الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشاعات يبعثون للاطلاع ويأملون إيجاد صلح، لأن وفد إيران يتأكد من صحة ما أشيع عن ضرب القبة النبوية بالقنابل، وبعدما رحب به ابن سعود وأرسله إلى مكة في صحبة عبد الله الفضل بلغها في يوم الأربعاء 3/ 4 واتصل الوفد بكثير من الإيرانيين المجاورين حول البيت الحرام، وتبين الحقائق من أفراد الشعب، واقتنع بما باحوا به من الفارق العظيم بين العهد السعودي والعهد الهاشمي، وأنه لا صحة لما قيل من ضرب القبة النبوية بالقنابل، بل هو خبر مكذوب، فرجع مغتبطًا معرجًا على المدينة.
أما ملك مصر فؤاد الأول فقد تبودلت البرقيات بينه وبين ابن سعود وبينه وبين الشريف علي، فقد بعث البرقية لابن سعود.
11 صفر 1344 هـ - 30 أغسطس 1925 م عظمة السلطان عبد العزيز سلطان نجد: إن الحرب القائمة حول المدينة قد أقلقت خواطر المسلمين قاطبةً لما عساه يحدث من تأثيرها في الأماكن النبوية المقدسة التي نجلها جميعًا ونحافظ على آثارها المكرمة، ولا يخفى على عظمتكم ما لهذه الأماكن من الحرمة التي يجب أن تكون بعيدة عن كل أذى رغم ما يقتضيه أي نزاع أو خلاف، ولكن ما نعتقده في شديد غيرتكم الدينية لما يطمئن قلوبنا والمسلمين عامة على صيانة الحرم النبوي الشريف وآثار السلف الصالح بالمدينة والسلام عليكم ورحمة الله.
التوقيع فؤاد
"
أجابه ابن سعود بما نصه
":
برقيًا 16 صفر 1344 هـ - 4 سبتمبر 1925 م حضرة صاحب الجلالة ملك مصر المعظم الملك فؤاد دامت معاليه: إني أشكركم من صميم فؤادي على غيرتكم الدينية، واني أقدّر ما شرحتموه في برقيتكم حق قدره أن حرم المدينة كحرم مكة نفديه بأرواحنا وكل ما نملك، وأن ديننا يحمينا عن الإتيان بأي حدث في المدينة المنورة، وسنحافظ على آثار السلف وكل ما هو في المدينة بما يهم كل مسلم المحافظة عليه، إن العدو يحاول أن يشوه وجهة جهادنا بما يفتريه من الكذب والبهتان، يحاول
أن ينال بالبهتان ما عجز عنه بالسنان، ولكن الحق أبلج والله مؤيد دينه، وأخذ بناصية أهله ولو كره المبطلون، هذا وأرجو أن تقبلوا تحياتي واحتراماتي.
عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود
أما الملك علي ففرح بتلك الغيرة وانتعش بها وبعث إليه بهذه البرقية:
13 صفر 1344 هـ - أول سبتمبر 1925 م صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر المعظم: أهدي جلالتكم الملوكية أعظم الشكر على غيرتكم الإِسلامية الجديرة بذاتكم العالية ومقامكم السامي فيما رغبتم فيه من تنزه البقاع المقدسة أن تكون ساحة قتال، ولا يستكثر ذلك من سليل محمَّد علي باشا الكبير الذي سبقت له خدمة هذه الديار المباركة في مثل هذه الكارثة نفسها مادة ومعنى، ونبرأ إلى الله أن يكون أحد منا نحن أبناء الحرمين الشريفين أراد القتال أو أخذ على الاستمرار فيه سواء ذلك في مكة المشرفة أو المدينة المنورة، وسنسجل على المتسبب مسؤولية ما تهدم فيها من الآثار، وما يزال يعنيها من آذى كجعل القبة الخضراء النبوية هدفًا للرصاص وسائر قبب وقبور آل البيت بالبقيع، وتخريب قبة سيدنا حمزة وهدم ضريحه الشريف طبقًا للأساس الذي قام عليه التوحيد، وبهذه المناسبة نؤكد لجلالتكم إننا قائمون بالواجب الديني والوطني من بذل النفس والنفيس في صيانة ما بقي من تلك الآثار وترميم ما خرب منه حتى يتم إخراج المعتدي بحول الله وقوته من الوطن المقدس كله، ونثق أن العالم الإِسلامي يشد أزرنا في ذلك وفي مقدمته جلالتكم الملوكية بصفتكم أكبر ملوك المسلمين وأعزهم غيرة على الله والدين، أدام الله جلالتكم مؤيدين بالتوفيق والنصر.
التوقيع: علي
إنَّ الشريف علي قد فضح نفسه باعتراضه على الدعوة الوهابية، فلو أنه اكتفى بمسبة خصمه لوجدنا مسوغًا وقلنا للرجل أن يقول ما شاء في عدوه المحنق عليه، إذ الهدف إنما هو التأليب عليه والتأشير وتشويه السمعة لا سيما في مثل هذه الحالة التي هي الطمع في الملك وانتزاعه من الآخر.
فأما إذا أوقع بالدعوة الوهابية التي هي الهدى المحمدي، فلا حبًا ولا كرامة، وقبّحه الله ومقته وأقصاه، ويكفيك ما أوقعه الله به من الهوان كيف كشف عورته بيديه وأظهر عيوبه للناظر إليه، ولما جاء وفد الملك فؤاد الذي أشرنا إليه، كان قدوم الوفد في يوم الاثنين 3 ربيع الأول للفصل بين المتنازعين والحكم بين الفريقين مزودًا بكلام رقيق وخطاب رشيق كانت فرصة نادرة لابن سعود، فهو يحترم فؤادًا ويجله ويقدّره ويحترم مصر ويعترف لها بالزعامة والتفرد في الثقافة والحضارة ولا يستطيع أن يزور عنه مهما كانت الظروف والأحوال، غير أنه إذا كانت الوساطة بينه وبين الأشراف فلا، ذلك بأنه قد حار به للدين، وطالما كان معهم في شقاء وعناء، فوقع في حيرة أيقبل الوساطة أم كيف لا يرضى بوساطة مصر فيكون فيه بعض الجفاء! ولكنه وكل الأمر إلى أحد رجاله الممتازين وهو حافظ وهبة مصري الأصل، ومن علماء الأزهر، فقام المذكور بهمته يعالج الأمور بالحكمة والرفق والأناة، وبعد مفاوضة الوفد لحافظ وهبة اتفق بالسلطان فأرضى فؤاد ورد وساطته وقفل الوفد راجعًا في صباح الاثنين 10/ 3، وقد قنع بنزاهة ابن سعود وبعد نظره وشرف غايته.
ولم تمض على سفر وفد مصر بضعة أيام حتى وصل إلى جدة وفد إنكليزي مؤلف من "الجنرال جلبرت كلايتون" والخواجة جورج، المفتش الأول في أدرة معارف فلسطين، وتوفيق بك السويدي مندوب العراق ومستشاره، وكاتب إنكليزي هو "المستر هارفي" أحد الموظفين بحكومة فلسطين، فاستبشرت حكومة جدة ظنًا منها أنه جاء لحل المشكلة بعد مبارحته الحسين للعقبة كما تقتضيه وعود الأمير عبد الله، فسهلت له أمر السفر إلى السلطان ابن سعود وأملت من ورائه خيرًا، وقد بعث السلطان لاستقباله حافظ وهبة من النزلة اليمانية، فسافر إلى بحرة في 22 ربيع الأول، وعند وصول الوفد إلى بحرة استقبله عظمة السلطان بما يليق به من الاحترام، فكان أول كلمة قالها المندوب: أن بريطانيا لا تزال محافظة على حيادها التام في المسألة الحجازية النجدية، ولكنه يهمها أن تتفاهم معه على بعض أمور تتعلق بالعراق وشرق الأردن المشمولتين بالانتداب البريطاني، فأعرب له السلطان عن استعداده البحث في هذه الأمور، واستمر البحث بينهم خمسة