الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: تعليمهم حرفة شريفة يكتسبون منها
على والد الطفل أن يعلمه حرفة شريفة يكتسب منها بعد أن علمه ما يجب عليه من العلم الشرعي، ومن التربية الحسنة المستمدة من الكتاب والسنة، ولقد ورد في هذا الموضوع نصوص شرعية كثيرة، تحث الإنسان على أن يكون كسبه بيده، لأن أطيب ما أكل المسلم من عمل يده، وقد كان نبي الله داود يأكل من عمل يده.
عن المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا أكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)) (1). رواه البخاري.
وعن أبي عبيدة مولى عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأنْ يَحْتَطِبَ أحَدَكُم حزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أنْ يَسْألَ أحَداً فَيُعطِيهِ أوْ يَمْنَعه)) (2). رواه البخاري.
وعن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله عز وجل يُدْخلُ الثَّلاثَةَ بالسَّهْمِ الوَاحِدِ الجَنَّةَ، صَانِعُهُ يَحتَسِبَ في صَنْعَتِهِ الخَير، والممدّ به، والرَّامِي بِهِ)) وقال: ((ارمُوا وارْكَبُوا، وإنْ تَرْمُوا أحبَّ إليَّ مِنْ أنْ تَرْكَبُوا، وإنْ كلّ شيءٍ يَلْهو بِهِ الرَّجلُ بَاطِلٌ، إلَاّ رَمْيةَ الرَّجلِ بِقَوْسِهِ، وتأدِيبهُ فَرسه ومُلاعَبَتِهِ امرأتِهِ، فإنَّهُنَّ مِنَ الحقِّ، ومَنْ نَسِيَ الرَّمْيَ بَعْدَما عَلِمَهُ فَقَدْ كَفَر الذي علمه)) (3). رواه أحمد
(1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (رقم 2072).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (رقم 2074)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس (رقم 1042).
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الرمي (رقم 2513)، والنسائي في الكبرى (3/ 39 رقم 4420)، وفي المجتبى، كتاب الخيل، باب تأديب الرجل فرسه (رقم 3578)، والبيهقي في الكبرى (10/ 13 رقم 19515)،والدارمي (رقم 2405)، وابن أبي شيبة (4/ 215 رقم 19433)، وأحمد (4/ 144)، والطيالسي (رقم 1006، 1007). وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 2513).
وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي.
وعن أبي مسعود رضي الله عنه: ((إذَا أنْفَقَ المسْلمُ نَفَقَةً عَلى أهْلِهِ كَانَتْ لهُ صَدَقَةً)) (1). رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَة والمِسْكِينِ كالمجَاهِدِ في سَبيلِ الله أو القَائِمِ الليلَ الصَّائِمِ النَّهارَ)) (2).
وعن سعد في حديثه الطويل، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((ومهْمَا أنفَقْتَ فهُوَ لَكَ صَدَقَةً، حتَّى اللقمَةَ ترْفَعُها في فيّ امْرَأتك)) (3). رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ أطْيَبَ مَا أكَلَ الرَّجُلَ مِنْ كَسْبِهِ، وإنَّ وَلَدهُ مِنْ كَسْبِهِ)) (4). رواه البخاري وأحمد
(1) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5351)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد (رقم 1002).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5353)،سبق تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5354)، سبق تخريجه.
(4)
أخرجه ابن حبان (10/ 72 رقم 4259)، والترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ مال ولده (رقم 1358)، والنسائي في الكبرى (4/ 4 رقم 6043)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب (رقم 2137)، والبيهقي في الكبرى (7/ 480 رقم 15525)، وأحمد (6/ 193)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 380 رقم 3528).
وابن ماجه والترمذي والنسائي.
وعن عائشة فيما نقل عنها عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّال أنفسهم، فكان يكون لهم أرواحٌ، فقيل لهم: لو اغتسلتُم)) (1). ولقد ذكر الله في القرآن ما يحث الإنسان على طلب الرزق من الحلال، ولكن بشرط ألا يشغله عن طاعة الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} (2). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} (3).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفْضَلُ الصَّدَقةَ ما تَرَكَ غِنىً، واليَدُ العُلْيا خَيرٌ مِنَ اليدِ السُّفْلى، وابْدأ بِمَنْ تُعولُ
…
)) (4).
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو
(1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (رقم 2071)، ومسلم بنحوه، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (رقم 847).
(2)
سورة القصص، الآية:77.
(3)
سورة الجمعة، الآيتان: 9 – 10.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب وجوب النفقةعلى الأهل والعيال (رقم 5355).
كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن كان خَرَجَ يَسْعَى على أولادٍ صِغارٍ فَهُوَ في سَبِيلِ الله، وَإِنْ كان خَرَجَ يَسْعَى على أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ في سَبِيلِ الله، وَإِنْ كان يَسْعَى على نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ في سَبِيلِ الله، وَإِنْ كان خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ في سَبِيلِ الشَّيْطَانِ)) (1). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وهكذا نجد السنة المطهرة تحث على طلب الرزق، كما حث على ذلك القرآن الكريم، والأدلة من القرآن والسنة على أن طلب الرزق عبادة كثيرة جداً، ولكن الفرق بين هذه الأعمال والتي تتحول إلى عبادة وبين أعمال الذين يكدحون من غير المسلمين أن هذه الأعمال تتحول بنية المؤمن الصادق واحتسابه إلى عبادة.
إذاً نأخذ مما تقدم أنه يجب على والد الطفل أن يعلمه حرفة شريفة يكتسب منها، لكي يعيش على الحلال، ويبتعد عن الحرام والشبهات، ولقد قال بعض المربين: إنه من المستحسن لوالد الطفل بعد أن يعلمه العلوم الشرعية التي لا بد منها، أن يراعي رغبة الولد وميوله إلى المهنة التي يرغب أن يكون عالماً فيها، ما لم تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ومن هؤلاء العلماء العلَاّمة ابن خلدون، وابن سينا وغيرهما.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه الطبراني في الصغير (رقم 940)، وسبق تخريجه. وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1428)، وقال عنه في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 306 رقم 1692): صحيح لغيره.
أنه قال: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى الله من الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بالله، ولا تَعْجَزْ، وإن أصَابَكَ شيءٌ فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وكذا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وما شَاءَ فَعَلَ، فإن لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) (1).
وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال:((أَمَا في بَيْتِكَ شيءٌ؟)) قال: بلى حلس، نلبس بعضَهُ ونبسط بعضه، وقعبٌ «إناء» نشرب فيه الماء، قال:((ائتني بهما)) فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال:((مَنْ يشْتري هذينِ؟)) قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال:((اشترِ بأحدِهِما طَعاماً فانبذهُ إلى أهْلِكَ، واشترِ بالآخَرِ قَدُّوماً فأتِني بهِ)) فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قال:((اذْهَبْ واحْتَطِبْ وبِعْ ولا أرَيَنَّكَ خمسَةَ عَشَرَ يوماً))، ففعل فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هذَا خَيرٌ لكَ مِنْ أنْ تَجِيءَ، والمسألة نكتَة في وَجْهِكَ يَومَ القِيامة)) (2).
(1) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر (رقم 2664).
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة (رقم 1641)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب بيع المزايدة (رقم 2198)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 6). وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 1641)، وفي ضعيف ابن ماجه (رقم 2198)، وفي مشكاة المصابيح (رقم 1851)، وفي ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 518 – 519 رقم 1042).