الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرغوا من صلاة الفجر إلى ساحة البلاد وصفوا صفوفًا لا يتخلون عن مكانهم إلا أن تقام صلاة فريضة فيذهبون لأدائها ويرجعون مسارعين، ولقد شاهدت ذلك الاستقبال في حال صغر سني فما رأيت استقبالًا أعظم ولا أبهى ولا أهيب منه وما زالوا على تلك الحال المرهبة حتى قدم إلى بريدة بعد غروب الشمس على سيارته وقد أعد لها كراج في وسط البلد وقام الأهالي يرحبون ويقدمون له كل غال وثمين وقد جلس في صباح تلك الليلة في ظرف ثلاث ساعات بأربعة عشر بيتًا من بيوت أهالي بريدة يتناول القهوة العربية وبعد ذلك عزل وولى ونفذ تدابير واحتاط للأمر وجعل على إمارة بريدة "مشاري بن جلوي" وكان فاتكًا شجاعًا مهابًا يقول ويفعل ويبطش بطشًا عظيمًا فهابه جميع أهالي مقاطعة القصيم وذلك لجرأته وفتكه ولأن تلك المقاطعة على مقربة من البغاة وأحضر ابن سعود فيها السلاح والذخيرة وأذاع للأمة بأنها سكة جديدة للتعامل في النقود، وبذل للبغاة النقود والكسوة والعطايا الجمة ونفذ رغباتهم في الطلب، حتى أن عبد العزيز بن فيصل الدويش جعل يطلب من جلالته بطلبات "من الطيب وعود الند" ونحو ذلك مما لا يعرف وزنه ولا كيله فمنها أنه طلب قنطارًا من العود الند وثلاث مصفحات "تنك" من العطر فتكلم أحد خزان جلالة الملك على الفور مخاطبًا للملك بأن الأمير إنما أراد رطلًا من العود وثلاثين تولة من العطر فأجاب الجلف نعم يا عبد العزيز هو كما قال لأنه لا يفرق بين المذكورات، وأخذوا تلك الجوائز وانصرفوا شاتمين ناقمين.
وفاة الأمير عبد الرحمن الفيصل
وكانت وفاته يوم الجمعة 13/ 12 من هذه السنة وهذه ترجمته:
هو الإمام الهمام العاهل المقدام سلالة الأفاضل الكرام ذو الرأي السديد والدين والكرم والعلم والفضل عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد سعود والد جلالة الملك عبد العزيز، وعبد الرحمن هذا أصغر أنجال الإمام فيصل تأمر على الرياض في وقت فتن ومحن بين آل سعود، ولما أن بزغ نجم آل رشيد
وجرت واقعة المليداء وتمكن ابن رشيد أخذ المترجم أولاده وأهله وذهب إلى الكويت فاستقر بها بعد شد ورحيل في الصحراء، ثم لما أظهر الله نجله عبد العزيز موضع الإكرام والاحترام فيها لما قام بذلك النجل من البر والصلة والاحتشام فعاش بخير ومرجعًا لنجله في المشورة بعدما تنازل له نجله عن الملك ليكون هو الحاكم في نجد فأبى واختار أن يكون والدًا حنونًا يكرم العلماء ويوقرهم ويقربهم وكان عفيفًا كريمًا غيورًا شجاعًا قويًا وكهفًا منيعًا لأهل الدين وقد أسلفنا شيئًا من ترجمته وكان يربي أنجاله ويهذب أخلاقهم ويعلمهم العلوم الدينية ويحرص على تقدمهم وها قد حصلوا على ما كان يطلب، وقد امتدحه الشعراء بالقصيد وأثنوا عليه فمن ذلك ما قاله الشيخ سليمان بن سحمان رحمة الله عليه تهنئة له بالنصر على ابن متعب لما انتهز فرصة غياب صاحب الجلالة فسطى العدو على الرياض وثار عليه أهل الرياض بقيادة الإمام عبد الرحمن وهي هذه:
فيا نجل سادات الملوك ذوي التقى
…
ومن فاق في جود أطيد وفي مجد
عليك بشكر الله والحمد والثنا
…
وإظهار دين الله جهرًا على عمد
ملكت فأسجح وأبذل العفو والندى
…
فبالعدل تنجو في غد نائل القصد
لقد كنت يا شمس البلاد مسددًا
…
ورأيك محمود وعقباك للحمد
فلا زلت وطاء على هامة العداء
…
لك النقض والإبرام في الحل والعقد
ولا زلت مسرور الفؤاد مؤيدا
…
وضدك في كبت وكمت وفي ضهد
وقال أيضًا الشاعر حسين بن علي بن نفيسة يهنئه لما عاد إلى الرياض بعد مبارحتها مدة طويلة ويذكره مآثره وأخلاقه السامية:
خليلي شدا اليعملات لرحلة
…
كرحلة بيت الله لطالب النجا
ولا ترفقا في السير بورك فيكما
…
بعقب كما حثا المطايا لتدلجا
إلى عابد الرحمن جرثومة الهدى
…
وحصن اللجا منجي الركاب على الوجه
وهنا إمام المسلمين بمنزل
…
بأرجائه المعروف والدين والرجا
سمام العدى إن ألمم البأس في المدى
…
وفي الأمن للمنتاب يحظى بما رجا
هو الغيث لو صابة سحائب جوده
…
على البحر كان البحر عذبا مثلجا
وفي وجهه سيما التعبد دائمًا
…
مناقبه فاقت أولى الحلم والحجا
حريص على إحياء سنة أحمد
…
حري بأن يجعل له الله مخرجا
وفيًا سخيًا فاضلًا وابن فاضل
…
يجازي الندى لا زال أجرى والهجا
فكل خصال الخير كانت به معًا
…
منيعًا مطيعًا مرتجًا وملتجا
سلالة من أبدى المحاسن فيصل
…
إمام التقى عن كل عيب تخرجا
أما أنجاله فمنهم الرجل العظيم الذي افتخرت به الأواخر على الأوائل، وفاق على أقرانه بالمجد والفضائل، صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي أخضع البلدان وغلب على الأقران وأباد عجلان وأبطل عبادة الأوثان.
ومنهم صاحب السمو محمد بن عبد الرحمن الذي ما زال معاضدًا لأخيه ومناصرًا له وكان فاضلًا محترمًا محتشمًا، ومنهم سعد وقد توفي بعد فتح الإحساء وكان مثقفًا ومنهم عبد الله بن عبد الرحمن وكان نبيهًا فاضلًا مستشارًا لدى أخيه الملك، ومنهم أحمد بن عبد الرحمن وكان وديعًا حسن الخلق، ومنهم مساعد بن عبد الرحمن، ومنهم سعد بن عبد الرحمن وهو أصغرهم.
أما الإناث فمنهن "الأنور" ابنة عبد الرحمن وكانت ناسكة عاقلة ذات شأن كبير ولها مقامات في الفضل وسعة الرأي وكثيرًا ما ينتخي ويعتزي جلالة الملك بأخوتها، أما أخوة المترجم فقد تقدم ذكرهم.
وممن توفي فيها من الأعيان "عبد القادر بن بدران" وهذه ترجمته:
هو الشيخ العالم العلامة المحقق المفسر المحدث الأصولي الكبير الفقيه المتبحر النحوي المتفنن، عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم الأثري الحنبلي الدومى ثم الدمشقي المعروف لقبًا بابن بدران، ولد ببلدة "دوما" من أعمال دمشق وتلقى العلوم مدة لا تزيد عن ست سنوات عن جهابذة المشايخ أشهرهم الشيخ العلامة محمد بن عثمان الحنبلي المشهور بخطيب "دوما" المتوفى بالمدينة المنورة، ثم بعد ذلك عكف