الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلدان وتفرقوا في كل مكان، وأنبت نظام الدين، وانتشرت دعاة الشياطين، فأنشأ في ذلك قصيدة خرجت عن حرارة الجوى، وباح بما لديه وقال الذين أمنوا بالله ورسوله:"متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" وما زال وإخوانه وأحبابه موبورين حتى أغاث الله خلقه ونصر أولياءه، وأتى بأمر من عنده ونفحةٍ من نفحات لطفه، وذلك بظهور صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
ومنها لما بيته اللصوص المعتدون في الموضع الذي يدعى "طلحا" فنجاه الله من شر هذه المكيدة فقال في ذلك قصيدة عظيمة بعث بها إلى المشايخ الإخوان يخبرهم كما جرى عليه، ويشكر الله على ما من به عليه من دفع الأذى وخلصه من ذلك الشر والبلاء، وهي موجودة بالديوان.
ومنها أن الله تعالى أخذ حبيبتيه وسقط الماء في عينيه، فسار إلى دكتور النصارى في البحرين، فلم يفد فيه شيئًا، غير أن لاقى الأهوال والشدائد في ركوب البحر وأمواجه وألم العلاج، وتقدم ذكر ذلك في سنة سفره، أضف إلى ذلك قلة ذات اليد وضيق معيشته في أول نشأته، فكان في كل هذه الأمور صابرًا لله محتسبًا فيما عنده، فلله دره ما أعرفه بربه وأصبره في حال الشراء وأشكره في حال السراء.
ولقد امتحن الله النجديين بتصدي العثمانيين لعداوتهم وتأليب العرب وأشراف الحجاز والمصريين عليهم، لئلا يعيدوا ملك العرب وسلطانهم الذي سلبوه منهم، فحاربوهم باسم الإسلام ونشروا الكتب والفتاوى في رميهم بالكفر والابتداع، فلذلك قام هذا الشيخ ورد على كل مفتر وأجلب عليهم وجاهد في الله حق جهاده.
ذكر مؤلفاته رحمه الله
كان رحمه الله آية من آيات الله تعالى في إنشاء الشعر وسبكه ووزنه والفصاحة والبلاغة.
فمن ذلك رده نظمًا على "زيني دحلان" لما أقذع والعياذ بالله في مسبة أهل هذه الدعوة، وأرخى لسانه في عيب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فرد عليه الشيخ سليمان وشفى وكفى، وكل مؤلفاته كانت في بيان الحق وإبطال الباطل.
ومنها كشف الغياهب، ردَّ فيه على أحمد باشا العظمي لما سلك سبيل أهل الضلال.
ومنها الأسنة الحداد في رد شبهات علوي الحداد.
ومنها الضياء الشارق في الرد على جميل الزهاوي في تجازفه وكفره.
ومنها تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة.
ومنها كتاب تبرئة الشيخين الجليلين من تزوير أهل الكذب والمين.
ومنها الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية، وهو كتاب بناه من خمس رسائل لأئمة هذه الدعوة من كبار علماء نجد، ثم أعقبها بقصيدة بليغة عظيمة احتوت على نكت بديعة في العقيدة السلفية، فما رأيت أحسن من موضوعها، ويختم الكتاب بقصيدة ملا عمران وأرجوزة محمد بن أحمد الحفظي الحجازي اليمني، وله كتاب في الرد على بابصيل.
ومنها كتاب الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية رد فيه على الكسم، ومنها رده على عبد الكريم البغدادي في حل ذبائح الطب وكفار البوادي.
ومنها كشف الأوهام والالتباس عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس.
ومنها رده على ابن عمرو، وله الجيوش الربانية في كشف الشبه العمرية.
وقد رأيت رسالة من تأليفه رد فيها على منكر الساعة التي تدل على الأوقات، وذلك لأن المعترض يدير أنها سحر وأنها من عمل الشيطان، وكان هذا المنكر لها يزعم أنها إذا تليت عليها الآيات القرآنية يبطل عملها آيات من القرآن وينفث فتقف عن الدقات، فتبين أنه يملؤها ببصاقة فتقف، فإذا أزيل البصاق عن آلاتها الدقيقة تسير.
ولما كان لكلامه أشد الوقع وأعظم التأثير على المخالفين، بعث اليه علماء أهل الجبيل يسألونه أن ينظر في اعتراض الملاحي على الشيخ صالح بن سالم، فإن كان الحق معه فالرجوع إلى الحق أحق وأولى من التمادي في الباطل، وإن كان الحق معهم فالمطلوب منه المناصرة والمساعدة، ولما أن نظر في حالة الفريقين ورأى حمل الملاحي عليهم وعلى شيخهم كما لا مبرر لفعله رد عليه كما شفى وكفى وبين
وفصل، وذلك لأن الشيخ صالحًا أكبر وأفضل من أن يرمى بأنه أخلد إلى الأرض واتبع هوى الأتراك ومن نحا نحوهم مستجلبًا مودتهم ولاهيًا بلذة العيش وطول الأمل، وقد امتدحه العلماء وأثنوا عليه.
فمن ذلك ما قاله الشيخ صالح تشجيعًا له لما بعث المترجم قصيدة لآل فوزان تضمن الرد على أهل الزيغ والتحذير من سلوك سبل الجحيم، فقال الشيخ صالح بن سالم ين بنيان في مدح المترجم والثناء عليه والدعاء له لقيامه في نحور أعداء الله:
فالله يجزيك الذي ترضى به
…
من جنة المأوى مع الرضوان
ويؤيد الإسلام دهرًا طائلًا
…
ببقائك فينا يا أخا العرفان
ويذل بالمنثور والمنظوم من
…
إنشائك أهل الزيغ والطغيان
أو ما علمت بأن هذا خير ما
…
تلقاه في صحف لدى الميزان
وكذا يسرك أن رأيت موسدًا
…
تربًا وقد أدرجت في الأكفان
فلقد أتى والله كل منافقٍ
…
بقوارع زادت على الحسبان
قعدوا يصدون العباد عن الذي
…
خلقوا له من طاعة الرحمن
وسعوا بهدم قواعد ما بعدها
…
والله للإسلام من بنيان
فجهادهم فرضٌ على كل امرءِ
…
لا للكفاية بل على الأعيان
هذا ولو قد قلت مختص بكم
…
لندور من يسعى بهذا الشان
لعذرتمونا عن ملامة لائم
…
لمقالتي بالزور والبهتان
إذ كان غيركم فإما خائفٌ
…
أو عاجز أو من له الوصفان
فاجعله ديدنك الذي لا تنتهي
…
عن فعله مادمت ذا إمكان
واقصد به وجه الإله واخلصن
…
متمسكًا بحقيقة التكلان
ودع المثبط عنك في قيد الهوى
…
ما زال في تخويف ذا الشيطان
هذا وأول قولتي وختامها
…
هو رفع أيدينا بكل أوان
أن لا تزال تذب عن دين الرسو
…
ل وعسكر الإيمان والقرآن
أما بقية مؤلفاته فمنها:
الجواب المنكي في الرد على الكفكي، كتاب إقامة الحجة والدليل، وإيضاح المحجة والسبيل على ما موه به أهل الكذب والمين من زنادقة البحرين.
ومنها كشف الشبهتين عن رسالة يوسف بن شبيب والقصيدتين.
ومنها الجواب المستطاب عما أورده الجاهل المرتاب المسمى بمتروك الجواب الفارق بين العمامة والعصائب.
ومنها حل الوثاق في إحكام الطلاق، نبذة في الزيارة، وإرشاد الطالب إلى أهم المطالب، منهاج الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع.
وكان له رسائل ونصائح وأجوبة، واشتهرت مؤلفاته بين الأمة، وكان شهمًا همامًا مقدامًا مجتهدًا، وما زال يحمل على أعداء الشريعة حتى أدحض حججهم وأرغم أنوفهم، وهتك أستارهم وأظهر أسرارهم وقوض أخبارهم، فهو قامع المبتدعين، وكاشف شبهات المشبهين والمبطلين، لأنه البليغ المصقع، والعالم النحرير البلتع، وأثنى عليه العلماء وباحوا بفضله وتقدمه، قال الشيخ حمود بن حسين الشغدلي:
هو الألمعي الندب من فاض علمه
…
فأقواله فينا تفوق الدراريا
هو الشهم من يسمو المعالي بعدله
…
فتلقاه عن داء الهوى متجافيا
وذاك سليمان الذي ذاع فضله
…
وصار لهذا الدين والله حاميا
فلا زال فينا واطأ هامة العداء
…
ولا زال محروسًا وللضدِّ راميا
فكم من أخي جهل تردى برده
…
وأصبح بعد العجب بالقهر عانيا
وكم مستفيدٍ يطلب الرشد جاهدًا
…
فأبدى له شمس الهدى في الدياجيا
فجوزي بالإحسان والعفو والرضا
…
على رغم أنف المعتدي والمعاديا
وقال أيضًا الشيخ صالح بن سالم لما رأى ردًا له على بعض المعارضين مادحًا للمترجم وكيف أنه قائم على ثغرة المرمى يذود عن حمى الشريعة وأهلها:
تصدى له قس الزمان وحبره
…
سليمان من ينشي القريض بلا خجل
ويرمي أخا الإلحاد في ثغر نحره
…
ولا سيما أن فوق السهم وانتضل
وقرر حكم الدار تقرير منصف
…
وفصل ما أبداه من مطلق الجمل
وأوضح حكم الترك في ذا وكفرهم
…
وحكم التولي والموالاة للدول
وكم من ردود واضحات فكن بها
…
ضنينًا وحاول فهم ما قال واشتغل
وكم عارض رمح الضلالة يعتدي
…
نكاه بمسلولي من العلم فانجدل
فلا زال فينا واطأ هامة العدا
…
ومقعده أعلى ذرى الشم والقلل
واخوان صدق وافقوه وأوضحوا
…
بنثر ونظم بهت ما قاله الأقل
وقال الشيخ فوزان بن عبد العزيز في مدحه لما ألف الصواعق المرسلة على الرجل المسمى الكسم وأصحابه:
وانظر صواعق علمٍ أحرقت شبهًا
…
ملفقات لهم نالوا بها الشللا
الجهبذ الفاضل الموهوب تكرمةً
…
مردى العداة الذي للحق قد عقلا
ومن حمى ملة الإسلام وانتشرت
…
منه الردود على الأعدا وما غفلا
بالظم حقًا وبالمنثور فاتضحت
…
معالم الحق إذ أحيا له سبلا
أعني سليمان من سارت فضائله
…
مسيرة الشمس في الأقطار إذ فضلا
فانظر لحزب الردى حقًا فقد غرقوا
…
في بحره وانجلى بالحق ما انسللا
وكانت ولادته رحمه الله في قرية "السقا" من بلدان أبها سنة 1268 هـ، ونشأ بها حتى راهق البلوغ، قال رحمه الله:
وأرضٍ بها نيطت على نمائمي
…
تسمى السقا دار الهداة أولى الأمر
بلاد بني تمام حيث توطنوا
…
وآل يزيدٍ من صميم ذوي الفخر
ثم انتقل منها إلى الرياض، والرجل فوق ما قيل فيه دينًا وزهدًا وعلمًا ومعرفة وجهادًا لأعداء الشريعة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ونشهد الله على حبه وندعوا له ونثني عليه ونسأل الله تعالى أن يجبر الإسلام على فقده وأمثاله.
وإنها لمصيبةٍ عظمى أن يهلك هذا العالم ولا نجد من يسد ثلمته، وأملنا عظيم في رجال الدين وحماة الشريعة أن يقوموا بواجبهم لينالوا حسن الثواب ويؤدوا واجبًا.