الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاعتراضات التى طرحت حول زمن الحياة هذا وحول أصالة الكتب. ونود بادئ ذي بدء عرض ومناقشة تاريخ الدراسات المتعلقة بجابر.
رابعا- عودة إلى شخصية جابر وعمله
يرجع أقدم اهتمام بجابر وبمكانته بالنسبة لتاريخ الكيمياء في العصر الحديث إلى القرن الثامن عشر الميلادى (1)، لكنه لم يغد واحدا من أجلّ موضوعات الدراسة فى هذا المجال إلا اعتبارا من الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وهكذا كان كوب h.kopp بمقالاته «فى تاريخ الكيمياء beitragezurges chichtederchemie «عام 1869 فى الطليعة بكل معنى الكلمة، تحرى أن يثبت فيها معلومات فى مصادر عربية تتعلق بحياة جابر وبمخطوطات مؤلفاته الموجودة في بعض المكتبات الأوروبية. وجاء من بعده برتلو الذى نشر بمساعدة r.duval و o.houdas بعض الكتب السريانية والعربية ومنها كتب جابر، كما كلّف بترجمتها إلى اللغة الفرنسية (2). ولقد كان همّ برتلو، عدا بعض الأفكار المتعلقة بالصنعة العربية وبجابر وكتبه، كان همّه قبل كل شئ أن يجيب على السؤال الذى نوقش منذ أمد بعيد والمتصل بالعلاقة القائمة بين كتب من عرف فى بلاد الغرب باسم «جبر» وبين جابر، فهو يرى أن «مؤلفات جابر العربية بعيدة البعد كله عن كتب جبر المزعوم اللاتينية وذلك سواء فيما يتعلق بالدقة في بيان الحقائق أو فيما يتعلق بوضوح العلوم والتركيب الإنشائى، فلا تنقص المؤلف العربى كل معرفة بالحقائق الجديدة والأصيلة المتوافرة فى الكتب اللاتينية هذه فحسب، بل إنه لمن المستحيل كذلك أن يجد المرء فيها صفحة واحدة بل مقطعا يمكن اعتباره ترجمة عن المؤلفات العربية. «((lachi mieaumoyenageiii ،23 (3)
(1)
ruska، diebisherigenver suche، dasdschabir- problemzulosenin ditterjahresberi cht.
عام 1930 م ص 12.
(2)
: paris 1893: la chimieaumoyenage.i -iii باريس عام 1893 م.
(3)
(التقرير السنوي الثالث. ruskain: dritt erjahresberichtp.14 (
«إن صورة عرض المجموع .... مدرسية «scholastisch» جملة وتفصيلا، وتتلاءم تقريبا مع عصر طوماس الأكوينى» (المصدر السابق ص 348) «لا يكاد يعقل وجود أي نص عربي على الإطلاق، يمكن، لهذا الكتاب أن يكون ترجمة أو تحريرا له.
وإذا قدر ووجد، هنا وهناك جمل مأخوذة عن كتب جابر العربية وهذا يقتضى التثبت منه بعد- فلا يلزم بحال من الأحوال أن تعزى صفة تأليف الكل إلى عربي. من المحتمل أن الكتاب ألّف نحو منتصف القرن الثالث عشر من قبل مجهول، عزاه إلى جبر ليكسب عمله مكانة أعظم» (المصدر السابق i ص 349). «لقد أصبح الكتاب من أصول سيمياء القرن الرابع عشر الميلادى، إلا أنه لما كان قد نسب إلى العرب، فقد زور كامل تاريخ الكيمياء، ذلك لأنه نسبت إليهم معارف لم تكن عندهم قط (المصدر السابق، i ص 350) (1)» .
وإن ليبما، e.o.vonlippmann المؤرخ الكيميائى الذى جاء بعد برتلو، لا يكاد يضيف جديدا عند كلامه المتعلق بجابر (2). لقد كان ل هولميارد الفضل إذ ساهم، ومنذ عام 1923، عن طريق النشر والتحقيق، فى جلاء الموضوع المتعلق بحياة جابر وأصل معارفه، وإذ أبرز أهمية جابر بالنسبة لتاريخ الكيمياء، فلقد صنف جابر مع بويل وبريستلى ولافوازية (3). كذلك فقد أشار هولميارد إلى أن جابرا لا يعد بالنسبة لتاريخ العلوم كيميائيّا، أو بالأحرى صنعويّا فحسب، بل يعد طبيبا وفيلسوفا وفلكيّا الخ أيضا. وانتقد هولميارد برتلو متهما إياه بالتعسف عند حكمه على جابرو بأنه أقام زعمه القائل بأن جابرا لا يمكنه أن يكون جبرا، أقامه على أساس قاصر. فهو يعطي صورة
(1) المصدر المذكور له آنفا.
(2)
النشأة entstehung ص 363 - 369.
(3)
«amanmustbejudged bytheintellectua lbackgroundofhis owntime. andifweadmitthis criterionweshall cometoplacejabir onalevelwithboyl e. priestley. andlavoisier. asoneof thepreeminentfig uresinthehistory ofchemistry» (jabiribnhayyanin: proc. ofmed. sect. of hist. ofmed. 16/ 1923/ 54) .
ر روسكا في: drit terjahresbericht ص 16.
مغالطة تماما لمقدرة جابر العلمية. ولو قام بدراسة كتب جابر لأدت به إلى تقدير جليل لمقدرة المؤلف العقلية (1).
وقد تدخل روسكا في الوقت نفسه في دراسة مسألة جابر. ومما يستحسن إبرازه، في البداية، من الملامح المميزة لموقف روسكا: لقد ارتضى لنفسه بسهولة أن يصف كل الكتب المزيفة المتوافرة باللغة العربية (تلك الكتب التى نرى أنها ترجمات عربية) زيوف العرب. فضلا عن ذلك، فقد كان يميل إلى اعتبار كثير من كتب العرب الأولى زيوفا أيضا. ولقد أكثر من اتباع هذا الأسلوب في حلّ المسائل التاريخية الأدبية الخاصة بتلك الكتب التى لم يصرح بأصالتها بعد أي عالم من العلماء الحديثين. خلافا لإفراطه بالشك تجاه البيانات العربية، فإنه لم ينتقد فى الغالب نتائج الدراسات السابقة بما فيه الكفاية، فقد اعتبر فى مقال له (2) عام 1923 أن ثلاثة كتب من كتب جابر على الأقل زيوف وهى:«كتاب الرحمة الصغير» و «كتاب الموازين الصغير» و «كتاب الملك» .
هذا ويمكن القول إنه لم يعوّل في ذلك على حجة قاطعة واحدة، بل زعم ما زعمه، من أن تلك الكتب لا يمكن أن تكون ألّفت من قبل جابر (3)، وفقا لمعايير غير موضوعية. فبينما عبر بحذر إلى حد ما بالنسبة للكتاب الثالث- «كتاب الملك» - وطالب (4)، للبت الواضح فى هذه المسألة، بدراسات شاملة، بينما فعل ذلك نراه يعبّر
(1) المصدر السابق ص 55؛ انظر روسكا في مصدره الآنف الذكر أعلاه ص 16.
(2)
uberdasschriften verzeichnisdesga biribnhajjanundd ieunechtheiteing erihmzugesc- hriebenerabhandl ungenin: arch. f. gesch. d. med. 15/ 1923/ 91 - 63.
(3)
في اعتقادى أن روسكا لم يقدم دليلا واحدا، ولكنه قدم ملخصا بمحتوى الكتب مدار البحث، فقد ذكر على سبيل المثال: «هذه أشياء متأخرة بينة، تثير الشك في هذا الكتاب. والفعل فإذا ما أمعن النظر فى فحوى كتاب الموازين فلن يكون هناك أدنى شك في أن هذا زيف من الزيوف كذلك. ويكفى أن يشار الى علامتين من علامات الزيف. فالمؤلف ص 107 يتفاخر بعناوين أقسام المنطق الأرسطاطاليسي- قطاغورياس، xatnroplal باريرمانياس teplepunvelas - أنولوطيقا، avayutlxa توبيقا، totlxa مع مدخل إلى المنطق يساغوجى eloarwrn أي إلى إيساغوجي فرفوريوس، فهو يعرف اذن كتبا وتعابير لم يعرفها المسلمون إلا ابتداء من نهاية القرن التاسع الميلادى. وما هو أوضح فى الزيف قوله أنه شرح التوراة في أحد كتبه بدقة. بحيث يمكن دراسته بسهولة
…
» مصدره الآنف الذكر أعلاه، ص 63.
(4)
المصدر المذكور أعلاه ص 63.
عام 1930 مرة أخرى وباقتناع أنه تمكن فى مقالاته السابقة من إثبات زيف الكتب الثلاثة جميعها (1). وربما كان أفضل دليل على أن روسكا لم يعوّل فى زعمه ذاك على حجة صحيحة، وإنما توصل إلى هذه النتيجة طبقا لأفكار غير موضوعية. ربما كان ذلك فى تصحيحه هو ذاته الذى ساقه عام 1928: «وحتى قبل خمس سنوات خلت، كنت أعتقد أن بيانات الفهرست فيما يتعلق بنشاط أدبى شامل للصنعوى، فى مجال الرياضيات والفلك والسحر والفلسفة والطب وأمور الحرب أنها من عالم الأساطير
…
» (2). من المحتمل جدّا أن روسكا اتخذ موقفا أكثر إيجابية تجاه موضوع جابر ما بين عام 1925 وعام 1930، وذلك بتأثير اكتشافات هولميارد. وكما يؤخذ من أول مقال له، تغير فيه هذا المفهوم، يتعلق بكتب جابر السبعين (3)، فقد اضطر روسكا إلى أن يتراجع وبخاصة فى مقاله «العدد والصفر عند جابر بن حيان» (4)»
(1)«لقد كنت أعتقد أنى بينت أن كتبا ثلاثة من الكتب التى نشرها برتلو على أنها كتب جابر، أن هذه الكتب الثلاثة ما هى إلا زيوف: كتاب الرحمة الصغير وكتاب الموازين الصغير وكتاب الملك» . (التقرير السنوى الثالث ص 17).
(2)
arohivf.gesch.d.math.11 /1929 /258.
(3)
diesiebzigbucher desgabiribnhajja n: studienzurgeschi chtederchemie، festgabeed- mundo. v. lippmann .... berlin 1927، p. 38 - 47.
(4)
في archivf.gesch.d.math.11 /1929 /256 - 264.: وبهذه المناسبة ينبغى وقبل كل شئ التنويه بتراجعه الواضح عن موقفه السابق تجاه مسألة جابر: «لقد اعتبر جابر وحتى وقت ليس بالبعيد شخصية علمية مشكوكا فيها إلى درجة قصوى، ليس هذا فحسب بل كان يشكك- وبحق إلى حد ما- حتى في شهرته في السيمياء وهي أول مجالات اختصاصه. لقد غيرت الدراسات الجديدة هذا الموقف تغييرا جذريا. فحتى قبل خمس سنوات خلت كنت أعتقد أن بيانات الفهرست فيما يتعلق بنشاط أدبى شامل للصنعوى فى مجال الرياضيات والفلك، والسحر والفلسفة والطب وأمور الحرب أنها من عالم الأساطير. أما اليوم فلا يمكن التشكك فى أعمال جابر الطبية والفلسفية بعد ما أخذت تتضح أكثر فأكثر ليس من خلال الكتب الصنعوية التى تكتشف شيئا بعد شئ، فقط وإنما أيضا عن طريق مؤلف طبى ضخم. وبهذه الرسائل الصنعوية وكذلك بكتاب السموم الضخم لا توثّق بيانات الفهرس الكبير بكتب جابر الوارد في الفهرست لابن النديم فحسب، وإنما يوثّق أيضا جزء من الفهرس الثانى، فهرس المجموع الذي كان قد أثار شكوكا محقة بسبب ذلك العدد الهائل من المؤلفات التي يزعم جابر أنه صنفها فى موضوعات طبية وطبيعية وفنية وفلسفية وموضوعات أخرى. لقد ذكرت عناوين الكتب الطبية والعلمية التى وردت فى هذا الفهرس كذلك فى كتاب السموم، كما جاء فى الكتاب نفسه مقطع طويل من كتاب في الأعمال الحربية كما يقابلنا التعليم المدرسى الفلسفى فى كل صفحة تقريبا من صفحات الكتب المكتشفة من جديد. إن هذا التوثيق المطلق لمحتوى الفهرس الثانى يجعل من العسير أن تعتبر بياناته بالذات فيما يتعلق بأعمال جابر الرياضية ضربا من الأساطير. فإذا ما ذكر جابر أنه صنف شرحا لأقليدس وشرحا للمجسطى وأنه حسب زيجا، فهل لنا ألا نصدق ذلك في زمن ما شاء الله ونوبخت، naubacht لا لشئ إلا لأن ابن النديم لم يذكر هذه الأعمال حتى ولو مرة عند سرده للرياضيين ومؤلفاتهم أو لأنه ليس بين أيدينا توثيق ما من جهة أخرى؟ » (العدد والصفر في مجلة أرشيف في تاريخ الرياضيات 11/ 1929/ 258 - 259).
zahlundnullbeiga biribnhajjan
ومقاله «جابر، (1) dschabir «عن كثير من انتقاداته التى سبق له أن صرّح بها قبل بضع سنوات خلت (2). أو بعبارة أخرى: يبين محتوى المقالة الأخيرة أن روسكا كاد يكون عام 1929 مستعدّا لتغيير آرائه المتعلقة بنشأة العلوم العربية وبأصل الكتب المزيفة، لتغييرها فيما يتعلق بالنقاط الرئيسية تغييرا جذريّا. ومنذ اقتنع بأن جابرا عاش فعلا فى القرن الثانى/ الثامن، ومنذ كف عن موقف الرفض لمحتوى الكتب، منذ ذلك بدأ يفكر إزاء تأريخه لكتاب بليناس، «اللوح الزمردى» ، وإزاء تصوّره أن تلك الكتب ما هى إلا زيوف عربية (3). وحتى التسليم
(1) في: كتاب الكيميائيين العظام، نشره الدكتور، guntherbugge م 1 1929 م، طبعة لاحقة wein heim /bergstr.- عام 1955 م ص 18 - 31.
(2)
لقد ذكر على سبيل المثال: « .. فإنه يبقى الشئ الكثير ضد الفهرس (الكتب) مما يبرر رفضه، بل بدا اعتباره وحتى قبيل سنوات مضت ضربا من الزيف الفاضح الواضح أمرا مسلما به. يتجلى الشك بخاصة فى المؤلفات الرياضية والطبية التى يزعم جابر أنه ألفها، إذ كيف يتاح لعربى أن يكون، نحو منتصف القرن الثامن، قادرا على إنجاز مثل هذه الأعمال، مع العلم أن أقدم مؤلّف عربى نعرفه فى الطب والعلم الطبيعى يرجع إلى عام 850 م، وأنه لم يكن هناك وحتى مطلع القرن التاسع الميلادى أى ترجمة عربية لأقليدس أو بطليموس؟
لقد أبطلت اكتشافات السنوات الأخيرة، التى لم تكن فى الحسبان، هذه التحفظات الناقدة، ولم تؤد إلى موقف جديد كليّا تجاه عمل جابر بمجموعه فحسب وإنما أدت إلى انقلاب جذرى فى آرائنا حول مصادر العلم العربى».
(المصدر السابق ص 22 - 23).
(3)
يقول: «لقد اعتبر كتاب هرمس «اللوح الزمردى» فى السيمياء اللاتينية ومن نحو عهد البرت الكبير، كتابا غامضا وكموجز متعمق للحكمة الصنعوية جميعها. ولما لم يكن الكتاب معروفا إلا بالنص اللاتينى فقد عد بعض مؤرخى الكيمياء اللوح زيفا متأخرا، وألحقه البعض الآخر بالسيمياء اليونانية- المصرية.
أما وقد عرفنا الكتاب الآن وبأشكال عربية مختلفة فإنا نعلم أنه يشكل نهاية كتاب حول أسرار الخلق ينسب إلى بليناس أو إلى هرمس. وقد وصل الكتاب إلى يدى جابر بدليل أنهيذكر اللوح فى الرسالة الثانية المخصصة للبرامكة من كتاب المائة واثنى عشر كما ورد في ذلك الكتاب بالذات. فإلى أى وسط يرجع مؤلف هذه الكوسمولوجيا الصنعوية- النجومية؟ وهل يعقل أن الكتاب من الأصل عربى أم أنه ترجم عن الفارسية، عن السريانية؟ وأين نتحرى طائفة الفلاسفة الذين عولوا على أبولونيوس وهرمس؟
ومن هو ساجيوس الذى صرح بأنه مترجم الكتاب؟ وهل المدخل الفلسفى الذى تصدر الكوسمولوجيا وفيه هجوم على الغنوسطيين وفرفوريوس. هل هو من الكتاب هذا بالأصل؟ وقبل كل شئ إلى من يعود تركيب الكل؟ يبدأ الكتاب بفلك النجوم الثابتة فالكواكب من زحل وحتى القمر ثم الظواهر فى الهواء، أما الأبواب التالية فخصصت للمعادن السبعة ونشأتها من الزئبق والكبريت كما خصصت للأحجار الكريمة والأملاح والأجسام القابلة للاحتراق. وخصص الجزء المتبقى من الكتاب للنبات والحيوان والحجر. ترى هل هناك كتب أقدم يمكن اعتبارها مراحل سابقة لهذه الكوسمولوجيا العلمية؟ أما أنا فلم أجد شبيها حتى الآن إلا فى بعض أبواب ال، «pistissophia» وهو كتاب غنوسطي مذهبى، فكيف السبيل لتجاوز هذه المسافة؟ » (المصدر السابق ص 25 - 26).
بالأصل اليونانى «لمصحف الجماعة» (انظر قبله ص 84) بدا له مقبولا. كما أنه أشار إلى الوحدة فيما يتعلق بزمن ومكان النشأة التي توجد بين «المصحف» وبين الكتب المزيفة التي وصلت إلينا باللغة العربية وتنسب إلى العلماء القدامى (1). كذلك فإن ما استنتجه من فحوى وتركيب «كتاب السموم» ، مهم بالنسبة لموضوع جابر الإجمالى.
فلقد طرح روسكا بعد دراسة هذا الكتاب الذى وصف عرضه الإجمالى بأنه منطقى ومرتب ترتيبا دقيقا، السؤال التالى: وإذا ظهر الآن أن بيانات الفهرس الثانى (فهرس كتب جابر عند ابن النديم) الإجمالية قد توثقت فيما يتعلق بالطب والمنطق عن طريق «كتاب السموم» على الأقل توثقا مبدئيّا، وإذا ما تأكد كذلك فى هذا الكتاب وعن طريق اقتباس طويل حول إحدى حيل الحرب عند فتح المدن أن جابرا قد ألف فعلا في أعمال الحرب، وإذا كان هناك كتاب فى قوى الأشياء الخاصة، يثبت جانبا آخر من جوانب عمله: فما الذى يجيز لنا بعد هذا كله أن نعد الكتب الرياضية والفلكية أو
(1)«ومن مصححات جابر المذكورة آنفا المتعلقة بفلاسفة مختلفين، توجد مصححات أفلاطون مخطوطة فى القاهرة واسطانبول، وعلى الصفحات الأولى يوجد اسم سقراط وطيماوس، فيتوقع المرء أن جابرا سيتطرق إلى محتوى هذا الكتاب الأفلاطونى. ولكن ماذا يجد المرء فعلا؟ بعد التحذير من الشروع فى كتاب الصنعة دونما دراسة سابقة لأولياته وأسبابه وبعد الإشارة إلى أن الأصل فى العلوم أن يقوم على فائدتها للبشر، فائدتها للفلسفة ولكن على معرفة الحقيقة، بعد هذا كله نعلم أن أفلاطون اتبع في معظم مسائل الصنعة نهج سقراط الذى قام باكتشافات رائعة ونعلم كذلك أن أفلاطون فاق كل الفلاسفة الآخرين بالعلم والصنعة. ثم تبدأ مناظرة علمية بين أفلاطون وطيماوس تدور حول أسس الصنعة، تكملها توضيحات جابر فتغدو منهجا مدرسيا منظما فى الكيمياء، بدأ بوصف الأدوات والأفران وبحث كامل القياس والتجربة فى الصنعة الكبرى فى تسعين فصلا. مرة أخرى علينا أن نتساءل: متى وفى أى وسط تحول سقراط وأفلاطون، بل ليس هذين فقط وإنما كل طائفة الفلاسفة اليونانيين، متى صار هؤلاء صنعويين؟ إن النموذج التقليدى (الكلاسى) لهذا القناع هو «مصحف الجماعة» ، كتاب، لم يعرف حتى الآن إلا باللاتينى وكان له تأثير بالغ بلا شك، كتاب يمكن اعتباره «محضر مؤتمر صنعوى، (synode) «كان برئاسة فيثاغورس، عرض فيه كل الفلاسفة، من موسى وأسطانس وأغاذيمون، حتى هرقل عرضوا ما تقدم من سيمياء، على أفضل ما يكون العرض، بأسئلة وأجوبة. هذا وتثبت التصحيفات فى الأسماء وأسماء المواد العربية، تثبت أن «المصحف» يعتبر ترجمة أو تحريرا لكتاب عربى. لكن ألا يمكن أن يكون هذا الكتاب بدوره مأخوذا عن اللغة اليونانية؟ فالنقص فى العناصر الشرقية والأسماء الكثيرة التى لا يمكن إيضاحها (عن طريق) اللغة العربية يؤكد أن هذا الظن؛ بيد أن تصنيف المصحف فى مجموع الآداب ينقصه أى عمل لغوى ناقد سابق» (المصدر المذكور له آنفا ص 26 - 27).
الكتب الفلسفية واللاهوتية التى ذكرت فى الفهرس أن نعدها مستحيلة؟ فلقد وجد رجال بعلوم موسوعية مشابهة فى زمن متأخر، لا أحسبنى أحتاج أن أذكّر إلا بالكندي والرازي وابن سينا والبيروني
…
» (1). ولقد كان هم روسكا عام 1929 «أن يجعل من موضوع جابر، وجود رجل من هذا القبيل
…
أن يجعله معقولا» وأن يجيب على التساؤل: «كيف بلغ هو هذه الصورة من العرض؟ وأين كانت المدارس الطبية نحو عام 750، تلك المدارس التى استطاعت أن توفر علما واسعا بصورة منهجية منقحة (2)؟ » وهو سؤال نلمسه أيضا فى التعبير التالي: «لكنّ الغموض ما زال يكتنف أهم شئ بالنسبة لنا: مراحل تعليم جابر. فقد يكون ورث الميل إلى العلوم الطبيعية من أبيه، بيد أننا أمام السؤال دونما قرينة واحدة إيجابية، السؤال الذي يفيد كيف استطاع أن يحصّل جابر الفتى ثم جابر الرجل العلم الواسع وذاك المران المنطقي؟
كذلك فإنه من الصعب الإجابة على السؤال عن الصورة اللغوية، فهل يعقل أن جابرا كان المبدع لعلم المصطلحات العلمية المتكامل بمفرده؟ وإذا لم يكن هو ذاك، فمن هم الذين سبقوه؟ وعلى غرار من تعلم هؤلاء؟ ألا نصل بذلك إلى السريان ذوي اللغة القريبة؟ أم لنا أن نسلم فى هذا الصدد بنماذج فارسية كانت موجودة (3)؟ ».
وما لبث روسكا أن تخلى، بعد نحو عام فقط، أي عام 1930، عن طريقه الذى سلكه خمس سنوات سبقت وانحاز بلا تحفظ إلى النتائج التى نشرها باول كراوس فى دراسته بعنوان:«جابر بن حيان والاسماعيلية. dschabi ribnhajjanunddie ismailijja «وقد جعل روسكا كلام كراوس مع مجمل للدراسات التي توافرت حتى ذاك الوقت، جعلهما ميسرين على نطاق أوسع وذلك من خلال مقال بعنوان «تداعي أسطورة جابر (4) «derzusammen bruchderdschabir -legende» «يقول فيه إن
(1) المصدر المذكور له أعلاه ص 24.
(2)
المصدر السابق.
(3)
المصدر السابق ص 31.
(4)
derzusammenbruch derdschabir- legende. diebisherigenver suche، desdschabir- problem zulosen: ruska. dschabiribnhajja nunddieismailijj apaulkrausin: dritterjahresber icht، berlin 1930، p. 7 - 22.
كذلك ص. 32 - 24.
الروايات والبيانات وكل الآراء المتفقة مع الروايات فيما يتعلق بزمن حياة جابر، كل هذا لا أهمية له، فجابر لم يكن حيّا والكتب التي تحمل اسم جابر ما هي إلا من نتاج القرن التاسع/ العاشر الميلاديين (1).
ومع أن روسكا كان يتطرق خلال السنوات العشر التى تلت ذلك إلى جابر في دراساته للصنعة العربية، إلا أن كراوس اعتبر ومنذ عام 1930 المؤشر في دراسة مسألة جابر. وبعد اثني عشر عاما (1942 - 1943) نشر كراوس نتائجه فى مجلدين (2).
ووفق فى تحديد نحو 70% من المخطوطات المحفوظة، خصص لها وللكتب التى لم تعرف إلا بالاسم أو الاقتباس، فهرسا ممتازا شغل المجلد الأول من الكتاب وتناول فى المجلد الثانى دراسة أعمال جابر في مجموعها بالتفصيل. لا تختلف آراؤه فيما يتعلق بموضوع شخصية جابر التاريخية عن آرائه التى سبق له أن نشرها في مقاله «تداعي أسطورة جابر» . غير أنه كان للنتائج التى استخلصها فيما يتعلق بأهمية المجموع الجابري بالنسبة لتاريخ العلوم، كان لها أهمية أكبر بكثير مما كان متوقعا.
فضلا عن ذلك فلقد قدم كراوس فى كتابه مادة بالغة الأهمية للدراسات التالية فى العلوم العربية، انتفع المجلد هذا الذي بين أيدينا بغزارة من هذه المادة بالرغم من اختلافنا مع كراوس سواء بالنسبة لتحديد التاريخ أو بالنسبة للفكرة التي تفيد أن تحديد التاريخ المتأخر للكتب التى باسم جابر لا ينال من أهمية هذه الكتب (3). أجل فنحن نعتقد أن قبول زمن حياة جابر كما جاء والتسليم بأصالة كتبه أن هذا سيلقى ضوءا جديدا كلية على العلوم العربية، وأن حل العديد من المسائل الرئيسية يتعلق مباشرة بأصالة تلك الكتب، وهذا هو السبب الذى دفعنا لمناقشة النتائج المذكورة في إطار كتابنا هذا، تلك النتائج التى تزعم أن مجموع جابر صنف من قبل مدرسة صنعوية ما بين
(1) المصدر المذكور له آنفا ص 22
(2)
p. kraus، jabiribnhayyan، contributional'h istoiredesideess cientifiquesdans l'islam. vol. i. lecorpusdesecrit sjabiriens. kairo 1943; vol. ii. jabiretlascience grecque. kairo 1942.
(3)
(التقرير السنوي الثالث: drit terjahresbericht (ص 41.
النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى والنصف الأول من القرن الرابع الهجري (1).
ولم يطرح موضوع جابر بعد ظهور دراسة كراوس إلّا على هامش بعض الدراسات، كما طرحت نتائج كراوس للمناقشة في بعض النقاط، بيد أنهنظر لها على أنها حقائق نهائية مسلم بها. من هذه الدراسات التى تذكر كذلك، دراسة هولميارد (2) e.j.holymyard الذي تمسك بزمن حياة جابر كما جاء في الرواية وكان متفقا مع كراوس إلى حد بعيد على أن جزءا كبيرا من الكتب الجابرية ربما صنّف من قبل الإسماعيليين في القرن الرابع/ العاشر (3).
هذا وقد سبق أن سقنا عام 1961 في مؤتمر المستشرقين الألمان الخامس عشر فى غوتنغن، بعض الحجج في دحض رأي كراوس المتعلق بزمن نشأة المجموع (4). حاول بلسنر plessner من جانبه أن يفندها فى مقال له أصر فيه على موقف كراوس القديم (5).
ونود الآن أن نناقش مرة أخرى حجج وأفكار كراوس التي زعم أنها أثبتت زمن تصنيف متأخر لكتب جابر. وكما يؤخذ من أقوال كراوس نفسه فى التقرير السنوى الثالث (6) وفي آخر كتاب له (7) فقد تعقب بشكل رئيسي دراسات روسكا ذاتها التي
(1) كراوس م 1 ص، lxv م 2 ص. vii
(2)
al chemistendesisla msimmittelaterin:
(3)
المصدر المذكور له آنفا ص 118.
(4)
dasproblemdesgab iribnhayyanimlic hteneugefundener handschriftenin: zdmg 114/ 1964/ 255 - 268.
(5)
gabiribnhayyanun ddiezeitderentst ehungdergabir- schriftenin: zdmg 115/ 1965/ 23 - 35.
لقد أملت علي النغمة قليلة الموضوعية بعض الشئ، ألا أستمر مع بلسنر plessner بالمناقشة.
(6)
(التقرير السنوي الثالث drit terjahresbericht. (ص 28.
obtenuequavecdes argumentsrelevan tdelacritiqueint erne. reprenantlesrech erchesde ruskaetencourage parmonmaitreh. h. schaeder، jaipufonder، des 1930، laquestionde loriginedesecrit sjabirienssurlep landelhistoirere ligieusedelislam
…
أبرز فيها هذا مرارا النقاط الأساسية في الشكوك وإن كان، كما ذكر آنفا، أعلن عن بطلانها فى عامي 1928 - 1929 م تقريبا. أما السبب فى أن كراوس عاد من جديد وتناول الشكوك التي سبق لروسكا أن تخلى عنها والمتعلقة بزمن حياة جابر كما جاء، وبأصالة مجموعه، فيبدو، كما يؤخذ من أقواله، أنه يكمن فى أن أستاذه h.h.schaeder نبهه إلى الأفكار الإسماعيلية في «كتاب البيان» لجابر (1).
ولقد ذكر كراوس حججه وآراءه التي سبق له أن نشر بعضها فى مقال «تداعي أسطورة- جابر» ذكرها مرة أخرى فى مقدمة المجلد الأول (2). وسنتعمد تعقب ترتيبه بالتسلسل في الموضع المنشود ونتطرق إلى أفكار مشابهة دوّنها هو فى أجزاء أخرى من كتابه المكون من مجلدين، سنتعمد ذلك ليسهل على القاريء المقارنة والمراجعة.
لقد قدم كراوس بين يدي تدليله على «البرهان القاطع» بعض الآراء التي وصفها هو ب «فرضيات» ، بعضها يعود فى الأصل إلى روسكا (3)، وبعضها يتكرر هنا وهناك فى أجزاء مختلفة من كتاب كراوس الكامل. أما هذه الآراء «الفرضيات» فهي (4):
(1) كراوس التقرير السنوي الثالث ص 28: «من واجبي بهذه المناسبة أن أعبر عن شكري للأستاذ h.h.schaeder في أنه أتيح لي لدى إقامتي في konigsberg أن أبحث معه موضوع- جابر على أوسع نطاق.
ولقد شقّ الطريق المؤدي لا محالة إلى حل مسألة- جابر، بما عرف schaeder من الكتاب الأول من مجموع الكتب التي نشرها هولميارد، «كتاب البيان» على أنه كتاب إسماعيليالمذهب وبما حلّل من محتواه حتى أدق المصطلحات. وهكذا كلما درست كتب أكثر على أساس خلفيتها التاريخية الإسلامية ومصطلحها العلمي، اتضح زمن وظروف تصنيفها»، انظر الهوامش السابقة أيضا.
(2)
كراوس، i ص. xlvi -lxv
(3)
.archivf.gesch.d.med.15 /1923 /62
(4)
كراوس، i ص. xlviii
«placerlecorpusja birienauneepoque oulalitteratures cientifiqueenlan gue arabeetaitasesde buts، aboutitenoutreau neenormite (1) . sil'onattribueau philosophekindi، auteurduiii/ ixsiecle، presde 250 ovragesquiavaien tles dimensionsdestra itesjabiriens، l'attributiondem illiersdetraites aunauteur uniqueduii/ viiisieclecontre dittouteslesidee squ'onapusefaire sur l'evolutiondelal itteraturearabe (2) . sansparlerdufait، quelesecritsjabi riens presupposentlare ceptiondanslisla mdelensembledela sciencegrecque (3) . si lesecritsjabirie nssontauthentiqu es، lestraductionsar abesdesouvres daristote، dalexandredaphro disias، degalien، dups.- plutarquedevront desormaisetrerep orteesplusdunsie cleavantladateco mmunementadmise (4) . ceneseraplushwar izmiquiauraintro duitlecalculindi en (5) ninonplusl'ecole dehunaynquiaurad efinitivementfix elaterminologies cientifiqueenlan gue arabe (6) . audebutdelhistoi redelascienceara be، ilfaudraplacerun e personnalitedepr emierplan، quiauraitprefigu etoutel'evolutio ndes generationsaveni retl'auraitenmem etimpsrendueinut ile (7) .
ونود قبل أن نشرع في مناقشة أفكار كراوس حسب تسلسلها، تلك الأفكار التي عرضها (1) بصيغة مشابهة عام 1930، نود أن نذكّر بموقف روسكا إزاء انتقاداته المماثلة القديمة (2): «إني أخشى أن يكون تفكيرنا في هذه الأشياء تفكيرا مجردا للغاية، فنحن
نتمسك جدّا بالخيوط الواهية للرواية التاريخية الأدبية ونحكم متقيدين أكثر مما ينبغي بقاعدة. «(1) q uodnonestinactis ،nonestinmundo»
(1)
يبين ما جاء في هذا الكتاب عدم صواب الرأي الذي يصنف شخص جابر وأعماله في بدايات العلم العربي، فالقرن الهجري الثاني يمثل حقبة، ألف فيها المؤرخون واللغويون وغيرهم من العرب، ألفوا اعتمادا على ما توافر من كتب متخصصة «monographien» عديدة، كتبا منهجية غزيرة. لهذا ينبغي أن ينظر إلى قدرة جابر الإنتاجية على أنها استمرار وختام ذروة النشاط العلمي الطبيعي والفلسفي للشعوب الهلينية، الشيء الذي توضحه أفضل ما توضحه المصادر والبيانات الموجودة في مجموع جابر.
(2)
لقد سبق ل روسكا أن طرح سؤالا مشابها، ذكر جوابه آنفا (2). أما أنا فإني أقتبس ما ذكره h.corbin مكتفيا به ردا على هذا السؤال بدلا من أن أسرد أسماء علماء عرب آخرين امتازوا بالقدرة الإنتاجية المذهلة:
' ' ilestvraique، parmicestraites، certainsrepresen teraientpeut- etreplu- sieurscentainesd epagesimprimees، maisnombred'autr essereduisentaux proportionsmonum entalesdel'oeuvr ed'unibn'arabi، ilneseraitpasmat e- riellementimposs iblequ'unseulecr ivaineutpulesred iger. ' ' (3)
(3)
أما الزعم بأن كتب جابر تقتضي أن يكون قد سبقها استيعاب كامل العلم اليوناني في الإسلام، فلا يتفق، لامع النتائج الموضحة في كتاب كراوس نفسه ولا مع مجرى تطور العلوم الإسلامية. فكراوس ذاته لم يتمكن من اكتشاف سوى بعض الكتب
archivf.gesch.d.math.11 /1929 /259. (1)
(1) archivf. gesch. d. math.259/1929/11.
(2)
انظر قبله ص 247 - 248.
(3)
lelivreduglorieu xdejabiribnhayya nin: eranos- jahrbuch 18/ 1950/ 53.
التى ترجع لأرسطاطاليس وجالينوس والإسكندر الأفروديسى وبعض كتب آخرين، اكتشفها بين مصادر جابر، الجزء الأعظم منها ذكر فى «كتاب البحث» وهو من أحدث كتب جابر. أما سائر الأسماء اليونانية الأخرى- وقد أشار كراوس نفسه إليها كثيرا- فهى إما أسماء مستعارة أو اقتباسات مصادر جابر. وربما طال بنا الكلام إذا أردنا أن نذكر مئات من الكتب اليونانية التي لم تترجم إلى العربية إلا فى القرن الثالث الهجرى ولا علم لجابر بها قط. وإن اكتشاف أن جابرا لم يذكر سوى بعض الكتب اليونانية، إن هذا الاكتشاف في حد ذاته دليل على أنه عاش قبل القرن الثالث، القرن الذي ترجمت فيه كمية ضخمة من الكتب اليونانية إلى اللغة العربية.
(4)
أما فكرة كراوس الرابعة التي ذكرناها، والتي تتصل بالفكرة السابقة، فهي أنه سيترتب على التسليم بأصالة كتب جابر «أن يرجع بتاريخ الترجمات العربية لكتب أرسطوطاليس والإسكندر الأفروديسى وجالينوس
و plutarch
المزعوم، أن يرجع بتأريخها المسلم به أكثر من قرن إلى الوراء». وقد قصد كراوس بذلك الكتب اليونانية الأصيلة، تلك الكتب التي ذكرها جابر في مؤلفاته والتى خصها كراوس بالدراسة في ملحق مجلده الثانى. وإضافة إلى ذلك ترجمة «مصحف placita «لصاحبه plutarch المزعوم.
وربما يكفي للرد على هذا الاعتراض أن يحال إلى باب الترجمات فى هذا الكتاب. بيد أن الإيضاح يقتضي أن يقال إن كراوس ينطلق من اعتبار بعض الترجمات التى وصلت إلينا (الترجمات التي هى من القرن الثالث/ التاسع) هى الترجمات الوحيدة للكتب المذكورة إلى اللغة العربية. ويتضح، بما فيه الكفاية، من خلال بيانات ابن النديم (وهي ليست وافية تماما) ومن خلال ما وصل إلينا من مادة أن كتبا يونانية كثيرة ترجمت إلى اللغة العربية مرتين أو ثلاث مرات. وكثير من الترجمات الأولى يعود إلى القرن الثانى/ الثامن، من ذلك بخاصة كتب أرسطوطاليس وجالينوس. من الجدير بالاهتمام أن كتب الإسكندر الأفروديسى لم تذكر إلا في أحدث كتاب من كتب جابر، فى «كتاب البحث» . أما فيما يتعلق ب «مصحف «placita» «فقد اقتبس جابر عنه بعض النصوص دون أن يذكر اسم plutarch أو اسم الكتاب. فاقتباسات جابر تتطابق حرفيا مع الترجمة التى وصلت إلينا، الشئ الذى يدعو للتسليم بلا تردد أن جابرا استعمل هذه
الترجمة. لم تذكر الترجمة المحفوظة اسم المترجم، ولم نعلم إلا عن طريق ابن النديم أن قسطا بن لوقا (ت: مطلع القرن الرابع/ العاشر) ترجم هذا الكتاب. ومع أن ابن النديم نفسه لم يستعمل هذا الكتاب مباشرة على ما يظهر، إلا أنه ليس عندنا أى سبب وجيه لافتراض أنه أخطأ فى اسم المترجم. ونحن لا نملك أن نقرّ كراوس على افتراضه أن جابرا (وبتعبير كراوس: جابر أو بالأحرى مؤلف كتاب الحاصل) استعمل ترجمة قسطا بن لوقا التى تعود إلى النصف الثانى من القرن الثالث/ التاسع، وأن هذا يمكن أن يكون حجة فى أن زمن تأليف المجموع زمن متأخر (1). وسنناقش ذلك فى باب الفلسفة (المجلد الخامس من. (gas ومما ينبغى التأكيد عليه فى هذا الصدد أن ابن النديم لم يذكر لنا أن ترجمة قسطا كانت الترجمة الأولى أو الوحيدة.
ولقد عرف كراوس أن الكتاب كان معروفا وأنه استعمل فى أوساط العلماء العرب، قبل قسطا. وعليه فالسؤال هل يمكن أن يكون مؤلف «كتاب الحاصل» قد استعمل ترجمة قسطا أم لا. وتدل نتائج دراسة المصطلحات على عدم التطابق بين شخص مترجم الترجمة المحفوظة وقسطا (2). وعلى كل حال فلا يجوز أن يساق التطابق ما بين اقتباسات جابر والترجمة المحفوظة، بناء على ما ذكره ابن النديم أن يساق وحده حجة فى زمن متأخر لتأليف المجموع، حتى ولو لم يكن عندنا قرينة واحدة من القرائن المذكورة، تتعلق بترجمة قديمة وباستعمالها. أما الحالة الأخيرة فربما توقفت قوة برهان هذا العنصر (استعمالها) على علاقة اقتباسات أخرى لجابر بالترجمة المحفوظة. ولقد أسفرت مقارنتنا لاقتباسات جابربالترجمات التى وصلت إلينا لكتب أرسطوطاليس وجالينوس والإسكندر الأفروديسى عن أنه ليس هناك أي اقتباس من اقتباسات جابر
(1) كراوس ii ص 339.
(2)
ولا بد لي في هذه المناسبة من أن أرد على h.daiber الذي حقق وطبع مصحف ال placita في رسالته للدكتوراه بعنوان «الترجمة العربية لمصحف ال، placita ساربروكن عام 1968» . فإن الحجج التي ساقها في دراسته القيمة تعتبر دليلا على أن الترجمة المحفوظة لنا في المخطوطات هي ترجمة قسطا بن لوقا، إن هذه الحجج تدل في رأيي على أن هذه الترجمة هي ترجمة أقدم (انظر المناقشة المفصلة: المجلد الخامس من، gas باب الفلسفة).
يعتمد على هذه الكتب، بل التباين كبير جدّا، وفي حالات كثيرة يتضح الطابع الزمنى المبكر للترجمات التى استعملها جابر. ولما كنا، بفضل اكتشافات كراوس لنماذج أخرى، نعلم أن جابرا يقتبس عن مصادره حرفيّا، ولما كان هذا يتضح أكثر ما يتضح فى اقتباساته عن «مصحف» ال، placita فليس لنا خيار إلا أن نسلم بأن جابرا يذكر مصادره اليونانية الأصيلة، بل الأبواب والفصول بدقة ويقتبس عنها حرفيّا وأن ما استعمل من ترجمات هي في الواقع غير الترجمات التي وصلت إلينا من ترجمات القرن الثالث/ التاسع.
ومجمل القول، إن مقارنة اقتباسات جابر بالترجمات التي وصلت إلينا تقدّم أدلة جديدة على أن زمن التأليف يرجع إلى القرن الثاني للهجرة. صحيح أن كراوس لم يعرف الترجمات المحفوظة لكتب الإسكندر الأفروديسي. لكنه لم يدرك أيضا، على ما يبدو، أهمية مقارنة الاقتباسات التي في المجموع بالترجمات التى عرفها لكتب أرسطوطوليس وجالينوس، يشذ عن ذلك مقارنته بين اقتباسات جابر وبين طوبيقا أرسطوطاليس، ولم يستنبط من النتيجة أي استنتاج، كل ما هنالك قوله إنها:«ليست اقتباسات حرفية (1)» .
(5)
أما بخصوص استنتاجه بأن الخوارزمى- إذا سلم بالقرن الثانى على أنه زمن تأليف كتب جابر- لا يعود من الممكن اعتباره أول من أدخل الحساب الهندي إلى وسط الحضارة الإسلامية- العربية، فلا بد من طرح السؤال: أين هي القرائن أو البيانات التاريخية التى تدل على أن الخوارزمى قام بهذا الدور أصلا؟ (2) أليس هذا، مرة أخرى، مجرد فرضية لا أساس لها؟
(6)
أما الرأي الذي يفيد- مع التسليم بأصالة كتب جابر- أن مدرسة حنين لم تعط المصطلح العلمي طابعه النهائي، فيتصل بالفكرتين المذكورتين تحت رقم (3)
(1) كراوس II ص 320.
(2)
انظر التفاصيل في المجلد الخامس من. gas
و (4). ولقد سبق ل كراوس أن أفصح عن هذا الرأى فى مقاله فى دائرة معارف الإسلام (1)، وقد نقل هذا الرأي في الطبعة الجديدة حرفيّا (2). هذا وتوضح الدراسات الحديثة أكثر فأكثر أن أهمية دور حنين وتلاميذه قد بولغ في تقديرها فيما سبق (انظر المجلد الخامس من. (gas ومما ينبغى أن يشار إليه هنا، خلافا لرأي كراوس، أن مقارنة لكتاب من كتب جالينوس (المجلد الثالث ص 71 من (gas و «لكتاب السماء والعالم» لأرسطاطاليس وهما في الترجمة التي وصلت إلينا ل حبيش، أو بالأحرى يحيى ابن البطريق، مقارنتهما بما يقابلهما من اقتباسات عند جابر، تبيّن أن اقتباسات جابر لا تعتمد على هاتين الترجمتين. ولقد قام كراوس نفسه بمقارنة اقتباس لجابر عن «كتاب الحجر- المزيف» لأرسطاطاليس بهذا الكتاب الذى وصل إلينا ووجد أن جابرا لا يعتمد على الترجمة التى تعود إلى القرن الثالث/ التاسع (وفقا لما جاء في الكتاب ذاته عن حنين)(كراوس ii ص 76).
(7)
أما التدليل على أن الاقتناع بأصالة المجموع يتطلب قيام شخصية في مطلع العلوم العربية صاغت سلفا مجموع إنجازات الأجيال اللاحقة، بل جعلتها غير مفيدة، إن هذا التدليل لا علاقة له البتة بالواقع المتعلق بإنجازات العلم العربي في القرن الثالث/ التاسع والقرن الرابع/ العاشر إذ يبدو غريبا على المجموع تماما ذلك التطور الذي حصل فى الجغرافيا والرياضيات والطب والفلسفة وغيرها خلال هذين القرنين، الأمر الذي ينبغي أن يرجع إلى زمن نشأته المبكر.
لقد جاء في اعتراض من أخطر اعتراضات كراوس على أصالة المجموع ما يلي:
«maiscommenexpliq ueralorsquedejal apremierecollect ion، celledescxii» livres، contientdestrait esdediesauxbarme cidesdontl'avene mentaupouvoir
(1) «إن المصطلح العلمى الذى استعمله جابر هو بلا استثناء المصطلح الذى أدخله حنين بن إسحاق، مما يستنتج أن المجموع لا يمكن أن يكون صنف قبل نهاية القرن الثالث للهجرة. erg.،ei «ص 53.
(2)
ei ، م 2 2 ص 359.
eutlieuen 170/ 786، etnotammentuntra itededieajafarb. yahyaal- barmaki، «nevers 150/ 767. (1)
كان دافعه إلى هذا الرد أن مؤلف «كتاب الرحمة الصغير» يعزو النقد للمجموعتين (كتب ال cxii وكتب ال (lxx بما فيها نقد الخمسمائة كتاب يعزوهما إلى جعفر الصادق (2). والأمر في حقيقته هو أن الرسائل الأولى والثانية، والثالثة بعد المائة والسادسة بعد المائة والسابعة بعد المائة المذكورة فى فهرس مجموع ال cxii كتابا والوارد عند ابن النديم أن هذه الرسائل مهداة، كما يبدو، للبرامكة. عنوان الرسالة الأولى:
«كتاب أسطقس الأس الأول إلى البرامكة» . وقد أكد كراوس أن هذا العنوان لم يوثق في أي نسخة من النسخ التى وصلت إلينا (المصدر السابق i ص 12)، فالعنوان هو إما «كتاب أسطقس الأس» أو «كتاب أسطقس الأس على رأى الفلاسفة وهو الأول من الثلاثة» . وأهم من ذلك بكثير بلا شك أن العنوان جاء فى الكتاب ذاته وفى كتب أخرى لجابر «كتاب أسطقس الأس» (3) وأنه ليس هناك أي كلام عن البرامكة. ولا يمكن للعنوان عند ابن النديم أن يكون ذا وزن أكبر من العناوين الأخرى للنسخ المحفوظة وللاقتباسات في كتب أخرى للمؤلف ولمحتوى الرسالة. وقد يكون الإهداء «إلى البرامكة» أضيف، في وقت متأخر من قبل المؤلف أو الراوى أو ما شابه ذلك، وهذا الاحتمال كثيرا ما فكر فيه كراوس بخصوص المجموع هذا (انظر على سبيل المثال i ص 157). من جهة، أخرى، مما يدعو للتفكير، أن البرامكة سبق أن نالوا بعض الشهرة في العهد الأموي، وخالد بن برمك نال ود الخليفة المنصور ورأس منذ عام 132/ 749 «ديوان الخراج» (انظر ف. برتلو ei ،II ص 691 - 692). كذلك فإن احتمال الأس المتأخر ليس مستبعدا فى الرسالة الثانية من المجموع، تلك الرسالة التى جاء عنوانها عند ابن النديم «كتاب أسطقس الأس الثانى» فيهم (اقرأ: إليهم)، وجاء عنوانها فى المخطوطات «كتاب أسطقس الأس على رأى الديانة وهو الثانى» (كراوس i ص 13).
(1) كراوس i ص. xlviii
(2)
المصدر السابق.
(3)
انظر مجلة (المشرق، 97/ 1950 /3 oriens (فهرس المخطوطات iii ،iv ص 97.
أما فيما يتعلق بالاعتراضات بخصوص الرسالة الثالثة والسادسة والسابعة بعد المائة التي أهديت للبرامكة: علي بن إسحاق ومنصور بن أحمد وجعفر بن يحيي، فالرسالة التى تخص البرمكى الأخير على الأقل (أما الرسالتان الأوليان فلا نعرفهما) لا يمكن لها، لأسباب تاريخية زمنية، أن تكون من مجموع ال cxii كتابا (يفيد «كتاب الرحمة الصغير» أنها كانت فى متناول جعفر الصادق المتوفى عام 148/ 765)، وهكذا فإن هذه [الردود] غير سائغة لأن الكلام في «كتاب الرحمة الصغير» لم يكن عن 112 كتابا، وإنما- كما جاء في تحرير من التحريرات- كان عن المائة كتاب- وكما جاء فى تحرير آخر- كان عن «ما ينيف على المائة (1)» . فمن المحتمل جدّا إذن أن المجموع هذا كان يضم في بادئ الأمر مائة رسالة ونيّفا، أضاف جابر إليها فيما بعد، وللصلة في المحتوى، بعض الرسائل الأخرى كانت منها الرسائل مدار البحث كذلك. وقد سمى جابر هذا المجموع فى كتبه المتأخرة باستمرار وبوضوح «مجموع المائة واثنى عشر كتابا» وربما اختار جابر العدد 112 لاهتمامه بالحساب) «arithmetik» انظر كراوس I ص 12) الذي كان له دور عظيم في نظرية الميزان (انظر المصدر السابق ii ص 193) التى لم تكن معروفة بعد فى المجموع الأول هذا (ذلكالمجموع الذى زاد عدده إلى 112 فيما بعد على ما يظهر)(انظر المصدر السابق i ص. (ii هناك قرينة أخرى على أن عدد رسائل هذا المجموع ازداد إلى 112 فى وقت متأخر، ترجع إلى أن العدد ذكر فى رسالة 100 كتاب (2) وفي رسالة أخرى 111 كتابا (المصدر السابق، i ص 12، ن 4)(3).
(1) إما «وفي كتب كثيرة من المائة» أو «وفي كتب كثيرة من المائة ونيف» (تحقيق برتلو chimie: م 3 ص 100).
(2)
«وقد كنا وعدناكم بعدة كتب هي تابعة لهذه الكتب المائة وهي تمامها .... » ، «فإن وصلت إليك هذه العشرة كتب مع هذه المائة كتاب» (السر المكنون، انظر مختار رسائل ص 339 وص 340).
(3)
بعد التسليم بأن عدد الرسائل ازداد في المجموع إلى 112 في وقت متأخر، ينبغي الحذر لدى اتخاذ ذكر هذا العدد قرينة في تحديد تأريخ المجموع. إذ أنه من المحتمل جدا كذلك أن المؤلف نفسه أو تلامذته، أو الراوى أو المحرر وما شابه ذلك، أنهم اعتادوا أن يغيروا العدد ذاته، دونما تفكير بالصعوبات التى ستعترضنا نتيجة لذلك.
يتضح من هذه الفكرة بمفردها أن كراوس يتحدث عن ذروة في تطور الحركة القرمطية (من الناحية الفكرية)، تلك الذروة التي تلاحظ بالفعل فى القرن الثالث/ التاسع. إلا أنه من غير المفهوم البتة، لماذا خلط كراوس المرحلة المبكرة من مراحل الإسماعيلية والقرامطة، تلك المرحلة التي تحدث عنها أهل الاختصاص إبان زمانه بوضوح تام، خلطها مع مرحلة متأخرة عليها ومن ثم ذهب إلى الاعتقاد بأنه وجد «برهانا قاطعا «preuvedecisive «على الزيف.
لقد ساق كراوس، وفقا لفكرته العامة المتقدمة فيما سلف، الحجة الأولى، فقد وجد فى «كتاب الإخراج» لجابر عند معالجة العلة الأولى والتقدم اسم القرامطة مع الفلاسفة والهنود والمزدكيين وغيرهم. علق على ذلك كراوس بقوله:(2)
or ،quelle quesoiti'origine dunomdesqarmates ،"
ilestcertainquec elui- ci n'apparaitsurlas cenedel'histoire qu'auxenvironsde l'an 270/ 883، sansqu'on puisseetresurqu' acettedatelesdoc trinesesoterique sdelasecteaientd eja. ete
(1) كراوس، i ص. xlix
(2)
يحيل كراوس بذلك إلى ماسينيون l.massignon في art.karateni.: و ivanow في jbbras: عام 1940 ص 43 - 87 بعنوان ismai lisandqarmatians.:
suffisammentconn uespourpouvoirfi gurerdansuntable audoxographique. l'hypothesequele passageenquestio naeteinterpoleap rescoupdevantetr e ecartee، ilparaitetabliqu elek. ihraj- ainsiquetoutelac ollectiondeslivr esdes balances (kutubal- mawazin) dontilfaitpartie- n'apasetecompose auii/ viiisiecle." (1)
يتضح من هذا الاقتباس أن كراوس اتخذ زمن الظهور السياسي للقرامطة قرينة لفرضيته وأهمل بذلك، على ما يبدو، الحقبة المتقدمة السابقة. ونود الآن أن نقتبس ما كتبه ماسينيون في مقاله الذي أحال إليه كراوس كذلك: «بدأت الحركة القرمطية بحمدان في نواحي واسط، أسس عام 277 (890) دار الهجرة شرقي الكوفة
…
» (2). «وفي الحقيقة، فقد بيّن تمحيص المصطلحات العلمية أن هذا المذهب قد ظهر قبل نهاية القرن الثاني للهجرة في الأوساط الأمامية» (3). «يمثل أبو الخطاب محمد بن أبى زينب الأسدى الكاهلى (توفى 145/ 7 - 762/ 4 فى الكوفة) الكاتب القرمطى الأول الحقيقى، استبدل بتفسير القرآن المشخص عند الشيعة الأوائل تأويلا مجردا مرموزا واستبدل استعمال الحروف (على رأي المغيرة) في علم نشأة الكون «kosmogonie» بما يقابلها من قيم عددية
…
ولقد تأسى به أبو شاكر ميمون القداح المخزومى (توفى نحو 180 - 796) فأعطى مذهب الفيض القرمطى الشكل المذهبى النهائى» (4). ولقد عرف كراوس مقالا آخر مهمّا جدّا لماسينيون (5)، اتضح فيه التطور المبكر للمذهب القرمطى في القرن الثاني للهجرة كما سردت فيه الكتب القرمطية القديمة ومنها «كتاب الميزان» لميمون القداح الآنف الذكر وحتى هذا الكتاب كان يعرفه كراوس أيضا (6).
(1) كراوس م 1 ص. xlix
(2)
ei م 2 1، 821 ب، س 22 - 24.
(3)
المصدر السابق 824 ب، س 11 - 15 من الأسفل.
(4)
المصدر السابق 825 أ، س 4 - 11 وس 21 - 24.
(5)
e squissed'unebibl iographieqarmate في ori entalstudiespres.toe.g.brownecambridge عام 1922 ص 330.
(6)
كراوس، ii ص 314، ن 1.
هذا وقد اعتقد كراوس أنه وجد في الكتاب ذاته «كتاب الإخراج» (1) حجة أخرى في زيف كتب جابر (2). تحدث جابر عن المذهب الفلكي لحركتي فلك السماء المتعاكستين، أى أن حركة الشمس والكواكب من الشرق إلى الغرب ما هى إلا مشكل في العيان وأن هذا متسبب فى الحقيقة من الدوران اليومي للفلك الأعلى، وقد رأى جابر عند معالجة هذه الحركة أنه من الضروري عرض آراء الطوائف الثلاث المختلفة المتعلقة بتلك الرواية (التى كانت منتشرة في الأوساط الشيعية حتى فى القرن الأول من الهجرة)(3) والتي تفيد أن الله «جل وعلا» أوقف الشمس برهة فى مسارها حتى استطاع «الإمام» على «رضى الله عنه» أن يجد الوقت الكافي لصلاة العصر خلال الوقت الضيق، تنص استنتاجات كراوس التي أخذها من فقرة عند جابر، حيث أشار فيها جابر إلى هذه الرواية، وقد ساقها كراوس في زيف المجموع، على ما يلي:
"
jabirexposeladoc trineastronomiqu edesdeuxmouvemen tsopposesdes spherescelestes، doctrineselonlaq uellelesoleiletl esautresplanetes semeu- ventenrealitedel ' ouestal'est، leurmouvementdel ' estal'ouestn'eta nt qu'apparentetcau separlarotationd iurnedelaspheres upreme". (1)(4)
«pourjabir، cettedoctrinedes astronomesgreesr eceleunmysterere li- gieux، voireeschatologi que. lesoleilselevant al'ouestestpourl uilesymbole del'imam، inaugurateurd'un nouveaucycleetre formateurdel'hma nite.» (2)«leqor'anetlatrad itionsi'itesonti nvoquespourprouv erquedejaplusieu rs foisdanslepassel esoleilarenverse sacourseets'estl eveal'ouest.» (3)«etil enseradememeanot reepoquepourquel ' apparaissantpius seprononserla priere، c'est- a- diresepresentere nimam» . (4)«bientotles'figur esseptenaires' (lesseptimams- lesseptplanetes) apparaitrontetam enerontladelivra nceetla perfectionpourno sfreres.» (5)«pourcomprendrela vraieporteedecep as- sage، ilfautserappeler quelesemissaires ismaeliensseserv aientd'allegorie s analoguespourann onceretjustifier l'avenementdelad ynastiefatimidee tson installationenaf riquedenord (296 h/ 906 j. c.) . uneprophetiemise dansla bouchedemuhammad proclamaitquedes l'an 300) del'hegire) lesoleilseleve- raitdel'ouest، c'est- a- direl'imamappara itraitdanslapart ieouestdemonde musulman.»
(1) مختار رسائل ص 33 - 39.
(2)
كراوس i ص. l
(3)
انظر نصر بن مزاحم، وقعة صفين، القاهرة سنة 1382 هـ ص 135 - 137.
(4)
ستستخدم الأعداد عقب ذلك في المناقشة.
ونود قبل مناقشة هذه الاستنتاجات بالتفصيل أن ننبه إلى أن كامل النص العربى فاسد وأن كراوس نشره بالرجوع إلى المخطوطة القاهرية كثيرة العيوب. وقد أوضح كراوس نفسه في تحقيقه أن هناك صعوبات جمة لم يتغلب عليها.
(1)
ذكر كراوس: «بالنسبة لجابر فإن مذهب الفلكيين اليونان هذا يكشف سرّا دينيّا، بل سرا أخرويّا، فالشمس الطالعة في المغرب هي بالنسبة له رمز للإمام
…
» وكما نرى فإن كراوس لم يتوصل إلى مثل هذه النتيجة اعتمادا على قرائن محسوسة واضحة وإنما وفقا لتفسير وتخمين مطلقين، ربما كان لحال الكتاب دور في ذلك، ومن ثم خلط كراوس هنا وهناك اقتناع الطوائف المختلفة (التي اقتبس جابر عنها، كما نعتقد، وفقا لمصادره، حرفيّا) باقتناع جابر نفسه (1). وقد بيّن جابر لماذا سرد هذه الآراء؛ ذلك لأنها من مستلزمات «كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل» .
(2)
أما كلام كراوس أن فقرة جابر ذكر فيها القرآن «الكريم» والحديث الشيعي ليثبت أن الشمس قد غيرت مسارها في الماضى مرارا وأنها طلعت من الغرب، أما هذا الكلام فيحتاج إلى إيضاح. إن الآية القرآنية المعنية (سورة 2 آية 258) لا تدل على تغيير حصل فى مسار الشمس وإنما تبين حوارا جرى بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين النمرود، قال «سيدنا» إبراهيم فيها: «
…
فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فائت بها من المغرب، (فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين)». وأما الحديث الشيعي فما عرف منه- كما ذكر آنفا- هو أن الشمس ردّت في مسارها حتى تمكن «الإمام» على «كرم الله وجهه» زمنيّا من إيجاد مكان مناسب لأداء الصلاة.
(3)
إن فهم كراوس أن جابرا يذكر: «وسيحصل كذلك في زماننا مثل ذلك، كي يتمكن الظاهر (أي إمام من الأئمة) من إقامة الصلاة» «إن فهمه هذا لا يتفق مع النص
(1) في اعتقادى أن جابرا أورد اقتباسات في المواضع التالية: ص 35، س 14 وحتى ص 36 س 5؛ ص 36 س 10 - 11؛ ص 36 س 15؛ ص 37 س 2؛ ص 37 س 5 - 8.
العربى. واضح أن كراوس أخطأ فهم النص هنا. فالنص كما جاء: «وردّت مثل ذلك في هذا الزمان لإقامة الظاهر للصلاة» (1). يروي جابر- من مصادره كما نعتقد- أن فى هذا الزمان (زماننا)(ليميزه عن زمان إبراهيم «عليه السلام») ردت الشمس مثل ذلك (فعلا) حتى استطاع الإمام أن يقيم صلاته. ونحن نميل إلى أن فى كلمة «ظاهر» تصحيفا لكلمة «مناظر» التي وردت في الاقتباس نفسه مرتين والمقصود بها علي «كرم الله وجهه» . وعلى أية حال يتضح من صيغة الفعل الماضي (المبنى للمجهول)«ردّت» أن الكلام عن حادثة ما، حصلت في الماضى. كذلك فإن تأويل كلمة «إقامة .... الصلاة («p rononcerlapriere (2) «ب «ظهور إمام («sepresenteren imam (3)» ) «ليس صحيحا.
(4)
ونرى أن ترجمة كراوس لما جاء فى النص «الأشكال السباعية» ب «figures septenaires» هي ترجمة صحيحة، لكنا لا نوافقه على وضع المساواة (الأئمة السبعة- الكواكب السبعة)، ونود أن ندع الكلام في مدى صحة ما يقال عن ظهور الأئمة السبعة إلى المستقبل، لكنا نود، الشئ المهم والمتعلق بموضوعنا، أن نبرز أن جابرا ذكر هذه الجملة كجزء من رأي الطائفة الثانية فيما يتعلق بتغيير مسار الشمس وأنه واصل القول مباشرة:«ولا تتوهمنّ، عافاك الله ممن يقول بشئ من هذه المذاهب» ولولا أنه يلزمنى في شرح هذا الكتاب (كتابي) أن أذكر جميع ما في إمكان خروج القوة إلى الفعل ما نطقت بشئ منه
…
» (4). وبالعكس، فكأن كراوس يرى فى الجملة المتعلقة «بالأشكال السباعية» قولا لجابر (أو بالأحرى لمؤلف كتاب الإخراج) ونبوءة بالأئمة السبعة القادمين.
(5)
وأخيرا فقد ربط كراوس بين هذا القول وبين ظهور الأسرة الفاطمية الحاكمة في نهاية القرن التاسع واعتقد أن مؤلف هذا الكتاب ما كان ليستطيع الإفصاح عن مثل
(1) مختار رسائل ص 36 س 4 - 5.
(2)
لقد كتب كراوس الحرف الأول من هذه الكلمات حرفا كبيرا ليوضح أن في الأمر مصطلحا معينا عند الإسماعيليين وغيرهم.
(3)
لقد كتب كراوس الحرف الأول من هذه الكلمات حرفا كبيرا ليوضح أن في الأمر مصطلحا معينا عند الإسماعيليين وغيرهم.
(4)
مختار رسائل ص 37 س 2 - 4.
هذا القول إلا متطلعا إلى الوراء إلى الحدث الفعلي (الذي كان قد حصل في الماضي). وتقوّى هذا المفهوم عند كراوس بسبب الفكرة غير الكافيةعن تطور المذهب الإسماعيلي والقرمطي.
وقد اعتقد كراوس أنه وجد حجة أخرى فى «كتاب البيان» تؤكد زيف المجموع.
وهذا الكتاب هو فلسفي في بعضه بلاغي في بعضه الآخر، عولجت فيه مختلف ضروب «البيان» وذكر في نهايته وبأسلوب عجيب غريب «البيان» (المهدي المنتظر) الذي سيظهر في إحدى القرانات. «konjunktion» (1) ولا يمكن الجزم فيما إذا كان الجزء الأخير هذا من الكتاب فعلا، ولن يمكن ذلك إلّا بعد دراسة مميزات أسلوب جابر وعلاقته بالمذهب القرمطي والإسماعيلي. ومهما يكن من شيء، فلا يمكن لذكر «البيان» وظهوره المقبل مع إحدى القرانات لا يمكن له أن يكون حجة فى زيف المجموع وذلك إذا لم ينطلق المرء- كما فعل كراوس- من أن المذهب القرمطى تأسس أول ما تأسس في القرن الثالث/ التاسع، وأهل الاختصاص يجمعون على أن التأسيس كان فى القرن الثانى/ الثامن (انظر قبله ص 266). ولما كان كراوس ينطلق من اشتداد أمر حركة القرامطة السياسية في القرن الثالث/ التاسع، لا من زمن نشأة المذهب القرمطي في القرن الثانى/ الثامن، لذلك يرى تأريخا متأخرا لزمن تأليف الكتب وبالتالى فقد ربط القرآن المنتظر بالحركة تلك التى حدثت عام 316/ 928 (2).
(1)«وهذا الشخص يا أخي لن يظهر إلا في القرانات المقتضية للقرانات: إذا هجرت العلوم وفسدت الأديان وعمّ الفساد فإنه يظهر إصلاح بأسره فيكون أول إصلاح يبدو منه فيه تصنيف الكتب في العلوم الباطنة المهجورة .. ويظهر فيما يلينا في القرآن القوس فاعلم ذلك» . (كتاب البيان ص 11، 12؛ ترجمة كراوس في: التقرير السنوي الثالث ص 38).
(2)
"
ladatedel'appari tiondebayan، indiqueedanscepa ssage، estlaisseeintent ionellementdansl e vague، noussavonscepend antquelesqarmate sattendaientl'av enementdeleurnou velleala conjonctiondejup iteretdesaturned anslesagitaire. conjonctionquiae ulieuen 316/ 928. que l'auteurduk. al- bayanaitfaitsien nescesexpections ouqu'illesaituti liseespoursespro pres buts. ilestcertainqu'i ldependdel'apoca lyptiqueqarmato- ismaelienne" (krausi، li)
«lescyclesdespro phetesetdesimams» تحت هذا العنوان أورد كراوس بعض النقاط ليبيّن أن «المفهوم الإسماعيلي للإمامة قد استؤنف كاملا من قبل جابر (1)» وقد أراد بذلك بناء على تصوره بأن المذهب الإسماعيلي قد نشأ فى القرن الثالث/ التاسع، أن يصل إلى قرينة جديدة في زيف المجموع. وربما اتضح فى هذا الجزء أكثر ما يمكن أن كراوس كان في حكمه على المجموع متأثرا جدّا بفكرته غير الصحيحة فيما يتعلق بالمذهب الإسماعيلى أو بالأحرى المذهب القرمطي.
ونود أن نشير هنا، وقبل أن نناقش نقاطا معينة من فكرته، إلى أن الكتاب الذى عول عليه كراوس بشكل رئيسي هو «كتاب الخمسين» وأن هذا الكتاب، لم يصل إلينا إلا متقطعا، وكثيرا ما اكتفى المحرر- كما يذكر كراوس- في الغالب باقتباس بعض الجمل عن الأصل (2).
(1) كراوس م 1 ص li -lii
(2)
"
cacheeetimmuable، tandisquelenatiq، reunissantenluil esdeuxnaturesdud ivinetde l'humain (ilahetbassar، lahutetnasut) ، sediversitieselo nlesdifferentesf igureshislorique ssous lesquellesilappa rait. atitredesamitdiv inise، ali، princedecroyonts، nefaitdoncpaspar tiede laseriedesseptim amsdontjabircomp letelalisteenyaj outantletroisiem efilsdeali، muham- madb. al- hanaliyyam" (5) krausi. li- lii) .l'auteurdel'abre ge، quiestpeut- etreidentiqueave clecopistedumanu serit، s'estsouvent borneaciterquelq uesphrasesdel'or iginal. uncertainnombred echapitresaeteom is"(krausi، 147) . .... (orlaconceptionis maeliennedel'ima msetrouveentiere mentrepriseparja bir)(1) non seulementilfixel enombredesimamsa spet) (2)(etparledelasucce ssioncycliquedes revela- tions. al'instardesisma eliensetqa Rmates. ildeclarequeless eptimamssontpref iguresdansle cosmosparlessept terresetlescieux dontparleleqor'a n)(3) parlesseptplanet es. lesseptcli- matsetc .. (enfindanslek. alhamsin، ilditexpressemen tquemuhammadb. ismailestlevraii m- am. tandisquemusan'e stimamquedansles ensexoteriquedut erme)(4) . chezlesqarmteset ismaeliens، lepropheteporteu rd'unenouvellere velationetinaugu rateur d'unnouveaucycle، estappelenatiq (parlant) ، chaquenatiqetant accompagned'unsa mit (si- lencieux) . detenteurdel'int erpretationesote riquedelaloireve lee. aucouplemusulman mu- hammadetalicorre sponddanslejudai smeceluidemoisee taaron (oujosue) . danslechristia- nismeceluidejesu setpierreetc .. etilenseradememe delareligionfutu requeseracaracte risee parl'apparitiond ' unnouveaunatiqet samit. jabiradoptecette terminologie، maiscontraire- mentaladoctrineo fficielledesisma eliens، lesamitprendchez luilepassurlenat iq، lascience esoteriqueetants uperieurealalett rerevelee. lesamitestlamani festationdeladiv initeesu- preme،
(1)
ومما ينبغي أن يقال بالنسبة لرأي كراوس- المذكور في حاشية هذه الصفحة- والذي يفيد أن جابرا استأنف الأخذ بالمفهوم الإسماعيلي للإمامة كاملا وأن هذا- لأسباب تاريخية زمنية- يدل على الزيف، مما ينبغي أن يقال هنا إن هذا لا يصلح أن يكون حجة على زمن التأليف في القرن الثاني/ الثامن. فموقف كراوس الذى أهمل أن يكون المذهب الإسماعيلى قد استكمل تكوينه مبكرا، مع أن هذا الأمر قد أجمع (1) عليه فى الدراسات الحديثة وقبل ظهور دراسات تتعلق بجابر، إن موقفه هذا تتناقص مبرراته باستمرار وبخاصة من خلال ما استنبط من مصادر قديمة العهد جدّا ومكتشفة حديثا. وقد نبه مادلونغ (2)
madelung
، أكثر ما نبه إليه من بين مصادر كثيرة أخرى، إلى أهمية «كتاب الرد على الروافض» للزيدى القاسم بن إبراهيم الرسي (ولد عام 169 هـ/ 785 م؛ توفي عام 246 هـ/ 860 م، انظر المجلد الأول من gas ص 561) بالنسبة لتاريخ الإسماعيليين المبكر ونحن نعلم من خلال هذه الرسالة أن الإسماعيليين كانوا يسمون فى أول أمرهم «المباركية» . وقد قدم مادلونغ مادة قيمة تتعلق بالصلة بين «المباركية» هذه وبين «الخطابية» والقرامطة؛ أخذها من «كتاب المقالات والفرق» ل سعد بن عبد الله القمي (توفى عام 301 هـ/ 914 م، انظر المجلد الأول من gas ص 538). كما رجع مادلونغ فى دراسته إلى كتاب قديم آخر هو «كتاب الرشد والهداية» يظن ivanow أنه من كتب القرن الثاني/ الثامن (3). وهو مهم جدّا بالنسبة لاستكمال المصطلح الإسماعيلى المبكر.
أما فيما يتعلق بكلام جابر في كتابه «الخمسين» فيظهر أنه ما كان يعرف بعد أن التسمية «الإسماعيلية» هي خاصة بأتباع إسماعيل أو محمد بن إسماعيل. بل إنه
(1) انظر فيما يتعلق بدور مأمون القداح (ت: نحو عام 180 هـ) ودور ولده عبد الله مقال» clhuart: الإسماعيلية ismailiya «في ii'ei: ص: ivanow؛ 587 الزمن الذي نشأ فيه المذهب الإسماعيلي، القرن الثاني- الثالث الهجري (القرن 8 - 9 الميلادي) كان الحقبة الحافلة بالاهتمام الكبير بالعلوم الطبيعية والفلسفة اليونانية، ei) «
…
تتمة ص 104).
(2)
w. madelung، dasimamatinderfr uhenismailitisch enlehrein: islam 37/ 1961/ 43 - 135.
(3)
madelung في المصدر المذكور له آنفا، ص 52، وانظر المجلد الأول من gas ص 583.
استعمل كلمة «الشيعة» (1) وربما قصد بها جمهور مختلف الشيعة، واستعمل فى موضع آخر كلمة «القوم» (2) ولعله عني بها أتباع إسماعيل. كذلك فقد كان يعرف اللفظ «الغلاة» الدّال على متطرفي الشيعة (3). فإذا ما التمست قرائن تنبئ عن ميول جابر الدينية فسيتبين أنه غير متحزب إطلاقا، اللهم إن لم يعط تعاطفه مع أستاذه جعفر الصادق أهمية دينية بالدرجة الأولى. وقد ذكر وفي هذا الكتاب على أنه «سيدنا أبو عبد الله» (4) وذكر علىّ فى خمسة مواضع سمي فيها «أمير المؤمنين» وفي موضع واحد فقط اقترن اسمه بالصلاة المألوفة عند الشيعة.
(2)
ومما ينبغى مناقشته فى هذا الصدد رأى كراوس أن جابرا حدد عدد الأئمة بسبعة. وقد أحال كراوس بذلك إلى موضع فى «كتاب إخراج ما فى القوة إلى الفعل» حيث الكلام عن رأي طائفة (ربما كانت القرامطة) أعربت عن أملها في ظهور الإشكال السباعية (5)). ولقد سبق أن أشرنا إلى مدى تبكيت جابر لهذه الفكرة (انظر قبله ص 265). وفي كتاب «الخمسين» (6) يذكر تحديد الدور بستة أشخاص، ومع أن جابرا ذكر فى «كتاب البيان» أن العدد سبعة المعروف عند أشياء معينة، معلوم في الدين (أى فى الإسلام) على أنه خاص بالأئمة السبعة؛ لكنه يعلق على ذلك ملاحظا أنه ومع كل هذا فعندهم مهام أخرى، من مختلف الدرجات واجبه، لا بد من القيام بها مع القيادة السياسية والخدمة
…
الخ (7).
(1) مختار رسائل ص 496 س 6؛ ص 499 س 13.
(2)
المصدر السابق ص 493 س 14.
(3)
المصدر السابق ص 499 س 15.
(4)
المصدر السابق ص 494 س 2.
(5)
انظر فيما يتعلق ب «أولو العزم السبعة «s iebenstandhaften عند القرامطة، مادلونغ madelung في مصدره المذكور له أعلاه، ص 49.
(6)
«والقوم قد نسبوا لك دور ستة أشخاص وطائفة قالت: إن كان الأمر مستقيما من الأول إلى السادس كان الأمر منوطا في الأئمة، وإن كان الأمر مضطربا كان وجود الناطق» (مختار رسائل ص 493 س 13 - 17).
(7)
«كتاب البيان» طبعة هولميارد ص 23.
وعلى كل حال فليس هناك ما يقال عن تحزب جابر.
(3)
يؤخذ من كلام كراوس السابق (ص 266) تحت رقم (3) أنه يربط على ما يظهر جابرا بالمذهب الإسماعيلى في طور من أطواره المتأخرة، والسر في الأمر أن جابرا (انظر قبله ص 268) ذكر، عند ذكر العدد سبعة لدى المسائل الصنعوية والفلكية:
ترى ألا يذهب كراوس بالنسبة لنص جابر هذا، بعيدا عند ما يذكر:«وهو يفصح، كالإسماعيليين والقرامطة، أن الأئمة السبعة ممثلون في الكون بالأراضي السبع والسموات السبع التي ذكرها القرآن وبالكواكب السبعة والأقاليم السبعة» ؟
(4)
أما بالنسبة لهذا الرأى (انظر قبله ص 267 حاشية تحت رقم (4) فيحيل كراوس إلى «كتاب الخمسين» (2) ويقول إن جابرا أكد بوضوح أن محمد بن إسماعيل هو «الإمام» الحقيقي وموسى «إمام» بالمعنى الظاهري لهذا اللفظ. وفي اعتقادى إما أن كراوس أساء فهم النص تماما أو أنه فسره خطأ.
لقد تكلم جابر في أربع حالات خلاف في مذهب الإمامة ثم تابع قائلا: «إن أمير المؤمنين (علي) هو الأول (إمام) فله الوصاية إلى اثنين لأجل المكافأة كأنه عالم بالعقبى (3). وهي الحالة التي بين جعفر وزيد، فإن زيدا تكلم أنه أحق بالأمر (الإمامة) من جعفر لأنه عمه، وقال: «أمسكت عن أخي محمد ولكن أنا أحق من ابنه» . وعلى ذلك رد جعفر الأمر إلى موسى بعد إسماعيل وعدل به عن محمد بن
(1) كتاب البيان طبعة هولميارد ص 23.
(2)
مختار رسائل ص 499 (عند كراوس خطأ مطبعي في رقم الصفحة حيث جاء 399).
(3)
تماما كما فعل في أمر الحسن ومحمد بن الحنفية.
إسماعيل وذلك فإنما وجب عندهم من قبل أن الإمام الأول أو الصدر أو الأب له ما هو مفوّض إليهم، وأنه وإن أمر واحدا منهم أن يتكلم (باسمه) فليس لأنه غير قادر على ذلك. وما يروى أن أمير المؤمنين (علي) أقام الحسن لأهل الظاهر ومحمد بن الحنفية لأمر الباطن. وكذا فعل جعفر فى أمر موسى وإسماعيل. وقد عكس بعضهم فردّ عليهم بأنه محال وليس ذلك متفقا عليه بين الشيعة. وإنه ينسب الإمام الظاهر إلى العجز عن علم الباطن، فواجب أن يكون صامت الظاهر والباطن واحدا بالذات
…
كذلك للإمام لسانان لأهل البلاغة والنقصان» (1). وقد أفرد جابر للعلم الظاهر فى موضع آخر مكانة مرموقة إزاء العلم الباطن (2). ويتضح من النصوص أن جابرا أميل فى أمر الإمامة لصالح موسى أكثر من صالح ابن إسماعيل (3).
(5)
أما بالنسبة للفكرة التى وردت تحت هذا الرقم فقد عوّل كراوس فيها أكثر ما عوّل على نص مقتضب فى «كتاب الخمسين» (مختار رسائل ص 497 - 498)، وسمه كراوس نفسه فى موضعين على أنه غير مقروء وأنه حاول فى مواضع أخرى كثيرة أن يصححه. فى اعتقادى أن كراوس أهمل بذلك أهم علاقة فارقة فى النص، وهى سقوط الصلة بين سطور الصفحة 497 وبين السطور التسعة الأولى من الصفحة 498.
وما دمنا نفتقر إلى نسخة أخرى فسيبقى اعتمادنا على الظن والتخمين: إما أن المقطع الذى فى ص 498 دسّ غريب أو أنه استبعد الكثير ما بين النصين المذكورين فيما وصل إلينا من كتاب الخمسين، حتى ضاعت بذلك العلاقة بينهما. فالنص الثانى (ص 498 س 1 - 9) يتعلق فيما يبدو بجزء من مذهب الغنوسطيين. ومن المحتمل أن طابع النص هذا ساهم في أن كراوس أساء فهم النص الذي قبله بدرجة كبيرة مما جعله يرسم صورة لميل المؤلف المذهبى لا تتلاءم قط ولا مع أي فرقة من الفرق القديمة أو المتأخرة.
(1) مختار رسائل ص 499 - 500.
(2)
«وإني أعتقد أن علم الظاهر أعسر وجودا وأصعب مطلبا من علم الباطن» (كتاب الخمسين، مختار رسائل ص 489 س 5 - 6).
(3)
لم يكن بوسعي أن أتقيد لدى الترجمة بتشكيل وتنقيط كراوس.
ونود الآن أن نناقش الموضوع بتفاصيله. يذهب كراوس إلى أن جابرا اقتبس مصطلحات القرامطة والإسماعيليين، من ذلك مثلا:«ناطق» و «صامت» . وأنه خلافا لمذهب القرامطة الرسمي فلقد فضّل «الصامت» عند جابر على «الناطق» ، وهذا يعنى بدوره أن العلم الباطن متفوق على العلم الظاهر في المرتبة. وهذا يتناقض أولا مع رأى كراوس المذكور آنفا من أن جابرا أكد أن محمد بن إسماعيل هو الإمام الحقيقى، الأمر الذي يقتضى أن يكون جابر إسماعيليّا. ثانيا: يفتقر الرأى الذى يفيد أن جابرا يفضل العلم الباطن على العلم الظاهر، يفتقر إلى أى أساس فلقد سبق وذكر من قبل (انظر الصفحة السابقة 271) أن جابرا لا يفضل العلم الباطن على العلم الظاهر.
أما بقية كلام كراوس (انظر قبله ص 268) فيتألف من تركيبة غريبة كان الأولى بكراوس أن يتحاشاها لو أنه لم يشأ أن يستغل النص غير المقروء مهما كان ويعطيه معنى ما، ولو أنه بدلا من ذلك، وبالرجوع إلى البيانات المتصلة بهذا وفي الباب ذاته، عمل على تكوين صورة مناسبة لمفاهيم جابر المتعلقة ب «الصامت» و «الناطق». ولهذا السبب أساء كذلك فهم النص العربى التالى:«إن الصامت أول الأشياء كلها، الذى لا أول له إلا بالاتصال كأنه نحو الفعل من الفاعل» . ونود نحن أن نقرأ كلمة «الصامت» ، «صمتا» وعندها يصبح النص هذا على النحو التالى:«إن الصمت أول الأشياء كلها، الذى لا أول له إلا بالاتصال (1) كأنه نحو الفعل من الفاعل» . ولقد ضرب جابر أمثلة عديدة ليبين من خلالها أن «الصامت» كان من حيث الزمن قبل «الناطق» وكأنه أراد أن يضفي على هذا تفسيرا فلسفيّا، فهو يذكر في موضع آخر لا يدعو للالتباس:«فأما الفرق بين الإمام والنبى أن النبي «ناطق» والإمام «صامت» .
والنبي آمر والإمام مأمور
…
» (2). ويتضح من سياق الكلام في الباب ذاته أن الإمام، هو المتقدم السابق أى الصامت إبان حياة النبي والناطق فيما بعد. والأمر ذاته بالنسبة للأتباع فكل «صامت يصير ناطقا» .
(1) مختار رسائل ص 497 (لقد ورد خطأ مطبعي في الأصل إذ جاء ص 492. «المترجم»).
(2)
أميل إلى قراءة كلمة «اتصال» الموجودة في النص، قراءتها «انتقال» .