الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
meier
و c.g.jung من محاولاتهما بعد، اكتشف في المبدأ الرئيسي من «علم الميزان» لجابر، قياس (وزن) شهوة نفس العالم اللاجسمي تجاه أي جوهر كميّا، أي محاولات تبين أن هناك علاقة تكامل حقيقية بين الفيزياء وعلم النفس (1). «وعلى حين أن الحقيقة السيكلوجية كيفية في معظمها، إلا أن لهاما يسمى وجود طاقيّ طبيعيّ مستتر، ذلك لأن الظواهر النفسية تدل على سيماء كمية إلى حد ما، فلو قدّر وزن هذه الكميات بطريقة ما، لكانت النفس شيئا ما يظهر متحركا في الخلاء، يمكن تطبيق صيغة الطاقة عليه، أي لمّا كانت الكتلة والطاقة للكائن نفسه، اقتضى أن يكون للنفس، ما دام لهذه فعل يمكن التأكد منه في الخلاء أصلا، وللكتلة والسرعة مفاهيم متطابقة، أو بعبارة أخرى لكان للنفس سيماء ما تظهر فيها ككتلة متحركة (2)» .
ولعل فيما ذكر حتى الآن ما يكفي لتوفير فكرة عامة في طبيعة كتب جابر. وقد اقتبس بشكل رئيسي من دراسة كراوس لجابر، تلك الدراسة التي عرضت فيها أهمية كتب جابر بطريقة فذة، لكنها لم تكتمل بسبب النهاية المأساوية المبكرة لحياة المؤلف.
ونظرا لما استجد من اكتشاف مخطوطات، ونظرا للمشكلات التي حلت بعد ذلك وللنتائج في الدراسات الإسلامية، نظرا لكل هذا فإن مشكلة جابر تتطلب دراسات أخرى.
ثالثا: مصادر جابر
كلما ثبت ما لمحتوى كتب جابر من أهمية أكبر بالنسبة لتاريخ العلوم، لا العلوم الإسلامية وحدها، وإنما بالنسبة للعلوم بوجه عام، حظي موضوع نشأة وأصل علوم جابر بأهمية أكثر. وهو بالتأكيد موضوع من أهم موضوعات تاريخ العلوم الإسلامية بالنسبة لواقع الدراسات الحالية. هذا وتبدو دراسة كراوس بهذا الصدد مفيدة بلا شك،
(1)
c. a. meier، modernephysik- modernepsycholog iein: diekulturellebed eutungderkomp- lexenpsychologie 1935، p. 362.
(2)
c. g. jung، dergeistderpsych ologiein: eranos- jahrbuch 984/ 6491/ 41.
لما جمعت من معلومات أكثر من أي دراسة أخرى، وإن كنا نتحفظ، لأسباب ستشرح فيما بعد، تجاه بعض استنتاجاته.
ويقتضي الحال، عند دراسة موضوع علوم جابر، إبراز الحقائق التي تفيد أن المؤلف يبرز في كتبه على مستوى عال وأن اهتمامه شمل فروع العلوم الإنسانية في وقته جميعها تقريبا، وأنه يبدو وكأنه أحاط بها وألّم بتطور فروع العلوم وأنه حاول، انطلاقا من آخر مستوى بلغه التطور، أن يبين رأيه فيه انتقادا وتطويرا.
وبالنسبة للإجابة على السؤال المتعلق بأصل علوم جابر ومصادره الأدبية، ففي المجموع ذاته إمكانات عديدة: المصادر والمراجع والأساتذة والعلماء المعاصرون له، الذين لطالما ذكروا بجلاء يفوق ما في الكتب الأخرى من ذلك العصر. إن أهمية المعلومات المتوافرة بالنسبة لمناقشة هذا الموضوع وبالنسبة لدراسته في إطار تاريخ العلوم الإسلامية، تتعلق بالطبع فيما إذا كان زمن التصنيف المذكور في الكتب ذاتها، إذا كان زمنا مسلما به. فلقد غدا هذا الزمن وبعد عام 1930 م- وليس خلال الدراسات التي أجريت قبل ذلك- زمنا مشكوكا فيه، بل حدد زمن نشأة المجموع خلال حقبة زمنية تمتد من منتصف القرن الثالث/ التاسع إلى منتصف القرن الرابع/ العاشر، بدلا من القرن الثاني/ الثامن. فضلا عن ذلك، فقد عدّ تصنيف المجموع من عمل مدرسة نظامية لا من تصنيف مؤلف واحد هو جابر (انظر بعده ص 250). وكما سيبين فيما بعد بالتفصيل، فإن هناك نوعين رئيسيين من الأسباب اضطرا كراوس، الذي يعد أكثر من اشتغل بدراسة أعمال جابر، اضطرّاه أن يحدد زمن التصنيف نحو مائة سنة بعد الزمن الذي تحدده الرواية. أولا: لقد اعتقد بوجود ما يشير في النصوص إلى مرحلة متأخرة من تاريخ علم وفكر الإسلام. ثانيا: لقد وجد نموذج عالم، هو جابر، «بأصالة واستقلالية عظيمتين» ووجد أن مجمل محتوى المجموع بخصوص المعضلة والمصطلح العلمي وبالنسبة لما عرف واستعمل من مصادر هو أمر مستحيل ولا يمكن تصوره في القرن الثاني/ الثامن (1). وسنرى فيما بعد أن كلا السببين يتوقفان في نهاية الأمر على
(1) كراوس في) drit terjahresbericht: التقرير السنوي الثالث)، المصدر المذكور له آنفا، ص 27.
الفكرة المتعلقة بزمن النشأة وبمستوى العلوم الإسلامية في القرن الثاني/ الثامن، وأن الاستنتاجات المستنبطة من ذلك مرهون بعضها ببعض، وتكسب بعضها بعضا قوة إقناع. وإذا ما أريد إبداء الرأي في الأسباب المطروحة من قبل كراوس، فالأمر وما هو متوقف بالدرجة الأولي على وضع الفكرة القديمة تلك موضع تساؤل وعلى تمحيصها على ضوء المعلومات الجديدة وعلى ضوء النتائج التي توصل إليها مع الوقت. ثم يطرح السؤال من جديد فيما إذا كان علم جابر المبيّن في مؤلفاته، لا يتفق مع مستوى العلوم في القرن الثاني/ الثامن حقّا. وبعد التوصل لقرائن كافية يمكن طرح السؤال المضاد:
ترى أليست هناك نتائج تستنبط من مقارنة بين علم جابر وبين المستوى العلمي لزمن نشأة زمن المجموع الذي أخذ به كراوس، تضطرنا إلى قبول القرن الثاني/ الثامن، زمنا ألّف فيه مجموع جابر؟ وللإجابة على هذا السؤال سترد إضافة لذلك مناقشة الاعتراضات التي أبداها كراوس.
إن الفكرة العامة السابقة التي تقول بالنشأة المتأخرة للعلوم الإسلامية تعارضها كلّ الحجج والآراء الواردة في كل باب من أبواب هذا الكتاب تقريبا، وبالتالي فهي تعارض أيضا ذلك التأريخ الشائع لمجموع جابر. وحريّ أن ينوه هنا أكثر ما ينوه إلى أن العلوم الإسلامية بدأت بكل فروعها تقريبا في القرن الأول/ السابع تقريبا، وأنها تشكل استمرارا مكثفا لعلوم الشعوب المتأثرة بالهلّينية، التي «العلوم» كانت بدورها تطورا متواصلافي اتجاهات مختلفة للعلوم اليونانية. هذا وترجع الترجمات الأولي للكتب الفكرية والكتب العلمية الطبيعية عن اللغة اليونانية والسريانية والفارسية الوسيطة، إلي القرن الأول/ السابع. ومنه فقد توافر للعالم الذي كان يكتب باللغة العربية في القرن الثاني/ الثامن، توافرت له ترجمات جمة عن اللغات الآنفة الذكر وعن اللغة الهندية أيضا، كما توفر له أحيانا أعمال العلماء أنفسهم الذين كتبوا باللغة العربية واللغة السريانية. وعليه، فقد كان المصطلح العلمي العربي قد قطع مرحلة كبيرة من التطور بحيث لا يجوز لنا بعد ذلك أن نضلّل بالرأي القائل إنّ مدرسة حنين هي التي أنشأت المصطلحات العلمية للترجمة.
ولم يكن للكتب اليونانية الأصيلة والقديمة الدور الأهم في نشأة العلوم العربية، وإنما كان هذا الدور للكتب المتأخرة، وبخاصة للكتب المزيفة، التي صنّفت من قبل مختلف الشعوب الإغريقية باللغة اليونانية وبلغات أخرى. ويبدو أنه كان للكتب التي ترجع الى القرن الأخير قبل الإسلام أهم دور في نشأة العلوم العربية، إذ سبقت ترجمات هذه الكتب، بوجه عام، ترجمات الكتب اليونانية الأصيلة الأصلية. ولم يعد للرأي القائل بأن الكتب المزيفة القديمة المنسوبة إلى العلماء، هي زيوف العرب، لم يعد له ركيزة يقوم عليها (انظر المجلد الخامس من، (gas وقد قدمت لنا تلك الكتب المترجمة إلى اللغة العربية وثائق نفيسة بالنسبة لدراسة الأعمال العلمية خلال القرون الأخيرة التي سبقت الإسلام، كما تعد هذه الكتب، من جهة أخرى، أهم مصادر العلوم العربية.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، نود أن ندرس بعض بيانات مجموع جابر. وكما ذكر آنفا فإن جابرا ذكر لنا أسماء بعض العلماء من العهد الإسلامي، لم يكونوا من أهم مصادره، لكن لذكرهم أهمية فيما يتعلق بفكرتنا حول نشأة العلوم العربية المبكرة، وبموضوع شخصية جابر التاريخية. فلقد ذكر من الصنعويين القدامى في العهد الإسلامي مريانس وتلميذاه خالد بن يزيد والراهب- وغالبا ما ذكرت علاقة بعضهم ببعض في مصادر أخرى (مختار رسائل ص 529) - كما خصص للراهب كتابا صنعويّا وصل إلينا (كراوس، i ص 107، مختار رسائل ص 528 - 532)، وروي لخالد بن يزيد، أبي الصنعة العربية، قصيدة في الصنعة (كراوس، i ص 137). ويبدو أنه توافرت له أشياء مكتوبة لأستاذ آخر، عمّر طويلا هو «حربي الحميري» فابن النديم يسرد (ص 357) بين كتب جابر، كتابا هو «كتاب مصححات حربي» وكثيرا ما أحال جابر إليه (كراوس ii ص 261). كذلك خصص في كتابه «كتاب الذهب» بابا للتدابير التي أخذها عن حربي (1). ويذكر جابر في العديد من مؤلفاته بأنه تلميذ لجعفر الصادق (ت: 148/ 765، انظر قبله ص 191) ويكرر القول إنه يدين بعلمه إلى جعفر، ولكنه لم يذكر له أي كتاب.
(1)«باب أخذته من أستاذي حربي لأنه كان يعمل به» (كراوس، i ص 113).
كذلك فقد وصف جابر أحد معاصريه بأنه صنعوي فاضل، تحدث معه في الصنعة بوجود إسحاق بن موسى بن يقطين (1).
وقد أحال مرة، بصدد الأعمال المعاصرة في زمنه المتعلقة بالصنعة، في كتابه «كتاب الخواص» أحال إلى الفضل بن يحيي البرمكي (ت: 193/ 808، انظر بعده ص 396) لتدبير دهن يشمّع به الحرير ويمنع تسرب الماء. وقد ذكر جابر أنّ الفضل أخذ هذا التدبير عن مقطّعات من كتاب قديم، لم يكن ليعرف فيه المؤلف ولا العنوان (2).
ولطالما ذكر جابر أعمال معاصريه دون أن يسميهم، يقول على سبيل المثال «قال بعض أصحابنا فيه شيئا يزعم أنه امتحنه
…
» أو «بعض حكمائنا في زماننا نحن» أو «ذكر بعض الفلاسفة الذين معنا» أو «وقد خرج لأهل زماننا في التجربة أشياء عجيبة (3)» .
وقد صنف جابر، كما ذكر هو نفسه، كتابه الذي وصل إلينا، «كتاب الواحد الثالث» وكتابين آخرين خصهما لصنعوي لم يذكر اسمه، قدم إلى جابر من بلد آخر فأقام عنده مدة. «
…
لقد أفنى عمره بحثا عن معرفة الطبائع
…
(4)».
(1) هذه المحادثة محققة في مختار رسائل ص 309 - 310، ترجمها كراوس في مجلة؛ 25/ 1931 /15 isis وانظر كذلك كراوس i ص. xxxix
(2)
كراوس ii ص 78 - 79.
(3)
«قال بعض أصحابنا فيه شيئا يزعم أنه امتحنه ويكاد أن يكون حقا» ، «بعض حكمائنا في زماننا نحن» ، «وذكر بعض الفلاسفة الذين معنا في الزمان أيضا» ، «وقد خرج لأهلزماننا في التجربة أشياء عجيبة في مثل هذه الأشياء» . (كراوس، ii ص 88، ن 10).
(4)
أما بالنسبة لموضوع أصل علوم جابر والروافد العلمية الطبيعية في زمانه، ففي ذكر المدارس الفلسفية والفلسفية الطبيعية أغنى إيضاح.
هذا وقد ذكر عند سرد الآراء المختلفة المتعلقة بالدوائر المركزية، ذكر رأي معلميه ومدرسته الفلسفية في الفارق العظيم بين عالم العقل وعالم النفس (1). وذكر جابر كذلك المدارس التي كانت تعمل الأكاسير من المواد المعدنية والمدارس التي كانت تعملها من المواد الحيوانية والنباتية (2). كذلك فإنه يؤخذ من عبارة لجابر: أنه كان في زمانه طائفة من أهل الصنعة كانوا يسمون بالنسبة لعلم الميزان، «أصحاب بليناس الإسلاميين (3)» .
إن المناظرات المتعلقة بإمكانية التوليد هي موضوع كلام مهم جدّا في كتب السبعين، والمدافعون عن هذه الإمكانية ومنهم جابر يسمون أصحاب الطبائع (4).
ويظهر أن آخر تطور للأفكار الفلسفية الطبيعية قد بلغ أقصاه عند هذه الطائفة التي فضلها (5) جابر على سائر الطوائف التي كانت موجودة في زمانه. أما استخدام الكلمة xuols من الكيفيات، على سبيل المثال، الذي لم يكن، على ما يظهر واضحا لدي بليناس، وهو من أهم مصادر جابر (يرجع الكتاب المزيف المشكوك فيه، كتاب العلل، يرجع في الغالب إلى القرن الخامس بعد الميلاد، انظر قبله ص 121)، فقد عرفه أصحاب الطبائع في العصر الإسلامي (6).
هذا ويبين لنا انتقاد جابر لرأي أهل زمانه من الصابئة الذي يفيد بتدرج بناء
(1) مختار رسائل ص 407؛ كراوس ii ص 141.
(2)
المصدر السابق ص 3 - 4.
(3)
كتاب الأحجار في مختار رسائل ص 144؛ كراوس ii ص 290.
(4)
مختار رسائل ص 461؛ كراوس ii ص 98.
(5)
كراوس ii ص 16 - 17.
(6)
المصدر السابق ص 165 - 166، ن 7.
العالم، يبين أن اشتغالهم العلمي الطبيعي كان على أفضل ما يكون في حياة جابر (1).
وقد نسب جابر مرة علم تحليل كلمة «قلعي» إلى أصحاب الرواق، (stoiker) لكنه لم يثبت عندهم (2). من المحتمل جدّا أن جابرا قصد بذلك العلم الذي تطور في أحدث مرحلة من مراحل الطائفة، وقد ذكر السرخسي عمل أصحاب مدرسة بهذا الاسم في الإسكندرية ومدرستين سميتا باسم مماثل في بعلبك وأنطاكية (3).
كذلك ذكر في المجموع، على سبيل المثال، خبرات واكتشافات علماء أنطاكية، الأمر الذي يمكن التحقق منه عن طريق المصادر اليونانية (4).
ومما ينبغى ذكره فى هذا الصدد أن «أيوب الرهاوى، (hiobvonedessa) «الذي كان حتى عهد المأمون نشيطا، يظهر لديه تطور مواز لتطور جابر فى اتجاهات مختلفة، فقد كانت أصول الطبيعة الأرسطوطاليسية، على سبيل المثال، غير مقبولة بالنسبة له أيضا (5). كما ذكر الرهاوي علوم مدرسة فلسفية حديثة كان يعرف رائدها شخصيّا، وتقوم علومها على أن الكيفيات والأرواح والأصباغ .... الخ هى جواهر تختفي في الجسم حتى اللحظة التي تظهر فيها (6).
وإذا ما أردنا الشروع في إيضاح نشأة علوم جابر، بناء على قرائن واقعية، ففى الاقتباسات التي في مجموعه هو نفسه ما يوفر أفضل إمكانية مناسبة لذلك. فسيتضح من خلال مثل هذا السلوك حقيقة مفادها أن أهم مصادره تقع في حقبة نستطيع القول بأنها تمثل أحدث حقبة من آدابالكتب المزيفة في عصر ما قبل الإسلام. فالكتب من هذا
(1) مختار رسائل ص 199 - 204.
(2)
كراوس ii ص 171، ن 2.
(3)
المصدر السابق ص 171 - 172.
(4)
المصدر السابق ص 87، 88، ن 7.
(5)
المصدر السابق ص 175، ن 1.
(6)
المصدر السابق.
النمط، التى عوّل جابر عليها، تحمل أسماء سقراط وأفلاطون وفرفوريوس وأبولونيوس وغيرهم، وأحيانا عوّل على الطوائف الآنفة الذكر من أهل زمانه، وطوائف أقدم منها بزمن قليل.
ولما كان الرأي المتمثل في هذا الكتاب والمتعلق بزمن نشأة الكتب المزيفة المذكورة مطروحا للمناقشة، adhoc فلربما يكون من الأهمية لو استطيع أخذ بعض القرائن من المصادر التى ليس زمانها موضوع جدل. وقد يكون في بعض القرائن المهمة التى قدمها لنا كراوس دلالتها الكبيرة فيما يتعلق بهذا الغرض. أما أنا فأعتقد أنه أخطأ فى تقويمها، وربما يكمن أحد هذه الأسباب المهمة فى أن العنصر المميز للصنعة الجابرية، أى تدبير الأكاسير من مواد عضوية، والتدابير الصنعوية بالنشادر من مواد غير عضوية وعضوية، أن هذا العنصر لم يثبت فى النصوص اليونانية التى وصلت إلينا. فبحث كراوس- متأثرا بروسكا على الأرجح- عن أصل هذا المنهج فى المجال اليونانى- الشرقي أو في المجال الساسانى. أضف إلى ذلك أنه عدّ الكتب المزيفة المذكورة زيوفا شرقية وبالتالي حدد زمانها متأخرا أي في عصر إسلامي (1).
من أهم بيانات كراوس المتعلقة بموضوعنا هذا، إشارته إلى دور الأفلاطونيين المحدثين. فلقد وجد فى شروحهم الصنعوية نظرية تتفق أصولها مع نظرية جابر، وبهذا ذكّر كراوس بأسماء كل من Heliodoros و Stephanos و Christianos و Olympiodoros بهؤلاء الذين عاشوا خلال القرن السادس والسابع الميلاديين. ومما له دلالات كبيرة هو ما وجد من أن christianos رتّب التدابير الصنعوية (oixovouiai) وفقا لعدد العناصر المستعملة أي التدبير بناء على أربعة أو ثلاثة عناصر أو عنصرين أو عنصر، إذ تذكّر مقارنته التدابير الأربعة هذه بالأشكال الهندسية، ويذكر تصنيفه لتدابير مختلفة وفقا للأصول العددية السحرية، يذكّر هذا بتأملات جابر (2). أضف إلى ذلك أن
(1) كراوس؛ 58، 49، 42 - 41، ii وانظر رأيه في نشأة الكتب المزيفة المحفوظة باللغة العربية، انظر بعده ص 225.
(2)
كراوس، ii ص 37، 179، ن 1.
كراوس اكتشف فكرة متشابهة عند) phi losophusanonymus القرن السابع الميلادى) وعند جابر تتعلق بالكيفيات، (tolotntes) التى ينبغى أن ينظر إليها على أنها لا جسمية، أصلها عناصر أربعة وترتكز الصنعة على فعلها (أى الكيفات)(1). وقد أبرز anonymus ذاته أن الطبائع كيفيات لا جسمية، وأنها تتحد فيما بينها لتشكل أجساما مادية. وقد ربط، بالقياس على أجزاء البيضة الأربعة، وكما كان ذلك عند الفلاسفة (2) أيضا، ربط بين الصنعة والموسيقى. وعند جابر فكرة مشابهة فى نظرية الميزان.
هذا وقد انتهى كراوس من مقارنته إلى أن هناك، بالرغم من الفرق العظيم بين مجموع جابر وبين المؤلفات الصنعوية اليونانية التي وصلت إلينا، أن هناك صلة واضحة تماما لصنعة جابر بصنعة أحدث الأفلاطونيين الجدد. فنمط الأصول التى أدخلها هؤلاء إلى الصنعة، نمط فلسفى الأصل تماما، وإن هذه الصنعة الفلسفية هي، فى رأيه، تلك الصنعة التي مضى جابر في ممارستها إلى أقصى الحدود (3). ويرى كراوس أن جابرا قد استوحى، لدى إنشاء بنائه الفلسفى العبقرى، الكثير من فلسفة الأفلاطونيين الجدد، أما تأملاته الرياضية فقد مضى بها شوطا أبعد من سابقيه بكثير (4). ومن مناقب كراوس الأخرى كونه أشار إلى أن جابرا لم يعرف الأفلاطونيين الجدد المحدثين مباشرة (5)، ولربما اعتمد على روايةيونانية شرقية موازية لهم. ويمكن أن يستنتج من هذا الاكتشاف لكراوس أن معارف الأفلاطونيين الجدد المحدثين كانت منتشرة على نطاق واسع منذ وقت مبكر، وأنه توافرت ثمة إمكانية تبادل علمى وحضاري، وهاتان النقطتان مهمتان جدّا بالنسبة لموضوعنا.
(1) المصدر السابق ii ص 38.
(2)
ذلك لأن البيضة تمثل وحدة من أربعة مكونات هي: قشرة البيض وغشاء البيض وبياض البيض وصفار البيض: lippmann) النشأة entstehung ص 47).
(3)
كراوس ii ص 40.
(4)
المصدر السابق ص 40.
(5)
لقد ذكر جابر اصطفانوس (اصطفانوس الحكيم) في كتابه «كتاب الموازين الصغير» ، وهو من أحدث أجزاء المجموع (كراوس، 40، ii ن 3).
وعلى الرغم من نقاط التلاقى بين الأفلاطونيين الجدد وبين جابر فإن الفرق بينهما عظيم، ولهذا فلا يعقل- كما يرى كراوس- أن يرجع الفضل فى كامل الإنجاز العلمى وفى الأصالة إلى إنسان واحد فقط. إذن فمن كان هؤلاء الوسطاء الذين توسطوا بين الأفلاطونيين الجدد وبين جابر، الوسطاء الذين غدوا بدورهم مبدعين؟ ولقد حددهم كراوس، وهو في اعتقادنا على حق، بناء على إشارات جابر، حددهم بسقراط المزعوم وأفلاطون المزعوم وأبولونيوس المزعوم وغيرهم. ولم يبق بعد إلا أن يعثر تاريخيّا على أحدث صلة وصل، أو أن يعرف زمن نشأة أحدث الكتب المزيفة هذه. بيد أنه، وللأسف، توصل بذلك، كما ذكر آنفا، إلى نتيجة ليست موفقة كما أعتقد (انظر بعده ص 226).
إن معرفتنا بتاريخ السيمياء ليست بعد، من الشمول بحيث يمكن الإجابة على السؤال فيما إذا كان ما اكتشف فى الكتب المزيفة من تطور الصنعة، الذي كان ذا اتجاه تجريبي إلى حد كبير، فيما إذا كان هذا التطور قد ظلّ مجهولا تماما بالنسبة للصنعويين الأفلاطونيين الجدد أولئك. ولعله يكتفى في هذا الصدد بإيراد تلك الأفكار الجابرية التي تذكّر بعلوم أحدث الأفلاطونيين الجدد. ف اصطفانوس المذكور آنفا، على سبيل المثال، يذكر مبدأ القدامى المشهور: على الإنسان أن يسعى بالفلسفة ليغدو شبه الإله. وليس من المستبعد أن اصطفانوس أيضا أراد (1) أن يعطي هذه الفكرة الفلسفية معنى صنعويّا. هذا وقد أشار كراوس كذلك إلى الشبه فى النظرة الذرية داخل الصنعة «السيمياء» عند اصطفانوس وعند جابر (2). وإن إحدى فكر جابر السائدة وهي بالأحرى فكرة التقدم التي تعود إلى مرحلة مبكرة من الحضارة الإغريقية والرومانية هي قريبة بشكل خاص من عبارة الأفلاطوني الجديد) macrobius القرن الخامس الميلادي، سارطون (385، i ومفادها أن تقدم الحضارة البشرية لا بد وأن يكون محدودا، إن لم يكن عن طريق تدمير الأفلاك فبواسطة التغيرات الجذرية الهائلة التى
(1) كراوس، 99، ii ن 5؛ رسالة اصطفانوس في:
(Physicietmedici س 27 ص) Ideler، 224 على رأي (De magnaetsacraarte ،lib.VI
(2)
المصدر المذكور له آنفا، ii ص 10 - 11، ن 3.
تطرأ على أرضنا على الأقل (1). هذا ونجد عند macrobius ذاته (2) عبارة أخرى لجابر، عبر فيها عن انتقال النفس من دائرتها الخاصة إلى الدوائر الأخرى وحتى تصبح مرئية بلفظ «سباحة» .
أما فيما يتعلق بأحدث حقبة من حقب السيمياء الأفلاطونية الجديدة، السيمياء التى كان منها التأثير المباشر أو على الأصح غير المباشر، فلا بد من القول بأن هناك رسالة تعزى إلى القيصر البيزنطى هرقل herakleios من أهل زمان اصطفانوس، جاء فيها مفهوم في الصنعة وفي الكوسمولوجيا مشابه لمفهوم الميزان (3).
فإذا ما أردنا أن نجد، بعد هذا الكلام وبناء على المصادر التى ذكرها جابر، بعض القرائن التي تتعلق بموضوع تحديد الزمن، فعلينا أن نتذكر أول ما نتذكر أن الكتب المزيفة كانت أهم وأغلب المصادر التي اقتبس عنها. هناك وفرة من المصادر اليونانية الأصيلة، ذكرت كذلك، إلا أن أهميتها ثانوية كما يؤخذ من كل إحالة إليها.
كذلك تبدو هذه الظاهرة بالنسبة لبعض المصادر المزيفة. لقد عرف جابر جميع المؤلفين المزعومين المشهورين في الصنعة العربية تقريبا وكثيرا ما استشهد بوجاهتهم بالنسبة لمسائل متنوعة (أو ناقشهم منتقدا)، غير أنه عوّل عند تركيب نظريته وتأسيس نظمه، على عدد معين من المؤلفين المزعومين، يؤخذ من زمن نشأتهم أنهم كانوا أحدث المؤلفين وأنهم فاقوا، على ما يبدو، بأعمالهم منجزات الأوائل. ويقع فى طليعة هؤلاء من المصادر: سقراط وأفلاطون وفرفوريوس وديمقراطيس وأغاذيمون وأبولونيوس التيانى (بليناس). ويبدو أن الكتب المنحولة إلى بعض هؤلاء المذكورين قد بدأ
(1) المصدر السابق ص 125.
(2)
المصدر السابق ص 160، ن 2، ص 204، ن 2.
(3)
في «كتاب الواضح في فك الرموز» ل «الطغرائي» باريس 5099، 214 أ، انظر كراوس ii ص 314، ن 4.
وضعها في نهاية الحقبة التى سبقت الإسلام فقط، بينما استعملت أسماء أخرى في أقدم حقبة من آداب الكتب المزيفة، على أنهم أبطال أسطوريون (eponymeheroen) ومن هذه الفئة الأخيرة ديمقراطيس وأغاذيمون. من أهم الواجبات المقبلة فى تاريخ الكيمياء العربية، مقارنة رسائل جابر بما وصل إلينا من كتب مزيفة تتعلق بذلك. ومن الأمور المشجعة لدى القيام بمثل هذه المهمة أن جابرا كان يستشهد بمصادره حرفيّا (1) حتى حين لا يذكر مؤلفها أيضا.
ولم يأخذ كراوس في اعتباره من الكتب المزيفة التى وصلت إلينا سوى التطابق الحرفى بين مجموع جابر وبين «كتاب العلل» أو «كتاب سر الخليقة» لبليناس (انظر قبله ص 112)، ولم يوسع دراسته كما ينبغي لتشمل أولئك المؤلفين المزعومين الذين عرفوا آنذاك في المخطوطات العربية.
ومن الكتب التى كان لها تأثير بالغ جدّا في صنعة جابر، تلك التى تحمل اسم أفلاطون، وكما ذكر آنفا (ص 138) فقد نحل إليه كتب عديدة فى الصنعة، وباستثناء عنوان «كتاب النفس» أو «كتاب النفس الكبير» ، ولعل المقصود هو الحوار، phaidon فإن جابرا لم يذكر عناوين الكتب التى استعملها، لكنه ذكر أن «حكمة» أفلاطون مبعثرة في كتبه المتنوعة (2) أما عدد الكتب المنسوبة إلى أفلاطون فلا بدّ أن يكون أكبر بكثير من العدد الذى نعرف، ذلك لأن الكتاب الذى صنّفه جابر في النقد والتصحيح كتاب شامل واسع إلى حدّ ما. ولم يستطع كراوس أن يبت فيما إذا كان جابر عوّل فى كتابه «كتاب مصححات أفلاطون» على كتاب مزيف لأفلاطون، موجود أم أن جابرا أخذ عن مقتبسات نسبت إلى أفلاطون في كتب مختلفة (3). إلا أنه يميل- وإن كان
(1) كراوس ii ص 64.
(2)
المصدر السابق ص 49.
(3)
المصدر السابق ص 49.
مترددا- إلى التسليم بأن الكتب المزيفة هذه تطورت فى الآداب العربية (1). خلافا لذلك فإنا نعتقد- لأسباب تكرر ذكرها فى هذا الكتاب مرارا- أن الكتب العربية المنسوبة إلى أفلاطون وكتاب جابر «مصححات أفلاطون» تعد من أنفس المواد التي وصلت إلينا لدراسة أحدث حقبة من حقب سيمياء ما قبل الإسلام. ويجب أن يفهم ما استخلصه كراوس من كتاب «مصححات أفلاطون» انطلاقا من وجهة النظر هذه.
«يذهب جابر إلى أن أفلاطون ينحو في العلوم جميعها، وبخاصة فى الصنعة، منحى أستاذه سقراط، وإن كان قد وفق فى أن يبذ فى السيمياء جميع الفلاسفة السابقين.
فسقراط أهمل القياس تماما وانصرف إلى التجربة وحدها، أما أفلاطون فكان بتجارب سابقيه عليما، الأمر الذي جعله يسبر أعماق التدابير، وقد أرجعها إلى العناصر الأربعة التى أصلها الأجناس الثلاثة فهو يقول: «يا طيماوس لقد ثبت أن أصل وغاية التدابير
(1) المصدر السابق ص 51: «
dejadanslatradit iongrecque، platonavaitrecuu neplaceparmiles
(إحالة إلى برتلو ii.coll .. ص 25، 1)
alchimistesoecum eniquessansquauc unouvrageluiait ateassigne. preparantleterra inpourlefauxconn uedejabir، latraditionsyria queattribuee avecl'eloignemen tdess
(إحالة إلى برتلو chimie ص 221)
platoncertainesr ecettesalchimiqu e usourcesantiques، cettepseudepigra phieseradeplusde veloppeedanslali tteraturearabe، o maisencorede
(حاشية)
Platondevientune desgrandesautori tesnonseulementd el'alchimie Platonastrologue، cf. p. ex. Cat. Cod. astr. Gr. I، 82) etdelamagie
(حالة الى) l'astrologie (حاشية)».
ويذكر كراوس في موضع آخر، 50، ii) ز 5):
«iin'ya، toutefois، paslieudecroireq uejabiraitlui- memecomposel'apo crypheplatonicie n، carencertainsend roitsiln'hesitep asacritiquersona uteur. dailleurs، leplatondes musahhahatemploi assezsouventunla ngageallegorique etambigu، doujabiressaieen vain detirerunsensrat ionnel
…
» وغير مفهوم عندى أى زمن ذاك المقصود بالعبارة.
التالية بالنسبة للكتب المزيفة المذكورة:
جميعها العناصر الأربعة لا أقل ولا أكثر، وقال فى «كتابه النفس»: اعلم أن وجود وبقاء الحيوان يقوم على العقل، وما العقل يا طيماوس إلا الخلاء الذى يحيط بالعالم ....
والصنعة كالإنسان، هى الكائن العملاق (الكون- العالم الأكبر
makrokosmos
) موازيا للفلك بكامله، وهذا الفلك هو حيّ، والإنسان كائن دقيق (العالم الأصغر .... (mikrokosmos فإذا صح أن العالم أو الفلك كان حيّا وأن الإنسان حيّ أيضا فالصنعة تتطلب، للشبه بينها وبين الإنسان، عقلا بلا شك ولا ريب، وما العقل فى السيمياء فى الواقع إلا الزئبق. يا طيماوس من يعمل بالزئبق ويقدر أن يجمع معه العناصر الثلاثة الأخرى، يستطيع أن يعمل أشياء عجيبة للغاية. واعلم يا طيماوس أن التدابير الخفية بمجموعها التى مبعثها الزئبق تبلغ 90 والأصل فى ذلك دائما الزئبق
…
».
«وأكمل الأدوات (في الصنعة) ما ركب على مثال العالم. ويقول فى الباب العشرين، يا بنيّ اعلم أن العقل المتحد بالجوهر الحار واليابس يكسب كل شئ وزنا من الحرارة ووزنا من اليبوسة
…
وهكذا يصير العقل نارا، ويزيد أفلاطون فيقول: ألم تعلم يا بني أن العالم مكون من النار والهواء والماء والتراب؟ فإذا أردت يوما ما جمع هذه الأصول الأربعة فإنك تستطيع توليد العالم، غير أن هناك أصنافا ثلاثة من العوالم، فاذكر جيدا أي هذه العوالم تود، ثم اعمله (1)».
ويعوّل جابر في علم التوليد فيما يعوّل، على أفلاطون أيضا الذى يعزى إليه ذلك العلم الذي في الكتاب المزيف «كتاب النواميس» (2)(انظر قبله ص 141).
يتضح مما سبق أن سقراط من العلماء الذين كان لهم، بحكم الكتب المزيفة، دور مهم في تفكير جابر وبخاصة في نظامه الصنعوي، سماه جابر بأبى الفلاسفة وسيدها كلها (3) وذكر العلم السقراطي بأنه يشكل أعلى درجة في علم الصنعة (4). هذا وقد
(1)«كتاب مصححات أفلاطون» من الترجمة الفرنسية: كراوس ii ص 49 - 51.
(2)
كراوس ii ص 104 - 105.
(3)
مختار رسائل ص 389؛ كراوس، ii ص 52.
(4)
المصدر السابق ص 52.
وقع بين يدى جابر رسالة مستقلة «كتاب آراء سقراط» شرحها وحررها فى كتاب «مصححات سقراط» (1)، وقد كان سقراط، الذي يرى جابر أنه أهمل القياس واهتم بدلا عن ذلك بالتجربة (2)، المرجع الرئيسي فيما يتعلق بعلم التوليد الذى عالجه جابر بإسهاب في كتابه «كتاب التجميع» (3). ويبدو أن الدور الذى يعزى إلى سقراط فى نظرية الميزان كان أهم من ذلك كله، فجابر لا يفتأ يعوّل عليه ويفضله على نظام بليناس (4)، زد على ذلك أن جابرا شرح فى «كتابه التجريد» علم سقراط الباطنى المتعلق بنشأة المعادن (5). وذكر فى «كتابه الفضة» مناظرة طويلة حول الفضة بين سقراط وطالس (6). أما موضوع مدى ما فى كتب سقراط المزيفة التي وصلت إلينا، ومدى ما فيها من الجمل المقتبسة من قبل جابر، فلم يدرس بعد.
ومن المصادر المهمة الأخرى المتعلقة بعلم التوليد عند جابر، كتاب بعنوان «كتاب التوليد» نحل إلى فرفوريوس، شرحه جابر مع «كتاب الميزان» ل زوسيموس، فى «كتابه التجميع» (7). ويبدو أن كتاب فرفوريوس كان بالنسبة لجابر أكثر أهمية من الكتاب المنسوب إلى زوسيموس. والدوافع التى ساهمت في نشر كتاب باسم فرفوريوس ترجع (8) أصلا في الغالب إلى بعض أقوال كانت فى رسالته إلى) anebon انظر، (gas يميل كراوس إلى اعتبارها زيفا عربيا، (9)، وقد أغفل لذلك اعتبار تلك المقتطفات الطويلة عن هذا الكتاب المحفوظة عند جابر، أغفل اعتبارها مادة مهمة بالنسبة للحكم على أعمال القرون الأخيرة التى سبقت الإسلام وأغفل بالتالي تقويمها في الإجابة على السؤال عن مصدر علوم جابر تقويما مناسبا.
(1) المصدر السابق.
(2)
المصدر السابق ص 49 - 50.
(3)
المصدر السابق ص 53.
(4)
كراوس ii ص 54، 188.
(5)
المصدر السابق ص 53.
(6)
المصدر السابق ص 53، ن 5.
(7)
مختار رسائل ص 347؛ كراوس، ii ص 122.
(8)
المصدر السابق ص 297.
(9)
المصدر السابق ص 123.
هذا وتعتبر بعض الكتب المنسوبة إلى أبولونيوس التياني من أهم وأوسع مصادر جابر، ذكر جابر منها بالاسم «كتاب سر الخليقة» . يؤخذ منالاقتباسات أنه استعمل أو عرف «كتاب السبعة» (الأصنام)(1) المنسوب إليه والكتب المتعلقة بالسحر (2).
ولقد خص (3) كراوس موضوع علاقة المجموع بأبولونيوس التيانى المزعوم، أي بليناس، بدراسة مسهبة إلى حد ما وهى بحاجة إلى متابعة وتصحيح في بعض النواحى. وكما سبقت محاولة إظهاره (ص 121) فإن كتب بليناس على ما يبدو من القرن الخامس الميلادي، وربما نحلها مؤلف واحد إلى أبولونيوس. وإذا لم نقنع بالحكم عليها مسبقا بأنها مزيفات عربية فإننا نعرف فى بعض الحالات حتى اسم المترجم السرياني سرجيوس الرأس عينى (انظر قبله ص 113). تفيد مخطوطة «كتاب السبعة» أنه ترجم إلى اللغة العربية للأمير الأموى خالد بن يزيد (انظر قبله ص 126).
يستنتج من استعمال وذكر «كتاب سر الخليقة» فى أقدم أجزاء مجموع جابر، تلك الأجزاء التى يعود بعضها على ما يظهر إلى النصف الأول من القرن الهجرى الثاني، يستنتج أنه ترجم مبكرا عن اللغة السريانية إلى العربية، وقد تأكدت هذه الناحية من العثور على مخطوطة لمّا ينته تقويمها بعد بما فيه الكفاية. أما «كتاب الفلاحة» لبليناس الذي انتفع منه مؤلفون متأخرون، فقد عثر على نسختين مخطوطتين منه بعد عام 1930 (انظر بعده ص 473)، فضلا عن ذلك، فقد تثبّت من صحة البيانات في المخطوطة والتى تفيد أن الكتاب ترجم عن اللغة اليونانية إلى اللغة العربية فى عام 179/ 795 ليحيى بن خالد بن برمك (انظر بعده ص 470). ومن المهم جدّا فيما يتعلق بموضوع مصادر وزمن نشأة المجموع الجابرى أن جابرا، الذى ما فتئ يعوّل على كتب بليناس، لم يذكر هذا الكتاب فى كتابه «كتاب الخواص» (4). وهذه الظاهرة
(1) المصدر السابق ص 128 - 129.
(2)
المصدر السابق ص 295.
(3)
المصدر السابق ص 273 - 303.
(4)
ولو أنه يذكره مرة واحدة مع علماء آخرين في «كتاب الخواص» (فأما سقراط وسنباليقوس وثاليث وبليناس فمجمعون على أن الأشياء كلها تجرى مجرى واحدا .. ، مختار رسائل ص 229 - 230)، لكنّ هذا لا يدل على استعمال مباشر ل «لكتاب الفلاحة» لصاحبه بليناس.
يمكن تعليلها بأن جابرا قد صنّف مؤلّفه في الغالب قبل زمن الترجمة هذه. تتوقف صحة هذا الافتراض على نتائج مقارنة تجرى بين الكتابين. ومن الممكن كذلك أن تكتشف بعض أجزاء كتب بليناس في أبواب أخرى من «كتاب الخواص» لجابر، الشئ الذى يعلل وفقا لطبيعة الكتاب التى وجدها كراوس. وهذه تفيد أن الكتاب أخذ شكله النهائى بعد تطور طويل (1).
يتضح تأثير بليناس على جابر أكثر ما يتضح فى حالة «كتاب العلل» الذى ذكره جابر بعنوان «كتاب سر الطبيعة» أو «كتاب الطبيعة» وأثنى عليه ثناء عظيما (2).
ويتجلى تأثير هذا الكتاب بشكل خاص في مجال الصنعة والكوسمولوجيا. لقد اقتبس جابر المكتوبات الهرمسية المشهورة فى السيمياء والمعروفة لدى اللاتين بعنوان «اللوح الزمردى» واقتبس تركيب وتوسعة تلك المكتوبات من «كتاب العلل» (3).
ولقد بين فى كوسمولوجيته تبعية ما لبليناس. وكما وجد كراوس فقد عول جابر فيما يتعلق بنظرية العناصر الأربعة والطبائع الأربع وتدرّج أصلها، واتحادها لتكوين الأجسام وبالنسبة لعلم الفيض وحركة الفلك وتوليد الممالك الحجرية والنباتية والحيوانية وبالنسبة للمعطيات المعدنية وبالنسبة لنظرية وجود علاقة بين الكواكب والمعادن وتكوين المعادن من الكبريت والزئبق، عوّل فى كل هذا على بليناس (4). وقد استشهد جابر فى بعض الأحيان ب بليناس بالنسبة لنظرية جابر فى الميزان، حتى إنه صنف كتب الأحجار على رأى بليناس (5). والمؤلف المزعوم (بليناس) عالج، على ما يبدو، مسألة الميزان أكثر ما عالجها فى كتابه «كتاب السبعة الأصنام» (6)، فضلا عن معالجتها فى «كتاب سر الخليقة» . وكما يؤخذ من أقوال جابر فإن بليناس لم يعرف نظرية متكاملة في
(1) كراوس i ص 151.
(2)
«كتاب ميدان العقل» ، انظر مختار رسائل ص 223؛ كراوس.282، ii
(3)
روسكا: اللوح الزمردى ص 121؛ كراوس.281 - 280، ii
(4)
كراوس، ii ص 282 - 283.
(5)
مختار رسائل ص 126.
(6)
كراوس ii ص 297 - 298.
الميزان، كما يقدم جابر نظرية سقراط على نظرية بليناس (1). وقد عرف (بليناس) هذا ميزان الحجر والنبات والحيوان الذي سمّاه جابر «الميزان الأول» أي ميزان ما خلقه الله تعالى. أمّا ميزان ما يولّد من المعادن والنبات والحيوان فقد سماه جابر «الميزان الثاني» (2). لقد سبب التركيب المعقد للجملة- كما أعتقد- سوء فهم ل كراوس، فتراءى له وكأن بليناس هو الذى ذكر نوعي الميزان (3). ومما يبرر تصويب هذا الخطأ أن بليناس لم يعرف التوليد. وقد سبق للجلدكى، شارح «كتاب السبعة» ، ذلك الكتاب الذي خصصه بليناس بخاصة لعلم الميزان، سبق له أن أشار إلى أن الكتاب عالج «الميزان الطبيعى» (4). وهناك سبب وجيه آخر يتعلق بذلك، أشار إليه كراوس نفسه، مفاده خلو «كتاب سر الخليقة» من الكلام فى النظرية التى تفيد أن الطبائع قابلة للوزن وأن تجانس العالم يقوم (5) على نسبها الكمية. وعلى العكس من ذلك فقد ذهب بليناس- كما فهم من الأقوال فى «كتاب الأحجار» لجابر- إلى أبعد من ذلك بكثير، ففى الكتاب قوبل ميزان الخلق الإلهي الكمي بميزان التوليد (6). ولسوء الفهم هذا نسب القانون الكمي الثاني في التوليد وفي العلم البشرى (وهذا من جابر فى الأصل) إلى بليناس، ومن ثم وضع كراوس النظرية التالية: «نظرا لأنّ جابرا انتقد علم بليناس كثيرا وأجرى عليه تصحيحات، فليس من الصواب أن نفترض أنّ مؤلف أو مؤلفى كتب جابر قد اختلقوا علوم بليناس الرياضية برمتها، فالأولى أن يعتقد أن كتاب العلل كان دافعا لبعض الأوساط العربية على وضع تأملات متمّمة، ربما تبلورت فى علوم جابر المقتبسة (7)(التي نحلها جابر لبليناس). فضلا عن ذلك، فقد اعتقد كراوس أنه بالإمكان، لتدعيم هذه النظرية، إيراد ذلك النص الذي يقول فيه جابر على لسان
(1) المصدر السابق ص 54.
(2)
مختار رسائل ص 129.
(3)
كراوس ii ص 100، 287.
(4)
كراوس ii ص 298، ن 2.
(5)
المصدر السابق ص 289.
(6)
المصدر السابق.
(7)
المصدر السابق.
بليناس (وذلك، كما اعتقد، نتيجة لخطأ وقع فيه كراوس فى نسبة الضمير) أن اللغة العربية ملائمة للإخضاع لطريقة الميزان وأفضل من جميع اللغات الأخرى (1). وقد استشهد كراوس علاوة على ذلك باقتباس آخر، ذكر جابر فيه «أصحاب بليناس الإسلاميين» (2)، «عزا إليهم تفسيرا مرموزا لآية قرآنية» (3) واعتقد كراوس بناء على هذه الأفكار أن كتاب بليناس الذى شرحه جابر يشكل قليلا أو كثيرا استمرارا طبيعيّا للأصول المذهبية فى «كتاب سر الخليقة» (4). وباختصار: كراوس لم يصل إلا لهذه النتيجة، ذلك لأنه التبس عليه ضمير الفاعل فقد عدّ إنجازات جابر فى بعض المواطن، إنجازات لبليناس، رغم أنه لم يعثر عليها فى كتابه (كتاب بليناس). ومما ينبغى قوله بصدد موضوع علاقة المجموع الجابرى بكتب بليناس هو أن جابرا- خلافا لرأى كراوس (5) - استعمل على ما يبدو ترجمة أخرى أقدم من الرسالة التى بين أيدينا اليوم. وهكذا يجب أن تدرس بعد علاقة جابر بكتب بليناس الأخرى المحفوظة.
ولا بد من الرجوع إلى «كتاب مفتاح الحكمة» بالنسبة لهذه الدراسة، فهذا الكتاب- المعروف بالترجمة اللاتينية بعنوان clavissapientiae ولمؤلف يدعى artefius ربما كان لمؤلف باقى كتب بليناس نفسه، ويدّعى فيه أنه تلميذ بليناس (انظر قبله ص 120). وقد اعتمد هذا الكتاب على «كتاب العلل» إلى درجة يمكن اعتباره تحريرا للكتاب القديم خصّص لاستيعاب ما اكتسب من معارف بعد تصنيف الكتاب في صورته القديمة. يفيد هذاالكتاب أن العناصر تولدت من الطبائع والطبائع ذاتها تولدت من «الكلمة (logos) «و «الكلمة» هى علة العلل، فالأمر إذن مرحلة متطورة من الفيض «emanation» تتفق مع مذهب الفيض الأفلاطونى الجديد، انفطر عن الكلمة فلك، فلك الضوء الأعلى المتطابق مع فلك الحرارة وفلك الرطوبة، ثم انبثق
(1) المصدر السابق.
(2)
كتاب الأحجار (مختار رسائل ص 144).
(3)
كراوس.290 - 289، ii
(4)
المصدر السابق ص 290، 302.
(5)
كراوس، ii ص 280، 282، ن 3.
فلك ثان، هو فلك العقل المتطابق مع فلك الحرارة وفلك الرطوبة، ثم انفطر فلك ثالث، فلك النفس المتطابق مع فلك الرطوبة، ثم كان الفلك الرابع فلك العقل المتطابق مع فلك البرودة وفلك الرطوبة (1). وقارن المؤلف مزائج العناصر المختلفة مع أشكال متوازي الأضلاع المتنوعة، وهذا شديد الشبه بعلم جابر (2). يظهر أن هناك كتبا مزيفة كثيرة أخرى ساهمت، إلى جانب هذه الكتب، فى إغناء معارف جابر.
وسيكون الكشف الدقيق عن هذه الكتب مهمة البحوث المقبلة، أما بالنسبة لكتب المصححات العديدة فلم يصل إلا «كتاب مصححات أفلاطون» . وبناء على هذا الكتاب ذي المحتوى المهم جدّا فنحن محقون إذا خمّنا أن خسارتنا لمصادر العلوم العربية الناجمة عن ضياع كتب المصححات الأخرى هي خسارة كبيرة جدّا. فلا يكفى ما عرف في مجموع جابر من آثار كتب فرفوريوس وأرسطوطاليس و archigeness و homer وديمقراطيس، لا يكفى هذا في تكوين صورة صحيحة حول ما ألّف من كتب المصححات في هذا المجال.
أما في موضوع علاقة جابر بالكتب التي تعزى إلى هرمس، فالظاهر أن أثر هذه الكتب المباشر كان ضئيلا جدّا. ومع أن جابرا يطلق على هرمس لقب «شيخ الحكماء» (3)، ومع أنه عرف بعض ما اكتشف باسم هرمس، إلا أنه لم يعتمد- بغض النظر عن «اللوح الزمردى» الواقع ضمن إطار مشكلة «كتاب العلل» (انظر قبله ص 118) - على كتاب صنعوى من كتب هرمس. أما الكتابان اللذان ذكرهما واستعملهما جابر:«كتاب سر الجواهر المضيئة في علم الطلسمات» و «كتاب في تشريف الطلسمات على سائر الصناعات» فما من مجال الشعوذة، المجال الذي اعتمد جابر فيه كثيرا على العلوم التي تعزى إلى هرمس (4). وربما كان من المحتمل اكتشاف بعض القرائن الأخرى المتعلقة بتفسير أصل علوم جابر، في كتب هرمس المحفوظة باللغة
(1) المصدر السابق ص 299 ون 3.
(2)
المصدر السابق ص 179، ن 1.
(3)
كراوس، 44، ii ن 5.
(4)
المصدر السابق.
اليونانية وباللغة العربية. ومما يذكر بهذا الصدد، على سبيل المثال، إشارتان مهمتان لكراوس: صياغة جابر لنظرية علم التوليد ثم نظرية جابر في الموت على أنه انفصال الجسم من النفس وهذا مشابه كل الشبه لنظرية عرضها مؤلف إحدى رسائل هرمس (1). وحتى تلك النظرية المهمة ضمن الكوسمولوجيا الجابرية، والتى تفيد أن الطبائع تتألف من الكيفيات الأربع التى ترجع إلى جوهر واحد، وحتى هذه النظرية فموجودة فى الرسالة الهرمسية «كتاب الاستوطاس» (2).
ويعدّ زوسيموس (من المحتمل أن يكون عاش فى القرن الرابع بعد الميلاد) الصنعوي اليوناني الأصيل الوحيد الذى ذكر جابر كتبه من بين ما ذكر من مصادره، فذكر من كتبه «كتاب العشرة» ، وله عنوان آخر كذلك هو:«كتاب مفاتيح الصناعة» و «كتاب الميزان» وشرحا ل ديمقريطس المزعوم (3)
. وكراوس يشير إلى أنه، بالرغم من الأسلوب المرموز ذي المعنيين في كتب زوسيموس، بالرغم من ذلك فإنه يمكن إيجاد بعض الأسس التي استخدمها جابر في بناء نظامه، وأما مفهوم زوسيموس: السيمياء تتألف من تدبيرين متضادين، من انفصال الروح عن الجسم واتحاد الروح بالجسم أو من تفكك وتركيب الطبائع (4) الجسمية، أما هذا المفهوم فيذكّر بالعلم الجابرى فى عودة المعادن إلى أجزائها اللاجسمية ثم حلول الطبائع فى أجسام جديدة. غير أن رسائل زوسيموس المرموزة هذه لا يمكن لها أن تساهم فى تفسير الاستدلالات الجابرية، وإنما رسائل (زوسيموس) العربية هي التي تمكّن من القاء شئ من الضوء على العتمة الباطنة، العتمة التى غمر زوسيموس «العلم السيميائى» (5) بها، فقد وجد كراوس شيئا من الشبه في المصطلح بين جابر وبين رسالة زوسيموسية يونانية إلّا أنه يشك في أصالتها (6)«في صحة نسبتها إلى المؤلف» . ولن
(1) الكتب الهرمسية 26، 232، i) 16، 2، xii ل، (scott كراوس، 124؛ ii ن 6.
(2)
انظر قبله ص blochet؛ 38 في؛ 66 - 62/ 12 - 1911/ 4 rso: كراوس ii ص 175 ن 2.
(3)
كراوس i ص 43، ن 6.
(4)
برتلو coll.: م 2 ص 107؛ كراوس ii ص 36.
(5)
كراوس ii ص 36.
(6)
المصدر السابق ص 37، ن 7.
تتضح علاقة جابر بسيمياء زوسيموس إلا بعد دراسة كتب زوسيموس العديدة التى وصلت إلينا باللغة العربية، ومن ثم مقارنة المحتوى بالنظام الجابري. فجابر نفسه يعوّل فى نظامه فى التوليد وفى علم الميزان على زوسيموس ويعتبر كتابه «التجميع» شرحا ل «كتاب الميزان» لصاحبه زوسيموس وشرحا ل «كتاب التوليدات» لصاحبه فرفوريوس المزعوم (1). ولعل جابرا عنى ب «كتاب الميزان» ل زوسيموس كتاب:
teplotapuwv
، الذي جاء بعضه في الأصل اليوناني (2)، وهو في الحقيقة يبحث في موازين آلية وليس في «ميزان» مشابه لميزان جابر (3).
أما فيما يتعلق بمصادر جابر اليونانية القديمة الأصيلة، فيظهر أن أثرها المباشر كان ضئيلا جدّا، فما عرف جابر من مؤلفات لعلماء يونان مشهورين يعدّ قليلا جدّا بالنسبة لذلك الحجم الهائل من الموضوعات التي عالجها وبالنسبة لذلك التشعب فى فروع العلم، وبالنظر إلى هذا الواقع، فليس هناك ما يؤيد الحكم بأنه لا بدّ لنا (4) - إذا سلمنا بأن زمن حياة جابر هو القرن الثاني/ الثامن- من اعتباره «الناقل الحقيقي للعلم اليوناني إلى العرب» وأنّ كتبه (5)، لو صحّ ذلك، كانت ستفترض وجود استيعاب لكلّ العلوم اليونانية في الإسلام. فيكفى أن يقارن ذاك العدد الضئيل من الكتب اليونانية المذكور فى مجموع جابر بذلك العدد الضخم من المؤلفات اليونانية التى كانت ميسرة للعرب فى القرن الثالث/ التاسع. بالطبع، عرف جابر أسماء الكثير من علماء الزمن القديم، لكن من الواضح أنه يدين بجزء من هذه المعرفة، للعلماء الذين توسطوا بين اليونان وبين العرب. وأعتقد أن جزءا من الكتب المزيفة كتب أصيلة، مثله في ذلك مثل كل عصرييه الآخرين ومن جاءوا بعده كذلك. فقد يكون تيّسر له بعض الآداب الببليوغرافية وبعض الآداب الفلسفية الجامعة «doxographisch» المتعلقة بالعلماء
(1) مختار رسائل ص 347.
(2)
برتلو coll: م 2 ص 178 - 179.
(3)
كراوس ii ص 305.
(4)
المصدر السابق ص 310.
(5)
كراوس: «التقرير السنوي الثالث drit terjahresbericht «ص 27.
القدامى، مع ما شملت من تضارب فى الأزمان «anachronism» كثير؛ الشئ الذى يلاحظ عليها فى المجموع. لقد كان من هذه الكتب، بلا ريب، ترجمة قديمة ل مصحف «placita» لصاحبه plutarch المزعوم (انظر المجلد الخامس من. (1) gas
ولقد صنّف جابر نفسه كتابا هو «كتاب أخبار الفلاسفة» لم يصل إلينا منه سوى اقتباسات فى كتابه «كتاب البحث» (2).
وبينما لا يستبعد الاحتمال بأن جابرا كان يفهم اللغة السريانية وكان قادرا على استعمال المؤلفات اليونانية بالترجمة السريانية، فإن هناك أسبابا كثيرة تجبرنا على التسليم بأنه قد استعمل الكتب اليونانية الأصيلة والمزيفة بالترجمة العربية، بغض النظر عن بعض الاقتباسات التي كان وجدها في مصادره كاقتباسات أصلا.
وكما نحاول تبيينه في باب «الترجمات» (المجلد الخامس من، (gas فإن المعلومات المكتشفة من جديد والبيانات الأخرى في المصادر ثم نتائج بعض الدراسات الحديثة، إنّ كل هذا يدعونا إلى أن نتخلص من الفكرة القديمة التى تفيد أن زمن الترجمة عن اليونانية إلى اللغة العربية بدأ أول ما بدأ مع القرن الثالث/ التاسع.
ولا يجوز- كما سبق أن ذكر في موضع آخر- أن تعتبر بيانات ابن النديم حول الترجمات والمترجمين، نتائج نهائية ووافية لدراسة منهجية. لقد جد في جمع إنتاج نشاط أدبي ضخم، كما جد في دراسة عامة لما عرف من تطور فروع العلم. ولقد جاءت الاكتشافات الحديثة في المخطوطات وجاء تحليل هذه الاكتشافات موثقا بالخطوط العريضة لدراسة ابن النديم التي تفيد أن الترجمات بدأت في العصر الأموى وزادت أكثر فأكثر في القرن الثاني/ الثامن وشهدت ازدهارها في القرن الثالث/ التاسع. وأرى أنه لا يتفق بحال من الأحوال مع الحرص العلمي أن ينظر إلى مترجمي كتاب من الكتب المذكورين عند ابن النديم في القرن الثالث/ التاسع (بل النصف الثاني من
(1) كراوس i ص. xlviii
(2)
المصدر السابق ص 166.
القرن الثالث/ التاسع) على أنهم المترجمون الوحيدون أو أوائل من ترجم هذا الكتاب، ومن ثم يشكّ في أصالة تلك المصادر التي تفيد معارفنا الحاضرة أنها أقدم من القرن الثالث، وأنها قد استعملت الكتاب المترجم ذاك.
تمثل اقتباسات جابر عن الكتب اليونانية الأصيلة أوضح مثال يتعلق بهذا الموقف.
ونستطيع أن نرى في هذه الاقتباسات موادّ لا تقدّر بثمن بالنسبة لتاريخ الترجمات، إن لم تتعرض أصالة (صحة) هذه الكتب لأسباب تتعلق بالتتابع الزمنى للشك. ولقد أكدت مقارنة اقتباسات جابر بالترجمات المعنية التى وصلت الينا، (انظر على سبيل المثال المجلد الثالث من gas ص 71) أكدت استقلال جابر عنها. إن الأسلوب المتّبع حتى الآن والمتمثل في استخدام اقتباسات جابر عن الكتب اليونانية الموثوقة حجة على صحة أو قل على زمن حياة جابر المتواتر لا يصلح لأن يكون مقارنة دقيقة للترجمات المعنية (انظر بعده ص 256).
تأتي كتب أرسطوطاليس في المقام الأول من الكتب اليونانية الأصيلة التى أكثر جابر من ذكرها، يليها كتب جالينوس، جمع كراوس هذه الاقتباسات فى ملحق خاص (1). فجابر يذكر فى كتابه «كتاب الموازين الصغير» «المقولات» ، «والتأويل والقياس الأول والقياس الثانى «analytik» «والطوبيقا- الجدل. (tiopik) كما ذكر فى «كتاب البحث» «المقولات» «والطوبيقا والطبيعة والسماء والعالم والآثار العلوية والحس والمحسوس والحيوان والنفس وما وراء الطبيعة وشرح themistius «لذلك.
ولقد أقتبس جابر فى كتاب التصريف (2)، الباب الثاني وحتى الباب الخامس من الكتاب الثانى في الكون والفساد، اقتبسها حرفيّا. وذكر في «كتاب القادر» «الحيل» وفى «كتاب الحاصل كتاب الحجر» المزيف، وصنف جابر علاوة على كتابه «مصححات أرسطوطاليس» (3)» صنّف ردّا على كتاب أرسطوطاليس «في النفس»
(1) كراوس ii ص 319 - 339.
(2)
باريس 5099 (129 ب- 138 ب).
(3)
ابن النديم ص 357.
(كتاب الرد على أرسطوطاليس فى كتابه فى النفس (1)) وصنّف شرحا فى البلاغة (2).
وقد عوّل جابر فى العديد من كتبه على جالينوس، وذكر بالاسم الكتب التالية:
«كتاب النبض الكبير (depulsibus)، «و «كتاب النبض الصغير (depulsibusad tirones) «و «كتاب الميامير» (عند جابر) و (عند حنين): «كتاب الأدوية بحسب المواضع الآلمة (decomposi tionemedicamenti rumsecundumlocos) «و «كتاب الأدوية المفردة»
desimpliciummedi camentorumtemper amentisetfaculta tibus
و«كتاب العناصر» (عند جابر) و (عند حنين): «كتاب فى الأسطقسات على رأي بقراط (deelementissec undumhippocratem) «و «كتاب منافع الأعضاء (de usupartium) «و «كتاب القوى الطبيعية (defaculta tibusnaturalibus) «و «كتاب المحرك الأول وكتاب البرهان وكتاب فيما اعتقده رأيا» (عند جابر) و (عند حنين):
«فيما يعتقده رأيا. (de propriisplacitis) «وقد انتقد جابر جالينوس كثيرا فى كتابه «الطبيعة الخامسة» و «كتابه البحث» ودافع باستمرار عن ارسطوطاليس تجاه تهجم جالينوس عليه (3). ومن المحتمل جدّا أن يكون من مصادره لكتابه «كتاب السموم» ، «كتاب جالينوس» المزيف فى السموم. وبوجه عام، تتباين عناوين كتب جالينوس التى استعملها جابر مع عناوين الترجمات التى وصلت إلينا (المجلد الثالث من gas ص 71).
وقد استعمل فى «كتابه البحث» الكتب الخمسة التالية ل الإسكندر الأفروديسى (المجلد الخامس من»: (gas كتاب النفس»، و «كتاب أو مقالة فى العناية وكتاب العقل والمعقول والرد على نقد جالينوس لعلم أرسطوطاليس» «بأن كل ما يتحرك فإنما يتحرك عن محرك حرّكه»، ورسالة بلا عنوان ولعلها الرسالة «فى «المادة والعدم»» (المجلد الخامس من. ((4) gas
(1) كتاب الحدود في مختار رسائل ص 113، كراوس، i ص ii، 166 ص 309
(2)
«كتابنا الذي شرحنا فيه كتاب أرسطاطاليس في البلاغة والخطابة الشعرية والكلامية» (كراوس، i ص 164).
(3)
كراوس ii ص 326 - 330؛ انظر المجلد الثالث من gas ص 223.
(4)
كراوس ii ص 324 - 325.
من المفيد والمهم كذلك بالنسبة لزمن أول ترجمة لهذه الكتب أن نعلم أنها لم تذكر إلا فى «كتاب البحث» وهو من أحدث كتب جابر التى تصادفنا فيها ولأول مرة الكتب اليونانية الأصيلة، بغض النظر عن بعض الكتب الأولى التي استعملت من كتب أرسطوطاليس وجالينوس والتى عرفها العرب فى زمن مبكر إلى حد ما. لقد اعتاد جابر، فيما يتعلق بكثير من الاقتباسات، أن يوضح المصادر المستعملة ببيان الأبواب.
وما من شك أنه اقتبس النصوص التى وقعت بين يديه حرفيّا، الشئ الذى عرفناه من حالات أخرى (1). تبيّن مقارنة تعقد بين هذه الاقتباسات وبين ما وصل إلينا من ترجمات تلك المصادر أن هناك بونا شاسعا بينهما، وتبيّن أن لهما أحيانا معنى مشتركا ليس إلا. وهذا الأمر يمثل ظاهرة ينبغي أن تعطى حقها فيما يتعلق بتاريخ الترجمات العربية. إذ تبطل هذه الظاهرة تماما ادعاء تبعية جابر بالترجمات المتأخرة تلك في القرن التاسع الميلادي.
ومما عرفه من المصادر اليونانية كذلك كتاب اقليدس الذي ألّف له شرحا انتقد فيه الشراح القدامى (المجلد الخامس من. (gas وقد عرف ابن النديم (ص 357) شرح جابر للمجسطى لصاحبه بطليموس، وكثيرا ما أشار جابر في «كتاب البحث» إلى tetpablbyos (2) ويحتمل جدّا أن جابرا لم يصله، خلافا «لكتاب النفس» (وربما كان الحوار، (phaidom أي كتاب أصيل من كتب أفلاطون، ومع أن جابرا يحيل إلى كوسمولوجية طيماوس «timaios» (3) لكن هذا، على ما يبدو، كان عن طريق المصادر التى توسطت، فمما يكتشف على سبيل المثال توسط بليناس و nemesios فى آثار من كوسمولوجية طيماوس تتعلق بالمصطلحات opatovxalattov التي
(1) المصدر السابق ص 64، 282، ن 3، ص 332 - 337.
(2)
كراوس، i ص 168.
(3)
المصدر السابق ii ص 48، ن 7.
تعبّر كيف يغدو اللاجسمى واللامحسوس واللامرئي، جسما ومحسوسا ومرئيّا الشئ الذى يذكره جابر (1). ويرجّح أن نظرية جابر في موسيقى الأفلاك ترجع في نهاية المطاف إلى طيماوس (2).
ولم تتقدم الدراسات المتعلقة بجميع كتب جابر التى وصلت إلينا ولا المتعلقة بمصادرنا الأخرى، لم تتقدم بما فيه الكفاية بحيث تؤخذ صورة عن التأثيرات البابلية المتأخرة والفارسية والهندية على علوم جابر، لم يوضح كراوس سوى بعض القرائن التي تحتاج إلى دراسة وتكميل.
يتضح من رسالة مفصلة بعض التفصيل، انتقد جابر فيها كوسمولوجيا الصابئة فى حرّان، يتضح منها أنه ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار دور هذه الكوسمولوجيا فى نشأة علوم جابر. هناك من المصادر ما يساعدنا على سبيل المثال أن نتفقد عند الصابئة بدء جابر الكوسمولوجي في الطبيعة والنحو، ذلك البدء الذى يرجع أصلا للفيثاغورسيين (3).
ويذهب باوم شتارك baumstark إلى أن كتاب الذرة ل ديمقراطيس المزعوم، صنّف في حران قبل الإسلام (4). وقد قام ستابلتون stapleton بأوسع دراسة لدور الحرانيين فى تاريخ السيمياء ألقى فيها ضوءا جديدا على تاريخ نشأة السيمياء العربية (5). إن نظرية التوليد التي تلعب دورا عظيما جدّا في نظام جابر كانت حسب المعلومات التى يرويها ابن وحشية معروفة عند الأنباط، فلقد حفظ لنا فى «كتاب التعفين» من خلال مصدره، وهو كتاب قوثامي المزيف، أخبارا عن علماء بابليين أمثال
(1) المصدر السابق ص nemesiosvonemesa: w.jaeger؛ 181 برلين سنة 1914 ص 76 - 84
(2)
كراوس ii ص 203 - 204، 206 وما بعدها.
(3)
المصدر السابق ص 241، ن 5.
(4)
o rienschristianus م 2 ص 191؛ كراوس ii ص 43.
(5)
: thean tiquityofalchemy مجلة.43 - 1/ 56 - 1953/ 5 ambix
أشقولبثا وأنكبوثا وآدمى وغيرهم. «إنّ قوثعامي يعتبر آدمي بصفة ما المؤسس العلمي لهذا العلم بالنسبة لتوليد النبات من مواد معلومة، ويرى قوثعامى أن من سبق «أسلاف» آدمى لم يدرسوا نوع وطريقة نشوء النبات من ذاته كما ينبغي. فآدمى هو أول من أسس وبيّن لمن بعده كيف أنه يمكن، باتحاد أشياء معينة دفنت فى التراب ثم تفسّخت أو أنها عولجت بطريقة ما، توليد فعل يشبه وليد الطبيعة المتولد بذاته. ويورد قوثعامي، من كتاب آدمي المذكور تعاليم وطرقا مختلفة لكيفية توليد) generatio aequivoca المزعومة) .... (1)».
وحسب ما يقوله جابر عن نفسه، فقد كان على معرفة كبيرة بعلوم الهنود إلى درجة أنه يستطيع تأليف كتاب مستقل في آرائهم الفلسفية (2)، وقد ذكر كذلك أنه خصص للحساب الهندي مكانا في كتبه التنجيمية والحسابية (3). هذا ويوجد عند جابر (4) أقدم ذكر للمصطلح العربى الهندى المعروف «مال» والذى يقابل «المربع. «quadrat
ولعل ما قيل هنا، وفى أبواب هذا الكتاب الأخرى، عن جابر، لعله يكفى فى تقديم صورة مطابقة إلى حد ما لأهميته بالنسبة لتاريخ العلوم العربية. ولقد سبق التنويه بأن أهمية أعمال جابر تتعلق بشكل قاطع بزمن نشأة الكتب. لقد انطلقنا فى الدراسة هذه من منطلق أن جابرا عاش فى القرن الثانى/ الثامن كما تذكر كتبه فعلا، وحاولنا دراسة ظاهرته بناء على معطيات الكتب ذاتها. وعلينا الآن أن نناقش الشكوك
(1)
chwolson، uberdieuberreste deraltbabylonsch enlieratur، st. petersburg 1859، p. 166.
(2)
قال في «كتاب الإخراج» (مختار رسائل ص 72): «على أنني أفردت لهم كتابا ذكرت آراءهم فيه» ، كراوس i ص 166.
(3)
كراوس ii ص 181، ن 1.
(4)
المصدر السابق ص 62 - 66، 178؛ روسكا zuralteste narabischenalgeb raundrechenkunst.: هايدل برغ سنة 1917 م، ص 63.