الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرًا لكوني كبير القناصل سنًا تقدم بالنيابة عن نفسي وبالوكالة عن رفاقي بتقديم تهنئتنا لعظمتكم بدخولكم جدة في هذه الطريقة السلمية التي حقنت بها الدماء ونتمنى لعظمتكم التوفيق الدائم والسعادة، فأجابه السلطان قائلًا أنه لم يبطئ في الأعمال الحربية ألا لهذه النتائج السلمية، ثم شكر للمعتمد البريطاني مسعاه وأعرب للقناصل عن سروره بما كان من موقفهم في الانقلاب الأخير فتم سلمًا كما تمناه، ثم أقام بقية يومه في الكندرة ودخل جدة في صباح الخميس الموافق 8 من الشهر المذكور ونزل في دار الوجيه العالم الشيخ "محمَّد نصيف" وهرع له الأهلون أفواجًا أفواجًا لمقابلته وألقت الخطباء أمامه الخطب والأناشيد، وكان ما بين يوم إشرافه على الرغامة للحرب ويوم دخولها تحت رعايته سنة واحدة كاملة، ثم إنه باشر العمل بعد ذلك في إعادة اليسر والطمأنينة إلى الحجاز، وفاه عظمته عن رأيه نحو البلاد ودعى الناس إلى الوئام، ثم نشر هذا المنشور.
بسم الله الرحمن الرحيم
"
بلاغ عام
"
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل السعود إلى إخواننا أهل الحجاز سلمهم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فإني أحمد الله إليكم وحده الذي صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأهنئكم وأهني نفسي بما من الله به علينا وعليكم من هذا الفتح الذي أزال الله به الشر وحقن دماء المسلمين وحفظ أموالهم وأرجو من الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويجعلنا وإياكم من أنصار دينه ومتبعي هداه.
إخواني تفهمون أني بذلت جهدي وما تحت يدي في تخليص الحجاز لراحة أهله وأمن الوافدين إليه طاعة لأمر الله قال جل من قائل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 126]، وقال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، ولقد كان من فضل الله علينا وعلى الناس أن ساد السكون والأمن في الحجاز من أقصاه إلى أقصاه بعد هذه المدة الطويلة التي ذاق الناس فيها ضر الحياة وأتعابها ولما منَّ الله بما منَّ من الفتح السلمي الذي كنا ننتظره ونتوخاه أعلنت العفو العام عن جميع الجرائم السياسية في البلاد، وأما الجرائم الأخرى فقد أحلت أمرها للقضاء الشرعي لينظر بما تقتضيه المصلحة الشرعية في العفو، وإني أبشركم بحول الله وقوته أن بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة، وإنني إن شاء الله تعالى سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة ويجلب الراحة والاطمئنان لها، لقد مضى يوم القول ووصلنا إلى يوم البدء في العمل فأوصيكم ونفسي بتقوى الله واتباع مرضاته والحث على طاعته فإنه من تمسك بالله كفاه ومن عاداه والعياذ بالله باء بالخيبة والخذلان، إن لكم علينا حقوقًا، ولنا عليكم حقوق، فمن حقوقكم علينا النصح لكم في الباطن والظاهر واحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم إلا بحق الشريعة، وحقنا عليكم المناصحة، والمسلم مرآة أخيه، فمن رأى منكم منكرًا في أمر دينه ودنياه فليناصحنا فيه، فإن كان في الدين فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان في أمر الدنيا فالعدل مبذول إن شاء الله للجميع على السواء.
إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة، وإني أحذر الجميع من نزغات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار فإني لا أراعي في هذا الباب صغيرًا ولا كبيرًا وليحذر كل إنسان أن تكون العبرة فيه لغيره، هذا ما يتعلق بأمر اليوم الحاضر، وأما مستقبل البلد فلا بد لتقريره في مؤتمر يشترك المسلمون فينا فيه مع أهل الحجاز لينظروا في مستقبل الحجاز ومصالحها، وإني أسأل الله أن يعيننا جميعًا ويوفقنا لما فيه الخير والسداد، وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
تحريرًا بجدة في 8 جمادى الثانية سنة 1344 هـ
عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود
لقد دعا جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن لتقرير مصير الحجاز العالم
الإِسلامي، وكررها مرارًا ثم عززها في 10 ربيع الثاني من هذه السنة بكتاب خاص أرسله إلى الحكومات والشعوب الإِسلامية فكانت صرخة في واد لم يلبها أحد غير فريق من مسلمي الهند وجمعية الخلافة هناك، ولكن أولئك يريدون للحجاز مالا يريده أهله ولا يوافق عليه الحجازيون فما كان هذا الرأي مقبولًا لدى الشريفيين ولا السعوديين، بل الحجاز للحجازين هي كلمة الجميع.
ولما أن أحب أهل الحجاز ابن سعود ووجدوا لديه أسمى الأخلاق وأكملها وذاقوا حلاوة الحرية كان يقض مضاجعهم ما يسمعونه من نشراته للعالم الإِسلامي يدعوهم إلى عقد مؤتمر يقرر مصير الحجاز لذلك قام الأعيان من أهالي جدة ورؤسائها وذهبوا إلى مكة المكرمة فاتفقوا بأعيانها ورؤسائها وجرت مفاوضة اتفقوا في آخرها على بيعة ابن سعود بأن يكون ملكًا على الحجاز لكلماته الخالدة وهي: أنا منكم وأنتم مني، أنا بذمتكم وأنتم بذمتي، وقوله:"إن أهل مكة أدرى بشعابها" فأنتم أعلم ببلادكم من البعيدين عنه وما أرى لكم أحسن من أن تلقى مسؤوليات الأعمال على عواتقكم، وخافوا من أحكام المعاهدة التي بينه وبين بريطانيا أن تمس بالحجاز وهم يريدون استقلاله عن الإنكليز، وبعدما اتفقوا بالسلطان أعربوا له عن ما تكنه ضمائرهم فقرر بأن يكون ملكًا على الحجاز وسلطان على نجد وملحقاتها، فأذاع ابن سعود ذلك وبعثه بلاغًا رسميًا ذكر فيه ما معناه بأنه قد بلغ القاصي والداني ما كان من أمر الحسين وأولاده الأمر الذي اضطرنا إلى امتشاق الحسام دفاعًا عن أرواحنا وأوطاننا ودفاعًا عن حرمات الله ومحارمه، وبعدما بذلت النفس والنفيس في هذا السبيل يسر الله فتح البلاد واستتب الأمن فيها، وبعدما أذعت غير مرة للحكوم الإِسلامية ونشرت كتابًا في سائر صحف العالم ومضى مدة لم أتلق جوابًا من أحد جاءني أهل الحجاز جماعات ووحدانا يطلبون مني أن أمنحهم حريتهم التي وعدتهم بها في تقرير مصيرهم فلم يسعني أمام طلباتهم المتكررة إلا أن أمنحهم هذه الحرية ليقرروا في شأن بلادهم ما يشتهون بعد ما ظهر من العالم الإِسلامي هذا الصد والأعراض وأمضى عليه.
مؤرخًا في 22 جمادى الثانية من هذه السنة