الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شيء من أجوبته وفوائده
اتفق في أيامه أن امرأة عجوزًا في إحدى قرى القصيم رأت في منامها آتيًا أتاها وقال: توبوا إلى ربكم أيها الناس وصوموا من الغد، فلما هبت المرأة من رقدتها آخر الليل صاحت بالجيران ومن حولها من العامة والنساء، وأخبرتهم فصام بعض أهل القرية وأمتنع آخرون، وتحير أناس لم يتسحروا، فقام مطوع القرية وبعث رسولًا إلى الشيخ عبد الله يستفتيه بذلك، وكانت المسافة قدرًا من ميلين، غير أن الرسول استطاع أن يجعلها 15 دقيقة، فلما كان بعد طلوع الشمس إذا به يستأذن على الشيخ في بيته مرعوبًا مدهوشًا، فأخبره بالقصة وشكى إليه هذه الواقعة، فتبسم الشيخ ضاحكًا متعجبًا وقال له: يا بني أخبر قومك بأن العبادات قد شرعت على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليس عجوزكم هي المشرعة، فأخبرهم أن لا يصوموا، فرجع رسول أهل القرية يسكنهم ويبشرهم وقد وافاه الفلول في منتصف الطريق فأخبرهم هو ورجعوا مطمئنين.
وكان كلامه مقبولًا عند الناس جدًا لما له من النية الحسنة، وقد قرر التوحيد في حلق التدريس وذكر الكفرات للمسلم إذا صدرت منه فقال: من دعا الأموات كفر ومن لم يكفر الكافر فهو كافر، فتكلم جاهل من العامة مع من يليه من الحضور فقال إذًا صار التكفير هدم جدر وإلقاء حيطان، فنقل الشيخ كلامه فعرض بذلك في التدريس من الغد وقال: إن هنا أناسًا لا يقرون تكفير الكفار، وإذا لم يكفر الكفار لكفرهم فهل تكفر الجمادات، نسأل الله العافية.
وكان يعبر الرؤيا فكان إذا جاءه من يقص عليه رؤياه عبّرها إن كانت حسنة وإن رأى صاحب الرؤيا مهمومًا لا رأى قال: يا سبحان الله إذا لعب الشيطان بأحدهم في منامه لم يعلم به أحد جاء يفضح نفسه.
وكان إذا أخذ يفسر العبارات في التدريس فربما لبث نصف ساعة يذكر الأدلة وكلام العلماء على ذلك ويطيل ويسهب.
وقرأ عليه بعض الطلاب كلام الإمام ابن القيم في إساءة الظن بالله وهو الذي ذكره شيخ الإسلام وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، فأخذ في شرح العبارة وتفسيرها وأطال وأفاد وأجاد وجعلت دموعه تجري على خديه حتى رحمه من حوله ولبث أربعين دقيقة.
وقرأ عليه قارئ في فتح المجيد، فلما بلغ ذكر الشفاعة جعل يبكي ويتكلم ويأتي بالعجب العجاب حتى تقدم عن مكانه الذي هو جالس فيه، وكاد أن يصل إلى وسط الحلقة حتى خشي القارئ من أن يصل إليه.
وقرأ عليه بعض الإخوان من الطلاب بكتاب الصيب الهطال في الرد على ابن كمال، فقال رحمه الله أن الاسم مشتق من الفعل يعني الكتلاني هو مؤلف الكتاب، وكان إذا سمع الجملة تنحنح ثم شرع يتكلم.
وقرأ عليه بعض الإخوان من طلاب العلم بمسائل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن فتكلم معربًا عن فضل المؤلف ومكانته في العلم وجعل يثني عليه ويمتدحه ويذكر ما لآل الشيخ من الفضائل والمناقب التي بنوا بها ما تهدم من قواعد الإسلام وإشادة ما اندثر منها وأطال وأسهب.
وقرأت عليه في حاشية التوحيد للشيخ عبد الرحمن فلما بلغت رواه وكيع فقال: وكيع هذا هو ابن الجراح بن وكيع عالم كبير، شكى إليه الشافعي سوء حفظه فقال له اترك المعاصي، وأنت يا ولدي إن أردت طلب العلم فاترك المعاصي، اترك المعاصي إن كنت تريد طلب العلم، فإن المعاصي تمنع من تحصيل العلم، وجعل يرددها علي ويحثني على طاعة الله ورسوله فتأثرت لذلك ووجدت لكلامه وقعًا بحيث أني والله لأجد لكلامه موقعًا حتى أنه مثل العافية على الجسم السقيم.
ومهما كانت الأحوال والظروف فإن اللسان يعجز عن التعبير عما في الجنان من براعته ونبله ونصحه وإرشاده.