الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التواريخ المتعلقة بمختلف أجزاء المجموع
«lesdatesrespecti vesdesdifferente spartiesducorpus» (1)
لقد أوجز كراوس فى هذا الفصل مرة أخرى النتائج الإجمالية للأدلة في زيف مجموع جابر، وصفها كراوس على أنها «البرهان القاطع «preuvedecisive ويرى كراوس أن «كتب الموازين» ومجموع الخمسمائة كتاب تشير إلى التعاليم الإسماعيلية والقرمطية وإلى تعاليم شيعية متطرفة أخرى، كما كانت «هذه التعاليم» فى نهاية القرن الثالث/ التاسع ومطلع القرن الرابع/ العاشر، الأمر الذي يقتضى أن أجزاء المجموع هذه قد صنفت خلال الوقت هذا، وما ينطبق على أجزاء المجموع ينطبق كذلك على العديد من الكتب الطبية وكتب الشعوذة والكتب الفلسفية وغيرها من الكتب التى لم يوثق وجودها إلا بتلك المجاميع. وقد طرح كراوس على نفسه السؤال فيما إذا كان ينبغى أن يستنتج من هذا الواقع- كما بدا له- أن كل أجزاء المجموع الأخرى وبخاصة تلك الأجزاء التى هى أقدم من «كتب الموازين» ، أنها من ذاك التاريخ المتأخر، كذلك؟ ولقد نبّه إلى أنه لا بد من استنباط هذه النتيجة إذا ما نظر إلى كل الكتب التى هى باسم جابر على أنها أعمال مؤلف واحد. ولن تضطرب هذه النتيجة وتتداعى إلّا بالفرضية التى سبق لكراوس أن وضعها والتى تفيد أن الكتب الجابرية لم تصنف من قبل إنسان واحد وإنما من قبل طائفة وأن مستويات المجموع المختلفة تبين مراحل تطور أدبى ومذهبى. وفى الواقع لا يبدو أن التعاليم الدينية فى «كتب الموازين» وفي مجموع الخمسمائة كتاب، أنها انعكست على مجموع كتب المائة واثنى عشر وعلى مجموع السبعين كتابا فلهذين المجموعين محتوى تقني خالص؛ فهل هذا يعد قرينة في أن هذين المجموعين الأخيرين على الأقل، هما أصيلان ويرجعان إلى جابر، تلميذ جعفر؟
وقد علق كراوس على ذلك بقوله: «نحن لا نعتقد ذلك فالاختلاف في المذهب والأسلوب بين مجموع المائة واثني عشر كتابا ومجموع السبعين كتابا من جهة وبين كتب
(1) كراوس i ص. lvii -lviii
الموازين، ومجموع الخمسمائة كتاب من جهة أخرى، هذا الاختلاف ليس كبيرا بحيث يمكن افتراض: أن هاتين المجموعتين من الكتب قد ألّفتا بفارق زمنى بينهما يزيد على القرن. فلقد اتبع مبدأ «تقسيم العلوم» ، وهو ما يميز تركيب كتب جابر، فى مجموع المائة واثني عشر كتابا وفي مجموع السبعين كتابا بالمقدار نفسه. كذلك توثقت الاستغاثة بالأستاذ ونسبة التعاليم الصنعوية إليه، توثقت هذه فى هذين المجموعين. بالرغم من كل هذا التباين المبيّن فيما سبق فإن تعاليم «كتب الموازين» ما هي إلا استمرار مباشر لمجموع كتب السبعين» (1).
بل وأهم من ذلك كما يبدو لكراوس: أن أقدم مجموعة في المجموع وكثيرا من الكتب الأحدث كذلك، تذكر بعضا من الكتب التي تعزى إلى بليناس (أبولونيوس التيانى- المزعوم). وهكذا ينبغي إذن أن يكون المجموع بكامله أحدث من كتب بليناس. لقد ذكر الرازي (توفى 311/ 923) أن كتاببليناس «كتاب العلل» ما هو إلا كتاب مزيف من عهد المأمون (198 هـ/ 813 م- 218 هـ/ 833 م)؛ وقد وثقت قرائن أخرى هذا التاريخ. ومصطلحات كتاب بليناس عريقة في القدم، بينما تتفق مصطلحات جابر مع مصطلحات المؤلفين المتأخرين. وعلى ذلك فلا يمكن أبدا أن تكون أقدم أجزاء المجموع كتب تلميذ من تلاميذ جعفر الصادق، كما لا يمكن أن تكون قدمت للبرامكة، بل هي إذا امتدت في القدم فأقدم عهد ترجع إليه هو القرن الثالث/ التاسع.
وهكذا لم يعوّل كراوس لدى إيجازه «للبراهين القاطعة» فى الحكم على التاريخ الزمني، لم يعوّل على فكرته المنطلقة من تطور مذهبى عند غلاة الشيعة فحسب وإنما عول كذلك على العودة إلى كتب بليناس ومنها «كتاب العلل» (أو نسخة الكتاب المحررة بالعربى)، وهو كتاب مزيف يقال إنه من عهد المأمون. وكما سبق وشرح فيما مضى (انظر ص) فقد عرف العرب، وفقا للمعلومات التاريخية، بعضا من كتب
(1) كراوس i ص. lvii
بليناس على الأقل وذلك في القرن الأول/ السابع. أما كتاب بليناس في الفلاحة الذي وصل إلينا فقد ترجم عام 179 هـ. وهذا يدعو للاعتقاد أن كتاب بليناس المشهور عرفه العرب فى وقت مبكر إلى حد ما
…
فإذا ما سلمنا بما ذكره الرازي عن زيف الكتاب في عهد المأمون، فلا يمكن أن يكون هذا إلا للنسخة المحررة بالعربية، وهذا ما يظنه كراوس أيضا. وبهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى حقيقة لها أهميتها بالنسبة لهذه الفرضية ومفادها أن اقتباسات جابر عن كتاب بليناس لا تتفق حرفيّا مع ما فى النسخة المحررة التى وصلت إلينا وهذا ما يعتقده كراوس (كراوس ii ص 282، ن 3) الذي استنتج من ذلك استنتاجات خاطئة.
«latr aditionindirecte» (1)
يناقش كراوس في هذا الفصل البيانات التاريخية التي يراها ملائمة في تحديد زمن نشأة المجموع قبيل النصف الثانى من القرن الرابع/ العاشر. من الأدلة التي تهمنا بالدرجة الأولى، تلك التي ساقها كراوس وتتعلق بالإحالات التي أحالها إلى جابر كل من ابن أميل وابن وحشية وأبي بكر الرازي.
فابن أميل، وقد كان صنعويّا بشكل رئيسي، يذكر في «كتابه الماء الورقى» كتابين من كتب مجموع المائة واثنى عشر كتابا ويشرح كذلك الجزء المتعلق بالأخوين في «كتب الموازين» لجابر (2). وقد ذكر كراوس بهذه المناسبة أن ابن أميل انتقد أسلوب جابر الغامض. ونستبق القول بأن ابن أميل كان، على ما يبدو، على معرفة واسعة بأعمال وكتب جابر وأن المرء يخرج من كلامه بانطباع جيد عن الدور الذى لعبه جابر لدى صنعويي القرن الثالث/ التاسع (3)؛ كما تتأكد بياناته على أنها مهمة خاصة فيما يتعلق
(1) كراوس i ص. lvii -lxv
(2)
كتاب «الماء الورقي» في مجلة.97 - 93/ 1933 /12 masb
(3)
على سبيل المثال «وجدت الناس الذين يطلبون هذه الحكمة منصبين على كتب جابر بن حيان رحمه الله وذلك أنهم أخذوا بظاهر قوله لمعرفتهم بالعقاقير المسمّاة في كتبه فتوهموا أن جابرا قد أعطاهم علما نافعا صراحا وأنه قد أوضحه لهم إيضاحا وأن العقاقير التي سماها لهم هي الحق ومنها يكون الكيمياء فأخذوا بظاهرة قوله من الحيوان والنبات والحجارة
…
وغرهم يمين جابر وما يحلف به في أبواب كتبه بالصادق صلى الله عليه وسلم
…
». (المصدر المذكور له أعلاه ص 102 س 23).
بموضوعنا حول عمر جابر. ويستحق ما ذكره ابن أميل فيما يتعلق بالأخوين أن يكون، بسبب الاستنتاجات المتعلقة بالتاريخ الزمنى، أهم شئ؛ ذلك لأن ابن أميل يذكر أن صنعويين عديدين ادعى كل واحد منهم أنه الأخ أو أحد الأخوين اللذين تنبأ جابر ظهورهما فى المستقبل. ومما ينبغى التدبر فيه أن جابرا يتحدث عام 140 هـ عن مدة زمنية تبلغ 190 عاما يظهر بعدها الأخوان. وأن الصنعويين كانوا فى زمن ابن أميل يعتقدون اعتقادا راسخا فى جابر أو بالأحرى توقعوا هذا الاعتقاد لدى الآخرين (1). إن هذه المعلومات وغيرها عند ابن أميل (الذي توفي في الربع الأول من القرن الرابع الهجرى، انظر بعده ص 417) ترجع بسنة وفاة جابر إلى الوراء جيلا أو جيلين على الأقل.
أما فيما يتعلق بإحالات ابن وحشية إلى جابر، فقد كان من الممكن أن ينتفع منها فيما يوضح موضوعنا في الدراسات السابقة بشكل مغاير تماما، ذلك لو لم يحكم، بدون فهم، على خاصة التأليف عنده. وبخاصة لو لم يأخذ كراوس وآخرون هكذا وبدون تمعن بحكم noldeke المتداعى. وكما سنشرح فيما بعد (انظر بعده ص 476) فإن ابن وحشية كان في الدراسات الحديثة ضحية الفكرة الخاطئة التى تكرر ذكرها في هذا الكتاب والمتعلقة بطبيعة آداب الكتب المزيفة. فقد كان المرء ينطلق على الدوام من التسليم بأن ابن وحشية نفسه كان المزور، حينما كان يكتشف أن الكتب التي يطلق هو عليها ترجمات عن اللغة النبطية، أنها لا يمكن أن تكون على ذلك القدم الذى يزعمه المؤلف، كما كانت تهمل باستمرار إمكانية أن ابن وحشية ربما ترجم ما هو مزور أصلا.
فهل استطاع أحد حتى الآن أن يقدم دليلا واحدا يدعونا للاعتقاد بأن ابن وحشية كان مزور «كتاب الفلاحة النبطية» ؟ وأي القرائن الواقعية كانت في متناول noldeke في حكمه الذي يزعم فيه أن المؤلف الحقيقى لكتاب الفلاحة والكتب الشبيهة به هو أبو طالب الزيات، وهذا نحلها إلى ابن وحشية المتوفي والذي كان يعرف بأستاذ
(1) «قد ظهر في وقتنا هذا قوم متنبّلون فى الصناعة لرعونة فيهم فكل رجل منهم يدعي أنه أخو جابر بن حيان الصوفي رحمه الله وأنه هو الذي ذكره جابر بن حيان بقوله وإن لي أخوين يظهران فى آخر الزمان
…
» (المصدر السابق ص 93 س 6).
الصناعات السرية، ووصف أبو طالب نفسه بأنه مجرد ناسخ (1) وذلك ليسبغ على الكتب أبّهة أكثر وليتحاشى بالدرجة الأولى عواقب وخيمة من جانب المسلمين المتحمسين؟ ثم هل قدم نلينو (2) استكمالا لفرضية noldeke أو قرينة واقعية واحدة تتعلق بها، بحيث تجعل لكراوس مبررا في أن يعتقد أن «التلميذ أبو طالب الزيات لم يختلق، على ما يبدو، العلم الكلداني فحسب، بل اختلق ابن وحشية نفسه» ؟ (3) لقد ذكر ابن النديم، وهو ممن كتب (4) بدقة فيما يتعلق بكتب وتلميذ ابن وحشية، عند سرده لكتب وترجمات ابن وحشية، ذكر أنه قرأ كتابا له وبخطه (5)، فما الذي يجيز لنا رفض هذه البيانات الواضحة والمتعلقة بمعاصر لابن النديم وبمعلمه، على أنها غير صحيحة ونحن الذين نعول على معلومات ابن النديم في أمور أخرى؟
هذا ولإشارات ابن وحشية، وهو يصغر جابرا بثلاثة أجيال فقط، في مختلف كتبه وفي مقدمة ترجمته «لكتاب السموم» لإشاراته هذه ولتعليقاته على كتاب جابر في «السموم» وتبعيته، لهذه كلها أهمية كبرى بالنسبة لموضوع شخصية جابر التاريخية وعمره. ولهذا ينبغى أن تقوّم على أنها أقدم من الحد الزمني terminiadquem الذي اعتقده كراوس (6).
ويرى كراوس أن علاقة الرازي بجابر أعقد من علاقة ابن أميل وابن وحشية والسبب وراء رأيه هذا كونه لم يستطع أن يوفق هكذا وبسهولة بين المعطيات المتعلقة
(1) مجلة.455/ 1876 /29 zdmg
(2)
«علم الفلك» ص 218.
(3)
كراوس i ص، lix يحيل كراوس كذلك إلى دراسة
derinhaltdernaba taischen: plessner landwirtschaft
في، 56 - 27/ 19 - 1918/ 6 zs: إلا أن هذا يبتعد عن موقف noldeke القديم.
(4)
الفهرست ص 311، 312، 358.
(5)
المصدر السابق ص 358.
(6)
لقد حدد كراوس في التقرير السنوي الثالث ص 39 تاريخ الفلاحة النبطية بنحو عام 950 م (بدلا من 291 هـ/ 904 م) وذكر في دراسته الأخيرة:
"
danslapremieremo itieduive/ xesiecleseplacen tdeuxattestation sdesecritsjabiri ensdontla valeurcependante stincertaine" (kraus، i، lix) .
بذلك وبين فكرته هو نفسه التي تفيد أن الكتب الجابرية صنفت من قبل مدرسة صنعوية امتدت من منتصف القرن الثالث وحتى منتصف القرن الرابع الهجري. وقد أشار كراوس إلى أن الرازى، كما تفيد بيانات ابن النديم، يذكر (1) في كتبه جابرا «أستاذى أبو موسى» ويقارن ابن وحشية (2) فى كتبه «كنز الحكمة» ، والمجريطي (3) المزعوم في كتابه «رتبة الحكيم» يقارنان أفكار الرازي الصنعوية بأفكار «أستاذه» جابر، وأنّ الطغرائي الصنعوي (توفى 515 هـ/ 1121 م) يرى أن الرازي انتحل كتابى جابر «كتاب الحجر» و «كتاب المجردات» ، كما أن الرازي ذكر جابرا فب «كتاب سر الأسرار» من بين مصادره، وأن في كتاب
liberdealuminibu setsalibus
الذى حفظ باللغة اللاتينية والذى ينسب إلى الرازى، فيه إشارة إلي جابر، وقد أفاد الرازي نفسه فى «كتابه الشواهد» أنه شرح في «كتابه الترتيب» أو «كتابه الراحة» ، نظريات جابر التي في «كتاب الرحمة» ، كما ذكر ذلك ابن النديم أيضا. وقد سلم كراوس بكل هذه القرائن المذكورة والمتعلقة بتبعية ما، بين الرازى وجابر، سلم بها إلا قرينتين، فهو يرفض التبعية فى حال «كتاب سر الأسرار» ، معللا ذلك بأن اسم جابر لم يذكر إلا في بعض مخطوطات هذا الكتاب، مما يفيد الدس الواضح. كما أنه لا يقيم وزنا للإشارات في كتاب، liberdealu minibusetsalibus إلى جابر، ذلك لأنه يعتبر- كما يرى روسكا- الكتاب تزويرا من التزوير المتأخر. وقد ذكر كراوس- وهذا مالا ينبغى التغافل عنه- ابن وحشية على أنه «ابن وحشية المزعوم» .
بناء على هذه الشواهد، اعتقد كراوس أن الرازى عرف أقدم كتاب من كتب جابر، نعنى «كتاب الرحمة» ، كما اعتقد احتمال معرفة الرازى للمجموعين 112 و 70 كتابا كذلك، إلا أن كراوس لا يؤمن أبدا بأن الرازى اطلع على الكتب المتأخرة مثل «كتب الموازين» ، واستدل على ذلك من المقارنة بين كتابي «الخواص» ، أحدهما
(1)«يقول فى كتبه المؤلفة فى الصنعة: قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان» (الفهرست 355 س 20 - 21).
(2)
يحيل كراوس إلى مخطوطة لايدن 1267 (15 - 26)، لم أتمكن من التحقق من الفقرة المعنية.
(3)
هولميارد فى مجلة 300/ 1924 /6 isis وما بعدها.
من كتب جابر والثانى من كتب الرازى، إذ لا يذكر الرازي جابرا من بين مصادره، مما دعا كراوس إلى أن يستنتج أنه:«لو أن الرازي عرف كتاب جابر، الأغنى والأوسع مادة من كتابه هو نفسه، لما أهمل بالتأكيد أن يشير إليه» . لذلك فليس هناك ما يمنع عند كراوس من أن يسلم بأن مؤلف كتاب جابر المقصود، رجع إلى كتاب الرازي ذي العنوان ذاته وضم من مادته جزءا عظيما إلى كتابه. أو ربما كان الكتابان متعاصرين وما كان لأحدهما صلة بالآخر، اللهم إلا أنهما استقيا ما فيهما من مصادر واحدة.
وبهذه المناسبة فقد ناقش كراوس كآخر ما ناقش، المقارنة التى قام بها روسكا بين كتاب الرازي «سر الأسرار» وكتاب جابر (1)«الرياض الأكبر» . وقد أفادت أن هناك علاقة وثيقة بين وصف كل منهما لطريقة التدابير التى فيه. إلا أنه يرى أنه حتى فى هذه الحالة يبين التحقيق الدقيق أن ليس هناك أية صلة مباشرة بين كيمياء جابر وكيمياء الرازي، فجابر، الذى امتازت تدابيره بأنها أكثر تفصيلا، حينما يضع وصفا لتدبير صنعوى يرجع فى ذلك إلى أفلاطون وسقراط ويقرنه ببيانات حسابية (نظرية الميزان)، أما الرازي فيفتقر إليها افتقارا كاملا، وهكذا فإن كراوس يأخذ برأى روسكا جملة وتفصيلا، ومفاده أن لا علاقة فى هذه الحالة للرازي بجابر ولا جابر بالرازي وإنما أخذ كلاهما عن رواية صنعوية قديمة واحدة (2).
يتضح من هذا السرد أن كراوس يسلم بمعرفة الرازي لكتب جابر القديمة ويشكك في الوقت نفسه في احتمال أن يكون الرازى قد عرف أجزاء المجموع الأحدث. إن التسليم بتبعية الرازى تجاه كتاب جابر «الرياض الأكبر» ، إن التسليم
(1)
vorschriftenzurh erstellungvonsch artenwassernbeig abirundraziin: islam 25/ 1938/ 1 - 34.
(2)
لقد نقل كراوس رأي روسكا بذلك حرفيّا «لا يمكن أن يكون الوصف عند الرازي قد أخذ عن فقرة- جابر التي بين أيدينا، وبالمقابل لا يمكن أن يسلم بأن ما عند جابر هو اقتباس عن الرازي. وأنا أعتقد أن مثل هذه النماذج يمكن أن تبين مرحلة من مراحل قديمة التطور بالنسبة للنظرية والتجربة في الصنعة، لم تستوعب بعد» .
هذا وحده يكفى أن يبطل نظرية كراوس المتعلقة بنشأة المجموع عن طريق مدرسة صنعوية امتدت من منتصف القرن الثالث/ التاسع وحتى منتصف القرن الرابع/ العاشر، ذلك لأن «كتاب الرياض» يعد من أحدث أجزاء المجموع التى يدعى كراوس أنها نشأت فى النصف الأول من القرن الرابع/ العاشر. ويبدو أن كراوس لم يقوّم نتائج هذه المقارنات، بسبب هذه الشكوك، التقويم المناسب فيما يتعلق بموضوع التأريخ. فلا يجوز، في اعتقادي، أولا: التطرق إلى النتائج التى تبين بشكل رئيسى علاقة ضئيلة بين جابر والرازي، معزولة عن القرائن والبيانات الأخرى المتعلقة بتبعية الرازى بجابر حينما يصعب إصدار حكم دقيق. ثانيا: لقد عول كراوس فى المقارنة المذكورة على استنتاجات روسكا الذى كان بدوره معتمدا على رأى كراوس المتعلق بنشأة المجموع، وهو «روسكا» من لم يشأ أن يفصح عن رأيه فيما إذا كان يؤيد أم يعارض وجود علاقة للرازى بجابر (1). ثالثا: لم يأخذ كراوس كامل نتيجة المقارنة بعين الاعتبار وما عول عليه كان حكم روسكا المتعلق بتدبير وحيد. وإنّي أرى إذا ما كان فهمى لما أوجزه روسكا فيما أعيده، هنا، صحيحا، فقد تبين له العلاقة بينهما، وإن لم يستطع تحديد أي من الاثنين كان تابعا للآخر. وقد كتب روسكا: «وبإيجاز يصل المرء إلى النتيجة التالية:
أولا: يعد كتاب جابر «الرياض» أقرب كتبه كلها، التى عرفت حتى الآن، من حيث موضوعاته وتقسيمه، إلى محتوى وتركيب كتاب الرازى «سر الأسرار» .
ثانيا: لا تبيّن المواد والأدوات والتدابير التى استخدمت فى «كتاب الرياض» وفى «كتاب سر الأسرار» تطابقا في استعمال الأشياء المألوفة فقط. وإنما هناك تطابق عظيم أيضا في العديد من الحالات الخاصة تماما، كالتطابق في استعمال العقاقير النادرة والتطابق في ذكر أوعية معينة من أجهزة تسخين وتدابير للذوبان
…
الأمر الذى يدعو
(1) يقول روسكا: «بعد أن بلغت دراساتى المتعلقة بكيمياء الرازي بترجمة مؤلفه الرئيسي، بلغت نهاية مبدئية وبعد أن توضح أصل كتب جابر عن طريق كراوس وضوحا بحيث لم يعد لشك أن يزلزل النتائج، بعد هذا يبدو أن من ألح الواجبات في هذا المجال من تأريخ الكيمياء، أن تدرس بدقة العلاقات الواضحة، رغم كل التناقضات، بين إطاري الكتب» (في. (1/ 1939 /25 islam:
إلى اعتبار أن هناك صلة وثيقة بين الكتابين، أى أن تبعية الرازى بجابر (او جابر بالرازى؟ ) أمر ينبغي اعتباره في حكم المؤكد. أما احتمال استعمال المؤلفين لمصادر لا سبيل لنا إليها بعد وإلى أي مدى كان ذلك، فسؤال لا يتضح إلا بدراسة تشمل كامل مجموع- جابر (1).
بالرغم من البديل الثاني الذي طرحه روسكا فليس من الصعب لدى المقارنة أن تتبين تبعية الرازي بجابر بوضوح أكبر. إن مثل هذا الاعتراف بهذه الحقيقة من قبل كراوس أو روسكا كان سيلعب دورا مهمّا بالنسبة لهما لو أنهما أقرّا بأصالة إشارة الرازي إلى جابر ولم يرفضاها على أنها إضافة دخيلة (2) أو تزوير أحد المزورين (3). لقد بين اكتشاف karimov (4) أن الإشارة إلى جابر فى مقدمة المخطوطة الموجودة في مكتبة- اسكوريال مأخوذة من «كتاب سر الأسرار» فعلا أو أنها مأخوذة من «كتاب الأسرار» الذى هو تحرير آخر من قبل المؤلف. وهكذا فإن مخطوطة (5) الكتابين التي نسخت عام 587 هـ/ 1191 م عن نسخة المؤلف نفسه، تزيل الغموض المتعلق بالكتاب من جهة، ومن جهة أخرى تزيل الشك تجاه تبعية الرازى، بكتاب جابر «الرياض الأكبر» ، الأمر الذى ذكر بوضوح، إلى حد ما، حتى في المدخل الذي كتبه karimov للكتاب. وكما قيل آنفا فهناك قرينة جلية تدل على نشأة مبكرة للكتاب، ومنها يستدل على خطأ نظرية كراوس المتعلقة بنشأة مجموع جابر أيضا.
هذا وقد سبق ل ستابلتون، stapleton بناء على ما أفاده الرازي، أن نبّه إلى علاقة الرازى بجابر، حيث ذكر الرازى أنه شرح كتاب جابر «كتاب الرحمة» في كتابه
(1) روسكا فى مصدره المذكور له أعلاه ص 19.
(2)
ruska، al- razi'sbuchgeheim nisdergeheimniss ein: quell. u. stud. z. gesch. d. nat. wiss. u. d. med. 6/ 1937/ 26.
(3)
كراوس i ص. lx
(4)
طبعة: كتاب «سر الأسرار» ، طاشقند سنة 1957 م.
(5)
طاشقند 3758، انظر بعده ص
الصنعوي السادس «كتاب الراحة» (1). ولقد اكتشف ستابلتون، stapleton متأثرا بإفادة الرازي هذه، علاقة كتبه الاثنى عشر الصنعوية بجابر، كما أدرك ستابلتون stapleton علاقة «كتاب سر الأسرار» بمجموع جابر السبعين كتابا ثم قابل عناوين كتب المؤلفين الصنعوية بعضها ببعض ليبين أنها متشابهة جدّا (2). إن رأي ستابلتون stapleton والعاملين معه r.f.azo وم. هـ. حسين، تزداد قوة إقناعه بشكل خاص بواسطة إشارة لهولميارد (3) إلى تعليقات مؤلف «كتاب رتبة الحكيم» (القرن الخامس الهجرى، انظر بعده ص 443) المتعلقة بتبعية الرازي بجابر.
فمؤلف «كتاب رتبة الحكيم» ينتقد فى المقالة الثالثة من هذا الكتاب، «كتاب التدبير» و «كتاب الحجر» وكلاهما من كتب الرازي، انتقدهما لأسباب ترجع إلى التدابير فيهما التى قابلها بتدابير أستاذه جابر. وإنّ ما ذكره هذا المؤلف، فيما يتعلق بتبعية الرازي بكتاب جابر «كتاب الأركان» أمر مهم بشكل خاص:«لو لم يجد الرازى تلك المقالة وقد كشف أستاذه جابر أسرارها، لما استطاع أن يكشفها هو أيضا، ذلك لأن جابرا صنّف كتابا بعنوان «كتاب الأركان» ، ذكر ووصف فيه أربعة أركان، لكنه لم يذكر سوى الركنين الأخيرين ثم ذكر النار هذه وقد مجدها بقوله: انظر، فيها (قوة) الصبغ وهى أم هذه الصناعة».
(1) انظر كتاب الرازى «كتاب الشواهد» الكتاب الثامن من المجموع، أما الكتب السبعة الأولى فهي:
كتاب «الإثبات» و «كتاب الحجر» و «كتاب التدابير» و «كتاب الإكسير» و «كتاب شرف الصناعة» و «كتاب الراحة» و «كتاب التدابير» ، انظر مقال stapleton في مجلة 70 - 68/ 1910 /3 masb بعنوان:
analchemicalcomp ilationofthethir teenthcentury، a. d.
(2)
stapleton و r.f.azo وم. هدايت حسين مجلة 338 - 335/ 1929 /8 msab بعنوان:
chemistryiniraqa ndpersiaintheten thcentury، a. d.
(3)
maslamaal -magri tiandtherutbatul -hakim في مجلة.305 - 293/ 1924 /6 isis: لم يتمكن مؤلف كتاب رتبة الحكيم (واسمه الصحيح أبو مسلمة المجريطي) أن يبين بدقة زمن حياة جابر، لقد ذهب إلى الظن إلى أنه كان حيّا قبل 150 عاما.
وقد علق روسكا على ذلك بقوله: «إن المقتبسات التالية المأخوذة عن «كتاب الحجر» لا يمكن فهمها إلا بمعالجة دقيقة لكيمياء جابر، فعليّ أن أكتفى بالقول بأنه من الواضح أنّ «الاثنى عشر كتابا» من كتب الرازي، وثيقة الصلة بتعاليم جابر أكثر مما كان المرء يميل إلى افتراضه وفقا لمحتوى «كتاب سر الأسرار» (1). وكما سبق أن ذكر (ص 286) فقد كان ذلك القول لمؤلف «كتاب رتبة الحكيم» معلوما لدى كراوس كذلك، لكنه لم يشأ، إلا أن يصف ذاك الكلام المهم في اعتقادي في «كتاب رتبة الحكيم» على أنه مجرد مقارنة بين رأي الرازي ورأي «أستاذه» جابر (2). ولكن ممّا له نتائج بعيدة المدى هو ما يذكر من اعتماد «كتاب الحجر» للرازي على «كتاب الأركان» لجابر. فإن التسليم بمثل هذا الاعتماد سيقضي على دعائم التصور بأن المجموع الجابرى صنّف من قبل مدرسة امتدت من عام 250 هـ حتى عام 350 هـ، ذلك لأن «كتاب الأركان» من مجموع (3) الخمسمائة كتاب، وهذا المجموع من أحدث المجاميع التى يستحيل- على رأي كراوس- أن يكون الرازي عرفها (4).
أخيرا لا بد، بين يدى مناقشة تبعية الرازي بجابر من قول شيء ما أيضا حول الرأى الذى طرحه كراوس ويتعلق بالصلة بين كل من كتابي «الخواص» (انظر قبله ص 286) لكل من جابر والرازي. فإذا لم يذكر الرازي اسم جابر من بين مصادره فلا يمكن أن يتخذ هذا «arg umentumesilentio» في أن الرازي لم يعرف كتاب جابر «كتاب الخواص» وأنه لذلك ليس هناك ما يمنع، في رأي كراوس، من الافتراض المعاكس وهو أن مؤلف كتاب جابر هو الذي أفاد من «كتاب الخواص» للرازي. إلا أنه ومنذ عرفنا طبيعة كتب الرازى الصنعوية بشكل أفضل، ومنذ صار عندنا قناعة
diealchemiear -razisin: islam 22 /1935 /292. (1)
(2)
(1) " .... ps. masjrite، danslek. rutbatal- hakim، compare (nt) lesideesalchimiq uesderaziacelles de، sonmaitre، jabir
…
" (krausi، lx) .
(3)
كراوس i ص 105؛ أو بعبارة أدق: على رأي كراوس ألفت نحو عام 330 هـ/ 941 م، انظر المصدر السابق، i ص. lxv
(4)
المصدر السابق ص. lxi
أكيدة بتبعيته الحتمية بكيمياء جابر، منذ ذلك لم يعد سقوط اسم جابر من مصادر كتاب الرازي «كتاب الخواص» ذا أهمية أساسية، إذ قد يرجع عدم ذكر الرازي لجابر إلى أسباب عديدة. ولن تحل مسألة التبعية الحقيقية إلا بعد مقارنة الكتابين مقارنة جذرية.
أما فيما يخص ما أفاده «أبو سليمان السجستانى» حول مجموع جابر- فقد وصف كراوس هذه الإفادة على أنها - «t emoignagecapital» من أن الحسن بن النكد الموصلي هو الذي صنف الكتب ونحلها جابرا، وأنه عرضها على هواة الكيمياء فكسب مالا كثيرا (1)، إن هذه الإفادة لا تضير، في اعتقادي، القناعة بأصالة الكتب. فإن جزءا عظيما من كتب جابر توثق- كما يستنتج مما ورد أعلاه- ببيانات ومقتبسات مؤلفين عاشوا قبل الموصلي المذكور بنحو خمسين عاما. وبسبب الوحدة المدهشة في الأسلوب الأدبي ونمط الاستدلال الفكري وبروزهما في المجموع ولإحالات الأجزاء بعضها إلى بعض ثم لما تأكد من صحة هذه الإحالات عن طريق فهرسي كتب جابر اللذين حفظهما لنا ابن النديم، لهذه الأسباب جميعها لا يمكن إلا أن تكون هذه الكتب قد صنفت من قبل مؤلف واحد لا غير (2). ولقد سبق ل كراوس نفسه أن كتب في أول مقال له: «إن الانطباع الذى يخرج المرء به لدى الدراسة الأولى للنصوص، يمكن إيجازه بالقول بأنها تشكل وحدة مغلقة، فهي إما أنها ترجع إلى مؤلف واحد أو على الأقل إلى المدرسة ذاتها بحيث لا بدّ وأن تكون قد صنفت خلال فترة من الزمن غير طويلة. فكل الكتب المذكورة أعلاه، لها علامات مميزة معينة ومشتركة فى الأسلوب وفي اللغة، ويتصل محتوى بعضها ببعض. أضف إلى ذلك أنه أحيل فى كل كتاب منها تقريبا إلى كتب أخرى من كتب جابر. ولهذا فلا يمكن الانفراد بكتاب واحد من هذا المجموع واعتباره
(1) روى ذلك أبو نصر أسعد بن الياس بن مطران (توفى 587 هـ/ 1191 م، انظر بروكلمان الملحق م 1 ص 892)، «بستان الأطباء» ، انظر.7/ 1923 /3 raad
(2)
مع أن كراوس يثير في دراسته الأولى حذر احتمال أن تكون خاصية التأليف ترجع إلى مدرسة من المدارس، فقد اتضح من سياق الدراسة التى تلتها أن هذه الخاصية لا تعقل بالنسبة له إلا لمؤلف واحد لا غير (انظر التقرير السنوى الثالث drit terjahresbericht ص 24، 39).
مزيّفا دون أن تتعرض أصالة المجموع بكامله للتشكك» (1) صحيح أن كراوس استبدل هذه الفرضية خلال دراسة له متأخرة حول جابر، استبدل بها فرضية أخرى مفادها: أن المجموع صنّف بكامله من قبل مدرسة واحدة على امتداد مائة عام. لكننا لا يمكننا قبول هذه الفرضية وذلك أيضا لأنه من الصعب التصور، نظرا للتباين بين شخصية وأخرى، أن وحدة وترابطا متينا وتماثلا في الفكر والمعرفة، أن مثل هذه الصفات تتأتى لطائفة من العلماء، ناهيك أنهم فى هذه الحالة أفراد مدرسة امتدت نحو مائة عام. عودا إلى الموضوع، فليس فى المجموع الذى وصل إلينا، على ما يبدو، رسالة من الرسائل خطت بقلم غريب. وما يمكن استخلاصه من فقرة أبى سليمان السجستانى هو أن حسنا هذا صنف كتبا ونحلها جابرا لا لشيء إلا لأن جابرا كان المرجع وللطلب الكبير على كتبه ومن غير المعقول قط أن يستنتج أن الحسن هو مؤلف المجموع (2).
وما دمنا نناقش قرائن كراوس التي قدمها في زيف كتب وحياة جابر، فعلينا أن نسرد الأدلة الثلاثة القديمة التي عرفناها والتي تتعلق بجابر وبعمله:
(1) التقرير السنوي الثالث ص 24، ويعلق على ذلك ما يرهوف:«meyerhof»
«في أول الأمر اكتشف (كراوس) أن كل الكتب التي تيسرت له مرجعها لنفس المؤلف أو على الأقل للمدرسة ذاتها، وبذلك فإن اكتشاف زيف كتاب واحد يعرض أصالة كامل مجموع جابر للتشكك» (أرشيف فى تاريخ الرياضيات. (216/ 1931 /13. archivf.gesch.d.math
(2)
لقد علق h.corbin على ذلك بما يلي:
" d'autrepartjenes uisguereporteapr endretresauserie uxleproposduphil osopheabusolayma n as- sejestani (ob. post 371/ 981. nepasleconfondre aveclephilosophe ismaelienabuya'q ubas- sejestani) . ilauraitconnu. pretend- il (jabiri. p. lxiii) . l'auteurdesecrit sjabiriens. uncertain hasandemossoul. quietaitdesesami setseseraitassur eparsasupercheri eunjolietlucrati fsuc- cesdelibrairie. ilauraitchoisise ntoutcasunevoieb ienlaborieuse! maissurtoutlacri tiquene peutvouloirgagne ratouslescoups. sil'onestimequel ' enormemassedesec ritsjabiriensexc lut leurattributiona unseulauteurduno mdejabir. onnevoitpaspourq uoil'objectionto mberait lorsqu'ils'agitd ehasandemossoul. oubiencelui- cietait- ilunvraijabirien? touteschosesrest- entalorsenl'etat. c'estasedemander aquelmobileaobei abusolaymanenten antcepropossur sonami
…
") eranos- jahrbuch 18/ 1950/ 54. n. 18) .
1 -
لقد أحال سالم الحراني (القرن الثانى/ الثامن، انظر بعده ص 397) في كتاب وصل إلينا إلى كتاب جابر «كتاب الرحمة» (1).
2 -
لقد جمع يحيي بن خالد الغساني، وهو معاصر حدث لجابر، ومترجم ومحرر لكتاب أسطانس، بعض تدابير جابر مع تدابير أخرى لصنعويين قدامى فى ملحقه لكتاب أسطانس (انظر قبله ص 70، وبعده ص 397). أما الدليل الثالث فموجود في كتاب «شرح الرحمة والظلمة» إذ يذكر المؤلف واحدا يقال له يحيي بن أبي بكر البرمكي وهذا يصف نفسه أنه تلميذ جابر (2)، ولعل هذا هو نفسه يحيى بن خالد البرمكى (ت:
190 هـ/ 805 م) (انظر بعده ص 393)(3).
ومما تنبغي مناقشته أخيرا، اعتراض كراوس على اجتماع خاصة تأليف المجموع عند رجل واحد، معولا في ذلك على بعض التناقضات فى أجزاء مختلفة. ولا يقتصر الأمر عند كراوس على هذه الظاهرة فقط، بل يرى فى اتباع مبدأ «تقسيم العلوم» المذكور سابقا (انظر ص 201) إلى أبواب وكتب كثيرة، يرى في ذلك قرينة فى أن هذه كلها لا ترجع إلى مؤلف واحد فقط (4). كذلك فلربما استطاع المرء- على رأي كراوس أن يستنتج من توالى مختلف مجاميع المجموع «أن مجاميع المجموع المختلفة تمثل مراحل كثيرة فى تطور تعاليم مدرسة من المدارس، تطور يمكن أنه امتد عبر بعض
(1) انظر سزكين في مجلة؛ 259/ 1964 /114 zdmg لقد ذكر سالم الحراني في رسالة أخرى: «القول على الأجساد من كلام سالم الحراني: قال وجدته في كتاب قديم جدا، قال: اعلم أن الأجساد المعدنية الغزيرة (؟ ) تكاثفت على قدر حدة الطبائع لها في المدة الطويلة وأول ما ينعقد
…
قال الأستاذ أبو موسى احتيج إلى تكليسها لتحديد أجزائها وتحليتها لتصل الرطوبة إلى قعرها فيمكن حلها
…
» (طهران: مكتبة أصغر مهدوى 339، 28 أ)؛ وانظر كذلك ر سالم، جار الله 2063، 173 ب.
(2)
انظر كراوس، i ص 197.
(3)
يقول يحيى البرمكى مايلى: «
…
بعد، يقول الحكيم يحيى
…
إننى كنت فى برهة من الزمان قد صحبت الحكيم الفاضل جابر بن حيان الصوفي رحمه الله وكنا نصنف كتبا للعالم
…
» (طهران، مكتبة أصغر مهدوى 276، مجلد جامع ص 4، القرن الثاني عشر الهجري).
(4)
كراوس i ص xxxiii.
إن ظاهرة التطور هذه، سواء أكانت تصحيحا أم نقضا أم إكمالا لما سبق من كتب، لا يمكن لها أن تكون بحال من الأحوال حجة فى إثبات تعدد المؤلفين، حيث إننا نلاحظ هذه الظاهرة فى تاريخ العلم وفى مؤلفات كثير من المؤلفين، فبالرغم من إعادة وتصحيح أفكار واستبدالها بغيرها، فإن مما يذهلنا كون المؤلف يبرز فى كل الكتب باستقلالية نادرة لا تغير في موقفه الناقد ولا فى تمكنه التام من الموضوع والمادة.
ولقد عرف كراوس طابع المؤلف المتميز هذا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينما اعتقد- نظرا لضياع الكتب الفلسفية- بأنه من الممكن إعادة تصميم الأفكار السائدة في نظام المؤلف الفلسفي وذلك بالرجوع إلى شذرات، وصلت إلينا في مصادر مختلفة:
وقد ضرب كراوس مثلا على عدم التناسق فى المجموع فذكر التردد لدى تصنيف المعادن، فقد صنف جابر الزئبق في أقدم الكتب مع «الأرواح» وفي الكتب التي تقع فى المنتصف من حيث الزمن- ككتب السبعين- ألحقه بالمعادن (3). وقد صعب على كراوس أن يتصور مثل هذه التغييرات عند مؤلف واحد (4).
(1) المصدر السابق ص xxxiv.
(2)
كراوس.135، ii
(3)
المصدر السابق ص 20 - 23.
(4)
المصدر السابق ص 22.
هذا وقد أشار كراوس أيضا في مناسبة أخرى إلى «تعدّد» مؤلفي المجموع، فجابر يذكر، على سبيل المثال، في كتابه «الزيبق الغربى» التقطير، ويقول: إنه يريد أن يعطي تفسيرا لقضبان الخيزران المستعملة لدى التقطير والتي كان قد تحدث عنها بالرمز (1) إلى حدّ ما في كتب سابقة- في مجموع السبعين كتابا- ويضيف أن الكتاب شرح لرسالة أخرى في الموضوع (2). وقد فهم كراوس الأمر بصورة مغايرة تماما فهو يعتقد أن المؤلف يعنى (3) بذلك؛ «أن كامل الشرح في السبعين كتابا هو رمز» ، «يحتاج إلى تفسير مرموز، تؤدي نتائجه إلى «تبخّر» كامل للمعنى التقني لأوصاف المجموع القديم. فالمرء يخرج بانطباع مفاده أن مؤلف الخمسمائة كتاب، يجعل، خلافا لمؤلف السبعين كتابا، المجموع القديم موضوعا لآرائه. وفي الوقت نفسه تسمح المقارنة بدراسة ذروة وحضيض الكيمياء الجابرية» (4). ويتضح من النص المذكور على الحاشية أسفل غرابة تفسير كراوس لقول جابر وغرابة استنباطه لتعدد المؤلفين ليصل بذلك إلى زيف المجموع.
ولعله من المستحسن أن يساق هنا نموذجان كآخر ما يساق من رأي كراوس الذى يعتقد فيه بمؤلفين مختلفين لرسالتين من رسائل المجموع، وهذان النموذجان يبينان في رأينا أن جابرا- منذ تأليف أقدم الكتب- كان قادرا على توسيع معلوماته حول موضوع سبقت معالجته، الأمر الذي انعكس صداه على رسالة متأخرة، تتعلق بميزان الماء «هيدروستاتي» فقد قال جابر عنه في كتاب له أقدم، هو «كتاب الروح» (5): «لم يتكلم
(1)«على حال من الرمز» (برتلو، كيمياء chimieiii ص 188، س 16).
(2)
«وقد ذكرناه فى السبعين وقلنا إنه يحتاج إلى سبعمائة تقطيرة وذكرنا نعت تقطيره وعن ماذا يقطر وكل ذلك رمز بعيد، فأما ما نذكره في هذا الكتاب فهو بخلاف ذلك في الكشف، ولولا ذلك ما كان في وضعنا لهذه الكتب فائدة إذ كنا قد ذكرناه مرموزا في غيرها
…
» (المصدر السابق ص 188 - 189).
(3)
ويذكر جابر في كتابه «كتاب الرحمة الصغير» كذلك أن أستاذه جعفر وجد (أسلوب) كتبه مرموزا مدغما (برتلو: كيمياء. (100، chimineiii
(4)
كراوس، ii ن 13.
(5)
لقد أخذ هذا الكتاب الرقم 1009 من الأرقام التي وضعها كراوس (وفقا لنظرية التسلسل التاريخي الزمني).
فى هذا إلا منلاؤس، لم يسبقه في ذلك أحد، اللهم إلا إذا كان هناك: قوم لم نعرف عنهم شيئا لبعد الزمان بيننا وبينهم
…
». من جهة أخرى يذكر جابر فى «كتاب البحث» ، أحد أحدث كتبه (1)، رسالة أرشميدس المزعوم، المتعلقة بالموضوع ذاته، ويقتبسها بالكامل (2)، إلا أن كراوس يرى في ذلك تناقضا وتضاربا يدعوانه للاعتقاد بأن الأمر لا بد وأنه يتعلق بمؤلفين مختلفين (3). ويمكن أن يكون ما ذكره كراوس صحيحا لو كان «كتاب البحث» أقدم من الكتاب الآخر، على أن الأمر هو العكس وبشهادة كراوس نفسه الذي وضع الترتيب الزمني المتسلسل.
كذلك أرى في الحالات الأخرى التى ظن فيها كراوس أنه وجد دليلا يشير إلى «جمع» لمؤلفى المجموع، أرى فيها قرائن تتعلق بمراحل نشأة وتطور العلوم الجابرية.
وستزول، تقريبا، كلّ العقبات المرتبطة بقضية توثيق تاريخ جابر إذا ما انطلق المرء من صحة زمن النشأة كما جاء في المجموع وفي مصادرنا، فهذه تفيد أن مولد جابر كان فى مطلع القرن الثاني/ الثامن، فهو يذكر جعفر الصادق أستاذا له مع الكثير من العلماء الآخرين. كما أفاد هو نفسه أنه صنّف كتبا كثيرة مثل مجموع المائة كتاب (4) ومجموع السبعين كتابا ومجموع الخمسمائة كتاب وبعض الكتب المتعلقة بنظرية الميزان، صنفها قبل وفاة جعفر الصادق (توفي عام 148 هـ/ 765 م). من أحدث أجزاء المجموع، «كتاب البحث» و «كتاب السموم» و «كتاب الخمسين» . ومما ينبغي إبرازه فيما يتعلق بأسلوبه في كتبه تصحيحه لها وإعادة تحريرها والإضافة إليها كل ما استجد من معلومات، وما «كتاب الخواص» إلا نموذج جدير بالاهتمام فيما يتعلق بهذا الأسلوب.
(1) رقمه في المجموع 1800.
(2)
كراوس، ii ص 330 - 331.
(3)
krausii، 306. n. 2
…
aussi. l'assertionduk. al- ruhcontredit- elleouvertementl ek. al- bahtou l'histoired'arch imedeestlongueme ntrelatee. l'incompatibilit edesdeuxpassages jabiriens faitcroirequel'a uteurduk. al- ruhestdifferentd eceluiduk. al- baht»
(4)
لقد ارتفع العدد فيما بعد الى 112.
إنّ مؤرخ الحضارة والعلم الإسلاميين الذي يسلّم بصحة كتب جابر، يصطدم بالطبع بقضية كيف تطورت الشروط الأولية التي استطاع جابر بموجبها أن يصنّف، حتى قبل عام 150 هـ، جزءا كبيرا من كتبه الصنعوية بل عالج فيما، عالج فيها نظرية الميزان. فلم يدرس على العموم تطور العلم الإسلامي بعد في تلك الحقبة بما يستحقه، ولا يرجع السبب لافتقار فى المادة وإنما إلى شك إزاء أعمال تلك الحقبة، شك تجاوز الهدف فصرف أهل البحث عن الاشتغال بها أو أضلهم طريقهم.
هناك من الدلائل التاريخية المتوافرة في المتناول ما تكفي أن تقدم لنا معلومات حول النشأة المبكرة للصنعة العربية وتتيح لنا تكوين فكرة عن الشروط الأولية للصنعة الجابرية وقد وصلت إلينا مواد غزيرة للغاية تتعلق بالأوليات لأهم جانب من جوانب الحقبة المبكرة من صنعة جابر والذي يمثل بلا شك معرفته بنظرية الميزان. ويكفي أن نذكر هنا من تلك المواد ترجمات كتب زوسيموس، وقد كان هذا مرجع ثقة بالنسبة لجابر فيما يتعلق بنظريته في «الميزان» التى لم تكن قد اكتملت تماما بعد، وكذلك كتاب بليناس «كتاب الأصنام» الذي عول عليه جابر كثيرا في نظريته. ومما ينبغي القيام به تجاه هذه الكتب أن تعتبر ترجمات للكتب المزيفة التى كانت قبل الإسلام، بدلا من اعتبارها تزويرا عربيّا، كما ينبغى دراسة تأثيرها علي أقدم مراحل علوم الطبيعة الإسلامية.
لقد كان لنظرية الميزان في أقدم كتب جابر، أي في مجموعي المائة (الذى صار 112 فيما بعد) والسبعين كتابا كان لها، كما أوضح كراوس، صورة بدائية عرفت ب «الوزن» (1) وكانت ضرورية للتدابير الصنعوية. وقد اتخذ هذا العلم شيئا فشيئا طابعا رياضيّا استقرائيّا في الكتب المتأخرة من كتب الموازين، على حسب ما وصله من مصادر جديدة، من أمثال كتب سقراط المزعوم وفرفوريوس المزعوم، التي فضلها على غيرها. ويدلتقلّبه في استعمال الأعداد 18 ثم 17 و 144 و 112 على [وقوفه على مصادر] مختلفة.
(1) كراوس i ص. xxxv
وإلى جانب التطور في نظرية الميزان فهناك قرائن أخرى كثيرة في مجموع جابر الذي يمكن ترتيب معظم أجزائه بحسب تتابعها الزمني بناء على ما ورد فيها من إشارات بعضها إلى بعض. فهى لا تسهم في كشف مراحل تطور العلم الجابرى فحسب، بل تسهم كذلك وبأوسع نطاق فى تتبع نقل معارف ومؤلفات آداب الاختصاص عن حضارات أخرى تتبعا أفضل. وترجع الأهمية المرموقة لهذه المسلمات بصورة خاصة إلى أن عمل جابر العلمي يقع في القرن الثاني للهجرة، القرن الذى يوصف بشكل رئيسى- بالرغم من الأعمال البارعة العديدة فيه- على أنه حقبة الاستيعاب التى لا يعرف عنها إلا القليل جدّا. فضلا عن ذلك فإن لنا فى مجموع جابر، بما اتصف به من جوانب كثيرة وأصالة وقدرة على الإنتاج مذهلة، لنا فيه مصدرا لا ينضب معينه. هذا وللمجموع أهمية عظيمة جدّا بالنسبة لعرض وإيضاح المنجزات العلمية في الحقبة الواقعة بين زمن ازدهار العلم اليوناني وبين جابر. ولا نملك أن نتتبع ونستوعب المنجزات العلمية التى حصلت فى القرون الأخيرة التى سبقت الإسلام، فى كتب عالم من العلماء الآخرين، كما نملك ذلك فى كتب جابر. ومن الظواهر التى تميز المجموع عن منجزات القرون اللاحقة، أن مصادر جابر كانت فى معظمها من تلك الحقبة، ولهذا كانت فى غالبها كتبا مزيفة لم يرجع فيها إلى المصادر اليونانية الأصيلة بشكل رئيسي إلا فى أحدث كتبه الأخيرة. صحيح أن بعض أعمال جابر بلغت مستوى لم يعل عليه في تاريخ العلوم العربية الإسلامية، إلا أنه من جهة أخرى، ينقص عنده بالطبع كثير من منجزات القرون التى جاءت بعده وستأتى دراسات مقبلة، تتحرى اكتشاف ما خلى عند جابر من تطور فى العلوم الإسلامية العربية المتأخرة، ستأتي بقرائن جديدة مستمرة تؤكد زمن نشأة المجموع كما جاء رواية.
وربما كان من المفيد جدّا في دراسة من هذا القبيل أن يرجع إلى كتاب جابر في تحديد العلوم. ومهما كان إطار علم جابر عريضا واسعا، ومهما بدا تركيب ذلك الكتاب متقنا وأصيلا، فهناك فرق كبير بينه وبين مؤلف من الطراز نفسه وفي الموضوع ذاته من مؤلفات القرن الثالث/ التاسع أو القرن الرابع/ العاشر. و «كتاب الحدود» هذا هو من
مجموع الخمسمائة كتاب الذي نشأ بالتأكيد قبل عام 150 هـ (1). فجابر لم يذكر في هذا الكتاب الكثير من الألفاظ التي كانت في القرنين الثالث/ التاسع والرابع/ العاشر معروفة، من أمثال «كلام» و «موسيقى» و «جغرافيا» . أما علم الفلك التنجيم والرياضيات والهندسة والطبيعة فهى من الفلسفة (2)، وحتى التعريفات الموجودة في كتابه المتأخر «كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل» (3) لا توجد في «كتاب الحدود» بعد. وبينما وضع «علم الطب» على رأس مجموعة نظام السباعية (4). في «كتاب إخراج ما فى القوة إلى الفعل» لا يذكره في «كتاب الحدود» على أنه علم مستقل.
ومما لا شك فيه ولا ريب أن الأهم من ذلك بالنسبة لموضوعنا هو ذاك الفرق الجلي بين نظام جابر في تقسيم العلوم وبين نظام علماء القرن الثالث/ التاسع والقرن الرابع/ العاشر، من أمثال الكندي والفارابي (5) والخوارزمي، فليس من الصواب إذا ما ذكر كراوس بهذه المناسبة أن معلمة «إخوان الصفا» خالية من أي علم لم يتطرق إليه جابر (انظر مجلة، (20/ 1931 /15 isis وبغض النظر عن ذلك فقد كان حريا بكراوس قبل ذلك أن يقارن نظام تقسيم العلوم عند جابر مع النظام عند إخوان الصفا (6)، ولو فعل ذلك لوجد بينهما فرقا كبيرا شاسعا.
(1)«بعد مقدمة طويلة، يحدد فيها، على نمط المنطق المدرسي، ما الذي ينبغي اعتباره تعريفا، جاء موجز عام يتعلق بالفروع العلمية المختلفة، ومن ثم تعداد لحدود العلوم كل على حدة. فهي تنزل من أعلى نوع من أنواع المعرفة البشرية إلى العلوم التجريبية، ففصل كبير في موضوعات الفروع كل بمفرده، مع الاحتفاظ بالتسلسل نفسه، وقد حدد كل موضوع بكلمات مختصرة .. » (كراوس في مجلة. (11/ 1931 /15 isis
(2)
«وذلك أن ما فيها من العلوم الطبيعية والنجومية والحسابية المارة في خلالها والهندسية داخل في جملة العلم الفلسفي، (مختار رسائل ص 100 س 11 - 13).
(3)
مختار رسائل ص 47.
(4)
هذا الكتاب من «كتب الموازين» التى اعتبرت في ببليوغرافية كراوس من أقدم الكتب، هي ليست كذلك تماما كما أعتقد (انظر بعده ص 356).
(5)
انظر المجلد الخامس من؛ gas حاليّا انظر: رسالة دكتوراه ل:
aufbauundsystemd er: a. ghaussy philosophieundde rwissenschafteni mislam: al- kindi، al- farabiundibnsina
. هامبورغ عام 1961 م.
(6)
انظر: رسائل إخوان الصفاء، طبعة بيروت 1957 م 1 ص gardet -anawati ،introduction 108 - 109.؛ 275 - 266
ومما سيلفت الانتباه لدى دراسة خصائص العلوم العربية في القرن الثالث/ التاسع والقرن الرابع/ العاشر، تلك الخصائص التى لا تكتشف عند جابر، سيلفت الانتباه بالدرجة الأولى أن المجموع لا يكشف عن أى معرفة بالترجمات العديدة في مجالات مختلفة وأنه لا يعرف التطور الذي حصل لعلم الجغرافيا ولا كذلك للعلم الرياضى في القرن الثالث/ التاسع. وليس هنا الموضع الذي يؤكد فيه هذا الاكتشاف في مجالات مختلفة بالعديد من القرائن والبراهين، ولعله من الأنسب بدلا من ذلك أن تضرب بعض الأمثلة التى سبق لكراوس نفسه، وإن كان من وجهة نظر أخرى، أن وفرها لنا.
وربما كان أهم مثال يتطلب الاهتمام هو أن جابرا لم يعرف اللاهوت المزيف ل أرسطاطاليس الذى ترجم إلى العربية في النصف الأول من القرن الثالث/ التاسع.
كما لم يعرف علم أرسطاطاليس في الفيض، ذلك العلم الذى شغل اعتبارا من القرن الثالث/ التاسع مكانا مهمّا في مؤلفات العلماء المسلمين العرب الفلسفية والفلسفية الطبيعية.
مثال آخر: لقد أخبرنا جابر أن الجواهر الخمسة الأبدية (على حسب ابندقليس المزعوم)، التي تمثل العناصر الأصلية للأشياء المخلوقة جميعها، تتكون من «الجوهر الأول الشريف» ومن «الهيولى (vyn) «ومن «الصورة» ، ومن «الزمان» و «المكان» . لكن العناصر الأصلية، على حسب المصادر الأخرى والتى تعود إلى قرون متأخرة هي: المادة الأولى والعقل والنفس والطبيعة والأجساد. والخلاف الذي
(1) كراوس، ii ص 136، ن 2.
يرجع بلا شك إلى تلك المصادر التي كانت متوافرة في زمن جابر وفى الحقبة التى تلت، هذا الخلاف يراه كراوس على ما يبدو، خلطا بأصول الرازي الخمسة (صانع العالم «demiurg» والنفس والمادة والمكان والزمان) أو خلطا بأصول الكندى الخمسة (المادة والصورة والحركة والمكان والزمان)(1).
لقد أطلق جابر على درجة شدة العقار» (taels) مرتبة» في حين كان لفظ أطباء القرون اللاحقة «درجة» (2).
لقد استعمل جابر كلمة «العالم» بمعنى أوسع بكثير من المعنى الذى يوجد عند الفلاسفة العرب المتأخرين فهو يذكر على سبيل المثال «عالم البرودة، عالم اليبوسة، عالم الخلاء، عالم الحرارة» (3).
وحتى في مجال الصنعة فقد كان، على ما يبدو، الكثير من الكتب المتخصصة مجهولا بالنسبة لجابر، واستعملت من قبل صنعويين عرب متأخرين، فمن المحتمل أن جابرا لم يرجع إلى بعض الكتب المترجمة، التي ذكرها ابن النديم، لا لشئ إلا لزمن نشأتها القديم (أى لسبب تقادم المحتوى). بيد أن منها كذلك بعض الكتب التى تعود إلى القرون الأخيرة التى سبقت الإسلام، كما عرفنا عن طريق مصادر أخرى (انظر قبله ص 234 و 242)، ولربما كانت- لو عرفها- مهمة جدّا بالنسبة لاستكمال نظامه الصنعوى. من هذه الكتب كتاب لصاحبه philios ophoschristianos وهو من القرن السادس أو السابع الميلادي (4).
(1) المصدر السابق ص 137، ن 1.
(2)
المصدر السابق ص 190، ن 3، 4، 6؛ ص 194؛ ن. 1.
(3)
مختار رسائل ص 212، 413؛ كراوس، ii ص 148، ن. 2.
(4)
انظر ابن النديم ص 354: «كتاب النصراني الذي يقول فيه: إن الحكمة حكمة كاسمها» .
إن معلمة إخوان الصفا المذكورة أعلاه، والمتأثرة جدّا على ما يبدو بجابر، وفي وجوه مختلفة وإن كانت أوسع تطورا، إن هذه المعلمة توفر إمكانات كثيرة لدراسة الفروق بين مجموع جابر وبين منجزات القرنين اللاحقين. ومما ينبغي التأكيد عليه هنا أن الوحدة بينهما التى أبرزها كراوس (1)، لم يتح تحقيق جديد توثيقها. أما الفقرات الدينية الصرفة التى نادرا ما ترد فى كتب جابر (2) فتتلاقى أحيانا مع بعض الأفكار الدينية فى الأوساط الشيعية في القرن الثاني/ الثامن دونما إبراز ميل من المؤلف، اللهم إلا تعاطفه مع معلمه جعفر.
هذا وقد أشار كراوس إلى أنه بالرغم من المعالم المشتركة فإن الفروق بينهما جديرة بالملاحظة (3)، وقد نبه بين الحين والآخر الى بعض الفروق من ذلك على سبيل المثال عدد حروف الهجاء العربية التي تطرق إليها جابر فى نظريته فى الميزان، وهو 28 أو 29، بينما تحصره رسائل إخوان الصفا والكتاب الإسماعيلي القديم «أم الكتاب» يحصرانه ب 30 حرفا على حسب تقدير لام ألف والهمزة (4). فجابر يرى أن الكتابة العربية تؤدي إلى بعض الأخطاء «آن الأوان» لإصلاح جذرى فيها، أما «إخوان الصفا» فيرون أنها أسست من قبل عالم حاذق وبإيحاء من الله جل وعلا وأنه اكتمل تركيبها (5). وأخيرا:
فقد عرف «إخوان الصفا» «كتاب أفلاطون» «طيماوس» وعرفوا نظريته في الأجسام الخمسة، في حين لا يمكن اكتشاف معرفة مباشرة لجابر بذلك (6).
(1) التقرير السنوى الثالث drit terjahresbericht ص 41.
(2)
المصدر السابق ص 34.
(3)
المصدر السابق ص 41.
(4)
كراوس ii ص 245 ون 2؛ وانظر فيما يتعلق بالفرق بين «ميزان» جابر و «ميزان» رسائل إخوان الصفاء؛ انظر المصدر السابق ii ص 217، ن 1.
(5)
انظر كراوس ii ص 245، ن 4.
(6)
المصدر السابق ص 178.