الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفلسفي الطبيعي المحكم الذي خلفه، إن كل هذا يبرر تخصيص دراسة مسهبة عنه في هذا الموضع، سيما وقد نشبت مناقشة حادة حول شخص وعمل هذا الرجل، وردت ممن ساهموا فيها آراء متباينة أشد التباين، بحيث لا يسعنا في هذا المقام إلا أن ندلو بدلونا فيها. وسوف ندرس فيما يلي- كلّا في فصل- حياة جابر بن حيان، فأعماله كما تقابلنا في مؤلفاته، فمصادر علومه، ومن ثم نناقش الحجج التي تنكر حقيقة وجود شخصية تاريخية لجابر، وتنفي الأصالة عن الكتب المعروفة باسمه.
أولا: حياة جابر بن حيان
لا نعرف عن ظروف حياة جابر بن حيان إلا النزر القليل، كما هو الحال بالنسبة لسائر علماء الطبيعة الآخرين والفلاسفة الذين عاشوا قبل البدء في تدوين المؤلفات البيوغرافية والببليوغرافية المتعلقة بهذين المجالين. ينسب جابر إلى الكوفة «الكوفيّ» حينا وإلى طوس «الطوسيّ» حينا آخر، والغالب أنه- كما تفيدنا بعض المصادر- ولد في الكوفة، وأما والده حيان فيحتمل أنه كان ذاك العطار الذي قتل عام 107/ 725 وأعوان شيعة آخرين من قبل والي بني أمية في خراسان، يعزّز هذا الاستنتاج (وقد استنبط من أخبار أبي حنيفة الدينوري (1)، ومن أخبار الطبري (2) الذي ندين به إلى هولميارد، أن حيّانا هذا عرف رجلا يدعى «يقطين» ذكر ولده علي من قبل جابر في مجموعه (3). وهكذا نصل إلى تحديد مبدئي بالنسبة لسنة ميلاد جابر.
وقد ذكر لنا ابن النديم (4) عن جابر مايلي: «اختلف الناس في أمر جابر، فقالت الشيعة إنه من كبارهم وأحد الأبواب، وزعموا أنه كان صاحب ورفيق جعفر الصادق،
(1)«كتاب الأخبار الطوال» نشره w.guirgass في لايدن عام 1888 م، ص 334 - 337.
(2)
الطبري م 3 ص 1358 وص 1488.
(3)
e. j. holmyard، anessayonjabirib nhayyanin: stud. zurgesch. d. chemie
، تكريما ل e.o.vonlippmann في عيد ميلاده السبعبن .. برلين 1927 ص 28 - 37؛ وانظر روسكا كذلك: مجلة، 266 - 265/ 1927 /16 islam كراوس، i ص. xlv
(4)
الفهرست ص 354 - 355؛ روسكا: صنعويون عرب arab ischealchemisten ج 2 ص 7 - 8.
وكان من أهل الكوفة .. وقيل إنه كان في جملة البرامكة ومنقطعا إليهم وملتحقا «بجعفر ابن يحيي» ، فمن زعم هذا قال عني جابر بسيده جعفر، هو البرمكيّ، وقالت الشيعة إنما عني جعفر الصادق».
ثم يتابع ابن النديم فيروي عن أحد الصنعويين الذي يصفه برجل ثقة: «أن جابرا كان ينزل في شارع باب الشأم في درب الذهب .. وأن أكثر مقامه في الكوفة لصحة هوائها في تدبير الإكسير .... وقد وجد في الكوفة (ما بين 356/ 967 و 367/ 977) هاون فيه نحو مائتي رطل ذهب .... وموضع قد بني للحل والعقد .... وفي هذا الموضع كانت دار جابر (1)» .
كذلك تتباين الأخبار والظنون بالنسبة لسنة وفاة جابر، التي لم تتحدد بعد، فالجلدكي الصنعوي (ت 743/ 1342) يذكر أن جابرا عمّر أكثر من تسعين عاما وأنه، بعد انتزاع السلطة من البرامكة ثم نكبتهم (عام 187/ 803) أقام في الكوفة متخفيا حتى عهد حكم المأمون (198/ 813)(2). وتفيد مخطوطة من مخطوطات «كتاب الرحمة» لجابر أن هذا الكتاب وجد تحت (وسادة) رأس المؤلف الذي توفي (3) في طوس عام 200/ 815.
ولا يفتأ جابر يكرر اعترافه في كتبه بأنه تلميذ جعفر الصادق، فمرة عن محادثة (4) له عام 140/ 757 مع سيده، ومرات يكرر ذكر معلم يدعى «حربي الحميري» ، أخذ عنه علوما كثيرة كما تعلم عنه اللغة الحميرية. ويقال إن هذا الرجل عمّر طويلا (5)،
(1) ابن النديم ص 355.
(2)
كراوس i ص. xlii -xliii
(3)
h.e.stapleton في مجلة.4/ 56 - 1953/ 5 ambix:
(4)
كراوس i ص. lv
(5)
مختار رسائل ص 536 - 537؛ كراوس i ص، xxxvii تفيد الرسالة التي وصلت إلينا أنه عمّر 463 عاما، وفي الغالب وقعت غلطة كتابية قديمة.
ومن أساتذته الآخرين في الصنعة يذكر جابر راهبا كان هو ذاته تلميذا ل مريانس أستاذ خالد بن يزيد، قام جابر بطلب هذا العالم في الشام وتعلم منه بعض الشيء (انظر قبله ص 189)، وقد ادّعى جابر لنفسه معلما ذا اسم غريب (عجيب)«أذن الحمار المنطقي» ، لكنه لم يعط أية تفاصيل أخرى عنه (1).
وإضافة إلى ما يذكره جابر عن إقامته في العراق وسوريا يكتب أحيانا عن أخبار رحلاته إلى مصر والهند (2). ووصلت إلينا أسماء بعض تلاميذه، ذكر ابن النديم منهم ثلاثة: الخرقي وابن عياض المصري والاخميمي، فضلا عن ذلك يعترف يحيي بن أبي بكر البرمكي بأنه تلميذ لجابر (انظر بعده ص 294).
وقد اعتمد ابن النديم في بيان مؤلفات جابر على فهرسين وضعهما جابر بنفسه، شمل الفهرس الكبير منهما مؤلفاته جميعها، وخصص الصغير للكتب الصنعوية. ولم يذكر ابن النديم عنده من الفهرسين إلا تلك الكتب التي رآها بنفسه أو التي شهد له فيها العلماء الثقات. وقد أضاف جابر إلى هذه المؤلفات، التي رتبها بنفسه وفقا للعناوين، أضاف المعلومات التالية المتعلقة بكتبه (3): «ألّفت ثلاثمائة كتاب في الفلسفة وألف وثلاثمائة كتاب في الحيل .. وألف وثلاثمائة رسالة في صنائع مجموعة وآلات الحرب، ثم ألّفت في الطب كتابا عظيما، وألفت كتبا صغارا وكبارا نحو خمسمائة كتاب
…
ثم ألّفت كتب المنطق على رأي أرسطوطاليس ثم ألّفت كتاب الزيج اللطيف نحو ثلاثمائة ورقة وكتاب شرح اقليدس وكتاب شرح المجسطي وكتاب المرايا
…
ثم ألّفت كتبا في الزهد والمواعظ، وألّفت كتبا كثيرة في العزائم حسنة وفي النيرنجات وفي خواص الأشياء، ثم ألفت بعد ذلك خمسمائة كتاب نقضا على الفلاسفة .. (4)». ولقد علق روسكا، عام 1929 م، على عمل جابر الأدبي المثمر
(1) كتاب الأسطقس الأس، تحرير وتحقيق هولميارد ص 100.
(2)
كراوس i ص ii ;xxxix ص 89 و 90.
(3)
لا ينبغي لمبالغات تلك العهود القديمة أن تنفر.
(4)
ابن النديم ص 357؛ روسكا في كتابه: الكيميائيون العظام d iegrobenchemiker ص 22.