الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم كتب إلى أهل بريدة وعنيزة وإلى بعض الهجر من الأخوان أن يوافوه بألويتهم وجموعهم إلى أماكن عينها، فلما كان في 13/ 4 استقل موكبه من الرياض بما في ذلك من الفرسان وحاشيته المؤلفة من كتاب السر وبعض العلماء وفيهم من آل الشيخ العالم الشيخ عبد الله بن حسن قاضي جيشه إذ ذاك ورئيس القضاة اليوم وفيهم الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف أمامه، وقد رافقه في هذه الرحلة أخواه محمد وعبد الله وأبناه محمد وخالد وغيرهم من آل بيته ونفر من آل سبهان وآل رشيد وغيرهم من وجهاء نجد، ثم انضم إلى الموكب الشاعر عبد الرحمن بن نفيسه وراويه نجد المشهور عبد الله العجيري، وكان مع عظمته من المستشارين السوريين الدكتور محمد حمدي، ومحمد النحاس، ويوسف ياسين، وجمال الغزي.
أما الألوية التي لحقت بالموكب السلطاني في الطريق فعددها خمسة عشر لواء، خمسة ألوية من أهل القصيم من بريدة، وعنيزة، والبكرية، والمذنب، والخبراء، وهؤلاء الحضر، وعشرة ألوية من هجر دخنة، والداهنة، ونفي، والشبيكة وغيرها.
كيفية ذلك السفر الميمون
لما كانت الطرق المعروفة بين نجد والحجاز كثيرة، أقصرها من الرياض بعد الخروج من وادي حنيفة هي الطريق الجنوبية التي تبدأ من ضرمة فتمر بالركبة، مسافتها إلى مكة نحو خمسمائة ميل فإن السلطان اختار الطريق الشمالية التي تمر بالوشم وأطراف وادي السر ثم الشعراء، وهذه الطريق تزيد على الأولى نحو مائة ميل وهى مسيرة عشرين يومًا للقوافل، ومن 25 إلى 35 يومًا للجند، أما النجاب حامل البريد فيمكنه قطع مسافة ما بين الرياض والحجاز ونعني مكة بعشرة أيام، زد على ذلك في السرعة سير السيارات، فإنها تقطعها بيومين والمستعجلة بيوم واحد، وأعلى في السرعة الطائرة فإنها تقطعها بساعتين و 20 دقيقة.
فلما سار الموكب كان سيره معتدلا لا كالقوافل ولا كالجيش، وكان يقف يوما أو يومين على بعض المياة القريبة من العمران، فتجيء الوفود تسلم على الإمام وتجيء معهم في بعض الأحايين الشكايات التي كان يسمعها، ويمهد لسبيل العدالة
لأصحابها فأربعة وعشرون يوما كان سير الموكب في الطريق، وكان يمشي سيرا وسراء من الثمان ساعات إلى الخمس عشرة ساعة كل يوم ويمشي حتى في البادية بنظام عسكري.
هذا ولم يكن في هذا الموكب ما يدل على الحرب ولا أثر للحرب من صفوف وغيرها سوى النظام، ما هو إلا رهط من الناس خرجوا للسياحة يحملون في حقائبهم الكتب يطالعونها في ساعات السفر من الكتب الدينية والتاريخية للمطالعة في الليل والنهار، إذا ما طال الليل ومل الحادي تكلم السلطان ينادي العجيري وقد يكون العجيري معتزلا الركب كما هي عادة رواية نجد فيكرر أحد الرجال كلمة السلطان، العجيري يا عجيري يقدم فبحث العجيري راحلته، وبعد أن يدنو من السلطان يسلم ويشرع في القراءة إذا ما سمعته تظنه يقرأ في كتاب وإنما يقرأ عن ظهر قلب لأنه لا يحمل كتابا بل كان يحفظ الأدب والشعر من كتاب الأغاني، والكامل والبيان والتبيين والكشكول، وكان له ذاكرة وخاطر سريع، وله أدب وصوت ونطق وطريقة في الإلقاء تدهش أكبر الممثلين.
ماذا يبغي الإمام فصلا في نوادر في مكارم الأخلاق، فصلا في الشجاعة والإقدام، في البر والتقوى، وإذا ما بدا في الرواية كان كالساحر يتمشى في حدائق الأدب والشعر والتاريخ، فينقلها بأزهارها ويطيب شذاها، فتنعش الركبان وتطرد النعاس من الأجفان، وفي ساعة الأدلاج بعد أن تمشي الحملة وأمامها العلم وإلى جانبه راكب يحمل قنديلا منيرا.
قال الراوي: نسمع الصوت ينادي العجيري فيدنوا الراوية من عظمة السلطان فيرتل طائفة من الذكر ترتيلا جميلا أنيقا تكاد تعد منه حروفه، ثم يؤذن المؤذن لصلاة الفجر وبعد الصلاة والقهوة يستأنف الموكب السير فينادي السلطان أين الشيخ؟ فيليه أحد العلماء ويشرع يتلو شيئًا من القرآن، ثم بعد الضحى يدعوه ثانية أو يدعو غيره من العلماء فيسلم هذا قياد راحلته إلى خادم يقودها ويتناول من حقيبته السيرة النبوية أو صحيح مسلم، أو تاريخ ابن الأثير، أو كتاب الترغيب والترهيب، فيقرأ ساعة أو ساعتين بصوت عال يسمعه المتقدمون في الموكب
والمتأخرون، ويظل الموكب سائرًا بنظام لا يخرج في الصورة الإجمالية عنه، تتقدمه كوكبة الفرسان وتكاد أحيانا تختفي عن الأنظار، فاحرى بها أن تدعى كوكبة الكشافة؛ وبعدها علم السلطان وبعده الحملة التي فيها المؤن والأمتعة والأواني، وهي تمشي قبل الموكب السلطاني بساعة أو ساعتين فتختفي بعض الأحايين مثل كوكبة الفرسان، أما الموكب فتقدمه الإعلام ورايات الجيوش المنظمة إليه، وكلها تمشي في صف واحد، وبعدها الموكب والسلطان حينا على رأسه، وحينا في الوسط، فيسير أمامه أو وراءه الكبير والصغير بدون تمييز وبدون نظام.
وها هو ذا قد أناخ في مرات بلدة امريء القيس فجاءته الوفود من الوشم وسدير مسلمة عليه وها هو إذا جالس في فسطاطه يسمع أحد الشعراء يتلو قصيدة في مديح الإمام وانتصار جيش التوحيد في الحجاز، وها هو إذا في صراحته المعتادة يقول للشاعر: أحب سماع الشعر، ولكن نوعين منه لا أحبهما، الهجو، والغلو في المديح، ولا وقت له لدينا لنقف نبكي من ذكرى الأحباء والمنازل، ولكننا نمر في بسقط اللواء؛ والعجيري يتلو علينا شيئًا من أخبارك يا بن حجر الكندي.
فإذا تم المجلس تكلم الإمام توكلنا على الله؛ اركب يا بن مطرف، اركب يا عبد الرحمن؛ وعبد الرحمن بن مطرف هو حامل راية ابن سعود فأول من يعلو فوق راحلة في الموكب ابن مطرف، قال الراوي وها نحن بعد خروجنا من بلدة امريء القيس نشرف على أماكن نشاطرها ولو في الكتب جلال القدم والذكرى.
هذه الجبال والشعاب والمياه وضح الحمى، والنير، والخفاف قد طالما زانت في غابر الزمان قوافي الشعراء وأفسدت عيش سادة العرب، هاهنا كانت تتطاحن القبائل، وها هنا كانت تندب الشعراء المنازل والأحباب، وهو ذا (ريع الريان) ذا الشعب الخصيب الذي تخرج إليه من الشعر محط رحال التجار والقوافل بين الحجاز والقصيم والعارض وما دون الشعب الجبل الذي قال فيه جرير:
يا حبذا جبل الريان من جبل
…
وحبذا ساكن الريان من كانا
وهو الذي حن كذلك إلى لا أهله الشريف الرضي:
أيا جبل الريان إن تعر منهم
…
فإني سأكسوك الدموع الجواريا
ولا نزال مسندين مصعدين من الريان إلى وادي الرشا بين جبال شهلان والخوار فتبدو أعالي نجد في أبهى الحلل من الاخضرار، تلك البلاد التي يتغنى الشعراء بعرارها وبطيب هوائها وبفسيح أرجائها.
حنينا إلى أرض كان ترابها
…
إذا أمطرت عود مسك وعنبر
بلادكان الاقحوان بروضه
…
ونور الأقاحي وشي برد محبر
أحن إلى أرض الحجاز وحاجتي
…
خيام بنجد دونها الطرف يقصر
أما وادي الرشا فيعلو نحو ألف وأربعمائة قدم عن البحر، ونستمر مسندين فنصل إلى ماء يدعى المصلوم، وهناك التقوا بنجاب من مكة يحمل البريد إلى السلطان وفي البريد كتاب قناصل الدول الذي بعثوه إلى قواد الجيش النجدي بعثه خالد وسلطان إلى عظمة السلطان فزاد إعجاب السلطان بقدرة الله التي حملت تلك الدول على التزام جانب الحياد، هذا وقد حضرت رسل السلام في الحجاز للتوفيق بين عظمة السلطان وبين الملك علي بن الحسين؛ وحضرت الاجتماعات والمفاوضات، ولكن العاهل العظيم المتوقف على حضوره أمر المفاوضات لم يحضر ولا يعلم ما قصده هل التوجه إلى مكة، أم البقاء في العاصمة مركز الحكم في الرياض، أم كان يريد التوجه عن قريب أو بعيد ومتى يتحرك من عاصمة نجد إلى الحجاز فما كان في جدة لا في الحكومة ولا في القناصل ولا بين التجار من يستطيع أن يجيب عليها، وما كان في جدة شخص أو أحد يعرف شيئًا عن ابن سعود.
وقد كان ممن قدم لهذه الغاية المستر فلبي فكتب عند ذلك إلى أحد قائدي الجيش النجدي بمكة مستخبرًا غير أنه لم يحظ يحواب؛ وكتب أيضًا الأديب أمين الريحاني إلى القائدين كليهما فما جاء منهما جواب، ولا عاد الرسول مع أن سلطان ابن بجاد قد يتبادر إلى علمه أن الريحاني يتظاهر بصداقة ابن مسعود فرأى أمين الريحاني أن يبعث برقية إلى عبد العزيز بواسطة وكيله في البحرين، وتباحث هو
والمستر فلبي في السفر إلى الرياض برًا عن طريق الطائف لعلمها يجتمعان بعظمته في العاصمة أو في الطريق وعقدا النية على ذلك، فأبرق للقصيبي في البحرين أولا وثانيا وجاء منه الجواب برقيتين إحداهما بالعربية وهو أرسلنا برقيتك إلى الإمام والثاني باللغة الإنكليزية، قد سافر الإمام إلى الحجاز وهذه البرقية الإنكليزية أول نبأ وصل إلى جدة ينبيء بسفر السلطان، فسر به الملك علي، وسرت الحكومة والقناصل، بل سرت المدينة بأسرها، كيف لا وهو السلطان الأعظم، والرئيس الأفخم، والرجل العاقل الحكيم، فلا بد في قدوم جلالته أن تتغير الحال، ويضع حدًا لتلك الفظائع التي كانت تروى أخبارها في جدة ويتفاهم وإياه الرسل.
ثم أنه بعث السلطان عبد العزيز من مكانه كتابا إلى قناصل الدول في جدة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: السلطنة النجدية وملحقاتها في 24 ربيع الثاني 1343 هـ 22 نوفمبر 1924 م من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود إلى حضرات الكرام قناصل الدول العظام في جدة معتمد الدول البهية البريطانية، وقنصل جنرال الدول الإيطالية، ووكيل جنرال الجمهورية الفرنسية، ونائب قنصل مملكة هولندة، ووكيل قنصل شاه إيران المحترمين، بعد إهداء ما يليق بجنابكم من الاحترام نحيط علمكم بأننا أحطنا علما بكتابكم المؤرخ في 4 نوفمبر المرسل إلى أمراء جيشنا خالد بن منصور، وسلطان بن بجاد، بخصوص موقف حكوماتكم إزاء الحرب الواقعة بين نجد والحجاز، ولقد كنت أود من صميم قلبي أن تحقن الدماء، وتنفذ رغائب العالم الإسلامي الذي ذاق المتاعب في السنوات الثماني الأخيرة ولكن الشريف عليا بن الحسين بموقعه في جده لم يجعل لنا مجالا للوصول إلى أغراضنا الشريفه، ولذلك فإني حبا لسلامة رعاياكم ومحافظة على أرواحهم وأملاكهم وما قد يحدث لهم من الأضرار أحببنا أن نعرض عليكم ما يأتي.
أولًا: أن تخصصوا مكانا ملائما لرعاياكم في داخل جده أو خارجها وتخبرونا بذلك المكان لنرسل إليهم من رجالنا من يقوم بحفظهم ورعايتهم.
ثانيًا: إذا أحببتم أن ترسلوهم إلى مكة ليكونوا في جوار حرم الله بعيدين عن
غوائل الحرب وأخطارها فإننا نقبلهم على الرحب والسعة، وننزلهم المنزلة اللائقة بهم، وإننا نرجوكم أن ترسلوا كتابا طيه إلى أهل جدة حتى يكونوا على بينة من أمورهم، وإننا لا نعد أنفسنا مسؤولين عن شيء يقع بعد بياننا، هذا وتقبلوا في الختام تحية خالصة مني -الختم.
وهذا نص الكتاب الذي في طي كتاب التفاضل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، السلطنة النجدبة وملحقاتها، من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، إلى أهالي جدة كافة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فلا بد أنه بلغكم أن أغلب العالم الإسلامي قد أبدى عدم رضاه عن حكم الحجاز بواسطة الحسين وأولاده، وحبا لسيادة السلام وحقن الدماء، نعرض عليكم أنكم في عهد الله وأمانة على أموالكم وأنفسكم إذا سلكتم مسلك أهل مكة، وبالنظر إلى وجود الأمير علي بين أظهركم وخروجه عن الرأي الإسلامي، فإنا نعرض عليكم الخروج من البلد إلى مكان معين، أو القدوم إلى مكة سلامة لأرواحكم وأموالكم، أو الضغط على الشريف علي وإخراجه من بلادكم، فإن فعلتم غير ذلك بمساعدة المذكور أو موالاته فنحن معذورون أمام العالم الإسلامي، وتبعة ما قد يقع من الحوادث تكون على المسبب، والسلام الختم 24 ربيع الثاني 43 عدد 115.
ثم أرسل الكتابين إلى القناصل وأمر ثلاثة من حاشيته بأن يتقدموه إلى مكة فيطمئنون الناس، فراحوا يبشرون بقدومه وسار الموكب بعد أن اجتازوا جبل النير جنوبا بغرب إل الدفينة وهي في رأس الحرة التي تعلو نحو أربعة آلاف قدم عن البحر وفيها بقية طريق معبدة غير السكة السلطانية أي سكة زبيدة القديمة، وفي هذه الحرة أعلام منصوبة تدل على الأرض الوعرة التي لا تسلك بل تحذر القوافل من أخطارها؛ وهناك بعد أن نجتاز الحرة سالمين نجد بيوتا متهدمة في وسط بساتين من الأثل ونخيل الدوم هي مران التي وصفها ياقوت بقوله إنها قرية غناء كبيرة كثيرة العيون والآبار والنخيل، وقد كانت لبني هلال ولكنها اليوم للاضمحلال.
مررنا على مران ليلا فلم نعج على أهل آجام بها ونخيل.