الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختيارية التي تنبع من الإنسان نفسه، ويجري عليه القلم فيها بالحسنات والسيئات، فلا بد لهذا الشاب من رعاية خاصة تعينه على بداية سلوك الطريق، وتوضح له معالمه، وتذلل له مصاعبه، وتبين له زاده. حتى يسير الشاب إلى ربه آمناً مطمئناً على هُدًى وبصيرة.
2 – الشباب: فترة القوة:
يمر الإنسان في حياته بمراحل تتفاوت قوةً وضعفاً، فهو يخرج إلى الدنيا صغيراً ضعيفاً لا يعلم شيئاً، ثم يكبر شيئاً فشيئاً، ويقوى جسمه، وتنمو حواسه، ويزداد عقلاً وعلماً، حتى يبلغ أشده.
يقول ابن كثير رحمه الله (2): ((ذكر الله تعالى منته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً، بعد هذا يرزقهم السمع الذي يدركون به الأصوات، والأبصار التي يحسون بها المرئيات، والأفئدة وهي العقول – التي مركزها القلب على الصحيح وقيل الدماغ – والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها، وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلاً قليلاً، كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده)).
(1) سور النحل، الآية:78.
(2)
تفسير القرآن العظيم (2/ 580).
ولكن هذه المرحلة من القوة لا تدوم مع الإنسان، بل إذا طال به العمر عاد مرة أخرى إلى الضعف، كما في قوله سبحانه:{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُون} (1).
قال ابن كثير رحمه الله (3): يخرج من بطن أمه ضعيفاً نحيفاً واهن القوى، ثم يشب قليلاً قليلاً، حتى يكون صغيراً، ثم حدثاً، ثم مراهقاً، ثم شاباً وهو القوة بعد الضعف، ثم يشرع في النقص، فيكتهل، ثم يشيخ، ثم يهرم، وهو الضعف بعد القوة، فتضعف الهمة والحركة والبطش، وتشيب اللمة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة.
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله (4): أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم، {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} يخلق ما يشاء: من ضعفٍ، وقوَّةٍ، وشبابٍ، وشيب.
وقال ابن الجوزي (5) رحمه الله في قوله تعالى: {مِن بَعْدِ ضَعْفٍ
(1) سورة يس، الآية:68.
(2)
سورة الروم، الآية:54.
(3)
تفسير القرآن العظيم (3/ 440).
(4)
انظر: جامع البيان في تفسير القرآن، القاهرة، دار الحديث 1407هـ، (21/ 36، 37).
(5)
زاد المسير، الطبعة الأولى، بيروت، المكتب الإسلامي (6/ 310).
قُوَّةً}: يعني جعل بعد ضعف الطفولة قوة الشباب، ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الكبر وشيبه.
وكما ورد في السنة ما يدل على أن الشباب مرحلة القوة، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جمعت القرآن كله في ليلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنِّي أخْشَى أنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمان، وأنْ تَمِلَّ فاقرأْهُ في شَهرٍ)). فقلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: ((فاقْرأهُ في عَشْرةٍ)) قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: ((فاقْرأهُ في سَبْعٍ)). قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. فأبى (1).
والقوة في هذه المرحلة في كل شيء: قوة في البدن، وقوة في الحواس، وقوة على العمل والتكسب، وقوة على طلب العلم. قال الإمام الشافعي (2) رحمه الله:
ولا ينال العلم إلا فتى
…
خال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذي
…
سارت به الركبان بالفضل
بُلِيَ بفقرٍ وعيالٍ لما
…
فرَّق بين التبن والبقل
(1) أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب إقامة الصلاة، باب في كم يستحب أن يقرأ القرآن (1/ 428) حديث 1346، وابن حبان (3/ 33 رقم 756)، والنسائي في سننه الكبرى (5/ 24 رقم 8064)، وأحمد (2/ 163)، وقال الألباني في كتابه (صحيح سنن ابن ماجه) (1/ 400 رقم 1114): صحيح.
(2)
هذه الأبيات من بحر السريع، ديوان الشافعي، جمع وتعليق محمد عفيف الزعبي، الطبعة الثالثة، بيروت، دار الجيل (ص21).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: قلت لأبي: يا أبت، ما الحفاظ؟ قال: يا بني شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا (1).
وكما أن مرحلة الشباب قوة في التعلُّم، فهي قوة في التعليم أيضاً. فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد (2).
ولما كانت مرحلة الشباب أيضاً مرحلة قوة في الشهوة الجنسية، لزم الاهتمام بها، وتحصين الشباب من الوقوع في المعصية، من أجل ذلك حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تحصين شباب الصحابة رضي الله عنهم، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبَصَرِ، وأحْصَنُ للفَرْجِ، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنَّه لهُ وِجَاءٌ)) (3).
(1) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (10/ 326)، وابن عساكر في تاريخه (13/ 112)، والدارمي في السنن، المقدمة، نشر دار إحياء السنة النبوية.
(2)
أخرجه ابن ماجه في السنن، المقدمة، باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/ 11) حديث (25)، والطبراني في الكبير (5/ 169 رقم 4978)، وابن الجعد في مسنده (رقم 68)، وأحمد (4/ 370)، والطيالسي (رقم 676)، وقال الكناني في مصباح الزجاجة (1/ 8): هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 26 رقم 23).
(3)
أخرجه البخاري (رقم 5065)، ومسلم برقم 1400، وسبق تخريجه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخَّص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب (1).
ومن هنا يتأكد الاهتمام بالشباب من أولياء أمورهم ومن المربين والدعاة، والسعي إلى تحصينهم، وأن يبعدوهم، ويبعدوا عنهم كل ما شأنه إثارة شهواتهم ووقوعهم فيما حرم الله عليهم.
3 – الشباب: أفضل فترات العمر:
تعود الأفضلية لهذه المرحلة لما يجتمع للإنسان فيها من القوة والنشاط، دون غيرها، ولما يتوافر له فيها من كمال الحواس، والقدرة على التعلم والكسب، ولكن هذه الأفضلية ليست مطلقة لكل الناس، بل وربما كانت بعض الفترات عند بعض الناس أفضل من فترة الشباب، وذلك عندما يتحقق له في تلك المرحلة قوة الإيمان ودوام الصلة بالله سبحانه وتعالى، ففي هذه الحال تكون الأفضلية الحقيقية. وتكتمل الأفضلية عندما تجتمع مرحلة الشباب مع قوة الإيمان فيها.
ومما يدل على فضل هذه المرحلة أنها هي الحال التي يكون
(1) أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الصوم، باب كراهيته للشاب (2/ 781)، حديث (2387)، وابن ماجه بنحوه، كتاب الصيام، باب ما جاء في المباشرة للصائم (1/ 539) حديث رقم (1688)، وأخرجه مالك في الموطأ موقوفاً على ابن عباس، كتاب الصيام، ما جاء في التشديد في القبلة للصائم، وقال الألباني في كتابه صحيح سنن أبي داود:(2/ 65 رقم 2387): حسن صحيح.
عليها أهل الجنة، لما ورد عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ينادِي مُنَادٍ، إنَّ لَكُم أنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أبَداً، وإنَّ لكُم أنْ تَحْيوا فلا تَمُوتُوا أبَداً، وإنَّ لكُم أن تَشبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَداً، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تبأسُوا أبَداً)) (1).
وراحة الحياة وبهجتها في الدنيا غالباً ما تكون في مرحلة الشباب، فهي مرحلة يتطلع الصغير أن يصل إليها، ويتمنى الكبير أن يرجع إليها، هي مرحلة بكى عليها الشيوخ وتغنَّى بها الشعراء، كما يقول أبو العتاهية:
بكيتُ على الشبابِ بدمعِ عيني
…
فلم يُغن البكاء ولا النحيب
فيا أسفاً أسفت على الشباب
…
نعاه الشيبُ والرأس الخضيبُ
عريت من الشباب وكنت غضًّا
…
كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشبابَ يعود يوماً
…
فأخبره بما فعل المشيب (2)
ويقول فتيان الشاغوري نادماً على شبابه ومتلهفاً على لهو الشباب وعصره (3).
(1) أخرجه مسلم، كتاب صفة الجنة ونعيم أهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة (4/ 2182).
(2)
هذه الأبيات من بحر الوافر، ديوان أبي العتاهية، (ص 46).
(3)
انظر: ديوان فتيان بن علي الشاغوري، تحقيق أحمد الجودي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق (ص 150).
هريق شبابي واستشن لشقوتي
…
أديمي فلم أملك شباباً ولا وفرا (1)
تبين لي خيط من الفجر ناصع
…
إلى جنب خيط حالك وخط الشعرا (2)
واللهو الباطل مذموم في هذه المرحلة وفي غيرها من المراحل، ولكن المقصود هو استمتاع الشباب بطيبات الحياة. فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه لما تزوج سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً:((هل تزوَّجتَ بِكْراً أمْ ثَيِّباً؟)). قال جابر: تزوجت ثيباً. قال: ((فهلا تَزوَّجْتَ بِكراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك)) (3).
وعن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عَلَيْكُم بالأبْكارِ، فإنَّهُنَّ أعْذَبُ أفْواهاً، وأنْتَقُ أرْحاماً، وأرضَى باليسير)) (4).
(1) هذا البيت من بحر الطويل. هراق الماء: صبه. وأصله أراق، وهراق شبابه عبارة عن ضياعه. استشن الرجل: هزل، استشن أديمه تشنج ويبس جلده عند الهرم.
(2)
هذا البيت من بحر الطويل، أراد بخيط الفجر الناصع بياض الشعر وبالخيط الحالك سواده ووخط الشعر: دخل فيه، ووخطه الشيب فشا فيه، ديوان الشاغوري (ص 150).
(3)
أخرجه البخاري مطولاً، الجامع الصحيح، كتاب الجهاد، باب استئذان الرجل الإمام (2/ 350) حديث رقم (2967).
(4)
أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب النكاح، باب تزويج الأبكار (1/ 598)، حديث رقم (1861)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 259) عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه بلال الأشعري ضعفه الدارقطني، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة بعدة طرق. وقال فيه: من الممكن أن يقال: بأن الحديث حسن بمجموع هذه الطرق. فإن بعضها ليس شديد الضعف. والله أعلم. ثم جزمت بذلك لما رأيت الحديث في كتاب السنن لسعيد بن منصور. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 192 – 196). وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 123 رقم 1520).