الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب «الفلاحة النبطية»
إن «كتاب الفلاحة النبطية» المعروف، والذي أعطاه مترجمه العنوان «كتاب إفلاح الأرض وإصلاح الزرع والشجر والثمار ودفع الآفات عنها» (1)، يعد من الكتب التي عرفت في الآداب العربية بترجمات أبي بكر بن وحشية (توفي مطلع القرن الرابع/ العاشر)، وقد سمى المترجم لغة الأصل:«السريانية القديمة» وحددها في موضع آخر على أنها «لغة النبات» ، ودافع في الوقت نفسه عن عمله رادا على من زعم أن الترجمة عن هذه اللغة أمر سهل للشبه بينها وبين اللغة العربية (2). أما المؤلف المزعوم فيقال له «قثامي» وهو لا يدّعي أنه المؤلف الوحيد بل قام بإتمام كتب من سبقه:
…
فصنف وصحح ما قالاه وقرأ ما رسماه وأضاف أمورا مختلفة إلى ذلك اهتدى إليها (3). ومما يثير الاهتمام بشكل خاص- كما يعبر عنه قثامي- أن ضغريت «نظم كتبه كلها بما فيها كتبه في الفلاحة بأشعار مبهمة ولذلك فهو
(1) الحاشية هنا ترجمة العنوان المذكور أعلاه إلى اللغة الألمانية «المترجم» : chwolson) «الآثار الباقية berresteu «ص 19 - 20).
(2)
المصدر السابق ص 18: الأنباط وسكان العراقين وسورية الآراميين كانوا من العرب الخلص. لقد استخدموا اللغة الآرامية فى الكتابة والسياسة، انظر: th.noldeke في 122/ 1871 /25 zdmg وما بعدها) dienam enderaramaischen nationundsprache. اسما الأمة واللغة والآرامية) وانظر كذلك e.honigman ،nabataerin: ei ،iii ،866.:
(3)
chwolson المصدر السابق ص 25.
(أي قوتعامي) لم يذكر بعضا من كتبه لأنه لم يفهم كل شيء» (1). أما فيما يتعلق بما أسهم به كل من المؤلفين فيذكر المترجم ابن وحشية أن ضغريت، الأول من المؤلفين الثلاثة، صنف كتابا كاملا مقسما إلى أبواب وأن المؤلفين الآخرين اللذين جاءا بعده لم يغيرا النص، كما لم يغيرا ترتيب الكتاب الأساسى، إلا أنهما مدّا كل باب بإضافات من واقع اكتشافاتهما وخبراتهما (2). ولهذا فليس واضحا فيما إذا كان ما ذكره ابن وحشية عن نشأة الكتاب الذي كان بين يديه، وهذه تختلف عما ذكره قثامي، إن كان بناء على معلومات عرفها في ذلك أم بناء على ظنه الشخصي.
وقد أوضح قثامي زمن حياته حينما ذكر «أنه صنف ما صنفه إبان حكم أسرة كنعانية لمملكة بابل» (3). ولقد جهد خولسون «chwolson» في معرفة زمن حكم هذه الأسرة، ومن ثم اعتقد بأنه من الممكن تحديد زمن حياة قثامي بالقرن السادس عشر قبل الميلاد (4). كما اعتقد خولسون chwolson كذلك أن الشكوك التي لا بد منها في قدرة عالم من القرن الثالث/ التاسع على فهم كتب صنفت قبله بنحو 2400 سنة، اعتقد
(1) المصدر السابق ص 21.
(2)
المصدر السابق ص 20، وله كذلك «الصابئة ssabier «م 2 ص 908.
(3)
«خولسون» chwolson «الآثار الباقية uberrreste «ص 55.
(4)
المصدر السابق ص 65.
أن هذه الشكوك يمكن تجنبها (1) إذا ما أخذ بعين الاعتبار «رسوخ اللغات السامية» .
ولقد لاحظ خولسون نفسه أن في كتاب الفلاحة النبطية بعض المفارقات التاريخية والجغرافية ومفارقات أخرى غيرها، لكنه عقب على هذه المفارقات بقوله إن بعضها يمثل دسّا متأخرا أو حواشي يد متأخرة أو استبدالات قام بها ابن وحشية (2). ولقد
(1) المصدر السابق ص 80 حيث يقول: «ربما انتقد تسليمنا بقدم عصر قوتعامي بالقول إنه من الصعب على ابن وحشية الذي صنف ترجماته للكتب البابلية القديمة في نهاية القرن التاسع ومطلع القرن العاشر، من الصعب عليه فهم لغة كتب، صنّفت قبله بأكثر من ألفي عام. غير أنه من الممكن الرد على هذا بما يلي:
1 -
لقد أشير إلى أن ابن وحشية نفسه ينتمي إلى الكلدانيين القدماء وأنه فهم لغة السلالة التي هو منها بل فهم اللهجات المختلفة عندهم.
2 -
كما يمكن تفسير هذا الحال أصلا برسوخ اللغات السامية. أما إلى أى مدى يمضى هذا الرسوخ والتماسك في هذه اللغات فيمكننى إيضاحه بالواقعة التالية: أعرف رجلا غير متعلم من أهالى مكة «المكرمة» لا يعرف من قواعد النّحو العربي شيئا ومع هذا فإنه يفهم قصائد عربية قديمة فهما جيدا، بل يتكلم اللغة العربية القديمة دون إهمال التنوين. وقد أكد لي هذا العربي أن أهل بلده في وطنه يتكلمون اللغة العربية القديمة ويقرءون الكتب العربية القديمة باستمرار ويفهمونها. فإذا كان بمقدور عربي غير متعلم فهم قصائد نظمت قبله بنحو ألفعام وبعضها بلاغى، فإنه لمن المحتمل كذلك أن يفهم كلدانى متعلم النثر البسيط في الكتب التي صنفها أسلافه قبله بألفي عام. ف قوتعامي، الذي كثيرا ما يقتبس عن كتب صنفت قبله بأكثر من ألف عام لم يتذمر مرة واحدة من الصعوبات التي ربما سببتها له لغة تلك الكتب، وقد كانت هذه الكتب منتشرة ومقروءة بوجه عام.
بل وقد نصح قوتعامى الفلاحين أن يتلوا أيام الجمع الفقرات الأخلاقية من كتب يشيتا «aischit» الذي عاش قبله، بألف عام على الأقل- دون أن يخشى أن عامة الناس لن يفهموا ما يتلى عليهم، أضف إلى ذلك أنه من المحتمل كذلك أن اللغة القديمة فى الكتب البابلية كان يطرأ عليها بين الحين والآخر شئ من التحديث من قبل كلدانيين متعلمين ومتباينين وأنه بذلك استبدلت كلمات وألفاظ قديمة بالية بكلمات وألفاظ جديدة، الأمر الذى يدعو للظن أن ابن وحشية ربما ترجم الكتب ولم يترجم الكلمات الخاصة بالبابليين القدماء». ولقد أشار v.gutschmidt. إلى المقارنة التي هى في غير محلها حينما قورنت اللغات السامية الأخرى باللغة العربية، أشار إلى ذلك في كتابه:«مؤلفات صغيرة kleineschriften «ص 580، معللا ذلك بأن رسوخ واستقرار اللغة العربية يرجع إلى دور القرآن «الكريم» .
(2)
انظر بخصوص هذه المقاطع وغيرها كتاب»: vongutschmidt المؤلفات الصغيرة» م 2 ص kleineschriften 676 - 595
في تحديد تأريخ سابق للكتاب «الفلاحة النبطية» إلى أبعد ما ذهب إليه سلفه كاترمير «quatremere» بكثير، أما كاترمير فلم يقع بين يديه سوى ثلث الكتاب الكامل تقريبا وقد كان يميل للاعتقاد بأن زمن التأليف يقع في النصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد (1).
لقد شغل كتاب الفلاحة النبطية وكتب أخرى مرتبطة باسم ابن وحشية، شغلت العديد من العلماء قبيل وبعيد ظهور كتاب خولسون ف، ewald الذي عنون دراسته الأولى ب:«ملاحظات حول الكتب النبطية ونشرها المتوقع (2)»
bemerkungenuber dienabataischens chriftenundeineb eabsichtigeherau sgabederselben
يعتقد، على سبيل المثال، في أصل نبطي وقديم للكتاب نسبيّا، لكنه لا يستنبط نتائج معينة بالنسبة لزمن التأليف. وردّ في مقالة ثانية (3) على gutschmid الذي يرى أن ابن وحشية كان مزورا للكتاب النبطي هذا.
أما، e.h.f.meyer (4) مؤرخ علم النبات، فقد درس، وقبل ظهور دراسة خولسون ببضع سنين، كتاب الفلاحة النبطية، معتمدا في ذلك بالدرجة الأولى على
memoir esurlesnabateens (1) في مجلة 235 - 231/ 1835 /15 nouv.ja خولسون في المصدر المذكور له أعلاه ص 34. ولقد أبرز كاترمير عند تحديده للتأريخ بأن المؤلف لم يذكر المسيحية قط، مع أنه ذكر الديانات المختلفة الأخرى. ويتابع كاترمير قوله «إن كتابا ضخما متكاملا عولجت فيه الفلاحة بكل تفاصيلها في نظام ومنهج لم يبقيا شيئا لمزيد، إن مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يؤلّف بهذه الصورة إلا في زمن كانت فلاحة الأرض فيه في مستوى عال من الكمال في مملكة بابل وهذا المستوى لم يعد موجودا حوالي عهد المسيح عليه السلام لا بل حتى منذ عهد الاسكندر المقدوني، فمنذ ذلك الزمن تعطل الكثير من القنوات كما تحول جزء من الأرض الزاهية إلى مستنقعات
…
الخ» (عن طريق خولسن فى مصدره المذكور أعلاه ص 35)، انظر أسبابا أخرى تذرع بها كاترمير فى تأكيد تحديد تاريخه، انظرها عند خولسون المصدر السابق ص 35 - 37.
gott ingernachrichten 1857.141. (2)
(3)
zurweiterenwurdi gungdernabataisc henschriftenin: gottingernachric hten 1861. 89.
(4)
انظر كتابه: «تاريخ النبات gesc hichtederbotanik «ج 3 سنة 1856 ص 43 وما بعدها.
ما توفر له من مادة من كاترمير. وقد درس ماير المضمون النباتي والتنجيمي بعد أن أشار إلى بعض القرائن التاريخية بالنسبة لتحديد زمنه: «كلما توغلنا في مضمون الكتاب أكثر فأكثر، كشفت ليى تلك المقتطفات القليلة المتيسرة، آثار بناء مدرسي صلب. إنه نظام غرس الأشجار والفلاحة، قام على أسس طبيعية، انطلاقا من أصول عامة، متدرجا في التقدم حتى أدق تفاصيل معالجة كل نبات أهلي خاص واستعمالاته، ولم تنس خلال ذلك حتى النباتات البرية الصالحة للاستعمال. يوازي هذا النظام ويرتبط به أوثق ارتباط، نظام آخر محكم هو نظام التنجيم وربما جارى هذا النظام نظام السحر خلال الكتاب كله
…
» (1). لقد ذكر ماير كل النقاط التى تحول دون الاعتقاد بأن الكتاب صنف قبل القرن الأول الميلادي ويتابع قائلا: «لقد عولج أكثر ما عولج بإسهاب علم الأراضي الذي قال عنه قوتعامي، بل حتى ضغريت، قالا إنه أساس في الوقت نفسه جوهر علمالزراعة برمتها، ذلك لأن الأرض هي أصل النبت. ولقد ميزت أنواع تربة كثيرة وأكثر مما ميزت عند اليونان والرومان، ميزت بلونها وبرائحتها وطعمها وملمسها بين الأصابع كما ميزت وفقا لتماسكها وحالها في حالة البلل وفي حالة الجفاف وبحسب مكوناتها الخشنة والناعمة
…
الخ، كذلك فقد نصح أن تجرى عليها تجارب معينة لاختبارها، يتفق الكثير منها مع تجارب اليونان والرومان من هذه التجارب أن تنقع كمية من التراب في وعاء فيه ماء نقي وقتا طويلا ومن ثم يستدل على طبيعة الأرض من الطعم الذي اكتسبه الماء. كذلك عولج علم الأسمدة بالمستوى نفسه وبالتفصيل الذي يذكر في النماذج اليونانية الرومانية، وكثيرا ما تجاوزها، من ذلك على سبيل المثال التعاليم المتبعة في تهيئة ما يسمى السماد النباتي «compost» ويتكرر الحديث المتعلق بالأنواع الملائمة من تربة وسماد وسقاية والتى تتقدم على غيرها، يتكرر هذا عند كل نبات جنائني خاص، الأمر الذي قلما نجده عند اليونان والرومان. ومن أراد مزيدا من الاتفاق بين أنباطنا وبين سكان بلاد الغرب، عليه أن يقرأ مواد الوقاية من أمراض النباتات والحيوانات الضارة، فسيجد فيها أشياء كثيرة معروفة منذ أمد بعيد» (2).
(1) المصدر المذكور له آنفا ص 51 - 52.
(2)
ماير فى المصدر المذكور له آنفا ص 54 - 55.
وبعد أن يدلي ماير ببعض الآراء الأخرى يرى أن «كتاب الفلاحة النبطية» تزوير، عرف مؤلفه قثامي أسلافه اليونان معرفة جيدة. «
…
ربما صنف الكتاب قبل انتشار المسيحية في بلاد النهرين وليس قبيل ظهور المسيحية كما يمكن أن يظن، فالكتاب إذن ليس أحدث من القرن الثاني أو القرن الثالث بعد المسيح عليه السلام (1)».
وفي عام 1860 اشتغل العالمان e.renan (2) و (3) a.vongutschmid بصحة «كتاب الفلاحة النبطية» . أما رنان فقد رأى في هذا الكتاب المعالم نفسها التى وجدها في الكتب الأخرى المترجمة من قبل ابن وحشية. «
…
العلم نفسه والحالة الدينية ذاتها والاحتفالات والروايات الدخيلة نفسها
…
وبكلمة واحدة: المدرسة نفسها» (4). وهو يرى أن مستوى «كتاب الفلاحة النبطية» من مستوى الأفلاطونيين الجدد المتأخرين (5) وأن زمن تأليف الكتاب ليس أقدم من القرن السادس (6).
أما gutschmid فقد انتقد بدراسة مسهبة نظريات خولسون وفند بحق استحالة ما اعتقده خولسون من أن زمن التأليف موغل في القدم، مقدما في ذلك أدلة عديدة. و «كتاب الفلاحة النبطية» عنده كما هو عند ماير ورنان ليس إلا تزويرا قام به ابن وحشية نفسه. وهكذا بقيت نظريته المتعلقة بزمن التأليف، وبالرغم من انتقاد (7) ewald
(1) المصدر السابق ص 56.
(2)
بعنوان:
surlesdebrisdel' anciennelittera- turebabylonienne conservesdansles traditions arabes.
في.166 - 136/ 1860 /10 revuegermanique:
(3)
بعنوان: «الفلاحة النبطية وأخواتها»
dienabataischela ndwirtschaffundi hregeschwister
في مجلة.110 - 1/ 1860 /15 zdmg:
(4)
مما يؤسف له أنى لا أجد بين يدي الآن مقال «renan» رنان ولهذا أراني مضطرا أن أعوّل على مقتطفات gutschmidvon في كتابه: «مؤلفات صغيرة kleineschriften «
(5)
المصدر السابق ص 712.
(6)
المصدر السابق ص 713.
(7)
جاء ذلك في أخبار غوتنغن عام 1861 ص 89 وما بعدها.
العنيف، بقيت فيما تلى ذلك من وقت، مع بعض التعديلات الطفيفة، أساس الدراسات المتعاقبة. لنطرح الآن السؤال التالي وبعد 110 سنين من نشر نظرية gutschmid هذه: ما الذي دعا vongutschmid أن يؤكد أن المؤلف الذي يدعى بخفة أنه بابلي قديم والذي حدّد ماير ورنان زمن حياته، بناء على قرائن عديدة، ما بين القرن الثاني والسادس بعد الميلاد، ما الذي دعاه أن يعتقد أن المؤلف عربي أو بعبارة أدق أن المؤلف هو ابن وحشية نفسه؟ لقد عول، vongutschmid الذي كان مقتنعا بأنه قدم الأدلة الدقيقة إزاء كل زعم جاء به (1)، عول في كل قول يفيد بأن الكتاب ما هو إلا تزوير من قبل ابن وحشية، على تركيبة غريبة فريدة من نوعها، فهو يرى أن ابن وحشية قصد بحكم الكنعانيين الأجنبي الجاثم على بابل، الحكم العربي، وعني بدين الاشيثيين الخرافي المتسلط والذي ساد بابل وبلاد الرافدين وسوريا، عني به الإسلام، كما عني بالخلفاء أو الممثلين ل «أشيثا» المرموقين، الخلفاء العباسيين (2). وقد هاجم، ewald وبحق كما أعتقد، تركيبة vongutschmid بالعبارات التالية: «وإذ لا يمكن لأحد أن يستنتج من اسم ishitha الخلفاء ومن اسم الكنعانيين، العرب والمسلمين، ولا أن يستنبط ولو إشارة واحدة (من كتاب الفلاحة النبطية المعروف في الوقت الحاضر) تؤدى إلى فهم الاسم هكذا، وإذ كان ذلك كذلك فإن هذا الاختلاق بكامله اختلاق لا يستساغ وغامض بلا شك بل عديم الجدوى والفائدة. أضف إلى ذلك ما يفترى على أشيثا وعلى الكنعانيين هؤلاء من أشياء لا تنطبق على الخلفاء والمسلمين إطلاقا، مما كان يقتضي أن ينهار الغرض من هذا الاختلاق تماما وقبل أن يقدر أن يتضح أصلا.
ونحن لا نلمح في كل هذه المعلومات شيئا واضحا ناهيك عن شيء منطقي صحيح بكل جوانبه (3). وردّ vongutschmid على ewald بقوله إنه «رأى في الاعتزاز الوطني
(1) «مؤلفات صغيرة kleineschriften «م 2 ص 718.
(2)
المصدر السابق ص 739، وأكثر تفصيلا في ص 689 من المصدر السابق.
(3)
انظر ewald في المصدر المذكور له، ص 102.
عند الأنباط سببا رئيسيّا في هذا الخداع» (1).
وهكذا يتبين أن تركيبة vongutschmid كاملة تتكون من ثلاثة أو أربعة بيانات تاريخية تحدث مؤلف «كتاب الفلاحة» النبطية فيها عن الكنعانيين والكلدانيين والتى يزعم أنها تتفق مع أحوال العصر العباسي تماما. وإذا ما سلمنا بأن البيانات الثلاثة أو الأربعة المذكورة في الكتاب النبطي تتناسب مع العصر العباسي، فهل تكفي ليعتبر ابن وحشية مزورا كما فعل ذلك vongutschmid وكما أخذ به فيما بعد بشكل عام تقريبا بلا تحفظ؟ أم هل تبقى صحة الكثير من الكتب في تاريخ العلوم يقينية إذا ما اتخذ مثل هذا المنهج ضابطا لأصالتها؟ وهل فكر vongutschmid مرة في أن مؤلف الكتاب النبطي ذكر العديد من الأشياء التى لا تتفق مع العصر الإسلامي؟ ولنأخذ على سبيل المثال قول المؤلف:«لقد أعاننا الله عليكم وطردناكم لذلك من البلاد» (2). هل يؤخذ من هذا الكلام أن «الأنباط» طردوا العباسيين من البلاد؟ وفي مكان آخر يقول المؤلف: «يحسد الكنعانيون الكلدانيين لعلومهم التى منت الآلهة بها عليهم، وهم لم يقدروا عليها. إلا أنهم «الكنعانيين» الآن ملوكنا وقادة جيوشنا ونحن وإياهم في مستوى
(1) يقول»: vongutschmid ربما كان لهذا الرد قيمة لو أني ادعيت أن للفلاحة النبطية طبيعة منشور سياسى موجه إلى قوم أو أصحاب رأي في أمر ديني، أو باختصار إلى من يتوقع منهم فلاحة بما يقصده المؤلف بناء على استعداد فيهم، لقد كنت بعيدا كل البعد أن أوسم الكنعانيين واشيثا وسما مختصرا على نحو الكلدانيين والبابليين في كتاب دانيل، بل كان كل ما أعبر عنه بوضوح هو أن اعتزاز الأنباط الوطني كان السبب الرئيسي لهذا الخداع، آخذا بذلك برأي خولسون الذي يقول فيه إن ابن وحشية عزم على عمله هذا ليبين أن الأسلاف من قومه، الذين كان العرب ينظرون إليهم نظرة قوم محتقر، ربما كانوا بمعارفهم متفوقين على شعوب كثيرة من شعوب العصور القديمة. وقد زدت على ذلك قائلا: اجتمع مع هذا الاتجاه تسريب الأفكار العقلانية وإدخال التقاليد الساخرة من تقاليد المسلمين، في العقيدة الإسلامية.
وقد أفصحت بذلك بما فيه الكفاية بأن الفلاحة النبطية، كما أرى، كان الهدف منها أولا التأثير على العرب والمسلمين ليشعروا بالاحترام أمام الأنباط ومن خلال معرفة الكشوفاتالتاريخية التي يقدمها كتاب الفلاحة النبطية عن العصر البطريقي.».
«مؤلفات صغيرة kleineschriften «ص 49.
(2)
«خولسون: chwolson «آثار باقية ص. uberreste ،p.49
واحد ونحن لهم من الشاكرين، فقد عملوا معنا خيرا منذ أن حكمونا» (1). أيعقل الكلام بوجود حسد عند العرب تجاه «الأنباط» بسبب العلوم، بالذات في نهاية القرن الثالث/ التاسع ومطلع القرن الرابع/ العاشر؟ ناهيك أن ابن وحشية المسلم لا يجيز لنفسه قط أن يتكلم عن الآلهة وهو المسلم الموحد. لقد عرف ب «الصوفي» (2) الأمر الذي يعني اعترافا كامل الاحترام لشخصه. ولا أود أن أسوق أمثلة أخرى وكل ما أريده أن أذكر أخيرا أن هناك كتبا أخرى حفظت لنا ظهر ابن وحشية مترجما لها، ولو كانت عادة ابن وحشية وهدفه التعبير عن طموحاته السياسية والوطنية لأورد فيها أيضا بيانات وأمورا شبيهة.
لقد انعكس رأي vongutschmid وبعد نحو خمسة عشر عاما في جملة مقتضبة ل th.noldeke جاء فيها «لقد أثبت vongutschmid أن الفلاحة النبطية زيف من زيوف العهد العربي» (3). وهكذا بقي رأي gutschmid ساريا حتى يومنا هذا. وقد أكد noldeke متحيزا لرأي vongutschmid وجود «حملة مخفية على الإسلام في كتاب الفلاحة النبطية، بينما لا يكاد يتضح فيه، على رأي noldeke الخلاف السياسي مع الأمراء الأجانب» كما كان من اللازم أن يعتقد من ظاهرة (4) gutschmid ولقد عول، noldeke فضلا عما مضى، على عنصر الكتاب الذي يزعم أنه يحمل ميلا معاديا للإسلام، وهو في الحقيقة ليس إلا دليلا آخر على أن أصل الكتاب يرجع إلى ما قبل الإسلام. فقد ذكر: «انطلاقا من الاتجاه المعادي للإسلام، ينبغي- وإن تجاهل اتباع يشيثا أثر الشمس على النبت- تفسير وقوف قوثامي بحرارة مع الأشهر الشمسية المثبتة منذ القدم. وبهذه المناسبة تتبين لنا بوضوح محاربة السنة القمرية المحمدية، محاربتها بحق بلا شك لصالح السنة الشمسية اليوليوسية لأن الأولى غير مفيدة وبخاصة بالنسبة
(1) المصدر السابق ص 53.
(2)
ابن النديم ص 311.
(3)
nocheinigesu berdienabataisch elandwirthschaff في مجلة.445/ 1876 /29 zdmg
(4)
المصدر السابق ص 447 - 448.
للزراعة، فالأشهر في كتابنا، كما سبق وقرر gutschmid هي بلا شك أشهر سريانية- يوليوسية
…
» (1). ويعلق noldeke على ثناء ما يرتجاه قيمة الكتاب بالنسبة لعلم النبات بما يلي: «وأود هنا أن أحذر أقصى الحذر من النظر إلى رجل يختلق غير هياب على أنه عالم في النبات مجرد» (2) ولقد اشتط noldeke في تحديده هوية المزور حين مال إلى التسليم بأن المزور هو أبو طالب أحمد بن الحسين بن على بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الزيات (3) وليس ابن وحشية، والزيات هذا من عصريي ابن النديم. يؤخذ مما جاء في الكتب التى ترجمها ابن وحشية ومما جاء عند ابن النديم أن الزيات هذا كان تلميذا وراويا لابن وحشية. ويبدو أن noldeke لم يلاحظ أنه من خلال تفسيره ذلك قد عرّى نظرية vongutschmid حينما ادعي أنه اكتشف في «كتاب الفلاحة النبطية» ميولا معادية للإسلام والعرب ذلك لأن vongutschmid كان ينطلق من منطلق أن ابن وحشية عزم، أن يبين، اعتزازا بوطنيته أنه نبطي و «أن الأسلاف من قومه الذين كانوا مزدرين للغاية من قبل العرب، ربما تفوقوا بمعارفهم على الكثير من شعوب العصور القديمة» (4). فما هي إذن يا ترى الدوافع التى دعت ابن الزيات غير الكلداني إلى تزويره المزعوم؟
وقد عبر نلينو عام 1911 م عن رأيه في الكتاب قائلا: «أما الذين جاءوا بعد خولسون» «لا سيما gutschmid و، noldeke فبرهنوا بالبراهين القاطعة على أن هذا الكتاب من تأليفات الشعوبية المفرطين
…
» (5) ويتابع القول: «ومن أعجب
(1) المصدر السابق ص 448.
(2)
المصدر السابق ص 452 - 453.
(3)
(4)
انظر «مؤلفات صغيرة» م 2 ص kleineschriften 740 ل vongutschmid.
(5)
نلينو: علم الفلك، روما 1911 ص 207.
العجائب أن «كتاب الفلاحة النبطية» على المحتمل ليس تأليف ابن وحشية كما قيل في عنوان الكتاب وصدره، بل إنما هو من مختلقات أبي طالب بن الزيات (الذي نسبه إلى ابن وحشية أي إلى رجل قد مات وقت نشر التصنيف
…
) (•)(1).
ثم عقبه بروكلمان وذكر فى مؤلفه «تاريخ الآداب العربية» (2) أن noldeke كان محقّا حينما عد أبا طالب الزيات المؤلف الحقيقي ل «كتاب الفلاحة النبطية» . وكان أكثرهم تطرفا باول كراوس الذي يرى أن ابن الزيات لم يختلق العلم الكلداني فحسب بل اختلق شخص ابن وحشية أيضا (3).
ولقد قامت في العشرينات وما تلاها بعض المحاولات في رد الاعتبار لأهمية الكتاب. فكان أن اعترض كل من آيل هارد فيدمان (4) و (5) m.plessner و، (6) e.bergolt اعترضوا على رأي noldeke المنتقص للكتاب. غير أنه بقي بالنسبة لهؤلاء العلماء كما كان بالنسبة ل gutschmid بقي ابن وحشية مؤلفا، كحقيقة مسلم بها. ولقد حاول كل واحد منهم أن ينبه بطريقته إلى قيمة الكتاب من حيث المحتوى، دون أن يتخذ موقفا ما من رأي noldeke فيما إذا كان المؤلف ابن الزيات فعلا.
ف فيدمان يذكر بأهمية الكتاب بالنسبة لتاريخ التقنية بينما يؤكد» bergolt أن الكتاب لم
(1) المصدر السابق ص 208، نلينو يحيل بذلك إلى المقال المذكور لصاحبه noldeke.
(2)
بروكلمان ملحق م 1 ص 430.
(3)
كراوس، i المقدمة ص lix.
(•) هذا ما جاء في كتاب نلينو أما ترجمة ما كتبه سزكين فهو: (الذي ادعى أنه تلميذ ابن وحشية الذي توفي منذ أمد بعيد
…
). «المترجم»
(4)
zurnabataischenl andwirtschaftvon ibnwahschijain: zs 1/ 1922/ 201 - 202.
(5)
derinhaltdernaba taischenlandwirt schaft. einversuch. ibnwahsijazureha bilitierenin: zs 6/ 1928 - 29/ 27 - 56.
(6)
beitragezurgesch ichtederbotaniki morient. i. ibnwahschija: diekulturdesveil chens (vio- laodoratal.) unddiebedingunge ndesbluhensinder ruhezeit. ii. ubereinigepfroph ungen. iii. wasseranzeigende pflanzenin: berichtederdt. botanischengesel lschaft 50/ 1932/ 321 - 336.
.134 - 127 /1936 /54.94 - 87 /1934 /52
يصنفه أو يختلقه ابن وحشية بمفرده وإن ما يذكره من أنه استخدم مصادر قديمة، يستند إلى الحقيقة» (1).
أما محاولة
plessner
في إنصاف ابن وحشية فكانت بالدرجة الأولى أن تعيد إلى الأذهان أهمية «كتاب الفلاحة النبطية» بالنسبة لتاريخ العلوم الإسلامية.
هناك تقويم جديد، «للفلاحة النبطية» ، يتخطى ما سبق، يمكن له أن يؤثر على المجالات الأخرى في العلوم الطبيعية العربية، هذا التقويم أعلن عنهتوفيق فهد في مقال ألقي في مؤتمر المستشرقين السابع والعشرين الدولي والذي عقد في annarbor عا. 1967 م، ظهر هذا المقال فيما بعد في مجلة (88 - 83/ 1969 /16) arabica بعنوان. «re touraibnwahsiyya» ولم يلتفت فهد في مقاله المقتضب إلى زعم gutschmid و، noldeke بل عالج الكتاب على أنه ترجمة ابن وحشية وحدد تاريخ الأصل، كما حدده رنان من قبل، قبيل القرن السادس الميلادي.
ويرى مؤلف هذه السطور كذلك أن «كتاب الفلاحة النبطية» من القرن الخامس أو القرن السادس الميلاديين وأن هذا الكتاب وكل الكتب الأخرى التى ترجمها ابن وحشية ترجع إلى الوسط نفسه، بل وربما صنفت كلها أو جزء منها على الأقل من قبل المؤلف ذاته. فهذه الكتب كبقية الكتب المزيفة اعتمدت على مصادر قديمة.
وهي كتب ذات أهمية خاصة من الناحية التاريخية العلمية وذلك لما قدمت لنا، إلى جانب ما فيها من مواد قديمة، قدمت كذلك إنجازات ترجع إلى زمن النشأة. أما جواب السؤال عن عمر المصادر التي رجعت إليها هذه الكتب، فيتوقف على الدراسات المقبلة لهذه الكتب ذاتها، فالخطوة الأولى وهي أهم خطوة في ذلك أن يصل
(1) المصدر المذكور آنفا 50/ 1932/ 336، انظر كذلك
latradiciondelac ienciageoponica hisponoarabearch. int. d'hist. dessciences 34/ 1955/ 116 - 117.: millasvallicrosa
المرء إلى نتيجة صحيحة في زمن نشأة هذه الكتب. وأود، إلى جانب ذلك وبالنظر إلى نشأة الشعر العربي القديم، وقد عرف منه قصائد منظومة حتى في القرن الأول/ السابع، أود أن أنبه إلى أهمية حقيقة أن مصدرا من المصادر الرئيسية للفلاحة النبطية كان مصنفا في صورة قصيدة.
أما فيما يتعلق باسم المؤلف قثامي فليس مهما من ناحية تاريخ العلوم العربية أن يكون اختلق اسما من الأسماء أو أن يكون الكتاب نحل رجلا مشهورا يقال له قثامي.
والكتاب نشأ في الغالب في منطقة بلاد النهرين.
وفيما يتعلق بكتاب «الفلاحة النبطية» انظرآ. فيدمان: «فصل يتعلق بالنبات عند النويري» ، نشر مقالة تحت رقم
li
في، smpms) إرلنغن 48 - 49/ 1916 - 17/ 153، 157)، وانظر كذلك مقالة ل h.schmeller بعنوان:«مقالة في تاريخ التقنية في العصر الغابر وعند العرب»
beitragezur geschichtedertec hnikinderantikeu ndbeidenarabern
، نشرت في مجلة:
رسالة في تاريخ العلوم الطبيعية والطب.47 - 36/ 1922 /6 abh.z.gesch.d.nat.wiss.u.d.mel.
كذلك انظر توفيق فهد، مقالة نشرت في مجلة دراسات إسلامية 371 - 347/ 1970 /32 «studia islamica» بعنوان:«الفلاحة النبطية»
conduited'une exploitationagri coled'apresl
خ وانظر كذلك مقالة بعنوان «الفلاحة النبطية»
untraitedeseauxd ans (hydrogeologie، hydrauliquelaper sianelmedioeve، roma: accademianationa ledeilincei
في agricole ،hydrologie عام 1971 م ص 277 - 326، وله كذلك:
geneseetcausedes saveursd'apresl' agriculturenabat enne.
فى:
melangesletourne auin: revuedel'occiden tmusulmanetdela mediterranee
13 -
14/ 1973/ 319 - 329.
كذلك توفيق فهد materi auxpourl'histoir edel'agriculture: في العراق:
«الفلاحة النبطية في كتاب الاستشراق» م 6، 1 سنة 1977، 276 - 377. أما «كتاب النحل» الذي نشره السمرائي في المورد 70 - 65/ 1971 /2، 1 i فيقال إنه مقتطف من «كتاب الفلاحة النبطية» ولا يمثل إلا كتابا صغيرا يرجع إلى زمن يقع بعد القرن السادس/ الثاني عشر.
المخطوطات: سراي أحمد الثالث، 1989/ 1 (الأول، 213 القرن الثامن الهجري)، 1989/ 2 - 3 (الثاني، 291، القرن الثامن الهجري) 1989/ 4 (الرابع، 195، القرن الثامن الهجري)، 1989/ 5 (الخامس، 228، القرن الثامن الهجري)، 1989/ 6 (السادس، 155، القرن الثامن الهجري) 1989/ 7 (السابع، 185، القرن الثامن الهجري، انظر الفهرس م 3، 790 - 792) مكتبة جامعة اسطانبول. أ 1336 (الثاني، 71 القرن ال 8 هـ) أسعد 2490 (جزء واحد، 52) بايزيد 4064 (332، انظر o.rescher فى mo: م 7، 131)، آيا صوفيا 1526 (جزء واحد، 71، انظر فهرس المخطوطات م 4، 191)، فاتح 3612 (الأول، 305)، 3613 (الأول، 234)، نور عثمانية 2038 (332، 1120 هـ)، الحميدية 1031 (425، 1181 هـ) طرخان 269 (الثالث، 199) ولي الدين 2485، لايدن 303 or.، أ، ب و 476 (633، 872 هـ) المصدر السابق 303 or. د (مقتطف 111)، 303 ج (مقتطف 126، 1060 هـ انظر voorh.، 1281 - 1279 cco ص 83)، برلين 6205 (الثالث، 247، نحو 700 هـ)، باريس 2803 (الربع الثاني، 300، 1043 هـ انظر، (342 vajda المصدر السابق 4950 (جزء واحد، 174، القرن السادس الهجري)، المتحف البريطاني مجموعة 371 ر 22 (249، 389 هـ، فهرس ص 461، رقم 997)، أكسفورد) 340 hunt.،bodl .. الثالث، 203، 1001 هـ) المصدر السابق) 349 hunt. الرابع، 120، انظر uri ص 124 - 125، رقم 506 - 507) الفاتيكان 904 (الرابع، 253، القرن الثامن أو التاسع الهجريين، انظر dellavida ص 86)، القاهرة: كيمياء 18 (الأول، 995 هـ، فهرس، (385، 1 v الجزائر 1497 (الأول، 219، قبل 413 هـ)،
الرباط: كتاني (610، 1265 هـ، انظر فهرس المخطوطات م 4، 190) الجزائر 1497 (مجلد واحد، 219، القرن السادس الهجري)، حيدرآباد، آصفيه، الثالث، 657، فلسفة 348 (369، القرن العاشر الهجري). مختارات من:
1 -
محمد بن ابراهيم بن رقّام الأوسي (ت 715 هـ/ 1315 م، انظر br. م 2، 266 بعنوان: خلاصة الاختصار في معرفة القوى والخواص، وهبي 2238 (201، 1198 هـ) غوته 2119 (231، 1092 هـ) كمبردج، 126) 54 qq انظر براون م 1، رقم 342).
2 -
علي بن حسين بن محمد الأوذاعي (في إحدى المخطوطات الزيتوني العوفي) باريس 2942/ 4 (ق؛ 1122 patna، (62 - 21 مجهول في سراي أحمد الثالث، 1989 (183 وما بعدها kat.، م 3، 792).