الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: حرص الصالحين الصادقين على صلاح الذرية:
1 - حرص امرأة عمران:
(إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(1).
قوله تعالى: ((إذ قالت امرأة عمران) أي: والدة مريم لمّا حملت: (رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا) أي: جعلتُ ما في بطني خالصاً لوجهك، محرراً لخدمتك وخدمة بيتك (فتقبل مني) هذا العمل المبارك (إنك أنت السميع العليم) تسمع دعائي، وتعلم نيّتي وقصدي، هذا وهي في البطن قبل وضعها، (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى) كأنها تشوّفت أن يكون ذكراً؛ ليكون أقدر على الخدمة، وأعظم موقعاً، ففي كلامها نوع عذر من ربّها، فقال اللَّه:(واللَّه أعلم بما وضعت) أي: لا يحتاج إلى إعلامها، بل علمه متعلِّق بها قبل أن تعلم أمّها ما هي (وليس الذكر
(1) سورة آل عمران، الآيات: 35 - 37.
كالأنثى وإني سميتها مريم) فيه دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى، وعلى التسمية وقت الولادة، وعلى أن للأم تسمية الولد إذا لم يكره الأب (وإنّي أُعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم) دعت لها ولذرّيتها أن يُعيذهم اللَّه من الشيطان الرجيم. (فتقبّلها ربها بقبولٍ حسنٍ) أي: جعلها نذيرة مقبولة، وأجارها وذرّيتها من الشيطان (وأنبتها نباتًا حسنًا) أي: نبتت نباتاً حسناً في بدنها وخلقها وأخلاقها، لأن اللَّه تعالى قيّض لها زكريا عليه السلام (وكفّلها) إيّاه، وهذا من رفقه بها؛ ليربيها على أكمل الأحوال، فنشأت في عبادة ربها، وفاقت النساء، وانقطعت لعبادة ربّها، ولزمت محرابها أي: مصلَاّها فكان (كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا) أي: من غير كسب ولا تعب، بل رزق ساقه اللَّه إليها، وكرامة أكرمها اللَّه بها، فيقول لها زكريا:(أنَّى لك هذا قالت هو من عند اللَّه) فضلاً وإحساناً (إن اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب) أي: من غير حسبان من العبد، ولا كسب، قال تعالى:(ومن يتَّقِ اللَّهَ يجعلْ له مخرجًا ويرزقْهُ من حيثُ لا يحتسب) وفي هذه الآية دليل على إثبات كرامات الأولياء الخارقة للعادة، كما قد تواترت الأخبار بذلك، خلافاً لمن نفى ذلك)) (1).
(1) تيسير الكريم الرحمن (ص 128).