الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما أن وصل إلى جدة مساءً وجدهم ينتظرونه في ساعة اجتمع فيها الملك علي ورئيس حكومته عبد الله سراج ووزير الخارجية فؤاد الخطيب، ورئيس الديوان الهاشمي أحمد السقاف فسلم العويني وجلس على السجادة فأخرج من حقيبته كتاب السلطان ودفعه إلى الريحاني فقرأه وناوله الملك علي فطالعه وسر به وجعل يقول أشهد أني لا أحب أن تراق نقطة واحدة من دم العرب ونزع عن رأسه العقال والكوفية ويظهر من ذلك حبه للسلم، ولكن ما الحيلة وفي الرعايا الهاشمية أناس لا يرضون بالسلم، كما أن في الرعايا السعودية الإخوان وبعض الأشراف أناس يريدون تطهير الحجاز من لوث العصيان وأذية الحجاج؛ وهذا متوقف على محق الحسين وعقبه وآثارهم، وكان من وجهاء البيت الهاشمي جماعة لا تزال تغلي مراجل حقدهم للانتقام والمعاقبة غيوم لعمر الهك في سماء السلم لا يزيلها واسطة ولا صلح وقد أرسل السلطان يستدعي الرسول العويني إليه.
ذكر حرب جدة
كان الأمير علي بن الحسين قد كتب منشورًا لأهل مكة، ولما بعث السلطان ابن سعود يستدعي العويني سار في آخر يوم من جمادى الأولى إلى مكة، فقام الأمير علي يؤكد على القيادة العليا عنده أن تؤجل إرسال المنشورات الحربية حتى يصدر أمرًا آخر بخصوصه وأن تحتفظ بالنسخ فلا تأذن بنشر شيء منها وأن تشدد على الطيارين بأن لا يتجاوزوا في اكتشافهم بحرة عله أن يحصل السلم، غير أن القيادة خانت وتجاوزت الأمر الملكي، فإنه في غرة جمادى الثانية بعد سفر النجاب بيوم واحد إلى صاحب الجلالة عبد العزيز طار بعد الظهر طيارة من قوات الجيش الهاشمي فرمت بالأبطح وفي مخيم السلطان بالشهداء نسخًا من المنشورات الحربية إلى الأهالي: لقد جمعنا شعثنا وأقبل إخوانكم إلينا من كل حدب وصوب حتى أصبح لدينا والحمد لله من الرجال والعتاد ما يرد كيد العدو في نحره، ولقد جهزنا
جندنا بكل الوسائل الفنية والمعدات الحربية، وها نحن على أهبة الرحيل اليكم وتطهير بلادنا من المغتصب لها ستبدأ طياراتنا بالتحليق في جوكم لتمطر العدو وابلًا من القذائف النارية كونوا على ما نعهد فيكم من الثبات والطمأنينة والشجاعة ولا تجعلوا للعدو سبيلًا إلى الفرار، واعملوا لتخليص وطنكم بكل ما أوتيتم فالوطن أغلى من كل شيء لديكم.
وأما منعنا الأرزاق فإن كان هو يعني ابن سعود وأذنابه يحترمون حرم الله وجيرانه ويعملون مثل عملي ويخرجون إلى خارج الحرم فهناك نظهر حقائقهم إن شاء الله ويرون كيف يكون الذود عن الحياض والدفاع عن الحوزة وإن لم يخرجوا ولبثوا مكانهم جامدين، فإننا سنوافيهم من بين أيديهم ومن خلفهم ومن فوقهم بالطيارات حتى تكون كلمة الله هي العليا.
فلما جرى هذا الأمر الفادح الذي يثير السواكن عاد العويني بخبره إلى جدة، وكان قد شاهد الطيارة بعد خروجه من المخيم السلطاني فلما أخبر الملك عليًا اندهش لذلك، وبكل حال فإنه مخطئ من كلا الخطتين، فإن كان صدر ذلك عن أمره فقبيح؛ وإن كان من غير أوامره فيعتبر عاجزًا مغلوبًا، وإذا التمسنا عذرًا وجعلناه جاهلًا بالأمر هو ورئيس حكومته، وما كان الوزراء عالمين فقد قرع علي الجرس الصغير على المأدبة الصغيرة أمامه فجاء أحد كتبة الديوان فقال له ناد تحسين باشا ليحضر حالًا فجاء تحسين وأقر أن الطيارة تجاوزت بحرة، ولكنه أنكر أنها رمت شيئًا من المنشورات فسأله عن السبب في تجاوز الأوامر فأجابه قائلًا: إن خللًا صغيرًا في المحرك حمل السائق على الإسراع في السير ليقي الطيارة من السقوط إلى الأرض فطارت بحكم الاستمرار في خط مستقيم طيرة طويلة انه كاذب، لأنه لما بدره أحد الحاضرين بقوله يا باشا لا أظن إلا أنه عن قصد أجابه جهارًا ما هو بالأمر المهم فثبت بعد ذلك أنه جرى عن قصد، واتخذ الملك علي إجراءات ضد هذا التعدي.