المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر تحقيق الطلب والأتيان بالدويش وصاحبيه بالرغم من كل واحد - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٣

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1340 ه

- ‌ذكر همة عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل

- ‌ذكر آل عائض وما جرى منهم

- ‌ذكر التعريف بعسير وجباله

- ‌ذكر هزيمة آل عائض

- ‌ثم دخلت سنة 1341 ه

- ‌ذكر مؤتمر العقير

- ‌ذكر ما جرى من أهل العراق ومن التجأ إليهم من العشائر

- ‌ثم دخلت سنة 1342 ه

- ‌ذكر مؤتمر الكويت

- ‌ذكر الخلافة وما استقبل به الحسين في عمان من الاحتفال

- ‌سنة الغرق في القصيم

- ‌ثم دخلت سنة 1343 ه

- ‌ذكر غزوة البلقا وما جرى للإخوان حين وصلوا أبواب عمان

- ‌ذكر فتح الطائف سنة 1343 ه

- ‌ذكر أعيان المقتولين في هذه الحرب العمياء

- ‌ذكر واقعة الهدى

- ‌ذكر خلع الحسين بن علي

- ‌أعمال الحزب الوطني وتدابيره

- ‌ذكر فتح مكة الرعب الذي ألقى الله في قلوب أهلها

- ‌الإشارة إلى الكتب المتبادلة بين الفريقين وجهود ضائعة

- ‌سفر الحسين إلى العقبة

- ‌ذكر سفر صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى الحجاز

- ‌كيفية ذلك السفر الميمون

- ‌ذكر قدوم ابن سعود إلى مكة

- ‌ذكر الإشاعات المكذوبة على الإخوان قبل ذلك

- ‌أعمال ابن سعود لتموين مكة

- ‌ذكر المفاوضات بين ابن سعود ووسطاء الصلح

- ‌ذكر حرب جدة

- ‌الحكومة السعودية وإجراء تدابيرها للحرب

- ‌ذكر قوى الفريقين

- ‌ذكر وقعة المصفحات

- ‌ذكر الحرب والحصار للسواحل الحجازية

- ‌ذكر نقل الحسين بن علي من العقبة

- ‌ثم دخلت سنة 1344 ه

- ‌ أجابه ابن سعود بما نصه

- ‌ذكر عقد الاتفاقيتين وإبرام المعاهدتين

- ‌وهذه اتفاقية حداء وهي بين نجد وشرقي الأردن

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشرة:

- ‌المادة الثانية عشرة:

- ‌المادة الثالثة عشرة:

- ‌المادة الرابعة عشرة:

- ‌المادة الخامسة عشرة:

- ‌المادة السادسة عشرة:

- ‌ذكر تسليم المدينة المنورة

- ‌ذكر ما جرى على أهل جدة من الضيق وانحلال الحكومة الهاشمية

- ‌ذكر ما جرى من التدابير بعد فتح جدة

- ‌ بلاغ عام

- ‌ذكر البيعة والنداء لابن سعود في العالم بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها

- ‌ثم دخلت سنة 1345 ه

- ‌ قد اتفق صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود، وصاحب السيادة إمام عسير السيد الحسن بن علي الإدريسي على عقد المعاهدة الآتية:

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشرة:

- ‌ اتفق حضرة الأمير "فيصل بن عبد العزيز" وحضرة "السر جلبرت كلايتون" على المواد التالية:

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة 1346 ه

- ‌ذكر تأسيس دار الكسوة

- ‌ذكر ثورة الدويش وأتباعه من البدو المغترين

- ‌التعريف بالدويش

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌وفاة الأمير عبد الرحمن الفيصل

- ‌ذكر مؤلفاته

- ‌ثم دخلت سنة 1347 ه

- ‌ذكر تصميم صاحب الجلالة على القتال

- ‌ذكر وقعة السبلة سنة 1347 ه

- ‌ذكر انتفاض الدويش، عياذًا بالله

- ‌إضاءة المسجد الحرام بالكهرباء

- ‌ثم دخلت سنة 1348 ه

- ‌تنبيه

- ‌ذكر التجاء الدويش إلى الكفار وتشديد ابن سعود في طلبه

- ‌ذكر تحقيق الطلب والأتيان بالدويش وصاحبيه بالرغم من كل واحد

- ‌ذكر أشياء عجيبة وأمور غريبة في عدم قبول المخترعات الحديثة

- ‌وفاة أمير بريدة

- ‌ذكر التقاء الملكين 1348 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1349 ه

- ‌وفيها وفاة الشيخ سعد بن عتيق قدس الله روحه

- ‌ذكر مشايخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الذين أخذوا عنه من العلماء والأحبار

- ‌وممن توفى فيها من الأعيان الشيخ سليمان بن سحمان صاحب الردود والشعر الحسن رحمة الله عليه

- ‌ذكر ما جري عليه من الامتحان وثقته بالله الواحد الديان

- ‌ذكر مؤلفاته رحمه الله

- ‌ذكر تلامذته ووفاته

- ‌ثم دخلت سنة 1350 ه

- ‌ذكر ثورة الأدارسة وابن رفادة

- ‌ثم دخلت سنة 1351 ه

- ‌ذكرى القضاء على هذه الثورة وإخمادها

- ‌ذكرى ما لقيه وفد ابن سعود من الإهانة

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان ففيها وفاة الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم

- ‌صفته وأخلاقه

- ‌ذكر شيء من أجوبته وفوائده

- ‌ذكر ورعه وزهده

- ‌ذكر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وحلمه وعفوه وسعة رأيه

- ‌المملكة العربية السعودية علي أثر حادثة ابن رفادة وما صنعه المغرضون

- ‌الاعتداء على الحجر الأسود

- ‌ثم دخلت سنة 1352 ه

الفصل: ‌ذكر تحقيق الطلب والأتيان بالدويش وصاحبيه بالرغم من كل واحد

ولما كان في مساء ذلك اليوم قدم إلى ابن سعود أحد أمرائه وهو "تركي بن ماضي" من مخفر العبيد بكتاب ضمنه برقية من المندوب السامي ببغداد يخبر ابن سعود فيها بأن فيصل الدويش ورفيقه، نايف بن حثلين، وجاسر بن لامي، معتقلون في باخرة بريطانية فبعث إليه ابن سعود في اليوم 11 من شهر شعبان الموافق ليوم السبت سنة 1348 هـ يطلب إليه تسليم المجرمين تنفيذًا لتعهدات الحكومة البريطانية عدم إيواء أحد منهم في أراضي العراق، والكويت وشرقي الأردن.

فتلقى ابن سعود في 13 شعبان خطابًا من المعتمد السياسي "الكولونيل ويكسون" يخبره أن سيقدم إليه مندوب عن الحكومة البريطانية لحل مشكلة العصاة، وتلقى أيضًا في 17 شعبان كتابًا من رئيس المعتمدين في الخليج العربي وكبير القناصل هناك "الكولونيل بيسكو" فحواه أن الحكومة البريطانية كلفته بأن يرأس البعثة البريطانية القادمة إليه للمفاوضة في شأن العصاة اللاجئين، وطلب ابن سعود السماح بالقدوم بالطائرات، فأجابه ابن سعود في 18 شعبان بقبول انتدابه وقدومه وأخبره أن الاجتماع سيكون في "خباري وضحا" إذ قرر الرحيل إليها.

‌ذكر تحقيق الطلب والأتيان بالدويش وصاحبيه بالرغم من كل واحد

لقد حقق ابن سعود الطلب في أمر الدويش حتى انفض من حول الدويش من العشائر وتفرقوا عنه وإن كان لا يزال يكذب بوجود ابن سعود قريبًا منه، ولكن بالرغم من تكذيب الدويش تفرق أتباعه ولجأ بعضهم إلى الحدود العراقية، ومنهم من فرَّ إلى نجد، ولما كان في عشرين من شعبان الموافق ليوم الاثنين نزل ابن سعود بجيشه في "خباري وضحا" استعدادًا للاجتماع والمفاوضة في شأن العصاة وإزالة سوء التفاهم الذي أوجده التجاء الدويش إلى العراق.

إن "خباري وضحا" تبعد عن "بنية عفيان" بعشر ساعات كائنة في جنوبي

ص: 235

الكويت، وكان ابن سعود قد وثق في بريطانيا أنها لن تنكر له ولن تخلف وعده، فلما كان بعد الظهر حلقت في سماء خباري وضحا ست طائرات بريطانية ثم هبطت إلى الأرض وبرز منها رئيس المعتمدين السياسيين في الخليج العربي "الكولونيل بيسكو" والمعتمد السياسي في الكويت "الكولونيل ديكسون" وقائد الطيران في العراق "الكومند وبرنت" ومعهم المترجمون والكتاب والخدم، كما أن حافظ وهبة قد حضر في إحدى الطائرات، وما أدراك ما هو إنه مندوب ابن سعود في الكويت، وسفير المملكة العربية السعودية في إنكلترا وقد صدر الأمر إليه بأن يرافق البعثة الإنكليزية.

ولما أن جلس صاحب الجلالة السعودية كان عن يمينه رئيس الوفد، وعن يساره قائد الطيران، وعلى رؤوسهم الرجال السعوديون والبريطانيون، وبعدما استقر برجال البعثة المقام بدأت المفاوضات، أولئك كانوا عن الجهة البريطانية وحافظ وهبة ويوسف ياسين عن الجهة النجدية بإشراف الملك نفسه، فامتدت المفاوضات واستمر المؤتمر أسبوعًا كاملًا انتهى بموافقة الحكومة الإنكليزية على تسليم الدويش ورفاقه، وكان هذا يعد انتصارا لابن سعود، ولقد شدد صاحب الجلالة وألح على بريطانيا العظمى في طلب الدويش حتى جعل يضرب السجادة بالعصا ضربًا يكاد يمزقها ويقسم بالله لأن لم يحضر الدويش وصاحبيه ليحدثن ما لا تحمد عقباه وجعل يرغي ويزيد، فلذا تم الاتفاق في 27 من شعبان على أن تحمل إحدى الطائرات الإنكليزية الدويش وابن لامي وابن حثلين في 28 شعبان الموافق ليوم الثلاثاء إلى مخيم ابن سعود وأن تسوق العجمان ومطيرًا بالدبابات والطائرات حتى تدخلهم حدود نجد، وبعث ابن سعود سرية قوية تحت قيادة الرجل الحازم "عبد الرحمن الطبيشي" ليتسلم العجمان ومطيرًا، وقد قادهم المذكور إلى مخيم الملك المنصور فامنهم.

ولما كان في الساعة الخامسة من يوم الثلاثاء الموافق 28 من شعبان سنة 1348 هـ الموافق 28 يناير 1930 م هبطت طائرة تقل "الكولونيل ديكسون" وقائد

ص: 236

البارجة الحربية البريطانية ومعهما المجرمون الثلاثة رؤوس الشر والبلاء والفتنة، فيصل الدويش ونائف بن حثلين وجاسر بن لامي، فاستقبلهم حافظ وهبة باسم جلالة الملك ابن سعود وأقلتهم السيارات إلى خيمة جلالة الملك، ولما وصلوا الخيمة بعدما اخترقوا المعسكر، كانت اللعنات من الجند تصوب إلى الدويش، غير أن مسير السيارة يمنع سماعها، فقدم حافظ وهبة إلى جلالة الملك قائد البارجة ثم ديكسون بالنيابة عن حكومة بريطانيا وقال أنهما قدما لتسليم المجرمين اليه، فشكرهما جلالة الملك وشكر بريطانيا التي برهنت على وفائها معه وصداقتها له ومصافاته ودها، ثم استأذن القائد والقنصل ديكسون ومن معهما وخرجوا منصرفين شاكرين لابن السعود، فوقف الثلاثة بين يدي ابن سعود، يتقدمهم الدويش حقيرًا ذليلًا كاسفًا مطرق الرأس مغمض العينين لا يكاد يرفع رأسه حياء وخجلًا، دامع العينين قد أرخى شماغه على وجهه والتحف بعباءته متمسكنًا ذليلًا.

ولقد كان قبل ذلك إذا زار الملك في الرياض يصحبه نحو مائة وخمسين رجلًا مسلحين، ويدخل الرياض كقائد عظيم له منزلة عظمى في نفوس أهل الرياض وعلمائها وملك نجد، وإذا جلس فلا يجلس إلا بجوار ابن سعود يعتبره الملك كصديق قديم وقائد قواده العظام، واليوم يقف ذلك الموقف فما أعظم الفرق بين الحالتين.

فتكلم صاحب الجلالة قائلًا: أما تخاف رب العزة ما الذي حملك على هذه المخازي فتلعثم الدويش ولم يدري ما يقول، غير أنه استجمع قواه وصرخ باكيًا صاغرًا وقال: لم يبق شيء من الخزي لم أفعله وما تريد أعظم من هذا الخزي وهذا الجزاء أمام سائر أهل نجد، فبدره ابن سعود قائلًا: إنك تعلم يا فيصل ما عملت من أجلك في الماضي فاعترف الدويش بقوله: نعم أعلم، فقال صاحب الجلالة مقررًا نعمه عليه: لقد كنت يا فيصل في حرب مع أهل نجد من أجلكم فاعترف وهو منتحب قائلًا صدقت يا أبا تركي، واستمر ابن سعود قائلًا: فهل هذا جزائي منكم هل كنتم تريدون الملك لقد كنتم ملوكًا في الجهات التي كنتم فيها، من منكم له

ص: 237

الفضل علي؟ الفضل لله وحده، من منكم لم آخذه بسيفي؟ ليس منكم إلا من قتلت أباه أو أخاه ولم أخضعكم إلا بالله ثم بالسيف قد كنت أنفذ رغائبكم فكنت أشقى لأجلكم وأواصل الليل والنهار لراحتكم وسعادتكم، ألا تخاف الله حينما تكتب "لجلوب"(1) أنك تريد الهجرة للعراق وإنك تحب أن تكون تابعًا له فهل تظن أنك ستكون في منزلة أعلى من منزلتك التي كنت فيها.

كان ابن سعود يتكلم والدويش يبكي ويئن ويرسل الزفرات التي كاد قلبه أن يتصدع منها، ثم تكلم مجيبًا بهذا الجواب:

يعلم الله يا عبد العزيز أنك لم تقصر معنا، وقد فعلت ما يبيض وجهك، وقد قابلنا معروفك بالأساءة، لقد فررنا من وجهك إلى الكفار فحملونا اليك في طيارة من طياراتهم ويكفي ما أشعر به من الهوان والصغار أمام الإخوان بعدما كنت عزيزًا محترمًا، قاتل الله الشيطان لقد أخزانا وزين لنا سيء أعمالنا فأوصلنا إلى ما نحن فيه الآن.

وأخذ الدويش يبكي كالنساء لأول مرة في حياته وأخذ يستعطفه وكذا تكلم ابن لامي وابن حثلين يفصحان عن محبتهما الأكيدة لابن سعود أشد من محبتهما نفسيهما ويستغفران عما سلف وينويان التوبة وهما في بكاء وعويل، وحقًا، وحقًا أن يحرق الكمد والحزن أفئدتهم لأن ناصرهم هو الذي بعث بهم إلى من فروا عنه.

ثم أمر بهم ابن سعود إلى سرادق خاص لهم حول خيمته فخرجوا مطرقي الرءوس لا يرون الطريق، هذا والجنود على جانبيته يكادون التهام المجرمين لولا صدور الأمر السامي من جلالة الملك أن لا يساء اليهم فكانت الجنود لم تتمكن إلا من السخرية وتسديد اللعنات والتهكم، فأنزل العصاة في السرادق وقام عليهم حرس قوي قد أحاط بهم.

(1) هو أبو حنيك المفتش الإداري هناك.

ص: 238

ولما كان في اليوم الثاني من شهر رمضان نقل المجرمون الثلاثة إلى الرياض وأودعوا في السجن مصفودين بالحديد ليقضوا بقية حياتهم في السجن، فهذه آخرة الدويش الذي رعب ذكره أهل الآفاق، وخرق البلدان وحطم الجموع حتى أصبح خطرًا عظيمًا على الأمن وتعدى طوره فصرعه بغيه، ويعتبر القبض عليه والأمن من حركاته وقتًا أشرقت فيه شمس الهناء وساد الأمن في سائر نجد بل وغيرها وأصبح المسلمون في سرور وراحة وأمن من الفوضى التي قاسوا الشر الكثير بسببه، فما ظنك به لو عرف قدر نفسه وتأدب مع إمامه وساعد في أداء الواجبات وأكرم نفسه بطاعة ولي أمره وعدم الخروج.

وكان يتحمل منه الأذى ابن سعود وله غطرسة وجفاء ترفعه عن السلام لأي مخلوق يضمه قصر جلالة الملك ما عدى العلماء طبعًا، فحدث عن كبره وتعاظمه ولا حرج، وكان كل من يعرف الدويش ويعرف أخلاقه الشخصية يجزم بأنه طالب دنيا وأن ما يظهر من الشدة والغلو مصطنع.

أما إذا استأذن الدويش للملك في الرجوع إلى الأرطاوية فإن القائمة التي اعتاد تقديمها للملك تبتدأ من حبال الآبار ونعاله، إلى السلاح، والجواري وما بين ذلك من ملابس له ولأولاده وزوجاته والطيب والعود وكل قائد من قواد الأخوان يطلب هذه الطلبات ولكن قائمته تكون محلًا للرفض أو التحوير، أما قائمة الدويش فلا يدخلها أي تحوير أو تعديل، واليوم هذا يقف الدويش هذا الموقف ذليلًا أمام سائر قواد الجيش لا أحد أنزل منه درجة.

ولقد استراح ابن سعود بعد القبض وقال من اليوم سنحيا حياة جديدة فقد ربط بلاده بالتلغرافات اللاسلكية وربط مكة والرياض بالتلفون اللاسلكي وأصبح الإخوان في السمع والطاعة للملك كسائر الرعية.

وقد سئل أئمة علماء هذه الدعوة ما قولكم في الدويش والعجمان ومن تبعهم حيث خرجوا من بلدان المسلمين يدعون أنهم مقتدون "بجعفر بن أبي طالب" وأصحابه رضي الله عنهم حين خرجوا من مكة مهاجرين إلى الحبشة، فكان جواب

ص: 239

العلماء أن العجمان والدويش، ومن تبعهم لا شك في ضلالهم إلى أن قالوا وأما من أبى عن جهادهم يدعي أنهم اخوان له وأنهم على حق فهذا حكمه حكمهم لأنه صوب رأيهم واعتقد ما اعتقدوه لا سيما بعد علمه كما صدر منهم.

وأما الدهينة، والخضري، وولد فيصل بن حميد وأتباعهم الذين قدموا من عند ولد الشريف يدعون إلى ولايته فهؤلاء لا شك في خطرهم، والحال ما ذكر لأنهم دعاة إلى الدخول تحت ولاية الظالمين فيجب على جميع المسلمين جهادهم وقتالهم وكذلك من آواهم ونصرهم فحكمه حكمهم وحسبنا الله ونعم الوكيل -قال ذلك وأملاه الفقراء إلى الله: محمد بن عبد اللطيف، وسليمان بن سحمان، وصالح بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم، وعبد الملك بن إبراهيم بن عبد الملك، وعبد الرحمن بن سالم، وعبد العزيز الشثري، ومحمد بن عبد الله بن عبد اللطيف، وأسفله إمضاءاتهم.

ولقد أمر صاحب الجلالة بتلاوة ما أفتى به العلماء في مؤتمر "الدوادمي" المعقود في أول هذه السنة بعدما اجتمع الأعيان وكبار الشخصيات عنده فأبدى وأعاد، وذكر لهم خروجه بأربعين راكبًا وأمامه عبد العزيز بن رشيد في جموعه وجنوده، ومن ورائه الترك يمدونه بالجنود والمدافع والأموال، ثم كانت حكومة الحجاز تناصره وتساعده، ومساعدي منكم قليل وذلك القليل كان يساعدني بقلبه دون فعله فأعانني الله وقتلت الراعي وملكت الرعية، وتفهمون أننا سادتكم ملكنا بالله ثم بكلمة التوحيد والسيف فرحمنا الصغير ووقرنا الكبير وواسيناكم بأنفسنا، وأصبحتم أعزاء بعد الذلة وأغنياء بعد الفقر، كل ذلك بأسباب الله ثم أسبابنا، فبعد أن نلتم من أسباب العز والظفر ما نلتم غرتكم أنفسكم ونفخ الشيطان في أنوفكم وظننتم أنكم صرتم فوق الناس، فأخذتم تفتاتون في الأمر على غير علم وهدى، تحرمون وتحللون.

وقد أمر في ذلك المجتمع الذي كان قبل القبض على العدو باستئصال شأفة البقية من البغاة والمسير إليهم، وقال: لا أقبل من إنسان حضر واقعة السبلة وقاتل

ص: 240