الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: مداعبة الأولاد
لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الرفق في تربية الأطفال، وعلاج أخطائهم، بروح الشفقة والرأفة، والعطف، والرحمة، ومعرفة البواعث التي أدت إلى هفواتهم، والعمل على تداركها ولم يقر النبي صلى الله عليه وسلم الشدة والعنف في معاملة الأولاد، واعتبر الغلظة والجفاء في معاملة الأولاد نوعاً من فقد الرحمة في القلب، وهدد المتصف بها، بأنه عرضة لعدم حصوله على الرحمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:((من لا يَرْحَمْ لا يُرحَمْ)) (1).
وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها (2). قال ابن حجر:((وفيه تواضعه صلى الله عليه وسلم، وشفقته على الأطفال وإكرامه لهم جبراً لهم ولوالديهم)) (3).
وعن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (رقم 5997)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال
…
(رقم 2318).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة (رقم 516)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة (رقم 543).
(3)
فتح الباري (1/ 592)
يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس، حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا: قد أطلت السجود يا رسول الله، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، فقال:((إنَّ ابني قد ارْتَحَلني، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حتى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ)) (1).
وعن أمِّ خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعليَّ قميص أصفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((سَنَهْ سَنَهْ)) قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزجرني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((دعها))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أَبْلي وأَخْلِقي، ثُمَّ أَبْلي وأَخْلقِي، ثمَّ أبْلِي وأخْلِقي)) قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر يعني من بقائها (2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحَسنُ والحُسينُ هُمَا رَيْحانَتايَ مِنَ الدُّنْيا)) (3).
(1) أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 243 رقم 727)، وفي المجتبى (2/ 229 رقم 1141)، والبيهقي في الكبرى (2/ 263 رقم 3236)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 187 – 188 رقم 934)، وأحمد (3/ 493)، والطبراني في الكبير (7/ 270 رقم 7107). وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/ 371 رقم 1140).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم بالفارسية والرطانة (رقم 3071).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنها (رقم3753)، والترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما (رقم3770) واللفظ له.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تُقبِّلون الصِّبيان فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أوَأَمْلِكَ لَكَ أن نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ)) (1).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول:((اللهمَّ ارحمْهُمَا، فإنِّي أرْحَمْهُما)) (2).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مرَّ بصبيان فسلَّم عليهم (3).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب الصبيان، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأخٍ صغير لأنس بن مالك:((يا أبَا عُمَير ما فَعَلَ النُّغير)) (4). والنغير اسم لطائر يشبه العصفور، كان يلعب به أبو عمير فمات، فكان صلى الله عليه وسلم يداعب الصبي ليخفف عنه، ويزيل حزنه بفقد الطائر الذي كان يلعب به، فقد كان التلطُّف بالأطفال من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا يكون هذا من خلقه صلى الله عليه وسلم والقرآن خلقه (5)؟ فمن كان القرآن خلقه
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (رقم 5998)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (رقم 2317).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب وضع الصبي على الفخذ (رقم 6003).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم على الصبيان (رقم 6247) ومسلم، كتاب السلام، باب استحباب السلام على الصبيان (رقم 2168).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس (رقم 6129) ومسلم، كتاب الأدب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه وجواز تسميته يوم ولادته (رقم 2150).
(5)
عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض (رقم 746).
فقد أُعطيَ خيراً كثيراً.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بالصِّبيان فيبارك عليهم ويحنِّكهم، فأُتِي بصبيٍّ فبال عليه، فدعا بماءٍ فأتبعه بوله، ولم يغسله)) (1).
ومن هذه النصوص تبيَّن مدى عناية المصطفى صلى الله عليه وسلم بالأطفال، وشفقته عليهم، وحرصه على إدخال السرور عليهم، فالأطفال يُمثِّلون بعض اليوم وكلّ الغد، فيحتاجون إلى بناء شخصيتهم وإشعارهم بالاهتمام بهم، وهذا بلا شك يترك آثاراً حسنة في نفوسهم، ويعود عليهم بالخير والبركة، ويعوِّدهم على الثقة بالله ثم بالنفس، ويربِّي فيهم حب الخير والتآخي.
وقد أخذ الخلفاء والصحابة بنهج النبي صلى الله عليه وسلم في الترفُّق بالأطفال، وأخذهم باللين والشفقة والعطف، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يهابه عظماء الرجال تأخذه الرقة واللين للأطفال، ويستنكر الغلظة والشدة في معاملتهم، ويعتبر ذلك من الأمور المخلة بأهلية الإنسان في الولاية على الغير، فقد دخل عليه
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب وضع الصبي في الحجر (رقم 6002) ومسلم، كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله (رقم 286).
أحد عماله، وولاته، فوجد عمر مستلقياً على ظهره وصبيانه يلعبون حوله، فأنكر عليه سكوته على لعب الأطفال من حوله، فسأله عمر: كيف أنت مع أهلك؟ فأجاب: إذا دخلت سكت الناطق، قال له عمر: اعتزل عملنا؛ فإنك لا ترفق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم (1).
فالخليفة الراشد يضرب مثلاً في حسن معاملة الأهل والولد والسعي في إدخال السرور عليهم؛ ليتربوا تربية حسنة بعيدة عن الخوف والجبن.
وقد عزل عمر هذا الوالي؛ لجفائه، وشدته، وقسوته مع أقرب الناس إليه من الأهل والأولاد؛ لأن من يفعل هذا مع أسرته يكون مع الناس أشد جفاءً وغلظة وقسوة في المعاملة، رحم الله عمر فقد كان دائماً خير قدوة، وخير مثل في الرفق والعدل، وفي حسن السياسة، وصلاح الرأي (2).
*
…
*
…
*
(1) انظر: الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 208).
(2)
الطفل في الشريعة الإسلامية، للدكتور محمد بن أحمد الصالح ص 208.