الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكومة السعودية وإجراء تدابيرها للحرب
لما عاين ابن سعود المنشورات استشاط غضبًا وعدل عن السلم إلى الحرب، ودعى بالعويني فأبقاه عنده، ثم جمع الإخوان في 4 جمادى الثانية وعقد مجلس بالشهداء حربي، فلما حضر الإخوان وجميع القواد في الجيش السعودي تكلم سلطان بن بجاد بن حميد، الذي يسمى سلطان الدين، فقال: يا عبد العزيز إننا نعلم أن لا صلاح في أمر دين ولا دنيا للمسلمين عمومًا، ولهذا البيت وأهله خصوصًا بوجود الحسين وأولاده في الحجاز، فإذا كان ثابتًا عندنا ونعتقده دينًا فما المانع من الزحف عليهم وقتالهم، فإن كنت تخاف على أحد من رعايا الأجانب أو أحد من أهل جدة فلك منا العهد والميثاق أننا لا نمسهم بشر إلا من برز منهم لقتالنا أو بلانا بنفسه، ونحن كما تعلم نتجنب ما تأمرنا بتجنبه، والآن فلا بد لنا من أحد أمرين، الأول أن تعلمنا الطريق الذي يجب أن نسير فيه ونحن نكفيك مؤونة الأمر، الثاني إذا كنت لا توافق في الزحف لما تراه من الأمور التي أنت أعلم بها منا، فلا يجوز أن نظل بعدين عن أعداء الله هذا البعد، بل يجب علينا أن نقترب منهم ونضيق عليهم الخناق حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
أما الأمر الأول فهو مرامنا، وأما الثاني فليس إلا مرضاة لخاطرك بالإمام، لأن الله أوجب علينا طاعتك، ثم تكلم خالد بن لؤي فقال: يا عبد العزيز إني أقول كلمة وإن كانت تغيظك، كنا نتحدث فيما بيننا ونقول: قد بدّل عبد العزيز الشجاعة بالجبانة، وكنا قبل قدومه نتمنى قدومه، أما اليوم فصرنا نقول ليته ظل في بلده بعيدًا عنا، فإن كان هناك دليل شرعي يؤخرنا عن القوم فبينه لنا حتى نتبعه وما نحن إلا خدّام الشرع، وإذا كان لا قصد لك غير الشح بأنفسنا عن الموت فما من أحد يموت قبل يومه، وما نتمنى والله أن نموت إلا شهداء، فأي قتال تراه أفضل من قتال الحسين وأولاده، هذا خطابهما لجلالة الملك، وما كان فيه أعني الملك من جبانة، فأجابهما قائلًا: الرأي، الرأي، الآناة، الآناة، وهذا يعد من دهائه وبصيرته
بل شجاعته، لأن المقام ضخم جدًا، فالمؤاخذة بالعجلة قبل المعذرة من كل جهات العالم الإسلامي الذي ملا أذنيه الحسين وأبنائه كذبًا وزورًا مما يخول لذلك قبولًا.
وبذلك استطاع بالرغم من كل الدعايات أن يقف كل الدول وفيها حلفاء الحسين نفسه، ويقف البلدان التي يتولى شؤونها إخوة ملك الحجاز علي بن الحسين وقفة المكتوف، فلا يسعها عونه وهم ينظرون سقوطه شيئًا فشيئًا.
فلما كان في 7/ 6 جاء كتاب من مكة إلى الملك علي أرسله أحد أنصاره في مكة سرًا، فيه أن جنود خالد نقلت من الأبطح ولا يدري أين وجهت، وأن خالدًا هو عند السلطان بالشهداء، وأن السلطان يتأهب لنقل المخيم إلى بحرة، فلما قرأه الملك علي عبس واضطرب وجعل يدخله في جيبه ويخرجه ويقرأه بمسمع من رئيس الحكومة ووزير الخارجية وأمين الريحاني.
ثم قدم في آخر اليوم مساء جماعة من أهل جاوة إلى جدة، فأخبروا أنهم أتوا من مكة وأن ابن سعود بألف من جنوده وصلوا إلى حداء، وكان الذي بعث السلطان على إعلان الحرب ثلاثة أمور:
الأول: الأشراف الذين عنده مثل شرف عدنان، والشريف باشا العبدلي، والشريف هزاع بن فتن بن منصور، اجتمعوا وقالوا للسلطان: إذًا قد ناصرناك وواليناك فإنا نخاف على أنفسنا من الملك علي إن عاد تصالح من عاديناه من أجلك أتتركنا في بلادنا ينكل بنا ونحن الآن من رجالك.
الثاني: الإخوان قاموا يستبسلون ويرغون ويزبدون، خلنا عليهم يا إمام أولئك الإخوان الذين فضلهم لا ينكر يشهد لهم التاريخ بالفتوحات الإسلامية والجراءة العجيبة العربية، أولئك الأسود في العرين الذين فرائسهم الأمراء والملوك، فلا عيب فيهم في تلك الآونة سوى أن ساستها أعظمت قيودها وإذا حطمت قيودهم فيا ويل من كان أمامهم.
الثالث: المنشور الذي ألقته الطائرة على مخيمه، فما كان لسطوته أن يستهان بها وما هو بالذي يوقف في طريقه أو يصبر على الضيم، وما كان العدو في محاولاته إلا أنه يقوم بحركة مذبوح.
ولما أن جاءت الأنباء بزحف ابن سعود بجيوشه، دخل تحسين باشا الفقير وعارف باشا الإدلبي وزير الحربية والبحرية على الملك علي فجلسا وعليهما سيماء الغضب والاضطراب فتكلم أحدهما قائلًا: علمنا أن الإخوان مشوا من بحرة وقريبًا يصلون إلى الرغامة وقال الآخر: يجب أن نرسل عليهم الطيارات لعنهم الله ولعن أجدادهم، ثم قالا بعد ذلك غدًا صباحًا سنرسل الطيارات كلها عليهم فتمطرهم النار والرصاص وتفنيهم إن شاء الله، ثم حصلت محاورات بينهما وبين الريحاني هما ينهضان الملك وهو يثبطه حتى طلب الريحاني تأجيل المسألة إلى يوم الأحد الموافق 9، فكتب السلطان عبد العزيز في 7/ 6 أن الحكومة والجند وأصحابي في قلق وارتياب مما شاع هذا المساء بخصوص تقدمكم إلى جدة وهم يأبون التربص والامتناع عن الحركات العسكرية الحربية ولكني تمكنت من توقيفهم يومين آخرين أي إلى مساء الأحد، فأرجوكم إذن أن تخابروني حالما يصلكم كتابي هذا ليصلني الجواب مساء الأحد وإذا كان النجاب لا يرجع في اليوم الثاني فأرسلوا الجواب مع نجاب آخر من عندكم في كل حال أنتظر جوابكم مساء الأحد في 9 الجاري فلا تخيبوا أملي، فأجابه السلطان بكتابه الآتي:
من عبد العزيز عبد الرحمن الفيصل إلى أمين الريحاني كتابك وصل وما عرضت كان معلومًا، من خصوص كتابك السابق وهذا مضمونه تراه طي الكتاب، وأما كونه وصل إليكم أو لم يصل فلا بد أنك تتحقق عن ذلك من أصدقائك الموجودين عندك، وأما ما ذكرت في الملحق عن تحمس الجنود لما بلغهم منزلنا حداء وإغارة بعض الرايات عليهم وأنك طلبت منهم أن يتأخروا، فلا نقول إلا ما قال سبحانه:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ونقول أيضًا يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين، وأما رجاؤك أنهم يتأخرون فكما قال الشاعر:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ
…
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
إن كنت تعرف الحقيقة كما نظن إنك تعرفها عن القوم وعنا وتتجاهلها فتلك
مصيبةٌ، وإن كنت لا تعرف الحال وأن القوم يتهكمون عليك فالمصيبة أعظم، ولكن رجائك لتوقيفهم عن الزحف علينا لا نرى لجنابك في فضلًا وإنما نرجوك أن ترخص لهم كما نرجوك أن تبلغ الأمير أنه بلغني أنه يستحرمنا حرمة الحرم، وإننا إذا لم نخرج منه يقاتلنا فيه وليس بذلك حرج، أما نحن فقد خرجنا فالرجاء فيه أن الكريم إذا قال وفي ونرجوا من الله تعالى أن ينصر جند الرحمن على جند الشيطان والسلام على من اتبع الهدى.
فلما كان في صباح السبت الموافق 8/ 6 طارت طيارة إلى وادي فاطمة، وحلقت فوق بحرة وحداء والشميسي، فعاد القائد يقول: ما رأيت ابن سعود ولا جنوده ولا أحدًا من البشر أو الحيوان في الطريق، نعم قد حالت الغيوم عن رؤية الإخوان، كيف لا وقد أطلقوا عليها البنادق والرصاص في وقت رؤيتها، وما علم القائد ولا المراقب بهم، وما علموا إلا في غد لما وصل جماعة جدة قادمين من مكة، وهو أن الإخوان قد زحفوا بمائتين من الخيام معهم ثلاثة مدافع وقد خيموا قريبًا من حداء وقد أرسلوا الرصاص على الطيارة، لكن بعدها في الجو حال بين الطائرتين وبين الشعور بذلك.
ثم إنه دخل تحسين باشا على الملك علي وعنده الوكيل الإنكليزي يهنيه بصحته، فكلم تحسين للملك يقول: أستأذن بكلمة خاصة، فأجابه الملك بقوله: مهمة؟ أجاب مهمة جدًا، فذهب علي يمشي وتحسين خلفه، حتى ظهرا على غرفة محاذية للمجلس، فرجعا سريعًا يقولان: جائوا نحو مائتين من الخيالة، رأتهم القيادة خارجين من بين الجبال، وتحسين يقول: رأيتهم بعيني صاروا في السهل فعند ذلك صدر الأمر بإطلاق المدافع عليهم، وبادر كل من في القصر من صغير وكبير وشريف ووضيع إلى البنادق وزنار الخرطوش، ووقف الملك علي مذعورًا ينظر ومن معه من حاشيته في شرفة القصر يراقبون السهل بالنظارات، فخاف كل من في جدة وظنوا أن الإخوان سيهاجمون خط الدفاع في هذا اليوم 9/ 6 الموافق ليوم الأحد من سنة 1343 هـ، وإذا هاجموه يخترقونه لما كانوا يعرفون من صلابتهم
وشجاعتهم فلا تنسى يوم تربة وما فعلوا بجنود الشريف يوم الطائف، وما ظهر منهم من البسالة في الوقعات التي تتلاشى دونها كل قوة.
فعند ذلك أقفلت المخازن ولجأوا أكثر الأهالي إلى بيوتهم، أما المدافع الهاشمية فكانت تطلق الطلقة نلو الأخرى على الإخوان، وما كان لها من التاثير إلا غبار تثيره القنابل إذا انفجرت وما حواليها أحد من الإخوان، ثم خرجت الخيالة من بين الجبال فعادت اتجاه الخط إلى الجنوب، وظهرت فرقة أخرى في الشمال الشرقي من السهل هي خيالة التوحيد، نحو ثلاثمائة منهم، فجالوا في ذلك السهل ضحى عدة جولات، فأخذوا غنمًا وجدوها فساقوها أمامهم وهم يتراجعون، فلما كان وقت الظهر من هذا اليوم وصل النجاب من ابن سعود يحمل ذلك الجواب الهادم لما تقدمه من الأجوبة السلطانية، فرجع السيد طالب النقيب بخفي حنين، وعاد الستر فلبي مريضًا حانقًا على جدة وأهلها بعدما اجتمع بابن سعود بالقرب من جدة فلم يفلح، وقرر الريحاني السفر في 9 رجب مبارحًا البلاد إلى مصر، ثم حصل انكفاف عن المناجزة بضعة أيام سعت في ذلك الوقت بعثة مصرية في السلم، غير أن الوقت جرى فيه فصل الخطاب من السلطان، ثم بدأت المناوشات بين الجيوش النجدية وأهل جدة، حتى جاءت القوات النجدية بالمدافع والرشاشات من مكة فوجهها الإخوان على العدو، وهذه المدافع والرشاشات هي التي تركها علي بن الحسين في الطائف والهدا فصارت غنيمة باردة للحكومة السعودية، فصارت المدافع من كلا الفريقين تضرب بشدة، وشرعت الرشاشات والبنادق فاحتل الإخوان في النصف الأخير من جمادى الثانية النزلة اليمانية مرتين، واحتلوا نزلة بني مالك والرويس واستولوا عليهما، ثم خرجت وضربها تحسين باشا بالمدافع، وحرق الإخوان قسمًا منها، فأخلاها الفريقان.
ظل الإخوان مرابطين في الجهة الجنوبية أمام الجناح الأيمن، فاصطدموا مرارًا بثلل من الجيش الهاشمي كانت تخرج تارة للكشف وطورًا لاحتلال آبار الماء في تلك الناحية.