الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمل من ابتداء شهر المحرم إلى نهاية شهر شعبان، فإذا دخل شهر رمضان ابتدأت الإنارة بالماكنة الكبيرة تضيء الليل كله من قبل الغروب إلى الإسفار، ويستمر العمل على ذلك شهر رمضان وشوال وذي القعدة وذي الحجة، فلما استمر السير على ذلك ظهر أن الماكنة الكبيرة لا تكفي قوتها بأن تضيء ألف لمبة كما ينبغي، فصدر أمر جلالة الملك ابن سعود قدس الله روحه بأن يضم على الكهرباء عدة لمبات لوكس لأجل أن تصير الإضاءة كافية لإنارة المسجد الحرام، فضم نحو ثلاثين لمبة في قوة ثلاثمائة شمعة، واستمرت الإضاءة إلى ما سنذكره بعد ذلك إن شاء الله تعالى، وبذلك نحيط علمًا بجلالة هذا الملك العظيم وسعة تدابيره وأعماله، فما كان ليشغل باله العمران وإصلاحات الحرمين الشريفين عن طبع كتب أهل السنة، وتكبد الخسائر على ذلك عن الجهاد والقتال وإطفاء الثورات الداخلية.
ثم دخلت سنة 1348 ه
ـ
استهلت هذه السنة والدويش مقيم على العناد والتمرد، وقد عاد الكرة على المسلمين وظن أنه أصبح ذا شأن وأراد أن يكون كابن سعود أو أعظم منه، وحسده ونفس عليه ملكه، وبعث ابنه عبد العزيز إلى "لينة" للنهب والسلب والإفساد، وأصحبه بكبار مطير وبرجال آخرين شجعان حتى بلغ عددهم 709، فما رأى صاحب الجلالة عبد العزيز بن السعود صنيع عتيبة وما ارتكبته من القتل والنهب جردَّ حملةً قوية من عتيبة الموالية له وضرب بها عتيبة المعادية ضربةً دوختها، وقوى الحامية في نجد والإحساء والحجاز، ثم طفق يفكر في الوسيلة التي تمكنه من المتمرد العنيد الباغي فيصل الدويش الذي لا ينفع فيه عفو ولا إحسان، ولا يعبأ بعهد ولا ميثاق مهما كان، فلم يجد إلى القوة فهي وحدها الكفيلة بأن تقضي على الفتن والشرور، لكن كيف الحال وقد صعب أمره واجتمع على رأيه بقية أذنابه وسار ابنه عبد العزيز بتلك الجموع للإفساد والتدمير.
ولما أن بلغ عبد العزيز بن الدويش بأرذاله "لينة" لم يجدوا فيها أحدًا فغادروها
إلى الحزول فوجدوا بها إبلًا وأنعامًا كثيرة فنهبوها ومضوا فرحين بغنائمهم التي ظفروا بها بدون قتال، فلما سمع صاحب السمو الملكي عبد العزيز بن مساعد بخبرهم، وكان على "قبة" ومعه "الفرم" و"ابن نهير" خرجوا نحوهم، وكان ابن مساعد لما بلغه أمرهم لم يطق صبرًا بل نهض مجدًا في السير بجنوده، وكان أحزم الثلاثة، ولما زحف الأمير ابن مساعد بما معه من الجنود يتبع آثار الجناة الذاهبين لم يجدوهم حتى وصلوا "البشوك" فاستراحوا قليلًا ثم غادروه إلى "أم أرضمة" وأقاموا بها ثلاثة أيام يستطلعون فيها أنباء الأشرار، فلم يقفوا لهم على خبر، فاضطروا إلى مبارحتها إلى لينة، فلما كان يوم السبت 4 ربيع الثاني سار ابن مساعد بجيوشه يقطع القفار في طلب أولئك، فلما أشرف على خرق رغيب يسمى "طيارات" أبصر على البعد ولد الدويش ومن معه آيبين من الحزول معه الغنائم الكثيرة يريدون ورد "أم أرضمة" فكانت عليهم حملة شديدة وطوقهم، فدام القتال خمس ساعات، ثم انتهت المعركة بقتل عبد العزيز الدويش وجماعة ابن مشهور.
أما فرحان بن مشهور فقد كان غائبًا لحسن حظه وسلم من القتل، وقتل رجال مطير وفر الأحياء منهزمين، إلا أن الجنود والفرسان السعودية طوقتهم فقبضوا على جميعهم، وكانوا مائتين من المقاتلة، فقدموا إلى المحكمة العسكرية التي يرأسها ابن مساعد، فحكم عليهم بالإعدام ذلك بأنهم بغاة جناة عاهدوا ثم نكثوا، ثم عاهدو ثم غدروا، ثم عاهدوا ثم نقضوا وقتلوا الأبرياء، وما نفع فيهم عفو ولا صفح فأطار سيف الحق والعدالة مائتي رأس من رؤوس البغاة ليشاركوا إخوانهم في المعركة، وما نجى إلا رجلان استطاعا الفرار على فرسيهما من المعركة ومضيا إلى الدويش، تلك وقعة "أم أرضمة" التي قتل فيها سبعمائة مقاتل من الفئة الباغية، وعادت على الدويش بالخيبة والفشل.
وقد كثر الشعراء من القصيدة تهنئة الظافر في تلك الوقعات عربيًا ونبطيًا، فمن ذلك قصيدة أنشأها الأديب صالح بن عبد العزيز بن عثيمين، ومنها قصيدة نبطية طويلة أنشأها ابن زيد صاحب الداخلة، ومنه قصيدة أنشأها الأخ في الله
الشيخ عثمان بن أحمد بن بشر فقال: ومما قال الفقير إلى الله عثمان بن أحمد بن بشر تهنئة للأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي لما قتل الله على يديه ولد الدويش خبيث النية وقومه المرتدين في أم أرضمة عام 1348 هـ وقد استفصلته عنه كلمة كلمة، فذكر لي فتوى العلماء في ذلك:
لك الحمد يا مولي العطاء
…
ويا خير مرجو لكل الوسائل
لك الحمد مولانا على نصر حزبنا
…
على كل باغٍ ناقض العهد خاتل
أتانا بشيرٌ من أمير مؤيد
…
مباركٌ ميمون الشمائل فاضل
كريمٌ جوادٌ ذو تقى وشهامة
…
صبورٌ جسورٌ في اللقى ذو فضائل
وأعني به الضرغام نجل مساعد
…
أديبٌ رحيبٌ من كرامٍ أفاضل
يقود جنود المسلمين بعزمه
…
وهمته العليا إلى كل طائل
فوفقهم ربي لحزبٍ ذوي الردى
…
ذوي الزيغ والطغيان نسل الأسافل
فعدتهم سبع مئين مقاتل
…
أبادهم المولى بأسدٍ بواسل
فمنهم رئيس الشر قائد جمعهم
…
عبيد عبد العزيز ذو الخنا والدغائل
فأضحوا جثاثًا في البقاع تزورهم
…
سباع الفلا والطير خمص الحواصل
فطوبى لمن ولاه ربي قتالهم
…
يريد من المولى جزيل الفضائل
فحيهم نال السعادة والمنى
…
وعزًا وذكرًا لم يكن للأوائل
ومقتولهم نرجوا له الفوز والرضا
…
مع الشهداء حىٌّ بأعلى المنازل
فلله ربي الحمد والشكر والثناء
…
على كبت أهل الزيغ من كل خاتل
وذلك من فضل الإله وحمده
…
بطلقه مأمون السريرة فاضل
إمام الهدى عبد العزيز أخي التقى
…
إمامٌ همامٌ ماله من مماثل
إمام الهدى عبد العزيز أخي الندى
…
ثمال اليتاما عصمةً للأرامل
يصدق أقوالًا بصدق فعاله
…
ويحمي حمى السمحاء عن كل باطل
فيا رب تبقيه على الحق والهدى
…
ويا رب تكفيه سهام المقاتل
ويا رب يا مولاي يا فالق النوى
…
ويا سامع النجوى مجيب المسائل