الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعلو بها أمر الإله وشرعه
…
وتدرس من أرجائها كل بدعة
وتبدو بها لله يومًا رؤسنا
…
ملبين للمولى بحج وعمرة
وتعلو لمرضاة الإله وجوهنا
…
مهلين في لبيك من كل وجهة
نعظم فيها البيت والحرم الذي
…
بتحريمه أي الكتاب تجلت
فلأجل ذا مال الجنود لغيرة
…
فإهراضهم عن ذا لعلم وخبرة
وما ذاك من خوف الحسين وآله
…
ولا من بها من ذي جفاء وغفلة
ولكنه خوف من الله وحده
…
لتحريمه أرجاء بيت بمكة
ويا رب فاقطع من يروم جناية
…
تدس على الإسلام أدنى دسيسة
وأزكى صلاة مع سلام على الذي
…
به كان ختم الرسل خير البرية
كذا للآل والأصحاب ما قال قائل
…
لك الحمد مولانا إله البرية
ولما أن دارت الدائرة على الأمير على مرة ثانية، وفر تاركا وراءه بعض القتلى والجرحى مخلفا أجود مدافعه وسلاحه بعد أن خانه جنده وأنصاره وذلك لما رأى أقدام الإخوان والنيران مستعرة نجى بمن معه من الجنود، كما فعل في وقعة الطائف، حين أراد الأهالي الخروج منه لما رأوا قرب الخطر، فمنعهم وطمأنهم وأبدى أن لا يخرج كل الأهالي ويكون آخر من يخرج، ثم أنه فر كفعله الأول تاركا وراءه بعضا من قومه، وجميع الأهالي المساكين الذين لم يعلموا بخروجه إلا بعد ما رأوا الأيادي تلعب بهم والرؤوس تتساقط.
ذكر خلع الحسين بن علي
لما جرت واقعة الهدى وانهزم جيشه، جعل يظهر الشجاعة، ويضرم نيرانها، واستبسل لمن بقي من جيشه، ويمد حبال الأمل، ويظن أنه قادر على إخراج المتدينة وابن سعود من الطائف بل من الحجاز متى شاء، وقد طالما قال ابن سعود من الدرجة الخامسة بين أمراء العرب؛ فقال أحد رجال الديوان لما رأى من أفعال الجنود السعودية بفتكهم في الديار الحجازية يا مولاي، ومعنى الدرجة الخامسة يا مولانا هو أن ابن سعود صاعد إلينا ولم يبق بينه وبيننا غير خمس درجات أو خمس ساعات أو خمسة أيام إنما النتيجة واحدة، فقد جاء يوم الحجاز وهو المقدمة ليوم ابن سعود.
وفي نفس الوقت نشرت الصحف برقية من مكة، أن الواهبيين استولوا على الطائف، وبقروا البطون، وقتلوا الشيوخ، وسلبوا الأموال، فاستعبد المعتمد في مصر، وكان أنذاك في حل مشكلة بين الحسين والحكومة المصرية، وهم بتكذيب الخبر لأنه لم يتلق خبرا رسميا به، ولكنه رأى أن يبرق إلى الحسين مستطلعا حقيقة الأمر، فتلقى منه برقية في 27 صفر قال فيه معتمد مصر نعم هو كذلك لا تكن يا عبد الملك ممن يقعقع له بالشنان، تقدم جيشنا للهدى ستسمع ما يسرك -حسين.
ولما انهزم علي في موقعة الهدى وفر إلى بازان في أعلي مكة؛ بعث الحسين إلى معتمده برقية بتاريخ 29 صفر وهذا نصها:
رحنا يا عبد الملك، تراجع جيشنا إلى بازان، قابل المندوب السامي الإنكليزي وبلغه أننا نعتبر إعتداء ابن سعود علينا هو من جانب الإنكليز، وأني سأتولى الدفاع بنفسي عن مكة ولو حول جدار الكعبة، وأحملهم مسؤولية ذلك أمام العالم الإسلامي؛ ولقد بالغ المندوب عندما قابله المعتمد بأنه لا دخل لبريطانيا في الأمر، وتنصل من كل تلك الحوادث، وأنه كان بودها أن تسوي ما بين البلدين من خلاف فأبى قبل ذلك الحسين، وليس لها الآن شأن في الموضوع، فأبلغه المعتمد ذلك فاعتبر الحسين ذلك شماتة من الإنكليز وأجاب بقوله الله المستعان، وصمم على القتال حتى النفس الأخير.
ولما رأى أهل الحجاز تصميم الحسين على مقاتلة الوهابيين في شوارع مكة حول جدار الكعبة، تملك عليهم الذعر، وأخذوا يهربون إلى جدة ومصر وسوريا ومصوع وغيرها طلبا للنجاة وفرارا من الخطر الذي أحاط بهم حتى لم يبق في مكة أحد من ذوي اليسار، وارتفعت أجور النقل فقام أولوا الحل والعقد يفكرون في الطريقة التي يعالجون بها الموقف.
ولما كان بعد ستة أيام، كان الحسين في أثنائها يفكر أن هذا الإقدام من الوهابيين على الحجاز بإيعاز من الإنكليز لمجرد إرهابه والتأثير عليه، ليترخص في بعض مقررات النهضة، وبغض الطرف عن وعد بلفور أيد له هذه الفكرة، توقف
الوهابيين عن استمرار الزحف إلى مكة إذا به يتلقى في 4 ربيع الأول هذه البرقية التي أرسلها إليه الأشراف والعلماء والرؤساء بأجمعهم وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم صاحب الجلالة الملك المعظم بمكة، بما أن الشعب الحجازي بأجمعه واقع الآن في الفوضى العامة بعد فناء الجيش المدافع وعجز الحكومة عن صون الأرواح والأموال، وبما أن الحرمين الشريفين خاصة وعموم البلاد، مستهدفة لكارثة قريبة ساحقة، وبما أن الحجاز بلد مقدس يعني أمره جميع المسلمين لذلك قررت الأمة نهائيًا تنازل الشريف وتنصيب ابنه الشريف على ملكا على الحجاز فقط مقيدًا بدستور ومجلسين وطنيين على شريطة أن ينزل على رأي المسلمين وأهل الحجاز في تحقيق أمالهم ورغباتهم، فنرجو التكرم بتنفيذ هذه الرغبة لتضيفوا هذه المكرمة إلى سابق خدماتكم للإسلام والأمة مولاي، ثم وقع على هذه البرقية مائة وأربعون من الأعيان والكبراء، وأرسلت هذه البرقية بعد الظهر من اليوم المذكور، فدعا بابنه علي وأخذ رأيه في الموضوع، ثم أمر برئيس ديوانه فحضروا وأملى عليه في الحال برقية جوابًا للأمة وهي هذه.
مكة 540 نوفمبر 5/ 4/ 3 الساعة 3 ليلًا عدد 68 بواسطة قائم مقام جدة إلى الهيئة الموقرة مع الممنونية والشكر هذا أساس رغبتنا التي أصرح بها منذ النهضة وإلى تاريخه، وقد صرحت قبله ببضع دقائق إني مستعد لذلك بكل ارتياح إذا عينتم غير علي، وإني منتظر هذا بكل سرعة وارتياح، الإمضاء حسين؛ بعث بهذه البرقية ولكنه لم يرض المجلس بهذا الجواب، وبينما هو كذلك إذا بجرس التيلفون يقرع وإذا بالمتحدث رئيس بلدية جدة سليمان قابل أحد الموقعين يردد طلب التنازل فكبر على الحسين أن يجرؤ على مخاطبته بهذا الأمر، وانتهره قائلا أنت موظف من قبلي فلا تخاطبني بهذا الشأن، ووضع السماعة والدم يغلي في عروقه وإذا بالجرس يدق ثانيا يكلمه الشيخ محمد نصيف في التنازل عن العرش أيضًا فأجابه أنه من رجال حكومتي فلا أسمح لك بمخاطبتي في هذا الأمر.
وما كاد يلقي السماعة حتى دق الجرس فوضع السماعة على أذنه وقال
من؟ فأجابه المتحدث بلهجة صارمة: أنا سكرتير الحزب الوطني الحجازي، وهذا هو طاهر الدباغ. أجابه الحسين ماذا تريد؟ فأجابه الدباغ: مولاي بناء على المركز الحرج الذي وصلت إليه البلاد، قررت الأمة طلب تنازل جلالتكم لسمو الأمير علي، فقاطعه الحسين أنا وابني واحد، وإذا كنت أنا قد صرت عندكم بطالًا فلا بأس، ولكني لا أفهم ما القصد من هذا، أنا لا يهمني أمر الملك في أي شخص كان ولكني لا أتنازل لولدي علي أبدا، لأني إذا كنت أنا بطال فولدي بطال، الدباغ يجيب: كلا يا مولاي لا ننسب لجلالتكم شيئًا من ذلك، وإنما نريد أن نسلك سياسة غير السياسة التي سرتم عليها عسى أن نتمكن من تخليص البلاد من مأزقها الحرج، والأمة قد اجتمعت على طلب ذلك من جلالتكم، وأرجو إجابة رغبتها، أجاب الحسين: يا ابني لكم أن تفعلوا ما تشاؤن، اما أنا فلا أتنازل لولدي علي أبدًا، عندكم الشريف علي أمير مكة السابق، وأخي ناصر، وعندكم خديوي مصر عباس حلمي، وعندكم الأشراف كثيرون، اختاروا أي واحد تشاؤن، وأنا مستعد للتنازل له.
أما ولدي علي فلا يمكن لأني أنا وهو شيء واحد خيره وشره عائد لي، أجابه الدباغ: مولاي إن الأمة التي قد سهرتم على مصالحها وحرصتم على إرضائها، هي التي اختارت الأمير علي، فنرجو من جلالتكم الموافقة. أجاب الحسين: لا يمكن قطعيا، انظروا غير ابني وأنا مستعد، أجابه الدباغ: يقول سأخبر الهيئة ثم نعلم جلالتكم.
ولما بلغ الهيئة كانت هذه الهيئة ذاك النهار والليل في مناقشاتها، واجتماع رأيها، وسرعة تقاريرها، وإمضاء عزمها آية من أعجب ما دون في تاريخ الشرق حتى أنها أقفلت أبواب مدينة جدة أثناء هذه المفاوضات، ليبقى الأمير علي فيها ويقبل البيعة.
ثم بعد المحادثة بالهاتف، أرسلت الأمة البرقية التالية، وفيها البلاغ النهائي والتهديد "صاحب الجلالة الملك المعظم بمكة الحالة حرجة جدا، وليس الوقت وقت مفاوضات، فإذا كنتم لا تتنازلون للأمير علي، فنسترحم بلسان الإنسانية أن
تتنازلوا جلالتكم، لتتمكن الأمة من تشكيل حكومة مؤقتة وإذا تأخرتم عن إجابة هذا الطلب فدماء المسلمين ملقاة على عاتقكم".
فما صدرت هذه النكتة تحول بعد مراجعتها في الهاتف عن رأيه وفكرته الأولى لما رأى الإمضاء تحتها، الحزب الوطني الحجازي، لم ير بدا من الجواب في هذه البرقية.
مكة في 4 ربيع الأول الساعة 4 ليلا، لا بأس قد قبلنا التنازل بكل ارتياح إذ ليس لنا رغبة إلا في سكينة البلاد وراحتها وسعادتها، فالآن عينوا لنا مأمورين من هنا يستلمون البلاد بكل سرعة ونحن نتوجه في الحال، إذا تأخرتم ووقع حادث فأنتم المسؤولون، والأشراف عندكم كثير، أرسلوا واحدا منهم أو من سواهم، علاوة على هذا إذا قبل منكم على الأمر عينوه رأسا الحسين.
ثم أبرق إلى معتمده بمصر، يقول: أن أصحابك يعني الإنكليز لم يرضهم أن على الملك ورغبوا في تعيين ابننا علي، فلا بأس، اعتمدوا ما يأتيكم منه حسين.
وما كادت الأمة تتلقى تنازله حتى بعثت إليه هذه البرقية، في 5/ 3 صاحب الشرف الأسمى الشريف حسين المعظم برقيتكم رقم 17 بحمد الله، ومساعي مولاي، قد تمت البيعة لجلالة نجلكم المعظم، وقد فاوض جلالته من يلزم في استلام البلاد، وإدارة شئونها فالمنتظر من مولاي مبارحتها بكل احترام تهدئة للأحوال.
وكتب الحزب الوطني هذا الخطاب الآتي: إلى حضرت صاحب الجلالة الملك علي بن الحسين المعظم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد بناء على طلب الأمة قد تنازل جلالة والدكم بموجب البرقية رقم 19 المؤرخة في 4 ربيع الأول، وقد قررت الأمة نهائيا البيعة لجلالتكم مالكًا دسوريًا على الحجز فقط، وأن يكون للبلد مجلس نيابي وطني وقانون أساسي، تضعه جمعية تأسيسية، كما هو جاري في الأمم المتمدنة، وبما أن الوقت ضيق يضيق الآن دون تأسيس المجلس النيابي الوطني، فقد قررت الأمة أن تشكل هيئة لمراقبة أعمال الحكومة، وإنا نبايعكم على ذلك وعلى كتاب الله وسنة رسوله.
وقد وقع على هذا الخطاب جمع من الحاضرين، بصفتهم أعضاء الحزب الوطني الذي تقرر فيما بينهم وحمله إلى علي، وكان إذ ذاك في جدة وأكدوا لجلالته البيعة بأنفسهم، ولقد تلقى الناس خبر التنازل والبيعة بكل تحفظ، ولم يصدقوا بأنها حقيقة واقعة، وذهب الكثير منهم إلى أن هذه السياسة مدبرة من الحسين إذ انه لا يزال في قصره محتفظا بكل مظاهر العظمة، إلا أن الهرج والمرج قد عمّ البلاد، وحتى أن من يحمل الغيظ والحقد على الحسين أرادوا أن يعتدوا على قصره، وينكلوا به، لما هناك من البغض الدفين، فخاف الحسين، وأبرق من الغد/ 5/ 3 برقية إلى رئيس الحزب الوطني الحجازي: يقول فيها أن الفوضى الذي ذكرتموها وقعت بداعي إشهاركم رغبة التنازل وأني لا أقبل أية مسؤولية تقع إذا لم تسرعوا اليوم، في تعيين من يتولى الأمر، لأتوجه في الحال إلى الجهة التي يختارها الباري على طريق جده، وهذا ليس هربا من أي شيء تتصورونه كلا، ثم قل كلا بل لئلا تتضاعف التصورات والظنون بنا.
ثم أنه توجه الملك علي ابن الحسين إلى مكة بعد المبايعة بيوم وبقي الحزب يفعل ما شاء من النقض والإبرام، واجتمع الملك الجديد بوالده بمكة، مرات على حساب الأمة واتفقا على وضع برنامج سيسيران عليه، غير أنه ما شيع والده ولا سار معه عند ذهابه.
ولما كان بعد أربعة أيام من قدوم علي وصلت القافلة الحاملة أمتعة الحسين إلى جدة، وفيها عشرون جملا تحمل اربعين صفحة من صفائح البترول مملوءة ذهبا، وقد قدرت على التحقيق بمائة وستين ألف ليرة، وأقام الحسين أياما في جدة، أبي أن يقابل أحدا من الناس، فأثمرت هذه العزلة بلاغا أرسله إلى فخامة رئيس وكلاء الحكومة العربية الهاشمية، وفيه يحتج على الحكومة الدستورية، ويعدد طغاوي ابن سعود، ومطامع الإمام يحيى صاحب اليمن.
وقال في بلاغه أما الحكومة الدستورية سيما في الحرمين الشريفين، فالعمل فيهما ينبذ أحكام كتاب الله وسنة رسوله، وأن العمل في البلاد المقدسة بالقوانين البشرية مما تأباه شعائر الإسلام وفرائض الدين والأخلاق الشريفة مادة ومعنى؛ ثم