الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وقد كان أمير بريدة إذ ذاك "مبارك بن مبيريك" الورع الحليم العاقل المتعفف جزاه الله خيرًا، وكان هذا الرجل يستر العورات وينصح للأمة فأعيد في إمارة بريدة للمرة الثانية بعدما عزل عنها الأمير "تركي بن ذعار" ولما أن كان في شوال قدم الشيخ عمر إلى بريدة عائدًا من الحجاز فابتهجت به وجوه الأهالي.
وفيها أنشئ في بريدة عاصمة القصيم محطة التلغراف اللاسلكي، فانزعج الناس لذلك وأحدث عند العامة تشويشًا فذهبوا إلى القاضي عبد الله بن محمد بن سليم يأخذون رأيه فطمنهم وأمرهم بالسكينة فقاموا مقتنعين وقد ذهب كل ما يجدونه في نفوسهم، ولما جاءت به أخبار الأهلة والطلاق والأحداد عرفوا تلك المصالح التي وفرت للأمة شيئًا كثيرًا فنسأل الله البصيرة في أمور ديننا ودنيانا.
ذكر ثورة الأدارسة وابن رفادة
قد بيَّت أعداء الحكومة السعودية لها نية القيام بثورتين في وقت واحد حتى استوفوا شرائطهما -الأولى كانت في الشمال وهي فتنة ابن رفادة، والثانية في الجنوب وهي فتنة الأدارسة، ولكن من توفيق الله للحكومة السعودية اختلاف الثورتين في الميعاد، فنقل إلى الحكومة في شوال من هذه السنة أن أعداءها بيتوا النية على الثورة، واتخذوا سبيلًا لذلك فأخذ ابن سعود التدابير، وقضى على فتنة ابن رفادة.
كان حامد بن سالم بن رفادة من سكان الحجاز وقطن به إلى سنة 1347 هـ، ثم قام بفتنة في الوجه فضربته الحكومة السعودية ضربة فرَّ على أثرها إلى الديار المصرية، واتخذ له مسكنًا بالقاهرة، وظل مقيمًا بها حتى غادرها للقيام بهذه الحركة، ولم يكن حامد قد نسي الضربة التي أقصته عن بلاده، ولم يعد كما كان شيخًا لقبيلة "بلي" فأضمر العداء لحكومة بلاده وأخذ يتصل بالعدو أملًا في النهوض بثورة على الحكومة طمعًا في السيادة والانتقام وأطمعهم في الكسب حتى استطاع أن يجمع بضع مئات بمساعدة "محمد بن عبد الرحيم أبي
طقيقة"، وكان هذا الغبي الذي يظن أنه متى ما قام بثورته ضد ابن سعود لبته قبائل الحجاز وثارت معه، فمشى بمن معه من البدو إلى النصب بين السويس والطور وأبقاهم فيه ورجع إلى القاهرة لتصفية أعماله بها.
أما الأدارسة فتقريب مسألتهم: أنه لما مات محمد بن علي الإدريسي الذي كان وفق كل التوفيق إلى تأسيس إمارته على قواعد ثابتة، تولى ابنه علي بن محمد الذي لم يكن كأبيه في الأخلاق والصفات، بل كان ضعيفًا فاتر العزيمة بالنسبة إلى أبيه حتى احتل الإمام يحيى الحديدة، ووصل إلى ميدي فثار عليه الأدارسة لئلا ينفلت من أيديهم الملك والسلطان وأخرجوه، فلجأ إلى ابن سعود وما يزال باقيًا عنده فتولى السيد الحسن الإدريسي وأراد أن يكون كأخيه محمد، ولكن لم تكن فيه مؤهلات ذاك وكفاءته فارتبك وفاوض يحيى وإيطاليا والإنكليز، فلم يتم الاتفاق إلا بينه وبين الإنكليز، فمنحهم امتيازًا من جزيرة "فراسان" بشروط مجحفة على البلاد، وتم الاتفاق مع ابن سعود بواسطة مندوبه السيد "مرغني الإدريسي" على بسط الحمية السعودية على تهامة التي يحكمها الإدريسي وذلك في 14/ 4/ 1345 هـ، ومن أهم شروطها: ألا يفاوض الحسن مفاوضات سياسية مع أية حكومة كانت، وألا يمنح امتيازًا اقتصاديًا ولا يعلن حربًا أو يبرم صلحًا إلا بعد موافقة ابن سعود، وألا يتنازل عن جزء من أراضي مقاطعته، وقد تقدم، وفي الوقت نفسه تعهد ابن سعود بالدفاع عن ممتلكات الإدريسي، وكان أول عمل لابن سعود مفاوضة بريطانيا في شأن الامتياز، حتى استطاع إلغاءه، ثم بعث بعض رجاله يعينون الحسن في إدارة البلاد، غير أنه شعر بالعجز، وتأخرت البلاد وعصت الرعية حتى اضطر في 17 جمادى الأولى من سنة 1349 هـ إلى أن يقول لابن سعود في برقيته التي بعثها إليه.
تقرر بموافقتنا ورضائنا إسناد إدارة بلادنا وماليتنا إلى عهدة جلالتكم، وقبل ابن سعود التنازل بموجب الأمر الملكي الصادر في 29 جمادى الثانية من السنة المذكورة، وبذلك انتهى أمر الإدريسي وحكومته.
ولكن ابن سعود لم ير اعتزاله الحكم مع كرامة الأسرة الإدريسة، فجعل له
مقامًا ممتازًا في بلاده، وجعل أمراءه السعوديين تحت سيادة الحسن صونًا لكرامته، وإعلاء لشأنه، وأخذ يعطيه سنويًا مائتي ألف إلى 250 ألف ريال كنفقات إدارة عسير، إلا أن الحسن لم يرضه استقرار بلاده وهدوءه والرخاء والسلم فاغتر بدسائس الأمير "عبد الله بن الحسين الشريف" وأذنا به من أعداء ابن سعود، وبما أنه لم يحسن في عين الأمير عبد الله تصرف أخيه الملك فيصل وظل يستهجن عمله ويعجب كيف سوغ للملك فيصل إبائه وشممه العربي أن يضع يده في اليد التي دكت عرش والده وأقصته عن وطنه، وأزعجه أن تطبق الأمة على حب ابن سعود، فأخذ على نفسه الانفراد وحده بمقاومة ابن سعود، وأخذ يبحث عن أنصار يستخدمهم لغاياته، وها قد حصل على أحزاب يرأسهم "حسين الدباغ"، وبعدما تألف الحزب أسندت الرئاسة إلى طاهر الدباغ وتعهد عبد الله لهم بالمال والعتاد، فنشأ عن ذلك هاتان الثورتان.
ولقد سافر إلى اليمن حسين الدباغ وحاول أن يستميل الإمام يحيى فلم يفلح، وحمل الحسن الإدريسي على أن يطلق يديه من ابن سعود ويثور عليه، فاطمأن الحسن ونقض عهوده مع ابن سعود، وأخذ يعمل في الخفاء ليوم الانقلاب المنتظر، واشترى الأسلحة سرًا، ولكن الله خذله لحسن نية ابن سعود وتقواه، وما زال ابن سعود يحفظه الله ويصونه.
فلما رأى أمير جيزان ما يريبه رفع إلى صاحب الجلالة بأن جنود الإمام يحيى تقدمت إلى جبل "العرو" التابع للإدريسي، وأخذت الرهائن من أهله، وأن عمال الإمام يرسلون الكتب إلى رؤساء قبائل المقاطعة يدعونهم إلى الطاعة للإمام يحيى، ونقض عهدهم مع جلالة الملك بصورة صريحة.
فأبرق جلالة الملك ابن السعود للإمام يحيى يعلمه بذلك ويستبعد أن يكون صدور ذلك عن أمره، وأن ذلك كان بأمره "فلا حول ولا قوة إلا بالله"، فأجاب الإمام: أن أهل جبل العرو هم الذين طلبوا منه احتلال بلادهم لتعليمهم الدين، وأنه إذا كان وقع من ناظرة ساقين أو غيره بعض تجوز، فحلم جلالة الملك أوسع
من ذلك، فعندها بعث جلالة الملك إليه بجواب يقترح عليه عقد مؤتمر من مندوبين من الطرفين لحل المشكل، وبعد مفاوضات طويلة أبدى فيها كل من الطرفين حجته في جبل العرو، ولكنهم لم يحصلوا على نتيجة، وفي النهاية أبرق يحيى إلى جلالة الملك أنها قضية متروكة لجلالته، وأنه يحكم فيها بالذي يراه، فكان جواب جلالة الملك المنع البات عن أن يتنازل عن جبل العرو للإمام يحيى.
هذا وقد كان الإمام يحيى من حينما عقدت اتفاقية مكة المكرمة بين حضرة صاحب الجلالة ابن سعود، وبين الحسين الإدريسي سنة 1345 هـ لم تكن العلاقات السياسية بين يحيى وابن سعود على ما يرام، فقد خيف من نشوب حرب بينهما، ولما أوفد ابن سعود وفدًا متألفًا من ثلاثة أشخاص، هم سعيد بن عبد العزيز بن مشيط، وعبد الوهاب بن محمد أبو ملحة، وتركي بن محمد بن ماضي، وسافر هذا الوفد إلى صنعاء دارت بين الوفد وبين الإمام يحيى مباحث عديدة خلال سبع عشرة جلسة تجلت عن كون الأدارسة دخلاء وغاصبين، وإن مقاطعتهم في تهامة ليس للإدريسي فيها أي حق من الحقوق، وأن الإدريسي رجل دخيل مغتصب لتلك القطعة، ثم حصلت جلسات بلغت خمسة عشر جلسة على غير طائل، ثم حصلت مراجعات ووثائق عديدة بين ابن سعود وبين يحيى من لدن تلك السنة إلى هذه السنة.
هذا ولم يوفق المندوبون إلى بلوغ تسوية يمكن القول بها لتمسك اليمانيين وإصرارهم على البقاء في الأماكن التي احتلوها، وحينما تعقدت الأمور حل ابن سعود مشكلها واجتمع المندوبون من جديد ووقعوا على معاهدة في ثمان مواد صدّقها الإمام يحيى وجلالة الملك، وهذا نصها:
بعد البسملة، حسب الأمر من سيادة الإمام الأعظم يحيى بن محمد حميد الدين، وجلالة الملك المعظم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، قد اجتمعنا من طرف الملكين لعقد اتفاقية بين الحكومتين بموجب المواد المبينة أدناه:
المادة الأولى: يكون على الدولتين المحافظة على الصداقة وحسن الجوار وتوثيق عرى المحبة، وعدم إدخال الضرر ببلاد كل منهما على الآخر.
المادة الثانية: يكون على كل من الدولتين تسليم المجرمين السياسيين وغير السياسين المحدثين بعد هذه الاتفاقية، كل حكومة عند طلب حكومته له.
المادة الثالثة: يكون على كل من الدولتين معاملة رعايا الدولة الأخرى في بلادها في جميع الحقوق طبق الأحكام الشرعية.
المادة الرابعة: تكون على كل من الدولتين الضبط والتسليم لرعايا الدولة الأخرى في كل الحقوق الشرعية، فما أشكل ولم ينهه الأمراء ولا العمال فمرجعه إلى الملك والإمام.
المادة الخامسة: على كل من الدولتين عدم قبول من يفر عن طاعة دولته كبيرًا أو صغيرًا مستخدمًا أو غير مستخدم وإرجاعه إلى دولته حالًا.
المادة السادسة: إذا أحدث أحد من رعايا الحكومتين في بلاد الآخر فعلى المحدث أن يحاكم في المحاكم التي وقع فيها الحادث.
المادة السابعة: منع الأمراء والعمال من التداخل بالرعايا كما يحدث القلق ويوقع سوء التفاهم بين الدولتين.
المادة الثامنة: إن كل من يسكن من رعايا الطرفين في بلاد الآخر بعد هذه الاتفاقية، وتطلبه حكومته، فإنه يساق إلى حكومته حالًا.
هذا ما حصل به التراضي بين المندوبين من طرف سيادة الإمام، ومندوبي جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود على أن يكون العمل بهذه الثمان المواد بعد موافقة ومصادقة الملكين المعظمين عليها وتحرر ما ذكر أعلاه من صورتين بيد كل فريق صورة بتاريخ 8/ 15/ 1350 هـ.
فجاء تقرير صاحب الجلالة لذلك وأنه مسرور بذلك، ثم جاء الجواب من الإمام يحيى وأنه مقرر لذلك والمواد مرعية من قبل ومن بعد، ولكنه يطلب من صاحب الجلالة بعض المراجعة بينه وبين مندوبي صاحب الجلالة، فجاء الجواب إليه من صاحب الجلالة في 5 شوال: أن لا بأس بذلك، ولكن لا بد من تأخير إرسال المندوبين إلى وقت الحج، وذلك لأن المندوبين الذين حضروا المفاوضات