الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت يا عجبًا لأمر الشريف، ومبلغ عقله، حيث يغوص في هذه البحار العميقة، وتحدثه أمنيته إلى هذه الغاية، وأغفل إرادة الله، وأمره الغالب لكل مغالب وسطوة، من لا يفوته شارد ولا هارب، فلو علم ما حبلت به الأيام والليالي من العجائب لكان له غير هذه الحالة، ومن عاش فسوف يرى.
وبينما هو كان يحلم بسيادة أعظم من السيادة العربية، بسيادة شاملة إسلامية، جالسًا على فراش الملك، والخلافة والنصر رافعًا يده بزعمه على العرب بالقهر، إذا بالإخوان يدبرون الأمر، في غزوة بعقر داره وأخذ الحجاز منه، ومما هو جدير بالذكر أن الشريف لم يحسب لهم حسبانًا ولم يجر في خلده ذلك.
ذكر فتح الطائف سنة 1343 ه
ـ
لما رجع الإخوان من غزو الشمال زحفوا إلى الطائف يقودهم القائد سلطان بن بجاد بن حميد، والشريف خالد بن منصور بن لؤي أمير الخرمة، بجيش من الإخوان مؤلف من خمسة عشر راية من رايات الغطغط، والخرمة، وتربة، ورنية، وعتيبة، وقحطان، وبني تميم، فانضم إليهم بعدئذ من أشراف الحجاز وعربانة، كالحرث، وبني ثقيف، عدد لا يبلغ هو والجيش أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل، وكان مركز الاجتماع في تربة، فزحف هذا الجيش بأجمعه، وما كان قد علم بزحفه أحد في مكة أو في الطائف بل لم تشعر الحكومة بهجومهم قبل أن يصلوا إلى قرية الحوية التي تبعد عن الطائف بضعة أميال.
فلما أن وصلت سراياهم الحوية في غرة صفر، استيقظت الحكومة عند ذلك، فأصدر ناظر الحربية الهاشمية أمير اللواء صبري باشا أوامره إلى جنود النظام بالدفاع، فخرجوا من الطائف وهم نحو أربعمائة ومعهم بعض المدافع الجبلية والرشاشة وقصدوا الحوية، ليصدوا الإخوان فاستعرت بينهم وبين سرايا الجيش هناك معركة دامت بضع ساعات كانت الغلبة فيها للإخوان، فتقهقر النظاميون إلى جهة الطائف، وانضم إليهم جند من البدو فرابطوا معهم في الهضاب الغربية من
البلد إلى الشمال، ووقفوا ثانية لسرايا الجيش الزاحف، وشرعوا يطلقون عليهم المدافع، فاستمروا في مناوشتهم دون أن يتمكنوا من ردهم ثلاثة أيام، كما أنه انضم قسم من البدو والذين كانوا في المراكز الأمامية الإخوان وسلم الباقون.
أما الجنود النظامية فبعدما ولو الأدبار، وتحصنوا في الهضاب للدفاع، لم يتمكنوا من شيء، ولم يحصلوا على طائل، وما حسبوا لهذه الجراءة حسابًا، بل كانت حكومة الحسين تظن نفسها قادرة على إخضاع كل أمير عربي لسيطرتها.
فلما أن وصلت أخبار الهزيمة إلى مكة، أمر الملك حسين نجله عليًا بإنجاد جيش المدافع، فجاء الأمير مسرعًا بسرية من الخيالة وأخرى من الهجانة.
أما النجدة التي مشت في طريق السيل فلم تصل إلا بعد سقوط الطائف، فوصل الأمير علي يوم الخميس الموافق 6 صفر، فدخل الطائف ليلًا، وخرج منها في عصر ذلك اليوم، ليعسكر بالهدي الذي هو على مسافة أربع ساعات من الطائف، وكان الجيش النجدي يزداد قوة وعددًا، فاضطرت الجنود النظامية أن يتقهقروا إلى مدينة الطائف في صباح يوم الجمعة، فتقدم الإخوان وصار رصاصهم قرب الظهر يسقط داخل السور، فاستولى الذعر والخوف على الأهالي، وكان الأشراف في مقدمة الهاربين فقد خرج آخر ذلك اليوم أمير الطائف الشريف شرف عدنان، ووزير الحربية وجنوده النظاميون، وسائر الأمراء والموظفين من الطائف، لأنهم رأو كما قيل: أنه خير لسلامتها ولسهولة استردادها فلحقوا بالأمير علي.
فلما شرد الأشراف وتشتت الجيش في الساعة الثانية ليلًا من ثامنة صفر، دخل الإخوان مدينة الطائف في غسق الدجا كالسيل الجارف وهم يكبرون ويعتزون ويطلقون بنادقهم في الفضا، ثم طفقوا يطلقونها في الأسواق وهم يطوفون في المدينة، فقتلوا عددًا من الأثرياء الذين لم يسارعوا مثل غيرهم من الأهالي إلى بيوتهم مستأمنين.
وكان قد تخلف في مدينة الطائف جماعات من عرب الحجاز من الطويرق والنمور والعقوم وغيرهم، ناهيك بمن دخل مع الجيش من البدو والذين جل