون فيهم أمر اللَّه، الذي حتم عليهم العذاب، وأوجب عليهم شدة العقاب، (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام، وانقيادهم لأمر اللَّه، وطاعتهم له في كلّ ما أمرهم به)) (1).
3 -
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بقوله: ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِع)) (2).
(1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 874).
(2)
أخرجه أحمد (11/ 369، رقم 6756)، وابن أبي شيبة، (1/ 347، رقم 3501)، وأبوداود بلفظه، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم 495، وأبو نعيم في الحلية (10/ 26)، والحاكم (1/ 197، رقم 708)، والبيهقي (2/ 228). وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 401):((إسناده حسن صحيح)).