المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما جرى على أهل جدة من الضيق وانحلال الحكومة الهاشمية - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٣

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1340 ه

- ‌ذكر همة عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل

- ‌ذكر آل عائض وما جرى منهم

- ‌ذكر التعريف بعسير وجباله

- ‌ذكر هزيمة آل عائض

- ‌ثم دخلت سنة 1341 ه

- ‌ذكر مؤتمر العقير

- ‌ذكر ما جرى من أهل العراق ومن التجأ إليهم من العشائر

- ‌ثم دخلت سنة 1342 ه

- ‌ذكر مؤتمر الكويت

- ‌ذكر الخلافة وما استقبل به الحسين في عمان من الاحتفال

- ‌سنة الغرق في القصيم

- ‌ثم دخلت سنة 1343 ه

- ‌ذكر غزوة البلقا وما جرى للإخوان حين وصلوا أبواب عمان

- ‌ذكر فتح الطائف سنة 1343 ه

- ‌ذكر أعيان المقتولين في هذه الحرب العمياء

- ‌ذكر واقعة الهدى

- ‌ذكر خلع الحسين بن علي

- ‌أعمال الحزب الوطني وتدابيره

- ‌ذكر فتح مكة الرعب الذي ألقى الله في قلوب أهلها

- ‌الإشارة إلى الكتب المتبادلة بين الفريقين وجهود ضائعة

- ‌سفر الحسين إلى العقبة

- ‌ذكر سفر صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى الحجاز

- ‌كيفية ذلك السفر الميمون

- ‌ذكر قدوم ابن سعود إلى مكة

- ‌ذكر الإشاعات المكذوبة على الإخوان قبل ذلك

- ‌أعمال ابن سعود لتموين مكة

- ‌ذكر المفاوضات بين ابن سعود ووسطاء الصلح

- ‌ذكر حرب جدة

- ‌الحكومة السعودية وإجراء تدابيرها للحرب

- ‌ذكر قوى الفريقين

- ‌ذكر وقعة المصفحات

- ‌ذكر الحرب والحصار للسواحل الحجازية

- ‌ذكر نقل الحسين بن علي من العقبة

- ‌ثم دخلت سنة 1344 ه

- ‌ أجابه ابن سعود بما نصه

- ‌ذكر عقد الاتفاقيتين وإبرام المعاهدتين

- ‌وهذه اتفاقية حداء وهي بين نجد وشرقي الأردن

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشرة:

- ‌المادة الثانية عشرة:

- ‌المادة الثالثة عشرة:

- ‌المادة الرابعة عشرة:

- ‌المادة الخامسة عشرة:

- ‌المادة السادسة عشرة:

- ‌ذكر تسليم المدينة المنورة

- ‌ذكر ما جرى على أهل جدة من الضيق وانحلال الحكومة الهاشمية

- ‌ذكر ما جرى من التدابير بعد فتح جدة

- ‌ بلاغ عام

- ‌ذكر البيعة والنداء لابن سعود في العالم بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها

- ‌ثم دخلت سنة 1345 ه

- ‌ قد اتفق صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود، وصاحب السيادة إمام عسير السيد الحسن بن علي الإدريسي على عقد المعاهدة الآتية:

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشرة:

- ‌ اتفق حضرة الأمير "فيصل بن عبد العزيز" وحضرة "السر جلبرت كلايتون" على المواد التالية:

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشرة:

- ‌ثم دخلت سنة 1346 ه

- ‌ذكر تأسيس دار الكسوة

- ‌ذكر ثورة الدويش وأتباعه من البدو المغترين

- ‌التعريف بالدويش

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌وفاة الأمير عبد الرحمن الفيصل

- ‌ذكر مؤلفاته

- ‌ثم دخلت سنة 1347 ه

- ‌ذكر تصميم صاحب الجلالة على القتال

- ‌ذكر وقعة السبلة سنة 1347 ه

- ‌ذكر انتفاض الدويش، عياذًا بالله

- ‌إضاءة المسجد الحرام بالكهرباء

- ‌ثم دخلت سنة 1348 ه

- ‌تنبيه

- ‌ذكر التجاء الدويش إلى الكفار وتشديد ابن سعود في طلبه

- ‌ذكر تحقيق الطلب والأتيان بالدويش وصاحبيه بالرغم من كل واحد

- ‌ذكر أشياء عجيبة وأمور غريبة في عدم قبول المخترعات الحديثة

- ‌وفاة أمير بريدة

- ‌ذكر التقاء الملكين 1348 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1349 ه

- ‌وفيها وفاة الشيخ سعد بن عتيق قدس الله روحه

- ‌ذكر مشايخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الذين أخذوا عنه من العلماء والأحبار

- ‌وممن توفى فيها من الأعيان الشيخ سليمان بن سحمان صاحب الردود والشعر الحسن رحمة الله عليه

- ‌ذكر ما جري عليه من الامتحان وثقته بالله الواحد الديان

- ‌ذكر مؤلفاته رحمه الله

- ‌ذكر تلامذته ووفاته

- ‌ثم دخلت سنة 1350 ه

- ‌ذكر ثورة الأدارسة وابن رفادة

- ‌ثم دخلت سنة 1351 ه

- ‌ذكرى القضاء على هذه الثورة وإخمادها

- ‌ذكرى ما لقيه وفد ابن سعود من الإهانة

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان ففيها وفاة الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم

- ‌صفته وأخلاقه

- ‌ذكر شيء من أجوبته وفوائده

- ‌ذكر ورعه وزهده

- ‌ذكر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وحلمه وعفوه وسعة رأيه

- ‌المملكة العربية السعودية علي أثر حادثة ابن رفادة وما صنعه المغرضون

- ‌الاعتداء على الحجر الأسود

- ‌ثم دخلت سنة 1352 ه

الفصل: ‌ذكر ما جرى على أهل جدة من الضيق وانحلال الحكومة الهاشمية

ولما كان في صباح اليوم 19 من جمادى الأولى الموافق ليوم السبت 5 ديسمبر 1925 م، سلمت المدينة المنورة بعد حصار دام عشرة أشهر واستراح أهلها من الحصار ودخلت تحت ولاية ابن سعود وقد استقبل أهلها الأمير محمَّد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود فدخلها وأم المسجد النبوي فصلى وسلم على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه ثم غادر المسجد إلى دار الحكومة وبعد التحية والاستقبال وزع على أهلها ألف كيس من الأرز وألفي كيس من الدقيق بعث بها صاحب الجلالة والده إسعافًا لهم من المجاعة التي ذاقوا مرارتها وقت الحصار.

‌ذكر ما جرى على أهل جدة من الضيق وانحلال الحكومة الهاشمية

قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، وقال جل ذكره:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، وقال عز من قائل:{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، فنقول عم أهلها ضيق وعسر وشدة وانسدت منافذها من كل الوجوه وأصبح أهل جدة قد عمهم الضنك والبؤس وازداد العسر من كل الوجوه فكانوا في شر حال قد ضرب البوار أطنابه في الجنود وأصبحوا لا مال ولا ذخيرة ولا زاد يكفي لحفظ جند ولا مال في الأسواق ولا آمال تروح القلوب، وإذا كان الحجاز على ما يعمله كل من له دراية به مورده الحجاج فيه يعيش وبه يتحرك ويقوم فما بالك بأمة لم تروجه الحاج سنة ونصفًا وانقطعت عنها الأسباب وامتنع عنها ورود الرزق كيف تكون حالتها وكيف تعيش أمة هذه حالتها وصفتها على أن الملك عليًا لم ينظر إلى هذا كله بل لبث ينهب أموال الأهالي من أرزاق ودراهم وخشب، فيومًا ترى الضرائب، ويومًا ترى طلب الأرزاق إجباريًا، وطورًا يكلف الأمة أن تشتري ما تركه أبوه من عقار وأثاث، وهكذا تتشكل الضرائب على اختلاف أنواعها حتى أفقر الأمة وجعلها في حالة يرثى لها فترى البعض من أهل الطبقة الوسطى يجول في

ص: 145

الشوارع طالبًا ما يمسك الرمق ويسد الخلة، فكيف الفقراء الضعاف مع أن لدى وزرائه ورؤساء ديوانه المال الذي يكفيه هو وجنوده فلو أخذ منهم لما وقع عليه اللوم لأنهم لم يغتنوا إلا منه ولم يربحوا إلا باسمه.

ولما قلت المرتبات على الجند بدأ يقترض من التجار ثم لما أقرضوا ولم يوفوا ديونهم أبوا أن يقرضوا، ولما لم يجد الجند ما يسد به حاجته قاموا ينهبون كل ما يجدونه أمامهم ثم وجهوا قوتهم إلى محال الناس الخالية من السكان فكسروها وأخذوا أخشابها مما تحتويه من سقف وجدر وأرض وباعوها حتى خربوا محلات تبلغ قيمتها عشرين ألف جنيه وبعد ما نفد ما لدى الجند ولم يروا حيلة يقدرون عليها شرعوا يشحذون فتراهم في الشوارع زرافات ووحدانًا، ثم طالبوا ولاة أمورهم بمرتبهم فلم يلبوا فصاحوا وناحوا فلم يجابوا، فلما ضاقت صدورهم توجهوا بسلاحهم إلى دار الملك علي وبدءوا يطلقون الرصاص ليرهبوه وذلك بعد ما اضطر لبيع سيفه وملبوساته لتأمين نفقة بيته فخاف الملك ونزل إليهم ووعدهم لمدة أسبوع ولكنه لم يف فثار الجند من الجبهة الحربية في 13 جمادى الأولى ودخلوا البلدة وجالوا في الأسواق يطلقون الرصاص فهاجت الأهالي وماجت فبين فار ومختبئ وبين واقف يشاهد ما وصلت إليه الحالة، ثم دخلوا المسجد وأغلقوا الأبواب وأخرجوا البنادق من المنافذ فأتاهم وزير الحربية تحسين باشا الفقير فهددوه بالقتل فتوسطت قناصل الدول في المسألة وأخيرًا أتى إليهم الملك علي وأرضاهم على أن يسافروا إلى بلادهم فسافروا.

فسبحان القادر الذي له الأمر كله وله الحكم كله وبيده تدابير الأشياء، وهذه والله حالة يعجب لها غير أن الأمور مرهونة لأوقاتها ولو أنهم إذ وصلوا إلى تلك المشقة خرجوا وسلموا للمتغلب إذ لا محيد لهم عن ذلك لاستراحوا، غير أن الله وهو الحكيم في أمره وخلقه يرينا ذلك ويسمعنا لنعتبر ونعترف له بالوحدانية في التدبير، {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، هذا والجنود النجدية قابعة في مكانها تدافع وتناضل غير وجلة ولا مشاغبة راضية بما يفعله ولاة أمرها.

ص: 146

ولقد كان العسر والمجاعة التي خيمت بين بيوت أهل جدة أشد عليهم من الحرب وكادت الأرزاق أن تنفد، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ثم أعلن صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن العفو العام وهو كل من كان في خدمة الحسين أو غيره هو في أمان الله إذا أراد أن يرجع إلى مكة.

وبما أن الطريق انفتحت بين أم القرى وجدة فقد أخذ يزداد عدد الفارين عن طريق الليث، ورابغ إلى أم القرى ونفر الجند إلى التمرد والعصيان خصوصًا من ضباط وجنود إذا هم أحبوا الخروج إلى معسكره، وعرض فوق ذلك المساعدة المالية على من أحب منهم السفر إلى وطنه وكان لهذا البلاغ التأثير السريع المطلوب فسرحت القيادة الهاشمية عددًا كبيرًا من الجنود الفلسطينيين وسافروا إلى العقبة وعاد الإخوان إلى معسكرهم في الرغامة وفي سفح الجبال بأمر السلطان عبد العزيز يقودهم أخوه عبد الله وابنه الأمير فيصل.

وكان صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن كثيرًا ما يقول في مجالسه الحربية التي كان يحضرها أمراء الجيش والعلماء، ثلاثة أخرتني عن الهجوم وحملتني على تفضيل الحصار على القتال وهي: الحرص على جنودي، والمحافظة على الأجانب، والفرصة المنتظرة، أضف إلى ذلك ثقته بالنتيجة المرغوبة فيما أقدم عليه كيف وقد دنت تلك الفرصة وحان وقتها، فوا أسفًا للملك علي هذه فرص النصر تنقص يومًا فيومًا والإخوان قد طوقوا بلاد جدة وجنوده يهددونه ويطالبونه بالنفقة فهل يجيء هذا اليوم بالسلم، أم بالهجوم العام هيهات لا مفر ولا محيص أين من يكشف الغمة إذ ليس في وسع أحد أن يجيب السؤال غير واحد في القيادة العامة كلها، ألا وهو السلطان عبد العزيز فلا تسأل عن حالة علي فقد كانت حواسه في اضطراب دائم وأعصابه في هياج مستمر مما كان يسمعه ويشاهده في قصره وفي حكومته وفي جنده وفي بلده كل يوم بل كل ساعة فلم ير مهربًا والحالة هذه من ذلك العمل الأخير الذي فيه راحة باله في الأقل وصون صحته وشرفه، ففكر في هذا الأسبوع ورأى أن جميع المصائب التي حلت به وبأبيه إنما جاءت من قبل أخيه عبد الله الذي

ص: 147

كان يزين لأبيه محاربة ابن سعود وقومه والاستخفاف بهم وهو الذي قال بضرورة إبعاد الحسين عن العقبة وزين له إبعاده أيضًا عن البحر الأحمر وتبين له أنه لم يقصد إلا تثبيت العقبة لنفسه، ورأى أن أخاه الثاني فيصل كان يدعو إلى مسالمة ابن سعود وينقم على سياسة والده وأخيه عبد الله ويتنبأ بكل ما حصل، وقد صارح والده بحقيقة الإنكليز وأنه لا أمل في مساعدتهم له.

ولقد حنق علي على أخويه عبد الله وفيصل لعدم اهتمامهما بأمره وتقصيرهما في إمداده بالمال اللازم لبلدتين صغيرتين هما المدينة، وجدة إذ الواجب يقضي على أخويه بمساعدته ولو من مالهما الخاص إن لم يكن في خزينة الدولة ما يؤمن حربهما، وجعل يفكر ماذا يكون مصيره إذا هو سلم البلاد لخصمه وأين يقيم ومن أين ينفق على أهله إذ لا يوجد لديه من حطام الدنيا ما يمكن أن يعتمد عليه، أيسلم نفسه إلى خصمه ابن سعود، إنها لكبيرة عليه فالموت أحب إليه أم يذهب إلى أبيه وهو أشبه بأسير في يد الإنكليز، أم يذهب إلى أخويه وقد ضنا عليه بالمساعدة في كل شيء، ثم دعا برجال حكومته واعترف أمامهم ببعد نظر أخيه فيصل وأنه قرر أن يبرق له يستفتيه في الموضوع فجاءه الرد منه يدعوه إلى تشريف العراق إلى أن تنجلي السحب وتتحسن الأحوال فتلى عليهم البرقية وأخبرهم أنه لذلك قرر السفر إلى العراق، فلما كان في مساء الثلاثاء الموافق 29 جمادى الأولى جاء إلى دار الاعتماد البريطاني يعرض على المعتمد البريطاني أن يتوسط في الصلح حقنًا للدماء ودفعًا للعسر المستحوذ على البلد والأهالي ثم ذكر له شروط الصلح والباعث له على ذلك أنه لم ير بدًا من التسليم فقبل المعتمد البريطاني هذه المهمة وأبرق إلى حكومته في الحال يستأذنها بالتوسط وبعد أن أخذ الرخصة من حكومته أرسل أحد موظفي دائرته واسمه "منشي إحسان الله" بكتاب إلى السلطان عبد العزيز، وكان السلطان قد خرج في ظهر اليوم 30 من جمادى الأولى من مكة قاصدًا مقره الحربي في الرغامة قد امتطى سيارته وتبعته الحاشية وفصيلة من الجند، فلما كان في منتصف الطريق التقى بسيارة قادمة من جدة وهي تنشر العلم البريطاني وفيها

ص: 148

رجل يلوح بالعلم الأبيض فوقفت سيارة السلطان ونزل الرجل من سيارته فإذا هو رسول المعتمد يحمل هذا الكتاب وإليك نصه:

عدد 25 جدة في 16 ديسمبر 1925 م:

حضرة صاحب العظمة السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود سلطان نجد بعد الاحترام مراعاة للإنسانية ولأجل تسهيل عودة السلام والرفاهية في الحجاز أكون مسرورًا إذا تفضلتم عظمتكم بالموافقة على مقابلتي في الرغامة غدًا يوم الخميس قبل الظهر أو بعد ذلك بأسرع ما يمكن هذا وتفضلوا بقبول وافر التحية وعظيم الاحترام.

نائب معتمد وقنصل بريطانية العظمى - وكيل قنصل جوردن

فلما وصل السلطان إلى الرغامة أجاب بهذا الجواب: الرغامة 30 جمادى الأولى 1344 هـ.

من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى سعادة المعتمد البريطاني "المستر جوردن" المفخم تحية وسلامًا قد تناولت كتابكم المؤرخ في 16 ديسمبر 1925 م وفهمت ما تضمنه وقد حضرنا لمقابلتكم في المحل الذي يخبركم به "المنشي إحسان الله" هذا وتقبلوا فائق احتراماتي.

الختم السلطان.

سمع بعض الأهالي عن وساطة القنصل الإنكليزي في الأمر فأبوا ذلك وذهبوا لدار علي واحتجوا وطلبوا أن يسلمهم البلاد وهم يسلمونها لابن سعود ولا دخل ولا وساطة لأجنبي في بلادهم فوعدهم وأخلف.

ولما كان صباح الخميس من الغد غرة جمادى الثانية في الساعة العاشرة وصل المعتمد البريطاني إلى مقر السلطان في الرغامة موضع الاجتماع وبعد ما تشرف بمقابلة السلطان قال بعد التحية: أن الحكومة البريطانية لا تزال مقيمة على الحياد في قضية الحجاز ولكنه بالنظر إلى ما تجسم من حالة جدة وبالنظر لمعرفة أن عظمتكم يفضل السلم على الحرب ويرغب في راحة المسلمين وحقن دماء الأجانب فبناء على طلب الملك علي وحكومته التسليم أتوسط في تقديم شروطه وهذا لغاية إنسانية صافية، فلما ألقيت الشروط بين يديه أقرها بعد التعديل في شيء منها.

ص: 149

اتفاقية تسليم جدة في سبعة عشر تعهدًا نسجلها أمام القارئ:

1 -

بالنظر لتنازل الملك علي ومبارحته للحجاز وتسليم بلدة جدة يضمن السلطان عبد العزيز لكل الموظفين الملكيين والحربيين، والأشراف وأهالي جدة عمومًا والعرب والسكان القبائل سلامتهم الشخصية وسلامة أموالهم.

2 -

يتعهد الملك علي أن يسلم في الحال أسرى الحرب الموجودين بجدة إن وجد.

3 -

يتعهد السلطان عبد العزيز بأن يمنح العفو العام لكل المذكورين أعلاه.

4 -

يجب على جميع الضباط والعساكر أن يسلموا في الحال إلى السلطان عبد العزيز جميع أسلحتهم من بنادق ورشاشات ومدافع وطيارات وخلافه وجميع المهمات الحربية.

5 -

يتعهد الملك علي وجميع ضباطه بأن لا يخربوا أو يتصرفوا في أي شيء من الأسلحة والمهمات الحربية جميعها.

6 -

يتعهد السلطان عبد العزيز بأن يرحل كافة الضباط والعساكر الذين يرغبون في العودة إلى أوطانهم ويتعهد بإعطائهم المصاريف اللازمة لسفرهم.

7 -

يتعهد السلطان عبد العزيز أن يوزع بنسبة معتدلة على كافة الضباط والعساكر الموجودين بجدة مبلغ خمسة آلاف جنيه.

8 -

يتعهد السلطان عبد العزيز أن يبقي جميع موظفي الحكومة الملكيين الذين يجد فيهم الكفاءة في تأدية واجباتهم بأمانة في مراكزهم.

9 -

يتعهد السلطان عبد العزيز أن يمنح الملك علي في أن يأخذ معه من الأمتعة الشخصية التي في حوزته كما في ذلك سيارته وسجاجيده وخيوله.

10 -

يتعهد السلطان عبد العزيز أن يمنح عائلة آل الحسين جميع ممتلكاتهم الشخصية في الحجاز بشرط أن هذه الممتلكات تكون فعلًا من الورثة ولا تشتمل على الأملاك الثابتة المحولة من الأوقاف بمعرفة الحسين إلى شخصه ولا على المباني التي يكون الحسين قد بناها في أثناء ملكه لما كان ملكًا على الحجاز.

11 -

يتعهد الملك علي أن يبارح الحجاز قبل يوم الثلاثاء المقبل مساء.

ص: 150

12 -

جميع البواخر التي في ملك الحجاز وهي الطويل، ورشدي، والرقمتين، ورضوى، تصير ملكًا للسلطان عبد العزيز ولكن السلطان يسمح إن لزم الأمر للباخرة "رقمتين" أن تستعمل لنقل الأمتعة الشخصية التابعة للملك علي المتنازل ثم ترجع.

13 -

يتعهد الملك علي ورجاله وسكان جدة بأن لا يبيعوا أو يخربوا أي شيء من أملاك الحكومة مثل اللنشات والسنابيك وخلافه.

14 -

يتعهد السلطان عبد العزيز أن يمنح جميع السكان والضباط والعساكر الموجودين بينبع الحقوق والامتيازات المذكورة سابقًا إلا فيما يختص بتوزيع النقود.

15 -

يتعهد السلطان عبد العزيز أن يمنح العفو للأشخاص المذكورة أسمائهم أدناه أيضًا ضمن العفو العام، وهم عبد الوهاب، ومحسن، وبكري أبناء يحيى قزاز، والشيخ محمَّد علي صالح بتاوي وإخوانه إبراهيم، وعبد الرحمن بتاوي أبناء محمَّد علي صالح بتاوي، وأبنائهم وأبناء عمهم حسن، وزين بتاوي، وأبناء محمَّد نور، والشيخ يوسف خشيرم، والشيخ عباس ولد يوسف خشيرم، والشيخ ياسين بسيوني، والسيد أحمد السقاف وعائلات وأموال جميع المذكورين آنفًا.

16 -

إن كان الملك علي أو رجاله في حال من الأحوال يخالفون أو يقصرون في تنفيذ أي مادة من المواد التي تقدم ذكرها فإن السلطان عبد العزيز لا يعتبر نفسه في تلك الحالة مسؤولًا عن تأدية ما عليه من هذه الاتفاقية.

17 -

يتعهد الطرفان السلطان عبد العزيز والملك علي أن يكف عن أي حركة عدائية أثناء سير هذه المفاوضات.

الخميس في 1 جمادى الثانية 1344 هـ الموافق 17 ديسمبر 1925 م.

الإمضاءات

أمضى هذه الاتفاقية السلطان في عصر اليوم المذكور وأمضاها علي مساءً في الساعة السادسة ليلًا، واعتبرت نافذة المفعول من ذلك الوقت، ثم مضى بعد هذه الاتفاقية ثلاثة أيام هادئة قد سادت الطمأنينة فيها.

ص: 151

ولما كان في صباح يوم الأحد الموافق 4 جمادى الثانية ركب الشريف علي زورقًا إلى الباخرة "كورن فلاور" التي أقلت والده من العقبة إلى قبرص، وعاد المعتمد في مساء ذلك اليوم إلى الرغامة ليخبر السلطان بأن الأمير عليًا في الباخرة وأنه قرر السفر إلى عدن ومنها إلى العراق، ثم إنه أحضر من الغد صباحًا "عبد الله زينل" قائم مقام جدة، وكان قد جعله علي الشريف رئيسًا للحكومة المؤقتة، وأحضر أيضًا رئيس العسكرية الضابط "صادق" فخاطب السلطان قائلًا: إن مهمته في التوسط قد انتهت وأنه يقدم رئيس الملكية، ورئيس العسكرية ليكونا مسؤولين أمام عظمته، ثم عاد الوكيل إلى جدة وظل الرئيسان عند السلطان للمذاكرة في تسليم ممتلكات الحكومة.

وقد كتب علي الشريف أشعار لقناصل الدول عن سفره وهذا نص ما كتبه، معتمد بريطانيا، معتمد السوفيت، قنصل إيطاليا، قنصل فرنسا، قنصل هولندا، قنصل إيران، قنصل مصر:

حضرة صاحب السعادة بعد التحية التكريم حبًا للسلامة وصيانة الأموال والأرواح وحقنًا للدماء وتقصيرًا لمدة الحرب التي نال البلاد منها شقاء وخرابًا وعناء رجحت الانسحاب وقررت السفر من جدة يوم الثلاثاء الموافق 6 جمادى الثانية 1344 هـ الموافق ديسمبر 1925 م، وشكلت حكومة مؤقتة أهلية لإدارة الشؤون والأمور تحت رئاسة قائم مقام جدة الشيخ "عبد الله علي رضا" مع بقاء كبار الموظفين والأهلين ولإحاطة علم سعادتكم سارعنا بتحرير 3 جمادى الآخر 44، علي ثم إنه نشر منشورًا عند سفره ذكر في هذا المنشور خطته في هذه الحرب ونحن نسوقه بحروفه، "المنشور":

إلى جيشي الباسل وشعبي الكريم إني أحمد الله حمدًا كثيرًا وأشكره شكرًا جزيلًا في السراء والضراء منذ تشرفت بالقدوم إلى هذه البلاد المقدسة مع جلالة والدي حرسه الله، وأنا أعتبر نفسي فردًا من أفرادها العاملين لخدمة وطني وبلادي وعندما قضت إرادته جل شأنه بتحول مركز البلاد من الحكومية إلى الحاكمية بنهضتها المعلومة التي نالت بها استقلالها التام ودخلت في صفوف الدول

ص: 152

المستقلة من الحقوق في الداخل والخارج بفضل جهاد أبنائها وما سفكوه فيها من الدماء الغالية كنت متنقلًا في فيافيها وصحاريها مفارقًا لأهلي وأولادي مدة بعد مدة وفرقة أشر فرقة مجاهدًا كجندي يؤدي واجباته لوطنه وبلاده وعامل لطمأنينتها وراحة سكانها متبعًا كل مسلك يوصل إلى الوفاق والاتفاق والاتحاد ما استطعت يعلم كل ذوي الفنون العالية من ذوي الاختصاص في الداخل حتى جاء اليوم الذي تنازل فيه جلالة والدي عن الأمر فكلفتموني بتولي الأمر بعده في ذلك اليوم العصيب والخطب العظيم والعدو على الأبواب وأصررتم علي كل الإصرار بالقبول ورغمًا عن إرادتي لعدم قبول هذا الأمر وتحمل أعبائه الثقيلة الخطيرة لما عرفته من فقدان كل الوسائل اللازمة لمثل هذا الموقف الشريف الرهيب وتكرر رفضي لتوليه، قبلته مستعينًا بحوله تعالى وقوته قيامًا بواجبي أمام بلادي وأهل بلادي ووطني وشعبي الكريم ومعتمدًا على غيرتكم وحبكم لبلادكم وتعهدكم بمعاضدتي ومساعدتي بالمادة والمعنى ونهضت مستمدًا من لدن العزة الأحدية العون والتوفيق مشمرًا عن ساعدي الجد مرتديًا برداء الثبات والصبر وأعددت للحرب عدتها وأحضرت كلما في إمكاني مما رأيتموه من جند وأسلحة وسهرت الليالي الطوال وصابرة هذا الحرب وما انتابها من العقبات داخلًا وخارجًا حتى فزتم والحمد لله وانهزم عدوكم من عموم ساحات القتال التي نازلكم فيها بفضل ثبات وجهاد جندكم الباسل الصادق الأمين وصبرتم يا أهل هذه البلاد معي على الكوارث وشاطرتموني في ويلاتها ومشاقها وشقاقها وخسائرها مما جعلني مديونًا لواجبكم إلى الممات ومسارعًا لإزالة هذه الحالة السيئة التي سببها العدو والذي لا ناقة له فيها ولا جمل.

وبعد أن حاولت قطعها بكل الوسائل السلمية ولم يرد عدوكم إلا أن يتملككم ويغتصب بلادكم ويقضي على استقلالكم صممت على التجاوز على عدوكم لإخراجه من بلادكم وقطع دابر هذه الحرب التي جعلت البلاد في حالة البؤس والشقاء لكن نفد كل ما في اليد من المال مما أملكه وأعنتموني وجلالة

ص: 153

والدي به، واستهلك كلما في القدرة والمستطاع ولم نجد مساعدًا على دفاعنا عن أوطاننا وبلادنا، وحرم الله المقدس، وقبر نبيه الشريف، مما حل بها لا بالمال ولا بالعمل بقوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]، إلى أخر الأمر الذي أزعجني عن إتمام واجبي أمام الله، وأمامكم وأمام جندكم الباسل وأمام بلادي العزيزة ووطني الشريف المقدس، فها أن اليوم مضطر لأن أصرح لكم بأن لهذه الاعتبارات، وحبًا في رفع ما سببته هذه الحرب الضروري من الضرر والوبال على البلاد وحقنا لما تسببه لو طالت من سفك الدماء والأنفس الغالية وفتحا للباب الذي أو صد بسببها في وجه الوفاد والقصاد رجحت الانسحاب من الحرب، ودخلت في مفاوضة تضمن السلام وتصون الحقوق لكم جميعًا، فكونوا على معلوم، فآمركم وأرجوكم تطبيق كل ما جرى عليه القرار وتنفيذه لحفظ السكينة والحقوق العمومية والشخصية، وإني أرجو لكم مستقبلًا حميدًا وراجيًا منكم الصفح عن الزلات والخطأ والهفوات، وإني أشكركم من صميم فؤادي وخصوصًا من وقف إلى الآن بهذه البلدة التي لها الصفحة البيضاء في تاريخها المجيد، بل الأمة العربية أجمع تشكركم على ثباتكم الشريف ووقوفكم الحميد ونضالكم الحسن دون استقلال بلادكم وتمتع شعبكم وتطلبكم في قضيتكم المقدسة التي لا تنسى لكم بين دفتي التاريخ، تلك القضية التي ستبقى لكم لؤلؤة بيضاء تلمع في جبين الدهر وجوهرة نقية تضيء في تاج هذا العصر، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا، وقد شكلت حكومة مؤقتة أهلية للنظر في الأمور، يرأسها قائم مقام "الشيخ عبد الله زينل" مع بقاء جميع كبار الوظفين الأهليين.

نسأله تعالى أن يلطف بنا وبعباده المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنه على ما يشاء قدير وإني أستودعكم الله وأودعكم بعينه التي لا تنام وقد قمت بواجي والله ولي ووليكم في كل حال وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.

علي بن الحسين

ص: 154