الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وقعة المصفحات
لما كان في ثامن عشر شعبان في الساعة الرابعة نهارًا برز القسم الأكبر من جيش الحجاز لمنازلة الإخوان وكانت القيادة الهاشمية قد أملت في هذه الهجمة أن تضرب الإخوان المرابطين فتقضي عليهم أمام جناحها الأيسر وتعود شرقًا بجنوب بعد ما أمنت مؤخرها فتزحف إلى المعسكر في الرغامة فتستولي عليه وتمشي مستمرة ظافرة إلى مكة وكانت كلمتهم: سنعيد رمضان بمكة حتى كان أحد الضباط يقول لمن يثق به من الأجانب قبيل هذه الوقعة: غدًا ندعوك لزيارتنا في الطائف، ولما أن برزت هذه القوة من الجيش الحجازي وكان هذا الإقدام الذي برز به القسم الأوفر منه لمناجزة النجديين والقضاء عليهم شرع الخط قبل خروج المصفحات يطلق مدافعه الكبار والصغار على الإخوان في الرويس وبعد نصف ساعة من هذا الضرب المتواصل الشديد خرجت خمس مصفحات من بوابة الكندرة فسارت ثلاث منها تجاه نزلة بني مالك واثنتين تجاه الرويس ثم مشى من مركزي الكندرة وأبي بصيلة نحو ألف من جنود النظام والبدو مقسومين إلى ثلاثة أقسام تتبعهم سرية من الخيالة.
أما الإخوان فقد كانت فرقة من أهل دخنة في الرويس وفرقة أخرى في بني مالك وكان أهل العارض والغطغط في الخط الثاني، أما الجبهة الأمامية التي فيها الخنادق فكان فيها من الفريقين عدد لا يتجاوز الألفين فتقدمت القوة الاحتياطية النجدية نحو مراكز الجيش المرابط ولكنهم لم يباشروا الرمي لا هم ولا المخندقون حتى خرجت العساكر الهاشمية كلها إلى السهل وكادت المصفحات أن تصل إلى النزلة فدارت تلك الساعة رحى الحرب ودوت البنادق والرشاشات وسارت المصفحات شرقًا بشمال تاركة النزلة إلى يسارها لتمنع وصول المدد إلى الجبهة الأمامية وتصد أهل الغطغط والعارض عن الهجوم فاشتبكت وإياهم في قتال عنيف ولكنها لم تتمكن من صدهم، فلو رأيت الإخوان كيف يصارعون تلك المصفحات التي تهدي عليهم الرصاص وترش من رشاشاتها في كل جانب وهم ثابتون مستشهدون ويدورون عليها كأنهم الأسود في غابها ويطلقون البنادق عليها
وعلى من فيها حتى أن عبدًا من العتاريس دنا من إحداها بعد أن جال حولها كأنها فارس من الفرسان فتمسك بها وصعد إلى سطحها يدس مسدسه على من فيها، فأصيب وهو هناك برصاصة وهوى إلى الأرض، أثابه الله وأعظم له الأجر والثواب، وظل الإخوان يعاركون هذه المصفحات حتى أبطلوا رشاشاتها، فصار الجنود داخلها يطلقون الرصاص من مسدساتهم، وقد أصيب بعضهم برصاص الإخوان الذي يدخل من الكوى وجرح جراحًا بليغًا اثنان من السواق الروس، فتراجعت المصفحات وقد تمزقت وتكسرت جوانب بعضها، وسارع أهل الغطغط والعارض إلى النجدة لإخوانهم فخاضوا معركة دامت ساعتين في أشد حال، ثم ساعتين في قتال متقطع حتى انتهت الساعة الثالثة بعد الظهر برجوع الجنود الحجازية والمصفحات إلى داخل الأسلاك، ورجوع الإخوان إلى مراكزهم، أما من بقى في ساحة القتال وهم القتلى فلا يقل عددهم عن ثلاثمائة قتيل على التحقيق، أما التخمين، فإن أهل الحجاز يقولون في التقرير أن خسارة العدو بين قتيل وجريح أكثر من مائتين، وخسر جيشنا خمسة عشر قتيلًا وأصيب خمسون، والنجديون يقولون في التقرير الرسمي، قد تحقق أن خسارة العدو كانت في الأقل ثلاثمائة وعشرين قتيلًا بدليل بنداقهم التي غنمها جيشنا وأحضروها إلى المعسكر العام، أما خسائرنا فقد كانت خمسة قتلى وخمسة جرحى فقط، وانتهت وقعة المصفحات هذه بعدم فوز أهلها، ولم ينجح لهم عمل لا بقطع المدد، ولا قابلت بسالة الإخوان وشدة بأسهم، بل قلت ذخيرتها ونفد الماء الذي فيها، فرجعت خائبة مدحورة وقضت عليها وعلى أهلها هذه الوقعة بالعجز والضعف.
ثم بعد ذلك سكنت المتحركات وخمدت نار الحرب بين الفريقين وخف ضرب المدافع وقل الهجوم في الليل إكرامًا لرمضان، فكان فيه شبه هدنة تبعها في شوال مناوشات في الليالي الظلمة، ومع أنه كان قد شاع في جدة أن المعركة الفاصلة ستكون في شوال، وقد ولى شوال والتقارير الرسمية تقول: سكون تام على الخط، ثم استأنف القتال في الشمال.