الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهار لأن العدو في حصون حصينة ولأن بين الحصون والمهاجمين سهل لا يحميهم فيه شيء ولأن جبل أجا وهو حصن طبيعي قريب منهم لا يلذون به ساعة الفرار فيقدم القائد العام جلالة الملك تدريجيًا إلى مركز الدويش في ساعة لم ينتبه لها ابن طلال وجموعه. ومن العجائب عدم علمه بقدوم ابن سعود على قربة منه.
ذكر همة عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل
فنقول لما فتح الرياض والقصيم والأحساء وسطا سطوات يشيب لهولها المولود لم تقنع نفسه بما قد حصل عليه إلا بالتوسع مهما كلف الثمن فإن من كانت همته عالية لا يرضى لنفسه بالدنايا وكيف تطيب نفسه أن يشاركه في حكم نجد أحد ولله در القائل:
ومن تكن العلياء همة نفسه
…
فكل الذي يلقاه فيها محبب
إذا أنا لم أُعط المكارم حقها
…
فلا عزني خال ولا ضمني أب
خلقت عيوفا لا أرى لابن حرة
…
لدي يدا أغضي لها حين يغضب
فلست لأمر لم يكن متوقعا
…
ولست على شيء مضى أتعتب
أسير على نهج يرى الناس غيره
…
لكل امريء فيما يحاول مذهب
ولما أن كان ابن طلال معسكرا في النيصية وقد تحصن بها اجتمع ابن سعود في عصر اليوم الخامس من محرم بقواد جنوده ورؤساء قومه وشاورهم في الأمر وكيفية الهجوم ومتى يكون موعده فقرروا أن يكون الهجوم في الهزيع الثاني من الليل.
إن صاحب الجلالة قد حظي بقواد محنكين وظهر من رجاله زعماء صقلتهم التجارب من هؤلاء محمد بن هندي العتيي وقدمنا شيئًا من شجاعته ومنهم فيحان بن قاعد بن زريبا من كبار قبيلة مطير من الرخمان قتل في حرب الاحساء سنة 1333 في الطراد وقاتله على ما يقال ناصر بن سرحان من العجمان وكان مشهورًا بالشجاعة والكرم ويمتدحه الشاعر ابن سبيل بقوله:
وين أنت يااللي توصل الخط ملفاه
…
فيحان شوق اللي تنقض جعوده
عوق الخصيم وستر من تذهل غطاه
…
لاهج من عج السبايا قعوده
ولا يسند الامروي حد شلفاه
…
يمنى على نثر الدمى محموده
ويمتدحه بقصيدة أخرى من أبياتها قوله بعد تصوره ركاب عشر من المطايا العمانيات لم تشق أنيابها لقوات أسداس مشملة لم يطرقها الفحل حرائر أصل قد رعين بالحمى عامين لا تقدر قيمتها بالاثمان ثم يقول:
وإلى نطحكم واحد للميات
…
قولوا نخطرهن على بن زريبان
ردوا سلامًا بكاغد من دوات
…
على ذوي ناصر وخصوه فيحان
أهل بيوت بالقسا بينات
…
يفرح بهن اللي من بعد صلفان
أرباعهم مدهل أهل الموصفات
…
ولا شدن إلا مستردات وبدان
أهل صحون للفضائل مواتي
…
يرمي بهن أذناب حيل من الضان
ندوه بثر ندوه يجون سيحات
…
ولا يفهق إلا محتري السور شبعان
الراوية تدهن من الفارغات
…
والبيت ياكف مقدمه دثر الإيمان
ومنارة كنها نثيلة هباة
…
ونار ثناها مثل صبح إلى بان
مركي دلال نجرهن ما يباتي
…
محامسهن دايم على النار حميان
من البن يصفق به ثلاث غرازات
…
تنشف على المبراد والكيس مليان
وإن فرغ الطبخة وإلى ذيك تأتي
…
ولا مازح المجلس عليها بشفقان
ومن رجاله المحنكين فهد بن معمر أمير بريدة بعد عبد الله بن جلوي وكان قائدًا لا بأس به قتل في السنة التي قبل هذه رحمه الله من قواد ابن سعود وأمراءه عبد الله ابن جلوي وسيأتي له بقية ذكر.
ومنهم الأمير منصور اللواء صاحب السمو عبد العزيز بن مساعد بن جلوي أمير بريدة بعد ابن معمر ثم كان أميرًا في منطقة حائل وكان الأمير عبد العزيز موضع الإعجاب في الصرامة والقوة والمقدرة والسياسة والعفة والدين والأخلاق الطيبة ومنهم صاحب السمو سعود بن عبد الله بن جلوي وسيأتي له بقية ذكر.
ومن قواده صحن بن الجعباء المشهور بالشجاعة والإقدام.
ومنهم سلطان بن بجاد بن حميد.
ومنهم فيصل الدويش.
ومنهم عبد المحسن الفرم هذا ولا نطيل بذكر البقية الكرام فشهرتهم تغني عن ذكرهم ومن مشاهير شجعان العرب فيصل بن سقيان.
رجعنا إلى ما نحن بصدده فنقول: لما كان في منتصف الليل تقدم سلطان بن بجاد معه جنود الغطغط ثم تقد فيصل الدويش ومعه جنود مطير وتقدم عبد المحسن الفرم ومن معه من حرب وتقدم بن نحيث ومن معه من حرب أيضًا ثم تقدم بقية جنود أهل الهجر من قحطان وعتيبة وغيى هم فطوقوا النيصية التي قد تحصن فيها ابن طلال وجيشه طوقوها من كل الجهات وقطعوا خط الرجعة على المحاصرين.
أما صاحب الجلالة فقد ظل في مكانه ومعه الحضر وثبتوا في مركزهم الرئيسي ولما كان ميعاد الهجوم أطلقت نيران المدافع على النيصية وذلك من آخر الليل ثم هجم الأخوان هجمة واحدة وفتكوا بجنود ابن طلال وأبادوا صفوفه فالتحمت المعركة وكانت موتًا أحمر على ابن طلال وأهل حائل وفتك الأخوان بجيش ابن طلال فتكا هائلا وعمل السلاح الأبيض عمله الجبار في رقابم وكان ذلك على الرغم مما كانت قنابل العدو تأز فوق رؤسهم ففر الأمير ابن طلال ومن قدر له الفرار إلى جبل أجا ثم إلى حائل ولاذ الآخرون بحصون النيصة فعندها ركبت المدافع السعودية على المتحصنين وجعلت تضرب بقنابلها الذين تحصنوا بها حتى أبادت معظمهم وسلم البقية وهم قليل لعبد العزيز بن عبد الرحمن وكان يقول أحد الذين سلموا للسلطان عبد العزيز وهو يخاطبه بعد التسليم طبجتكم ماهرون يا مولانا فقال له السلطان لا بل كنا نضرب على النية والظلام ولكنه توفيق من الله.
ولما أن تقهقر ابن طلال إلى حائل أرسل الملك عبد العزيز إلى أهل مدينة حائل يقول سلموا فجاء التسليم منهم على شرط أن يؤمر عليهم ابن طلال وكان هذا موحى به منه لأنه كان لا يزال سائدًا بمن ثبت معه من الجند وحزب آل رشيد ولم
يكن لأهل حائل زعيم يوحد كلمتهم ويعززها فأنفد ابن طلال فيهم سهام أرادته على أن المغلوب لا يشترط الشروط.
ولما بلغنا إلى هذه الغاية فلا أن نذكر حائل هذه بحدودها: فنقول حائل كائنة بين جبلي أجا وسلمى لها سهل يتسع إلى الغرب ويضيق إلى الشمال فيفتح من الجهة الشمالية الشرقية طريقا إلى النجف ويتقلص في الجهة الشرقية وفي شطر من الجنوبية هي إذًا محاطة من جهاتها الثلاث بالجبال ولا يمكن الاستيلاء عليها من غير الجهة الغربية والشطر الجنوبي الغربي يمتد منه الطريق إلى نجد فجاء مع هذا الطريق السلطان عبد العزيز ناقلا من الجثامية بعد ما تقهقر ابن طلال إلى حائل ولما زحف صاحب الجلالة أمر بحمل الدافع والقنابل والبرود والذخيرة أمامه ثم نزل بين حائل وبين النيصية ثم قسم جيشه هناك قسمين فرقة جعلها عنده والأخرى تقدمت إلى جبل أجا فملكت مركزًا منه حصينا وهناك مركز آخر يدعى عقده غرب البلد يحسبه أهل حائل أحصن حصونهم فتقدمت الجنود وهم يضربون العربان النازلين في الجبل ضربا هائلا فيقتلون ويشتتون ويغنمون الغنائم فاستولوا في اليوم السابع على عقدة واستمروا زاحفين إلى حائل وهم يتترسون بأكياس من الرمل حتى وصلوا إلى مكان بينها وبين جبل أجا أتخذوه خطًا أولًا للدفاع وكان الهاجمون ورائهم قد أحاطوا بالمدينة من جهتها الغربية وأحاطوا إلى الجهة الجنوبية فطوق الجيش السعودي مدينة حائل من جميع الجهات وكانوا لما طوقوها شددوا الحصار عليها فجعل أهل حائل يئنون من شدة الحصار وكانوا لما طلبوا التسليم بشرط أن يكون ابن طلال هو الأمير عليهم كان الأكثر منهم متكرهين لإمارته وذلك لظلمه وطغيانه فعند ذلك أرسلوا إلى صاحب الجلالة يقولون لا تتركنا فريسة لابن طلال وكانوا على وجل شديد في ذلك الوقت من أن يضرب حائل بالمدافع فتتهدم بيوتها.
ولما أن رأى ابن طلال أن البلاد قد استهدفت للسحق والمحق وأدرك أنها لا تصل إليه الإمارة بواسطتهم وأن ابن سعود قد عزم على تنفيذ إرادته في استيلائه
على حائل كتب إلى المفوض السامي للدولة البريطانية العظمى في العراق يسأله التوسط بينه وبين ابن سعود وكان من حينما سلم الأمير عبد الله بن متعب وأخذه سعود بن عبد العزيز ورجع به إلى الرياض لأمه والده الملك وعنف عليه في كونه لم يتقدم إلى حائل فيحتلها غير أن الأمور مرهونة لأوقاتها ولقد كانت من الواجب المتحتم على أهلى حائل وأمراء حائل ألا ينازعوا ابن سعود مثلا ذلك لأن المنطقة تابعة لآل سعود وهم أهل الحق الشرعي في ملكها لأننا علمنا من التاريخ أن والد هذه الأسرة المتغلبة عليها أمير من أمراء آل سعود قد جعله الحاكم فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود أميرًا عليها مكافأة على إخلاصه له حينما أراد أن يأخذ بالثأر من قاتل أبيه ولكنه قيل والأمثال تضرب للناس.
أعلمه الرماية كل وقت
…
فلما اشتد ساعده رماني
وبما أن حكام آل سعود من لدن وفاة الإمام فيصل إلى أن تولى عبد العزيز هذا ضعفاء لم يستطيعوا أن يستردوا هذه الباعة التي غلبوا عليها ولانشغالهم بالمخالفات بينهم فإن آل رشيد تنفسوا الصعداء وتغلبوا على بلاد حائل وغيرها، وبولاية الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن أخذ ظلهم يتقلص حتى انحصروا في مدينة حائل.
ومن الغرائب التي تذكر أن الأمير عبد الله بن متعب الذي سلم نفسه لابن سعود خوفًا من محمد بن طلال، كان قد أرسل محمد المواجهة لوضع البائس في الشمال حيث كان الجوف في خطر الاحتلال من قبل نوري الشعلان، فأطلق محمد بن طلال من السجن ليقود جيشًا لإنقاذها ولدى عودة ابن طلال إلى حائل دبر ثورة ضد ابن متعب ففر هذا الضعيف إلى ابن سعود والتجاء اليه حيث عاش ضيفًا مكرمًا إلى أن وافته المنية بعد ذلك بسبع وعشرين سنة.
ولما هيأ ابن سعود مدافعه لضرب مدينة حائل وقصفها بالقنابل طلب منه بعض عقلاء المواطنين البارزين، ومنهم الزعيم إبراهيم بن سالم بن سبهان أن يتريث عن القصف حتى يتمكنوا من وضع الترتيبات لتسليم المدينة.
وبما أن المفوض السامي في العراق قد ألح عليه ابن طلال فإنه كان يقول -أعني
السربرسي كوكس- أني قد عرضت الوساطة على ابن سعود غير أنه رفض ذلك، وقد بذل الأمير محمد بن طلال جهودًا جبارة لدى السلطات البريطانية والملك فيصل بن الحسين الشريف فلم يفلح وكان من حينما سلم الأمير عبد الله بن متعب وتولى الإمارة هو تابع الكتب إلى السربرسي كوكس يطلب منه أن يتوسط بينه وبين ابن سعودن فجعلت الأنباء تأتي من عند السربرسي كوكس إلى جلالة الملك عبد العزيز فأبى أن يقبل شيئًا إلا التسليم أو بضرب حائل.
فلما دنت مدة الحصار من الشهر الثالث كتب السلطان عبد العزيز إلى أصدقاه في حائل وقال في كتابه قد طال الحصار وأقبل الشتاء فليعذرنا الأهالي إذا أنذرناهم لهم ثلاثة أيام ليسلموا المدينة وعائلة آل رشيد فإذا تم ذلك ولم يمتثلوا فإنا إلى غرضنا مسرعون، سنمطرهم نارًا ورصاصًا فليستعدوا للموت، فجاء الجواب أن الأهالي ينفضون أيديهم من ابن طلال وبيت آل رشيد، وسيسلمون الحصون المحوطة بالبلاد لسراياه إذا جائتهم، فعد ذلك بعث الملك عبد العزيز ألفي مقاتل لتنفيذ الخطة المرسومة، وما كان إلَّا أن فتحت لهم الحصون الخارجية المشرفة على حائل، ثم أمن الناس على أرواحهم وأموالهم فخرجوا إليه أفواجًا شاكرين له ويستبشرون، أما ابن طلال فإنه لما رأى الأمر قاب قوسين أو أدنى وأن يديه تفلتتا من جميع العلاقات تحصن وحاشيته في القصر وشوهد منه اقدام وبسالة عجيبة لأنه كان فارسًا شجاعًا غير أنه أتاه أمر من حيث لا يحتسب فبعث إليه السلطان يدعوه أن يستسلم ويؤمنه على حياته وهذا كعادة الجلالة والرحمة، فلم ير ابن طلال بدًا من أن يسلم فسلم لجلالة الملك ابن سعود وذلك في 29 من صفر.
وكانت مدة الحصار من حين ما وصل عبد العزيز بن سعود إلى حائل إلى التسليم خمسة وخمسين يومًا أما بداية الحرب فلها أكثر من سنة قبل ذلك، فسبحان من بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
ذكر معاملة ابن سعود لأهل حائل ورأفته بهم لما انقطعت القوافل من الكويت والعراق وغيرها عن بلدة حائل وشمل أهلها الضيق والجوع والمشاغب لشدة الحصار،
وكان حقها التنكيل بأهلها وشدة الوطأة عليهم لمقاومتهم ومعاداتهم ومنابذتهم عشرين سنة في حرب وخيانة وأمور لا تنبغي ولا تليق يعاهدون ويغدرون وتحت راية كل أمير لهم يقاتلون ما كانت إساءتهم ومعاداتهم لتمنع عنهم عفو بن سعود وتحرمهم رأفته فما قتل مجرمًا ولا نهب مالًا ولم يبح المدينة كعادة كل أمير فاتح مسلط بل دخلها وقد شمل أهلها الضيق والحرج ففرق عليهم المؤن والأرزاق لعلمه بما هم فيه من الحاجة وشدة المؤنة وجاءهم بالثياب والمال فقسمها بينهم وأجزل للناس العطاء ووزع ألوفًا من أكياس الأرز وألوفًا من الثياب حتى قال أحد الذين سلموا لمن يخبره: كنا ليلة الحصار الأخيرة على آخر رمق شبح المجاعة والموت فأمسينا ليلة التسليم الأولى كلنا شباع مكتسون مطمئنون، ثم بعد ذلك شاورهم الفاتح فيمن يكون عليهم أميرًا ومن يريدون أن يؤمروه عليهم، فأجابوا قائلين واحد من آل سعود أو كبار رجالك، فقال الفاتح لست من رأيكم فقد كنا وإياكم قومًا أعداء مدة طويلة فلا يجوز أن نحكمكم الآن مباشرة وأنا أعرفكم يا أهل حائل أنكم أهل قيل وقال وأصحاب فتن ولكني لا أخشى أن أؤمر عليكم واحدًا منكم وأني أريد أن أحافظ على كرامتكم، هذا إبراهيم السبهان فهو منكم ورجل عاقل جعلته أميرًا عليكم وأني واثق بالله وعادته معي جميلة فهو سبحانه وتعالى ينصفني ممن يغدر أو يخون.
أما إبراهيم بن سبهان فهو الذي مهد السبيل لتسليم الحصون واتفق وابن سعود على ذلك فأمره بعد ذلك على حائل وما قال الشيخ عبد الرحمن بن سلمان بن ملق هذه القصيدة يعلن بها المودة ويمتدح الملك عبد العزيز:
يا صاح قم فاستمع إن كنت يقظانا
…
ولا تكن عند داع الخير وسنانا
انظر أمورًا وأحوالًا تدور بنا
…
ما كنت تأملها لو كنت يقظانًا
انظر لشمس الهدى قد أشرقت وصحت
…
من بعد ما غربت في الأفق أزمانًا
سادت بنا قادة يا صاح ما عدلت
…
صمًا عن الخير والمعروف عميانًا
الحمد لله لم يبقَ لهم أثر
…
فينا بمجد أمام الخير من جانا
من جاءنا بجنود الله يقدمها
…
كاليث عند اللقا تلقاه غر ثانا
من كان كهفًا لأهل الخير أجمهعم
…
من كان عن سمت أهل الجور عريانا
من كان برًا بأيتام وأرملة
…
قد كان يوليهمو فضلًا وإحسانا
من كان في طاعة الرحمن مجتهدًا
…
وكان فيها قرير العين جذلانا
من كان في نصرة التوحيد ذا جلد
…
وقمع أهل الردى والظلم مشتانا
فالحمد لله زال الظلم أجمعه
…
بعدله أصبح الملهوف جذلانا
وأشرقت حائل بالعدل وافتخرت
…
والجور زال سريعًا بعد أن كان
إلى أن قال:
بشراك يا بلدة حل الإمام بها
…
بشراك بشراك عصر العدل قد آنا
هذا الإمام الذي نجد به افتخرت
…
وشاد فيها لأهل الدين أركانا
أضحى بها الدين في عز وفي دعة
…
وصاحب الشر أضحى اليوم حزنانا
ثم هنأه بهذا الفتح وقال:
فالشكر منا جميعًا والخصوص لكم
…
إن كان فينا ولي الأمر أولانا
يا ابن الأماجد يا من فاق في كرم
…
أجواد طي ومن يدعى بن جدعانا
أنت الإمام الذي دين مودته
…
ونصحه هكذا الوغاض أشقانا
أرخ الستور على ما كان من زلل
…
لا زلت كهفًا لأهل الدين معوانا
هذا وختم نظامي بالصلاة على
…
محمد المصطفى من نسل عدنانا
وآله والصحاب الكائنين له
…
على المحجة أنصارًا وأعوانا
وقال سالم بن سالم بن صالح آل بنيان هذه القصيدة تهنئة للفاتح ومدحًا له بما من الله عليه به من فتح حائل:
بدأت بحمد الله مبيدي الفضائل
…
فليس سوى المولى باراج وسائل
ولله آلاء علينا كثيرة
…
وأنعامه تترى بكل الفواضل
فكم ظلم جلى وكم فتن وقى
…
وكم كف عنا معضلات النوازل
فلله رب الحمد والشكر والثنا
…
يقصر عن إدراكه كل فاضل
على نصر أعلام الشريعة والهدى
…
وإعزاز دين الله بعد التضاؤل
لك الحمد مولانا على نصر حزبنا
…
على كل طاغ في البلاد وخاتل
لك الحمد ما هب النسيم من الصبا
…
وما أنهل ودق المعصرات الهواطل
على الفتح والنصر الذي كان فاعتلى
…
فقرت به والله عين لآمل
فمن مبلغ عني الإمام هدية
…
إماما لأهل العصر بحر الفضائل
إمام الهدى عبد العزيز أخا التقى
…
إمام هز برا ما له من مماثل
ليهنك هذا الفتح والعز والهنا
…
ونيل المنى في كل مصر وحائل
فسر به أهل التقى وذود الهدى
…
وغاض لعمري كل فدم وجاهل
ملكت ديار القوم أقطار حائل
…
فنلت فخرا لم يكن للأوائل
فلا زلت فينا واطا هامة العدى
…
ولا زلت محفوظا شرور النوازل
ولا زلت منصور اللواء مؤيدا
…
على كل باغ من رفيع وخامل
ويا أيها الوالي الذي شاع فضله
…
وحاز الثنا من بيت تلك القبائل
عليك بتقوى الله والحلم والوفا
…
وإكرام أهل العلم أهل الفضائل
وشكرا لمولاك الذي عز قدره
…
فلله رب الحمد معطي الجزائل
فلا زلت بالأسعاف والنصر مسعدا
…
على خير مطلوب ونيل الفضائل
ولا زلت للإسلام والدين معقلا
…
ووفقت للخير يا ابن الأفاضل
ولا زلت للإخوان والدين ناصرا
…
وحصنا حصينا من شرور الأسافل
فدونك من نظمي الذي أنت سامع
…
فسامح قصورا إن رأيت لقائل
وكل امرئ يهدي على قدر وسعه
…
وهذا الذي نهدي إلى خير فاضل
وختمي صلاة الله ثم سلامه
…
على السيد المعصوم بدر الفضائل
محمد المختار والصحب بعده
…
كذا الآل والأتباع زين المحافل
وقال الشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين شاعر نجد الكبير مهنئًا الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بما منّ الله به عليه من فتح حائل قال في معرض قصيدة له:
فلولا التقى والصفح عنكم لاصبحت
…
منازلكم يشتو بها الربد والعفر
وإلا ففيها قد جرى أهل حائل
…
عليكم لكم من غيكم والهوى غجر
وقدما أقام المسلمين دعاكم
…
إلى رشدكم لكن باذانكم وقر
هو الملك الوهاب والضيم الذي
…
له العزمات الشيم والفتكة البكر
هو الملك السامي الذي سطواته
…
تبيح حمى من كان في خده صغر
بجيش يغيب الشمس عثير خيله
…
ويحمده بعد القا الذئب والنسر
كان اشتغال البيض في جنباته
…
سنا البرق والرعد الهماهم والزجر
وصادق عزم أن طما ليل فتنة
…
تبلج حفد في حفادسها فجر
ثم أطال إلى أن قال منذرًا للحسين الشريف:
فقل لحسين دام في القوس منزع
…
ألا ترعوي من قبل أن يقصم الظهر
زجرت طيور النحس تحسب أنها
…
سعود فلا طرق إفساد ولا زجر
أماني مخدوع يعلل نفسه
…
ومن دون هاتيك المني المشرب المر
وضرب كأن أفواه المخاض مجاجة
…
دم تمت به البيض والذته السمر
ترقب لها ملمومة تملا الفضا
…
يسوق إليك الوحش من لغطها الذر
تظل عليها سغب الطير عكفا
…
معودة أن القبيل لها جزر
يدبرها عزما ودراى ومنفصلا
…
مدير رحاها لا كهام ولا غمر
إمام الهدى عبد العزيز الذي رنت
…
إليه المعاني قبل أن تكمل العشر
أتانا به الله الكريم بلطفه
…
على حين ماج الناس واسفحل الشر
وشعبت الأهواء دين محمد
…
ولم يك نهي عن فساد ولا أمر
وولي أمور الناس من لا يسوسهم
…
بشرع وخاف الفاجر المؤمن البر
فاسفر صبح المسلمين وأشرقت
…
بطلعته أنواره وانتى العسر
إلى آخرها وهي طويلة جميلة.
وقال أيضًا قصيدة في ذلك وهي هذه:
منال العلي إلا عليك محرم
…
وكل مديح في سواك يذمم
ولا مجد إِلا قد حويت لجلة
…
ولا فضل إلا أنت فيه المقدم
ومن يعتقد غير الذي جاء نصه
…
لكم في كتاب الله لا شك يأثم
الستم أقمتم ميل نهج محمد
…
وقد كاد يعفو أو يبيد ويهرم
سيأتي قتيل الطف في الحشر شاهدا
…
بهذا وحجر والمقام وزمزم
غداة كسوتم كعبة الله واعتلى
…
بابطحها الدين القويم المعظم
ولم يبق فيها قبة أو ذريعة
…
إلى الشرك ألا وهي تمحى وتهدم
معال متى تذكر تصاغر عندها
…
معالي ملوك أخروا أو تقدموا
فلا مجد إلا خشية الله والتقى
…
ولا فخر إلا الشرع فيه المقدم
ليهنك يا عبد العزيز بن فيصل
…
مغانم تدعي وهي في الأجر مغنم
إذا شق أمر المسلمين مضلل
…
فأنت له الموت الزؤام المحتم
دلفت له قبل الشروق بفيلق
…
إحم الرحى فيه المنايا تقسم
فأسقيتهم سما زعافا يشوبه
…
بأفواههم بالموت صاب وعلقم
تظل به غرث السباع نواهلا
…
وعقبانه منها وقوع وحوم
كما قد جرى يوما على أهل حائل
…
وقد صرفوا عن منهج الرشد أو عموا
وظنوا بأن الدار كالاسم حائل
…
نفور عن الإزاج جداء معرم
فانكحتها حم الرماح فأصبحت
…
كشافًا بعيد الحمل بالشر تلتئم
فكم كاعب حسناء تلطم وجهها
…
وأخرى تشق الجيب بالثكل أيم
وكم نصحوا لو كان للنصح موضع
…
وكم عدل لو كان فيهم محلم
ولكن أبوا إلَّا شقاق لم يكن
…
لهم وزر إلَّا حسام ولهذم
وقال زعيم القوم لا بل شقيهم
…
ابن طلال أرسلوا فهو أحزم
فلما أتاهم زادهم مع خبالهم
…
خبالًا وعقبى ما أتوه التندم
وظنوا بأن الله يخلف وعده
…
وهيهات وعد الصادق الوعد أحكم
وقد قال جندي غالب لا محالة
…
بذاك قضائي في البرية مبرم
أطل عليهم واحد في كماله
…
ولكنه في الباس جيش عرمرم
بفتيان صدق في اللقاء أعزة
…
لهم نسب ما شابه قط أعجم
على ضمر بين الوجيه ولاحق
…
تعارض ما أبقي الجديل وشدقم
أولائك بنو الإسلام حي هلابهم
…
وأكرم بهم أكرم بهم حيث يمموا
هم عرفوا حق الإله ورسله
…
وحق ولاة المسلمين وعظموا
رأو أنه لا دين إلا بطاعة
…
لمن هو بالدين الحنيفي قيم
وذاك أمير المؤمنين بن فيصل
…
أمام الهدى للمكرمات متمم
فلما رأو حزب الإله يقوده
…
إليهم ربيط الجأش في الهول مقدم
تولوا سراعا والسيوف شوارع
…
بأكتافهم والسمهري تحطم
ومن قد نجا منهم إذا سمع الندا
…
يراع وبالأموات في الليل يحلم
إليك إمام المسلمين تواهقت
…
بها ضمر تطوي المهامة عليهم
إلى أن قال:
فحبكم عند المهيمن قربة
…
ونصحكم فرض علينا محتم
ومن لا يراه فهو إما مغفل
…
وإما على تكذيبه الوحي مقدم
وما إنس لا إنس بن سلطان فيصلا
…
له ما بقي مني الثناء المنمنم
أخ الحرب إن عاضت به الحرب لم يكن
…
جزوعًا ولا من مسها يتألم
وزير إمام المسلمين للذين له
…
نشاهد فيها معطس الفسق يرغم
إذا ناكث أو ماذق مرقت به
…
عن الدين نفس للشقاوة ترام
سما مشمعلا فيصل نحو داره
…
يخوض بحارًا بعض خلجانها دم
بأمر إمام المسلمين ورأيه
…
ولا عز إلا بالإمامة يعصم
وإخوانه في الله لا تنس فضلهم
…
هم نصرة الإسلام والله يعلم
قبائل فيها من رجال عتيبة
…
أسودًا إذا حمي الوطيس تقحم
يسومون في الهيجا نفوسًا عزيزة
…
ولكنها بالقتل في الله تكرم
وفي الحرب من حرب ليوث ضراغم
…
أشدا على الباغين في الله رحم
إلى آخرها وهي حسنة جميلة.
وقال الشيخ عثمان بن أحمد بن بشر تهنئة للإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل لما فتح الله على يديه بلدة حايل وولاه الله شوكتهم، وفي هذه أبيات متكسرة فأقمنا ما تكسر من أبياتها بدون تصرف وحذفنا بعض أبياتها للمصلحة.
لك الحمد اللهم ياذا الفضائل
…
عل كل حال في الضحى والأصائل
لك الحمد حمدًا يملأ الكون كله
…
بعد هتون المدجنات الهواطل
فلله ربي الحمد والشكر والثنا
…
على نعم تترى بعد الجنادل
فقد جاءت البشرى بعلم يسرنا
…
ويخزى ذوي الأضغان أهل الغوائل
فبشرنا أن الإمام قد احتوى
…
وولاه رب الناس شوكة حائل
ومن قبل في الرؤيا رأيت بشارة
…
كان الإمام فاتح سور حائل
لأنهم قوم عن الحق قد أبوا
…
وولوا سفيهًا أمرهم غير عاقل
فلم يفلح المأفون بل خاب سعيه
…
فمذ قتل الإخوان أهل الفضائل
على غير جرم غير توحيد ربنا
…
فما الله عما يعملون بغافل
جزاه الإله الحق ما يستحقه
…
وباء من المولى بخزي الأوائل
وأتباعه من كل قدم وجاهل
…
يعمهم ربي بشر العواضل
وأطال ثم أنه أتى على العدو الآخر فقال:
حسين الذي قد بان للناس شره
…
فلم يختفي إلا على كل جاهل
فيا ربنا احشره ومن قد أحبه
…
مع آل فرعون بشر المنازل
فإنك يا ربي على الكل قادر
…
وأمرك غلاب لكل مماطل
فلم يفلحوا والحمد لله بل أتى
…
عليهم عقاب عاجل غير آجل
وأخرجهم للموت من لا أفادهم
…
وهرب مخذولًا على غير طائل
فخمس مئين عدة القتل فيهم
…
بنصية تدعى قريبًا لحائل
فاضحوا ركامًا في البقاع تزورهم
…
سباع الفلا والطير خمص الحواصل
على يد مأمون السريرة من غدا
…
حميد السجايا ما له من مماثل
وأعنى به عبد العزيز أخا الندى
…
وغيث اليتامى عصمته للأرامل
إمامًا همامنا المعيا مهذبًا
…
يحامي على دين الهدى بالبواسل
وإخوان صدق من ذوي اللباس في اللقا
…
يريدون عند الله أعلى المنازل
حماهم إله العرش من كل بدعة
…
ووفقهم للصالحات الكوامل
والفهم ربي على الحق والهدى
…
يذودون عن ذا الدين كل مماطل
وأحيا لنا أشياخنا أنجم الدجى
…
لإرشاد حيران وتعليم جاهل
إلى أن قال:
فيا راكبًا من فوق قوادا ضامر
…
صبورًا على الشدات يبغي لحائل
تحمل هداك الله مني تحية
…
إلى المك الضرغام زاكي الشمائل
وسلم على نسل الكرام وقل له
…
هنيئًا لك الإقبال يابن الأفاضل
هنيئًا لك النصر الذي شاع ذكره
…
بكل النواحي عند كل القبائل
فقد تمت النعما فقابل بشكرها
…
لمولاك من يعطي الجزيل لسائل
وعامله بالإنصاف فيمن وليته
…
وكن تابعًا للشرع في كل نازل
إلى آخرها وهي طويلة تضمنت المديح والدعاء للمشائخ الكرام والعلماء العظام وقد أكثر الشعراء من القصيد والمديح لصاحب الجلالة تهنئة له ودعاء له بالتسديد، وقال أيضًا الشيخ عثمان بن أحمد هذه القصيدة في فتح حائل وقد أقمنا بعض ما تكسر منها.
وقول شاعرنا رحمه الله ولاه الله برزان المراد به قصر آل رشيد الذي يسكنه الحاكم فيهم، وكان قصرًا منيعًا فسيحًا كثير الغرف محكم البناء، وقد أقيم من طين وحيطانه ضخمة في وسط البلد، ولا تزال أثاره أطلالًا موجودة إلى الآن يسكنها البوم، ثم أنه استطرد الشاعر حتى أخذ يدعوا للفاتح ويمتدح أصحابه وشيعته بقوله:
حماه إله العرش من كل محنة
…
وبواه في الخلد أسنى المفاخر
وإخواننا أهل المودة والصفا
…
حماهم إله العرش من كيد فاجر
وليس لهم قصد سوى نصرة الهدى
…
يذودون عن دين الهدى كل ماكر
فيا أيها الغادي على ظهر جلعد
…
عرند سنة من طيب العيس ضامر
إلى الملك السامي إلى منهج العلى
…
له همة فوق النجوم الزواهر
فأبلغه تسليمًا كثيرًا وقل له
…
محبكموا يدعو لكم بالسرائر
ويمتر فيما نالكم من مسرة
…
ويشكر ربًا عالمًا بالضمائر
هنيئًا لكم ذا الفتح يا أهل ودنا
…
هنيئًا لأصحاب النهى والبصائر
فهذا هو الفتح الذي شاع ذكره
…
بكل النواحي بين بدو وحاضر
وهذا هو الفتح الذي منه زلزلت
…
اربًا وبلدان الغوات الكوافر
فأصبح مسرورًا به كل مسلم
…
وأصبح مغموضًا به كل فاجر
وإنا لنرجو فتح مكة بعده
…
بحول إلهٍ للخلائق قاهر
الخ وهي طويلة نضرب عنها للاختصار.
ولما أن سلم آل رشيد نقلوا إلى الرياض؛ وكان محمد بن طلال بن نائف آخر الذين سلموا من أهل حائل وقد نقل من جملة الذين نقلوا، ونذكر عنه قصة رأيتها في تاريخ الريحاني: وذلك بأنه خرج مرة من بيت في الرياض بالليل وهو مختف في ثوب امرأة فلما رآه أحد رجال السلطان قبض عليه وجاء به إلى السلطان فأمر بنقله إلى القصر واسر مدة طويلة ثم أطلق سراحه، فلما جلس جلالة الملك عبد العزيز مرة في المجلس العالي بالقصر على الديوان كان عصا الشوحط بيده وإلى يمينه ويساره رجال بيت الرشيد وعلى الدواوين والكراسي خمسون ونيف من وجهاء الرياض وعلمائها، فأمر العبيد أن يدخلوا المجلس ومعهم ابن طلال، فأجلسه السلطان إلى يمينه ثم قال: اعلموا يا آل رشيد أنكم عندي مثل أولادي وأنتم في الرياض تعيشون كما أعيش أنا وأولادي لا أقل ولا أكثر، ثيابكم مثل ثيابنا وطعامكم مثل طعامنا، وشرابكم مثل شرابنا، وخيلكم مثل خيلنا وأحسن، وليس في القصر أو في البلاد شيء تحت يدي تريدونه إلا وهو حاصل لكم، وهل منكم من يشك في ذلك فتكلموا، فلم ينطق منهم أحد، ثم قال خطابًا لمحمد بن طلال: يا محمد إنه ما جر عليك الأسر غير نفسك، غير عملك السيء، كن عاقلًا حكيمًا ولا تعر أذنك النساء إني عالم بما تعمل وبما تقول فاعقل لصالح نفسك وتجنب الطرق التي فيها القيل والقال، والتي تؤدي إلى الفتن كن صادقًا مخلصًا، تكرم كل الإكرام