الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحب العظمة عبد العزيز أمر أولًا بغزو الشرق العربي قبل الزحف إلى الحجاز وهذا الغرض حربي، لإنها لم تكن هذه الغزوة بدون أسباب تبررها. قد تقدم البيان فيما كان بين حكومتي نجد وشرقي الأردن من النزاع المتواصل، وحجت الحكومة الأردنية استرجاع الجوف وقرى الملح، وإذا كانت جنود ابن سعود قد احتلت تلك القرى فما الداعي إذًا إلى تجاوزها إلى الحد وإلى الغرو فيقال: الداعي أن هناك تعديات وجرائم ذكرت في مطالب نجد في مؤتمر الكويت، فقد أغار ابن سليمان بن جازي من شيوخ الحويطات على قافلة من تجار نجد في طريقهم إلى الشام، فقتلوا ثمانية من رجالها، ونهبوا ما يزيد على سبعمائة بعير، وكذا تكررت الإغارات على أهل نجد من عربان الحويطات وبني صخر الذين كان الأمير عبد الله يقربهم منه ويجز لهم العطايا فبلغت المنهوبات ألف بعير، وأربعين فرسا من الخيل ما عدا الأحمال التي تقدر بثمانيين ألف ليرة عثمانية.
ولما أن طلب السلطان عبد العزيز أن تغرم قبيلة بني صخر بمئتي ألف ليرة
ضمانة لسلامة التجارة والتجار بين نجد وسوريا، لم تكترث الحكومة الأردنية لهذا الطلب، ولم تعره اهتمامًا، وذلك احتقار للخصم، وعدم مبالاة بما يوغر الصدور، فعندها عمد السلطان إلى القوة.
ذكر غزوة البلقا وما جرى للإخوان حين وصلوا أبواب عمان
لما كان في أوائل محرم زحف الإخوان من أطراف وادي سرحان وعددهم يتراوح بين الألفين والثلاثة آلاف، فالتقوا في طريقهم بثلة من جنود شرق الأردن، عددهم مع رجال الحملة خمسة وعشرون، وهم سائرون إلى القصر الأزرق، فيحملون المؤن والذخير، إلى الحامية فيه، فذبحوهم إلا واحدًا وغنموا الحملة كلها، ثم تقدموا غربًا، فهجموا على الطنيب وأم العمد والقسطل ويادودة، وكادوا بعد أن اجتاز فريق منهم سكة الحديد، أن يصلوا العاصمة أولئك الإخوان (1) وربك لا يعرفون نظامًا، ولا يخافون دولة، ولا يهابون موتًا، وما كان إلا أن أذن لهم في الغزو، فطاروا مجاهدين، فليسوا بأهمية من سطوة شريف ولا ضيع، فلما حصل
(1) قوله الإخوان إذا أطلق هذا اللفظ فالمراد به البدو المتطوعون المتدينون يعصبون رؤسهم بالعمائم الكبار فوق الشماغ ويقومون يقتلون ولا يخافون من أحد كائن من كان.
هذا الإقدام، وهذه الجراءة كان الأمير عبد الله يومئذ متغيبًا، فعندها صدرت أوامر الحكومة بالدفاع، فبادر العربان وفي مقدمتهم الصخور والحويطات إلى محاربتهم، فاشتبكوا في معركة دامية، واستمروا بضع ساعات، وكان بيك باشا القائد الإنكليزي للجند النظامي قد أرسل الطيارات، والسيارات المدرعة على الإخوان، فحلقت الطيارات فوق العربان المتلاحمين، وشرعت ترميهم كلهم بالقذائف، كما أن السيارات أطلقت عليهم جزافًا مدافعها الرشاشة، كأني بأولئك الإنكليز يقولون من أين لنا أن نعرف النجدي من الأردني، والعرب في القيافة لا يفرقون بعضهم عن بعض، نعم كلهم عرب أغمض عينيك يا ابن جانبول، واضرب فكانت القتلى بين الفريقين قبل مجيء الطيارات والسيارات نحوا من مائة رجل، فلما رعدت الطيارات والسيارات، وألقت قنابلها على المتلاحمين، انفصلت هذه الواقعة عن أربعمائة قتيل من الإخوان وعربان عمان، واختلط الحابل بالنابل، وكان بعض الأسرى من الإخوان، يحملون علبًا من التنك الإنكليزي الصنع، فيها لحم مقدد، حتى قال بعض أهل المعرفة من تلك الناحية: من ينكر بعد ذلك أن الإنكليز يساعدون ابن سعود هذا لحمهم المقدد يأكله الإخوان، وكان هذا اللحم من الحملة التي غنمها الإخوان في طريقهم، نعم إنه لحم من لحم الإنكليز ومن بلاد الإنكليز، ولولا القوة الهائلة التي كانت تديرها الأيدي الإنكليزية، لاكتسح النجديون الشرق العربي، ولرفعوا العلم السعودي فوق ربى عمان.
أما الأمير عبد الله فبعدما عاد إلى عاصمته شكر الإنكليز التي لا تزال إلا تكلى بعينها الزرقاء البيت الهاشمي، وأما سيد هذا البيت الأكبر الملك حسين فقد كان في قصره بمكة متوسدًا وسادة الخلافة، مطمئنًا واثقًا بما تضمره الأيام، ويدبج المقالات لجريدة القبلة، نحن نشكر كمالات حكومة بريطانيا العظمى على ما أظهرته من الحمية في الشرق العربي، ولكننا مع ذلك لا نتنازل عن حق من حقوقنا، إن سورية جزء من البلاد العربية وإن فلسطين للعرب، ولا نوقع معاهدة فيها، ما ينفي هذا القول بل هذا الحق، ومن أعرف من بالبدو وبالمتدينة قنبلة من مدفع تبددهم، وطيارة واحدة تشتت شملهم، والبرهان في الشرق العربي، وكان يفكر في تعزيز ملكه في الشرق الأوسط أيضًا، فعين وزير خارجيته الشيخ فؤاد الخطيب سفيرًا للحجاز في طهران.