الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر انتفاض الدويش، عياذًا بالله
وقد قال بعض أدباء الشعر بيتًا جميلًا وأحسن ما قيل في إكرام اللئيم:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
…
يلاقي الذي لاقى مجير أم عام
لما سار صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل قدس الله روحه وجعل الجنة مثواه، وذهب إلى الحجاز ليشهد الحج في موسم هذه السنة، وكان قد تمكن من أعدائه لأن الله تعالى أباد خصراهم وعاملهم بنقيض قصدهم، ثار الدويش بعدما شفي من جراحه الخطرة واستعاد قوته ونشاطه، كما استعاد ابنه الحرية واتصل بأبيه، ومن أعظم فسادًا من الدويش وابنه، ومن أشد منهما جحودًا للجميل ونكرانًا للصفح، وكان لما عفا عنهما صاحب الجلالة ومن عليهما بعد إلحاح، وهم شر الجناة، لم يستمرئا طعم العفو لأنهما فطرا على النهب والسلب، فأعاد المفسدون الكرة وظنوا أن الجو في نجد قد خلا لهم، فما ثم من بأس أن طاروا أو حلقوا وسعوا بالفساد، فغادر الشقي وابنه الأرطاوية بجنودهما وأقاما بين الكويت والإحساء وانضم إليهما "ضيدان بن حثلين" فأخذوا يشنون الغارة على الآمنين ويقتلون ويسلبون وينهبون الأموال والأنعام حتى أمسوا وربك خطرًا على الأمن، وما أفاد فيهم النصح والإرشاد ولا الزجر والتهديد، بل انقطع الطريق بين نجد والإحساء وبين نجد والحجاز، حتى كادت المواصلات تنقطع بين مدن المملكة العربية السعودية، وقامت عتيبة تغير على القوافل وتقتل الرجال والنساء والأطفال، وكذلك الدويش ومن معه، وأصبحت ثوراتهم تنذر بالويل والخراب، لذلك انتدب الأمير فهد بن عبد الله بن جلوي وخرج بنفسه ودعى بضيدان بن حثلين إليه في معسكره، ولما أن جاء إليه ولبث عنده قريبًا من الزوال إلى حوالي الساعة الثالثة ليلًا خاف العجمان على رئيسهم ولم يشكوا في قتله لأنه لم يتأخر عن ميعاده الذي ضربه لهم إلا لعائق الموت، فثاروا متحمسين وتبايعوا على الموت وتجردوا من ثيابهم وخرجوا عراة غير مبالين، أولئك العجمان الذين شرهم أشهر من أن يذكرو وخياناتهم تذكر ولا تنكر، فأعظم بهم غدرًا وجراءة ونكايةً.
كان ضيدان بن حثلين رئيس قبيلة العجمان ثالثة الأثافي، وكان من المتآمرين ضد الملك عبد العزيز، وكانت الرسل تتردد بينه وبين الدويش، إلا أنه لم يحضر واقعة السبلة ولا أحد من قبيلته، وكان أمير المنطقة الشرقية عبد الله بن جلوي بن تركى يعرف دخيلة نفسه وما ينطوي عليه، فجهز ابنه فهدًا في سرية ومعه "نايف أبو الكلاب" أفراد أسرة الحثلين إلى "الصرار" هجرة ضيدان بن حثلين للقبض على ضيدان لإطفاء جمرة البغاة والقضاء عليهم، فسار فهد بن عبد الله في ذي القعدة من هذه السنة ونزل على بعد مسيرة أربع ساعات من الصرار، وأرسل إلى ضيدان كتابًا يقول فيه: إنه يريد الغزو على بعض القبائل المتمردة ويرغب في مقابلته لمشاورته والأخذ برأيه، فكتب له ضيدان يدعوه لدخول الصرار للضيافة والمشاورة، فأبى إلا أن يأتيه بنفسه، فاستشار ضيدان بعض جلسائه فأشاروا عليه بعدم مقابلته، فأجابهم بأني لم أدخل الفتنة ولا أحب إظهار المخالفة، وخرج من الصرار معه خمسة رجال على خيولهم، وقدموا على فهد بن عبد الله، وبعد تناول القهوة دعاهم رجل من خاصة فهد لتناول القهوة في خيمة خاصة، ولما استقروا فيها أمر فهد بتقييدهم بالحديد لإرسالهم إلى والده، وبقوا مكبلين بالحديد بقية يومهم، ولما أن كان بعد صلاة العشاء الآخرة لم يرجع ضيدان إلى بلده، فأيقن قومه بالشر وخرجوا عن بكرة أبيهم لمهاجمة فهد وفك ضيدان بالقوة، ولما قربوا من السرية أحاطوا بها وأطلقوا عليها الرصاص، وحينئذٍ أمر فهد بن عبد الله بقتل ضيدان ومن معه، فضربت أعناقهم والتحم الفريقان، فقام "نايف بن حثلين" والذين معه من العجمان الذين خرجوا مع فهد بن عبد الله من الإحساء حين علموا بقتل ضيدان وقتلوا فهد بن عبد الله وتحيزوا إلى قومهم وقضوا على السرية وأخذوا جميع معداتها وذخائرها وأسلحتها واقتسموها، وانضم "نائف أبو الكلاب" إلى قبيلة العجمان وتزعمها ثم غادروا هجرتهم الصرار، ولما انضموا إلى الدويش الذي سارع بعدما عادت إليه صحته واندمل جراحه ونقض عهده، جاءهم "ابن مشهور" في جماعته من عنزة وعقدوا الرأي على احتلال الإحساء والمدن الساحلية كالجبيل والقطيف،
وفي طريقهم ذلك قيل لهم أن أحياء من العوازم نازلون على ماء يقال له "رضي" فطمعوا في أخذهم وسلب أموالهم، فساروا إليهم وصبحوهم وهم غادون لا يعلمون بما بيتوا لهم من المكر، فثارت العوازم في وجوههم مدافعين عن الأنفس والأهل والمال فأعملوا في الدويش والعجمان الرصاص والسيوف والسكاكين وعمد البيوت والحجارة، وأنزل الله عليهم النصر من السماء فقتلوا أهل الرايات وهزمهم العوازم شر هزيمة لا ينمحي عارها، لأنهم يرون أن العوازم لا يكافئونهم في الشرف والشجاعة، وما النصر إلا من عند الله.
ولما أن كان بعد مدة يسيرة لا تزيد على شهرين أعادوا الكرة على العوازم، وليستعيدوا شرفهم وسمعتهم وهيبتهم، فجمعوا فلولهم، وكانت العوازم تترقب غزوهم فاجتمعوا على ماء يدعى "نقير" وسار إليهم العجمان والدويش وابن مشهور، فالتقوا على ذلك الماء وجرت واقعة هزم فيها الدويش والعجمان وأتباعهم شر هزيمة، وقتل كثير من رجالهم وعادوا خائبين.
وفي هذه الآونة قتل الشيخ عبد الرحمن بن صعب، قتله جماعة ابن مطيوي، وهذه ترجمته:
هو الشيخ العالم القاضي أبو سليمان عبد الرحمن بن عبد العزيز بن الشيخ صعب آل تويجري وآل تويجر من عنزة يسكنون الجمعة، ثم تفرقوا إلى سائر البلدان، وفيهم كتاب وعلماء وأدباء رحمه الله تعالى وعفى عنه، ويلقب "دحيم"، كان المترجم مربوع القامة وجميل الصورة جدًا، أبيض اللون مشربًا بالحمرة، حسنًا حليمًا محببًا إلى الناس، ولد في سنة ألف وثلاثمائة وأربع عشرة، وتوفى عن عمر يناهز الثالث والثلاثين، وكان من خيرة تلامذة الشيخ عمر بن محمد بن سليم، وقد لازمه في الحضر والسفر، وله همة في طلب العلم النافع السعي في تحصيله، ولديه كتب كثيرة قد استحصلها، وكان جهوري الصوت، حسن القراءة إذا أخذ في القراءة، وددت أن لا يسكت لفصاحته وجودة لفظه وتولى قضاء إحدى الجهات الحجازية، وكان قتله غيلة، نسأل الله العافية، وكان مسكنه في مدينة بريدة.