الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصدهم النهب والسلب، فاختلطت هذه الجموع في ظلمات الليل، وكانت ساعة هول مزعج، وشرع العربان والبدو يطوقون الأبواب ويكسرونها ويدخلون البيوت إما قهرًا وإما بعد أن يؤمنوا أصحابها، ثم يعملون فيها أيدي النهب والسلب، وكانوا يقتلون في سبيل السلب من يتعرض لهم ولكنهم لم يقتلوا من النساء سوى امرأة واحدة، ولا كانوا يتعرضون لهن إلا إذا أَبَيْنَ أن يدللنهم على الكنوز والسلاح.
وكان لهذا الحادث أعني كسر البيوت والسلب ألم في نفس السلطان عبد العزيز، وحين بلغه ذلك أمر بتأليف لجنة لتقرير الخسائر والتعويض على المنكوبين من الأهالي من الهنود والجاوبين وغيرهم، ودفع عشرة آلاف ليرة من التعويضات، وأقامت اللجنَة مدة من الزمان تواصل عملها، ولكن ذلك له مسوغ:
أولًا: يعلم أن الحروب لاشك عمياء، ولا بد لها من ضحايا خصوصًا، إذا دخل الهاجمون ليلًا.
ثانيًا: تسبب بعض الأهالي لذلك لأنهم جعلوا يطلقون على الإخوان البنادق من شبابيك البيوت ونوافذها، فحملهم على أن دخلوا البيوت عنوة وفتكوا برجالها، وإنما ذكرنا ذلك لأن دعاة البيت الهاشمي اتخذوا حادثة الطائف آلة للتشهير بعدوهم، واخذوا يصفون فظائعها وأهوالها، حتى بالغت الدعاة بأن الوهابيين شقوا بطون النساء وأخرجوا أولادها، وكل هذا كذب لا أصل له، ولو كان أمراء الجيش حاضرين لما وقع سيء من الضرر، وشاهد على ذلك فتح حائل فقد كانت أقرب إلى أن تخرب وتقتل رجالها، لما هناك من الضغائن القديمة فراجعه هل وقع شيء من التدمير والشراسة، بل غمرهم الفاتح بعطفه وإحسانه، وقسم عليهم الثياب والأرزاق، فقبح الله دعاة السوء ما أمقتهم وأرذلهم وأكذبهم.
ذكر أعيان المقتولين في هذه الحرب العمياء
كان منهم مفتي الشافعية الزواوي، وقد قيل أنه قتل بقنبلة من مدافع الأشراف،
وقتل أيضًا في هذه الواقعة أبناء الشيبي السادتين للكعبة حسن بن عبد القادر بن علي، وجعفر بن عبد الرحمن بن عبد الله.
أما الشيخ عبد القادر الشيبي سادن الكعبة فقد نجا من الإخوان بحيلة ظريفة وذلك أنه لما وقع بين أيديهم بكى وجعلت دموعه تساقط على الأرض، فسأله أحدهم وقد سل السيف فوق عنقه قائلًا له: ليش تبكي يا كافر؟ فأجابه الشيخ يقول أبكي والله من شدة الفرح أبكي يا إخوان لأني قضيت حياتي كلها في الشرك بالله والكفر ولم يشأ الله أن أموت إلا مؤمنا موحدًا الله أكبر لا إله إلا الله فانخدعوا لذلك، وبكوا لبكائه ثم طفقوا يقبلونه ويهنئونه بالإسلام، وبذلك تعرف حسن نيتهم وأنهم يطلبون إعلاء كلمة الله لا غير.
وبما أنه انضم إلى الجيش النجدي فريق من عرب الحجاز وأشرافه نفرة من الحسين، وابتغاء لسقوطه، كذلك كان أشراف الحرس في مقدمة الثائرين وتبع الجيش النجدي فئات من الجيش الهاشمي، فاستولى الإخوان على بلاد الطائف، فقد كان مع هذه الأمور متكئًا على أمانيه، ولم يثبت عزمه ولا حوله ذلك مقدار ذرة عن مقصده، ولما وصل الأشراف هاربين ومن معهم بالأمير علي بن الحسن إلى عرفات، علم الملك حسين وغضب غضبة مضرية، وشرع يعد العدة لإعادة الكرة على الإخوان، ولاسترجاع الطائف بزعمه، وما علم أن منال الثريا دون منالها، والتدرع بالأكفان دون التدرع بثوب احتلالها، وعناق القنا دون عناقها، والأخذ بساق الأسد دون الأخذ بساقها، فهيهات وهيهات وأين الثريا من يد الملتمس والأماني رأس مال المفلس.
قام الحسين وجمع شتات الجند وجمع ما استطاع من البدو، وجرد نهضة جديدة مؤلفة من 500 من النظام و 900 من قبائل الحجاز الموالين من هذيل وقريش وبني سفيان و 200 من أهل مكة، ثم أمر عليا على الجميع وأمره بالرجوع إلى ساحة الحرب فمشي الأمير علي بن الحسين على رأس هذا الجيش الذي بلغ عدده ألف وثلثمائة وقصد الهدي، وكان الإخوان قد علموا بزحفه وانتبهوا لذلك فحمل منهم